ألمجروحة
قرر سالم القانوني أن يكتب قصة ضيعته التي يحبها كما يحب أبناءه ، قبل أن تلعب بها الأيادي الغريبة، فتغيّر وتبدِّل مآثرها كما يحلو لها ، ففرح القلم لأنه سينفرد بكتابة كلمات تحفظ التليد والوليد، وفرح الورق لأنه سيتشرّف بالنقش عليه، بأجمل العبارات، وأعزّ السِيَر، وتوقّع أن يُحفظ ملفوفا بالحرير في الخزائن والجوارير، بعيدا عن عثّ الورق، وقَرْض الفئران، ولهيب النيران.
وفرحت الكلمات ، وتراقصت حروفها، والحركات فوقها، كالشمعدان فوق رأس الراقصة وهي تتمايل وسط جماعة قررت أن تفقد وعيها لتنسى قرف هذا الزمن.
وفرحت الجغرافيا لأنها ستدخل التاريخ من أبوابه المشرعة، قبل أن تعبث بما تبقى منها أياد الغرباء من محتلين، ومستوطنين، ورجعيين، وانتهازيين، وسماسرة أرض وسلاح وتاريخ وبشر.
وفرح التاريخ لأنه سيحصد مكسبا، وفتحا مبينا على الأدب والجغرافيا وسائر العلوم.
وفرح الكتّاب واستبشروا خيرا لأنهم سيحظون باهتمام بعد أن همّشتهم رجعية المجتمع، وعصرنة العصر، وقِيَمُهُ وتعدادُ معاييره ومكاييله.
وفرحت المدارس لأنها ستزداد علما وأدبا، وستمتلئ رفوف مكتباتها بأمهات الكتب. وسيقبل الطلاب على المطالعة، أكثر من إقبالهم على الآيفون والإنترنيت، وسيتصالحون مع الكتب بعد عداء مرير، وانقطاع مُزْمن.
وفرح الطلاب بزيادة ثروتهم اللغوية والعلمية والتاريخية، وبتوسع معلوماتهم، وبقدرتهم على دخول المسابقات ألأدبية ضامنين الفوز وحصد الجوائز، كما يضمنه أي متطرف في هذه البلاد يترشح لوزارة، أو لرئاسة حزب أو لعضوية برلمان أو لجنة أو إي فريق رياضي.
وفرح أهل القرية لأنهم سيتذكّرون أسماء جدودهم التي استبدلها أبناؤهم، وسيحمون أصولهم وبطولاتهم وأمجادهم من الضياع.
وفرح الزعماء القدامى والجُدُد لأنهم سيملون على التاريخ كتابة أمجادهم كما يرونها، ومواقفهم كما تسرّ العدو، أكثر مما تسرّ التاريخ.
وفرح المجد لأنه سيجد من سيكتبه، ويعيد له اعتباره، ومن هو على استعداد للبس عباءته، ومن يحركه بعد جمود، ويتذكّره بعد نسيان، وليعود إلى الذاكرة بعد أن غاب عن عقول كبار السن، ورفضته الأجيال الناشئة.
وظلّت الحقيقة ساكنة، متجهمة، عابسة، كأن على رأسها الطير، لا تبدو عليها بوادر الارتياح، والفرح والسرور، ولما سئلت عن سبب تجهمها وعبوسها، تجهمت أكثر، وانزلقت من عينها دمعة، تغسل وجهها المثقل بالأصباغ والألوان.
وحين ألحّوا عليها بالسؤال، أجابت وهي تختنق ببكائها:
كيف أفرح وأنا المصلوبة كالسيد المسيح، المعذبة كالمعذبين في الأرض، على مرّ العصور، لا سند لي ولا حُطام، اتهموني أنني مرّة كالعلقم، وحادّة كالسكاكين، وجارحة، كمناقير الجوارح، وأن المجروحة، المذبوحة، المرفوعة على أعمدة المشانق، أصلب عند كتابة كل تاريخ- أيّ تاريخ!!!!
