أخي العزيز ربيع عقب الباب مساء الخير

لا شك أن الموروث التاريخي عموماً والأسطوري خاصة. بما أنا أمام أسطورة تتمثل في كيخوت .. تعد أحد أهم مصادر الإلهام التي يمتاح منها الشاعر الحديث .. موروث غني برموزه وإيحاءاته ودلالاته وروحانياته العالية المتوائمة مع الروح الوثابة للشاعر . وبقليل من الانزياحات السياقية والتركيبية للنص يفيد الشاعر نصه برؤيا جديدة تتواءم مع فكرة النص أو مقولة القصيدة .. وأظن أن ذلك إن لم أجزم به يعمل على تحرير المخيلة الشعرية لتتجاوز الخطوط الوهيمة التي تفصل بين الوهم والواقع . وعلى غرار ذلك بين الموت والحياة والمعقول واللامعقول والشيء واللاشيء.

النص غارق في تجلياته وتصوراته حتى أننا نستشعر منه الغموض الذي يثير القارئ ثم يحثه على البحث والتنوّر .. وهذا من أساسيات القصيدة الحديثة .. سواء العمودية والتفعيلة من جهة أو النثرية من جهة أخرى. أما على المستوى الإيقاعي فلا أنكر أن الشاعر ركن اليه قبل أن يطلق لنفس العنان لتتخطى القليل بينها وبين الانفلات لحظة الكتابة أو ما يسمى باللغه (الأنفعال الشعري).

ارتبطت القصيدة بتفاصيل يومية وفلسفة وفنتازيا لحد السريالية كما حصل في هذا المقطع الذي يمكن القول أنه يحتوي على عدة مفارقات لاذعة..

نم على أقدارك ..
متململا أو ساكنا
لن يختلف شيء ..
على اللا شيء
هذي الأمة البكماء خرجت من ثياب الموت
و الطوفان ..
لم يزل في أعماقها
ألا تر الشيخ يذكي ناره
الدمية سوف تفقد شحنها ..
مهما تفنن ذاك البهلوان

الطوفان .. رمزية ذات طببيعة متجددة .. وغالباً ما يعنى به انتهاء حقبة وبدء حقبة جديدة وقد يكون في ذلك دلالة أو انعطاف ما على واقع يعيشه الشاعر ارتباطاً بـ كيخوت هذا الرجل البسيط بتكوينه الجسدي والهادئ رغم جموح مخيلته واتساع أفقه.. في نهاية المطاف يبنى بنفسه لنفسه أفقاً وعالماً جديداً بعد تخليه عن واقعه الرذي ينحدر في رتابته وتأخره لحد بغيض . .

لا أنكر أني وجدت ثمة قرابة بين هذا النص وبين نص لا تصالح للشاعر أمل دنقل.. رغم الفارق بينهما من جهة البناء الموضوعي والفكرة العامة للنص .. القرابة تتصل من جهة الواقع .. الذي يرزخ تحته الشاعر كغيره من الناس .. فهنالك من يرفض الفكرة بمجملها وهنالك من يتعايش معها رغم تخوفه من تبعياتها وانعكاسها على الذات والآخر والمجتمع..

كل المودة والتقدير