اوركسترا الحذاء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • شعبان بشر
    أديب وكاتب
    • 16-01-2012
    • 22

    اوركسترا الحذاء

    كان يوما من أيام الشتاء الغائمة ، والشارع مليء بالضجيج وزوامير السيارات تزيد من الشعور بالاكتظاظ ...
    يجلس العم أبو محمد على حافة الرصيف تاركا كل الدنيا المليئة بالضجيج ورائه ، ويحرك رأسه على معزوفة يديه المليئة بالبودرة المختلطة بجميع الألوان، الأسود والبني والأحمر و الأحمر الهافت....
    يضع الزبون حذائه على المنضدة الخشبية الصغيرة، ليستلمه العم أبو محمد ماسكا بيده الخشنة فرشاته التي تتحرك بلمسات ناعمة وتداعب الحذاء بسرعة و دقة متناهية....
    لغة الإشارة هي الوسيلة للتواصل بينه وبين الزبائن، تراقب عيني العم أبو محمد الوجوه المتداخلة مع الأحذية....
    شكلت لديه تلك الصورة بورتريه الحذاء والوجه ....
    أرجل مختلفة المقاسات صغيرة ودقيقة، كبيرة ومفلطحة، كون العم أبو محمد علاقة حميمية مع الأرجل والأحذية.....
    أصبح قادرا على تكوين صورة دقيقة عن الناس من خلال أحذيتهم، يحرك رأسه طربا مع حركة يديه عند ملامسة الأحذية، ويدق على حافة المنضدة الصغيرة فيقوم الزبون بتغيير قدمه بحذاء آخر، ويستمر العم أبو محمد ملاصقا لكرسيه الخشبي عازفا موسيقاه ....
    أصبح مألوفا للجميع فشكل لوحة خلفية ثابتة كونت أحد معالم الشارع الثابتة، يعيد كتابة الأيام والأسابيع....
    العم أبو محمد لا يهمه الفيس بوك ولا التويتر ولا قناة الجزيرة ولا قناة العربية ولا القنوات التلفزيونية....
    يكتفي بتناول رغيف الخبز الحافي الممزوج برائحة الأحذية و البويات المختلفة....
    أصبحت علاقته بالمفردات صامتة، يختفي وراء كلمات الزبائن ويرد عليها بهز رأسه، يستقبل الدراهم بامتنان شديد، تحولت الحياة والناس إلى مجموعة أرجل متتالية....
    [type=374380]استغرب العم أبو محمد من شكل الحذاء الذي وضعته صاحبته على الطاولة الصغيرة، اهتز وارتبك عندما شاهد الساقين الرشيقتين اللتان تشعا بياضا وجمالا ...[/type]
    سحب فرشاته ورفع عينيه ليري أمامه سيدة جميلة يتدلى شعرها على كتفيها ويبرز فستانها مفاتن جسدها ، توقف العم أبو محمد وجمدت يداه ، تذكر فجأة أن يديه تعاملات طيلة السنين الماضية مع أرجل الذكور ولم يقم يوما برسم قدم صغير لا امرأة جميلة...
    نظرت الفتاة إلى الرجل الذي يرافقها وخاطبته بلغة أجنبية لم يفهمها العم أبو محمد ، جلست الفتاة ورفيقها قرفصا إلى الأرض مخاطبين العم أبو محمد بمجموعة من المفردات لا يفهمها......
    رد العم أبو محمد بنظرة عابسة إلى الرجل مؤشرا إلى حذائه مصحوبا برغبة ملحة للهروب وترك المكان ......
  • عبير هلال
    أميرة الرومانسية
    • 23-06-2007
    • 6758

    #2
    القصة مميزة اديبنا المبدع

    وأسلوبها بديع

    لكني حرت بقفلتها وشعرت ان هناك جملة تائهة

    من النص قبل الجملة الاخيرة

    لم يريد الهرب ؟

    لم تصل لي الفكرة

    اديبنا القدير آمل ألا يزعجك تعليقي


    لك مني أرق تحياتي أيها المبدع
    sigpic

    تعليق

    • دينا نبيل
      أديبة وناقدة
      • 03-07-2011
      • 732

      #3
      أ / رفيق المهدوي ..

