خربشات : الطريق لازال مغلقا ... بقلم د. مازن صافي*
قيل في سالف الزمان " إسال عن الرفيق قبل الطريق ، واسأل عن الجار قبل الدار " ، وقيل فيما قال : حين تصعد السلالم وصولا إلى شقتك في الطابع الخامس تذكر أن المفتاح في جيبك ، اليوم تغير الحال كثيرا ، أصبحت الطريق وعرة جدا والضباب يخترق الفجر ، وضوء النهار يخجل من الانبلاج ، والمفتاح لم يعد صالحا ، فالطابق الخامس أحرقته صاعقة ، وقيل أن الحريق كان بفعل فاعل ، كل الأسباب لا تهم ، الأهم أن كل الأوراق الثبوتية قد احترقت أيضا ،
أطلت النظر في وجوه العابرين إلى النهار ، لم أصافح وجها يبتسم ، الجميع منهمك ، غارق في ترتيب أوراق الحزن والمأساة والواقع الاقتصادي الذي أنهك الجميع ، جيوش البطالة لازالت نائمة ، لا مجال لأن تصحو من النوم ، فلا توجد مشاريع عمل مبكرة ، ولا توجد أعمال على الطريق ، أخيرا وجدت شابا يضحك بصوت مرتفع ، اقتربت منه ، حالة استثنائية " صيد ثمين " ، حبيبي ممكن دقيقة : الله يديم الضحكة الحلوة .. ليني لم أقولها ، يده الضخمة نزلت على وجهي ، صفعة قوية جدا ، أصابتني بالدوار وفقد الاتزان ، يا أبله ، لماذا تصفعني ، كان الجواب سريعا ، لقد تحرشت بصديقتي ودست على قدميها ، أي صديقة وأي أقدام وأي هبل هذا ، ابتعد عنه وهو لازال يقدم اعتذاره " لصديقته ..؟!" ، كنت أتمنى رؤيتها والتعرف على مقاس قدميها ولون بشرتها ، كنت أتمنى أن أصفعه ، ولكنني قررت أن أمشي الى طريقي ، الشارع مغلق ، وهذا الممر الذي يختصره وصولا إلى مكتبي مغلق أيضا ، الشوارع ممتلئة بزوار الغيوم ، والسماء رمادية حزينة ، سيارات متحركة ببطء شديد تساهم في إغلاق الممرات الجانبية ، وغيوم شبه متحركة تفرض عليَّ أن أمشي مسرعا قبل أن يداهمني مطر منهمر ، لازلت أبحث عن ذاك الرفيق الذي يمكنه أن يناقشني في كل شيء ، تعثر المصالحة ، سعادة الانقسام ، ملل الناس ، تناقض التصريحات ، توقف عجلة الحياة ، انقطاع الكهرباء ، فقر الناس ، وزيادة عدد المواليد الذكور عن الإناث ، وقصص الأطفال ، وأفضل من يبيع الفلافل في الشارع الجانبي ، وارتفاع منسوب المياه الجوفية ، وكيف تسعد الزوجة زوجها ، وكيف احترق الطابق الخامس ، وكيف يسيطر الجن والشياطين على البشر ، وأشياء أخرى ، مجرد أحاديث لن تفيد إلا في اختصار الطريق بعد إغلاق الطرق الفرعية لأسباب مجهولة ..؟!
أسئلة غريبة تداهمني .. أصعبها : لماذا تأخر تشكيل الحكومة ، التشكيل شكَّل أحلام الناس وأمنياتهم واستعداد النهار للانتصار على ضباب الفجر ... تزدحم الأسئلة .. تتحول إلى صديق " وهمي " مثل أوهام الخروج من مأساة الانقسام .. هناك قاعدة تقول " الأمان يأتي مع الازدحام ! " .. أوقفني شخص متجهم جدا وسألني : أين وجهتك يا دكتور .. رد فعل بدون ترتيب : للعمل .. ابتسم وقال ارجع دكتور لازال الطريق مغلقا حتى إشعار آخر!! .
أخيرا هناك من يبتسم في الطريق ..؟! ولازال الطريق مغلق .. !!!
· رئيس مجلس أمناء الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية / فلسطين
تعليق