قرر سالم القانوني أن يكتب قصة ضيعته التي يحبها كما يحب أبناءه ، قبل أن تلعب بها الأيادي الغريبة، فتغيّر وتبدِّل مآثرها كما يحلو لها ، ففرح القلم لأنه سينفرد بكتابة كلمات تحفظ التليد والوليد، وفرح الورق لأنه سيتشرّف بالنقش عليه، بأجمل العبارات، وأعزّ السِيَر، وتوقّع أن يُحفظ ملفوفا بالحرير في الخزائن والجوارير، بعيدا عن عثّ الورق، وقَرْض الفئران، ولهيب النيران.
وفرحت الكلمات ، وتراقصت حروفها، والحركات فوقها، كالشمعدان فوق رأس الراقصة وهي تتمايل وسط جماعة قررت أن تفقد وعيها لتنسى قرف هذا الزمن.
وفرحت الجغرافيا لأنها ستدخل التاريخ من أبوابه المشرعة، قبل أن تعبث بما تبقى منها أياد الغرباء من محتلين، ومستوطنين، ورجعيين، وانتهازيين، وسماسرة أرض وسلاح وتاريخ وبشر.
وفرح التاريخ لأنه سيحصد مكسبا، وفتحا مبينا على الأدب والجغرافيا وسائر العلوم.
وفرح الكتّاب واستبشروا خيرا لأنهم سيحظون باهتمام بعد أن همّشتهم رجعية المجتمع، وعصرنة العصر، وقِيَمُهُ وتعدادُ معاييره ومكاييله.
وفرحت المدارس لأنها ستزداد علما وأدبا، وستمتلئ رفوف مكتباتها بأمهات الكتب. وسيقبل الطلاب على المطالعة، أكثر من إقبالهم على الآيفون والإنترنيت، وسيتصالحون مع الكتب بعد عداء مرير، وانقطاع مُزْمن.
وفرح الطلاب بزيادة ثروتهم اللغوية والعلمية والتاريخية، وبتوسع معلوماتهم، وبقدرتهم على دخول المسابقات ألأدبية ضامنين الفوز وحصد الجوائز، كما يضمنه أي متطرف في هذه البلاد يترشح لوزارة، أو لرئاسة حزب أو لعضوية برلمان أو لجنة أو إي فريق رياضي.
وفرح أهل القرية لأنهم سيتذكّرون أسماء جدودهم التي استبدلها أبناؤهم، وسيحمون أصولهم وبطولاتهم وأمجادهم من الضياع.
وفرح الزعماء القدامى والجُدُد لأنهم سيملون على التاريخ كتابة أمجادهم كما يرونها، ومواقفهم كما تسرّ العدو، أكثر مما تسرّ التاريخ.
وفرح المجد لأنه سيجد من سيكتبه، ويعيد له اعتباره، ومن هو على استعداد للبس عباءته، ومن يحركه بعد جمود، ويتذكّره بعد نسيان، وليعود إلى الذاكرة بعد أن غاب عن عقول كبار السن، ورفضته الأجيال الناشئة.
وظلّت الحقيقة ساكنة، متجهمة، عابسة، كأن على رأسها الطير، لا تبدو عليها بوادر الارتياح، والفرح والسرور، ولما سئلت عن سبب تجهمها وعبوسها، تجهمت أكثر، وانزلقت من عينها دمعة، تغسل وجهها المثقل بالأصباغ والألوان.
وحين ألحّوا عليها بالسؤال، أجابت وهي تختنق ببكائها:
كيف أفرح وأنا المصلوبة كالسيد المسيح، المعذبة كالمعذبين في الأرض، على مرّ العصور، لا سند لي ولا حُطام، اتهموني أنني مرّة كالعلقم، وحادّة كالسكاكين، وجارحة، كمناقير الجوارح، وأن المجروحة، المذبوحة، المرفوعة على أعمدة المشانق، أصلب عند كتابة كل تاريخ- أيّ تاريخ!!!!
تعليق