      إنها الثنائية الكبيرة في هذا العالم .. ( البساطة - التعقيد ) ، أيهما يقف أمام من وأيهما يصمد في وجه الآخر ؟!

      هذا الرجل على بساطته وعفويته وخروجه إلى العالم ليقابل أحقر ما فيه ( الحذاء ) وينحني بجبهته للجميع كي يلمعها لهم على اختلاف أنواعهم وطبقاتهم .. لكن .. الجميع ينتظرونه ، يرونه مهمًا في هذا العالم الأنيق ذي الألوان الفاقعة والمتباينة ..

      هو الأصل الذي يمتلك الألوان والذي يعطي الأشياء جمالها ويعيد لها رونقها .. رغم بساطته ، بساطته في شكله ولغته ومعارفه وحياته ، حتى صار من بساطته لوحة غير مرئية معروفة سلفا .. بعيدة عن التعقيد والتصنع


      لكن حينما واجهته تلك الألوان والمتباينات من الفتاة والرجل الأجنبي .. هذا العنصر الدخيل وكأنما شيء ما في داخله تزلزل .. إذ وقف أمامهم وشعر بأن هناك ألوان غير ألوانه الجميلة التي يعمل بها .. هناك الألوان الدخيلة المصطنعة الموحية بالاستعلاء .. فكان لجوئه للهروب


      ربما لأنه يشعر بالنقص أمامهم أو لأنه قد آذته تلك التعقيدات ووجدها مقتحمة لذاته البسيطة .. وأنا أميل للرأي الثاني


      النص جميل اللغة سهلها .. الوصف جيد جدا وأعجبتني حركة الكلمات في هذا السطر التي تظهر بالتدرج .. لكن كيف يتم تنفيذها في الكتب ؟! .. وهذا الأهم

      الفكرة مميزة وتقبل التأويلات العديدة .. والتكثيف جيد كذلك ..


      أعجبتني أول مصافحة لأحد نصوصك سيدي الكريم

      تحياتي

      تعليق

      • عبير هلال
        أميرة الرومانسية
        • 23-06-2007
        • 6758

        #4
        غاليتي دينا قصة أديبنا المبدع

        رفيق رائعة للغاية ومميزة

        أعجبتني للغاية

        ومن حبي للقصة تمنيت لها قفلة مبهرة


        بقوة القصة لتوضح لنا سبب امتعاض العم أبو محمد

        طبعاً احتمالية كبيرة أن أكون مخطئة بفرضيتي

        وبتحليلي للنص ..


        أهنئك دينا على تحليلك الأكثر من رائع

        للنص فهوَ يستحق وبجدارة


        لكما مني أرق تحياتي وتقديري الكبير
        sigpic

        تعليق

        • شعبان بشر
          أديب وكاتب
          • 16-01-2012
          • 22

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة أميرة عبد الله مشاهدة المشاركة
          القصة مميزة اديبنا المبدع

          وأسلوبها بديع

          لكني حرت بقفلتها وشعرت ان هناك جملة تائهة

          من النص قبل الجملة الاخيرة

          لم يريد الهرب ؟

          لم تصل لي الفكرة


          اديبنا القدير آمل ألا يزعجك تعليقي


          لك مني أرق تحياتي أيها المبدع
          مسائك سعيد
          نعم القفلة لم تعجبني أنا كذلك ، لأنني كتبتها على عجل بدأت في كتابة النص عندما كنت مسافرا لأحد الدول العربية ولكنني قفلته اليوم وشعرت بأن القفلة لم تكن جذابة ، ولكنني قررت في النهاية أن لا أهمله كثيرا وأن أدفع به لكم ، عسى أن أجد قراءات نقدية تجعلني أتدارك الهفوات وأعيد إنتاج النص من جديد ، وتتمثل مشكلتي في كتابة النصوص أنني عادة أكتب كل النص دفعة واحدة، وإذا ما تركته تواجهني صعوبة كبيرة لإرجاعه للحياة من جديد.
          أشكرك على التعليق
          فائق التحية والتقدير

          تعليق

          • شعبان بشر
            أديب وكاتب
            • 16-01-2012
            • 22

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة دينا نبيل مشاهدة المشاركة
            أ / رفيق المهدوي ..

            إنها الثنائية الكبيرة في هذا العالم .. ( البساطة - التعقيد ) ، أيهما يقف أمام من وأيهما يصمد في وجه الآخر ؟!

            هذا الرجل على بساطته وعفويته وخروجه إلى العالم ليقابل أحقر ما فيه ( الحذاء ) وينحني بجبهته للجميع كي يلمعها لهم على اختلاف أنواعهم وطبقاتهم .. لكن .. الجميع ينتظرونه ، يرونه مهمًا في هذا العالم الأنيق ذي الألوان الفاقعة والمتباينة ..

            هو الأصل الذي يمتلك الألوان والذي يعطي الأشياء جمالها ويعيد لها رونقها .. رغم بساطته ، بساطته في شكله ولغته ومعارفه وحياته ، حتى صار من بساطته لوحة غير مرئية معروفة سلفا .. بعيدة عن التعقيد والتصنع


            لكن حينما واجهته تلك الألوان والمتباينات من الفتاة والرجل الأجنبي .. هذا العنصر الدخيل وكأنما شيء ما في داخله تزلزل .. إذ وقف أمامهم وشعر بأن هناك ألوان غير ألوانه الجميلة التي يعمل بها .. هناك الألوان الدخيلة المصطنعة الموحية بالاستعلاء .. فكان لجوئه للهروب


            ربما لأنه يشعر بالنقص أمامهم أو لأنه قد آذته تلك التعقيدات ووجدها مقتحمة لذاته البسيطة .. وأنا أميل للرأي الثاني


            النص جميل اللغة سهلها .. الوصف جيد جدا وأعجبتني حركة الكلمات في هذا السطر التي تظهر بالتدرج .. لكن كيف يتم تنفيذها في الكتب ؟! .. وهذا الأهم

            الفكرة مميزة وتقبل التأويلات العديدة .. والتكثيف جيد كذلك ..


            أعجبتني أول مصافحة لأحد نصوصك سيدي الكريم

            تحياتي
            عزيزتي دينا
            أعجبتني قراءتك التوليدية للنص ، وعادة ما أشاهد الشارع العام بنظرة مختلفة ، وأعتقد أن الحياة عبارة عن اوركسترا بنغمات هادئة وهادفة، وإذا ما تخلصنا من الضجيج الذي يحيط بنا ، ستبدو لنا الأشياء على حقيقتها، الرؤية الذكورية السائدة في مجتمعاتنا تقودنا نحو العنف والتسلط والشك بديلا عن الثقة والتمكين وأنسنة الواقع.
            ارق التحيات
            على تعليقك الرائع

            تعليق

            • وسام دبليز
              همس الياسمين
              • 03-07-2010
              • 687

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة رفيق المهدوي مشاهدة المشاركة
              كان يوما من أيام الشتاء الغائمة ، والشارع مليء بالضجيج وزوامير السيارات تزيد من الشعور بالاكتظاظ ...
              يجلس العم أبو محمد على حافة الرصيف تاركا كل الدنيا المليئة بالضجيج ورائه ، ويحرك رأسه على معزوفة يديه المليئة بالبودرة المختلطة بجميع الألوان، الأسود والبني والأحمر و الأحمر الهافت....
              يضع الزبون حذائه على المنضدة الخشبية الصغيرة، ليستلمه العم أبو محمد ماسكا بيده الخشنة فرشاته التي تتحرك بلمسات ناعمة وتداعب الحذاء بسرعة و دقة متناهية....
              لغة الإشارة هي الوسيلة للتواصل بينه وبين الزبائن، تراقب عيني العم أبو محمد الوجوه المتداخلة مع الأحذية....
              شكلت لديه تلك الصورة بورتريه الحذاء والوجه ....
              أرجل مختلفة المقاسات صغيرة ودقيقة، كبيرة ومفلطحة، كون العم أبو محمد علاقة حميمية مع الأرجل والأحذية.....
              أصبح قادرا على تكوين صورة دقيقة عن الناس من خلال أحذيتهم، يحرك رأسه طربا مع حركة يديه عند ملامسة الأحذية، ويدق على حافة المنضدة الصغيرة فيقوم الزبون بتغيير قدمه بحذاء آخر، ويستمر العم أبو محمد ملاصقا لكرسيه الخشبي عازفا موسيقاه ....
              أصبح مألوفا للجميع فشكل لوحة خلفية ثابتة كونت أحد معالم الشارع الثابتة، يعيد كتابة الأيام والأسابيع....
              العم أبو محمد لا يهمه الفيس بوك ولا التويتر ولا قناة الجزيرة ولا قناة العربية ولا القنوات التلفزيونية....
              يكتفي بتناول رغيف الخبز الحافي الممزوج برائحة الأحذية و البويات المختلفة....
              أصبحت علاقته بالمفردات صامتة، يختفي وراء كلمات الزبائن ويرد عليها بهز رأسه، يستقبل الدراهم بامتنان شديد، تحولت الحياة والناس إلى مجموعة أرجل متتالية....
              [type=374380]استغرب العم أبو محمد من شكل الحذاء الذي وضعته صاحبته على الطاولة الصغيرة، اهتز وارتبك عندما شاهد الساقين الرشيقتين اللتان تشعا بياضا وجمالا ...[/type]
              سحب فرشاته ورفع عينيه ليري أمامه سيدة جميلة يتدلى شعرها على كتفيها ويبرز فستانها مفاتن جسدها ، توقف العم أبو محمد وجمدت يداه ، تذكر فجأة أن يديه تعاملات طيلة السنين الماضية مع أرجل الذكور ولم يقم يوما برسم قدم صغير لا امرأة جميلة...
              نظرت الفتاة إلى الرجل الذي يرافقها وخاطبته بلغة أجنبية لم يفهمها العم أبو محمد ، جلست الفتاة ورفيقها قرفصا إلى الأرض مخاطبين العم أبو محمد بمجموعة من المفردات لا يفهمها......
              رد العم أبو محمد بنظرة عابسة إلى الرجل مؤشرا إلى حذائه مصحوبا برغبة ملحة للهروب وترك المكان ......
              العم أبو محمد لا يهمه الفيس بوك ولا التويتر ولا قناة الجزيرة ولا قناة العربية ولا القنوات التلفزيونية...

              هي البساطة في الحياة والسعي للقمة عيش نظيفة ولكن يدا غريبة دوما تقتحم حياتنا هنا قدم
              قدم بحذاء أنيق ناعم
              رغم ذلك وجدت أن النهاية غير مقنعة فلولا قلم مبدعتنا دينا لما توصلت إلى تفسير لا النص لم يضع خيط للوصول إلى المقصد

              تعليق

              • شعبان بشر
                أديب وكاتب
                • 16-01-2012
                • 22

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة وسام دبليز مشاهدة المشاركة
                العم أبو محمد لا يهمه الفيس بوك ولا التويتر ولا قناة الجزيرة ولا قناة العربية ولا القنوات التلفزيونية...

                هي البساطة في الحياة والسعي للقمة عيش نظيفة ولكن يدا غريبة دوما تقتحم حياتنا هنا قدم
                قدم بحذاء أنيق ناعم
                رغم ذلك وجدت أن النهاية غير مقنعة فلولا قلم مبدعتنا دينا لما توصلت إلى تفسير لا النص لم يضع خيط للوصول إلى المقصد
                أشكرك على التعليق
                لا أريد أن اعلق على القراءات المختلفة للنص لأنني لا ارغب في توجيه القارئ ضمن مسار معين، ولكنني ربما أكون غير موفق في وضع خاتمة مقنعة للنص، وذلك من خلال تعليقاتكم المتعددة، وفي المرة القادمة ربما يوفقني الحظ وأكون قادرا على نسج نص يتعدى هفواتي المتكررة.
                فائق التقدير والاعتزاز
                النص ينفصل عن صاحبه وتنتفي ملكيته للتأويلات المتعددة حال نشره ....

                تعليق

                يعمل...
                X