كتب مصطفى بونيف

ربيع يريد التطبيع !



اتصل بـي صديقي على الهاتف وهو يصرخ " الحقني يا موستافا، ابني سيضيع مني"..
- أي أبنائك سيضيع فأنت ما شاء الله ..عندك سبعة أولاد في عين العدو...
- ابني ربيع....
- ربيع ...؟.....أليس ربيع البغل الأوسط...؟
- نعم إنه هو بالذات، ربيع البغل....سيضيع مني ساعدني أرجوك !
ولأنني صديق العائلة، فإن صاحبي يستنجد بي لحل مشاكل بيته، ويستشيرني في كل كبيرة وصغيرة...
وما هي إلا دقائق حتى كنت في صالون صاحبي وأنا اصرخ "أين هي الحالة؟"...
حتى قال لي " يا موستافا اجلس، هي ليست حالة ولادة، إنه ابني ربيع أوقعنا في مشكلة، وأنا أعرف بأن يحبك ويسمع إلى كلامك....أرجوك تكلم معه، وحاول أن تقنعه أن يعدل عن رأيه..."
- ماذا حصل بالضبط....وما هي المشكلة؟، إياك أن تكون قضية اغتصاب...
- اسمع يا صديقي...ابني ربيع كما تعرف مدمن أنترنت وفيسبوك وتويتر، وماسنجر...
انفجرت مذهولا:" كل هذه مخدرات ابنك مدمن عليها، وأين كنت طوال هذه الفترة، ابنك يدمن على أربعة أنواع من المخدرات وأنت لا خبر؟...
- يا موستافا هذه ليست مخدرات، ولكنها مواقع أنترنت....
صرخت ...."مواقع أنترنت، يعني مواقع إباحية، لقد لاحظت أن ابنك قد فقد الكثير من وزنه، وكنت أعتقد بأنه "ريجيم"....أعوذ بالله هذا ما جنيناه من الأنترنت، التشرت في الطالع والشورت في النازل...لاحول ولا قوة إلا بالله العظيم !...
قاطعني صديقي غاضبا: " يا موستافا ارحمني وافهم كلامي هذه ليست مواقع إباحية هذه مواقع تواصل اجتماعي..."
قلت له: - افهمتك...إي نعم افهمتك...تلك المواقع التي أسقطت أنظمة في العالم العربي تونس ومصر واليمن....يعني ابنك ناشط سياسي ويريد أن يقوم بثورة..والله خير ما فعل على الأقل سيصبح من الشباب الثوار، وعضو مجلس ثورة....
- يا موستافا....ربيع لا يفهم في السياسة ارحمني واتركني اشرح لك المشكلة...
ابني ربيع تعرف على فتاة في الفيسبوك، ويتكلم معها دائما حتى توطدت العلاقة بينهما، وهو اليوم يرد أن يتزوجها....
- جميل....يا جعفر اترك ابنك يحب ويتزوج، يأتي بها من الشارع أو من الأنترنت، هذا زمنهم وليس زمننا، في زماننا كان الأب يمنع ابنته من الوقوف أمام الشباك، أما في زمانهم هذا رغم أن الشبابيك مقفولة ابنتك تباس أمامك وأنت لا خبر...
دنا مني ثم قال هامسا...."ربيع يحب فتاة اسرائيلية، تسكن في قلب تل أبيب.."
صعد الدم إلى رأسي وصرخت..." احضر لي هذا الكلب إلى هنا، أريده أمامي فورا حيا أو ميتا...".
نادى ابنه ..." يا جعفر، تعال يا جعفر عمك موستافا يريدك..."
دخل ربيع مطأطأ الرأس، يحمل في يده (الكمبيوتر المحمول)...نظرت إليه بقسوة وقلت له..."...اجلس يا كلب ...تريد أن تفضحنا وتتزوج بإسرائيلية....؟، هل هذه آخر تربيتي لك...؟...من قلة البنات..اركب في أي أتوبيس ..وستنزل منه متزوج بأربعة، وما ملكت يمينك...".
فتح ربيع الكمبيوتر وقال لي..." أنظر هذه...راشيل باخوم...."
لم أنظر إلى الشاشة من شدة انفعالي..ورحت أتكلم بحماسة "..هل نسيت يا ربيع القضية الفلسطينية ..ما فعله اليهود بإخواننا في فلسطين؟،...نسيت وعد بلفور وثورة عز الدين القسام، نسيت حرب 1948، نسيت نكسة 1967، وحرب أكتوبر 1973...هل نسيت بأن إسرائيل كانت تدعم فرنسا لقتل آبائك في الجزائر...نسيت كل هذا لتقع في حب..راش.."
حتى وقع عيني على الشاشة..فإذا بها صورة أنثى...
قلت له: - من هذه؟...
وبصوت هادئ أجابني ربيع: - إنها راشيل باخوم يا عمي...
- أليست هذه مطربة بوس الواو؟...
- تشبهها ...ولكن راشيل أحلى... !
- من حيث أنها أحلى فهي أحلى طبعا....
ضمني ربيع وقال لي متلهفا.."إني أحبها يا عمو...وإذا لم أتزوجها سأحرق نفسي..."
طبطبت على كتفه وقلت له ..."تريد أن تفعل مثل البوعزيزي، البوعزيزي أحرق نفسه وأسقط نظام حكم في تونس، وخرب بيوت أنظمة عربية كثيرة..."
تدخل والده جعفر: " يا ولدي العن الشيطان...."
قلت له:- شيطان ماذا؟ الشيطان لو رآها سيتزوجها....وما رأي أهلها يا ربيع؟
أجابني.." أهلها...قالوا لها أنت حرة....هل رأيت الديمقراطية يا عمو...؟".
كنت أنظر إلى الصورة وأتكلم... نعم يا ربيع، من حيث ديمقراطيتها، ديمقراطيتها كبيرة جدا، ليست مثل الديمقراطيات التي عندنا، عندما تجلس على الكرسي لا تقوم...وإذا قامت تكسره...
أهم شرط في الزواج هو الديمقراطية....على قدر نيتك تأخذ ديمقراطيتك.. !!.
ثم واصل ربيع وهو يحضنني بشدة....راشيل من أنصار السلام، ولا تحب الحروب...
كانت عيناي ثابتتين على الصورة..."نعم ...هي من أنصار السلام، واضح جدا من التشرت الذي تلبسه أنها واسعة الصدر، تقبل الرأي والرأي الآخر....وليس كمن عندنا تجد صدرها ضيق ولا تتحمل مجرد أن تستمع إلى الآخرين...الشخص الوحيد الذي تتسع له صدورهن هو تامر حسني....
دققت في الصورة فإذا بها تلبس تشرت وقد رسمت عليه نجمة داود الزرقاء...هنا جن جنوني وانتفضت قائلا...."ومع ذلك لن تتزوجها ...وسأكسر هذا اللاب توب على رأسك...ولن تتزوج إلا بابنة عمك الحقيقية زخروفة.....وإذا أردت أن تحرق نفسك، احرقها، راشيل أحرقت مئات الأطفال في فلسطين...".
خرج ربيع من الصالون مكسور الوجدان...يبكي بحرقة....
همست في أذن جعفر: بيني وبينك...راشيل تستاهل....وغرقنا في دوامة من الضحك....
ربيع يريد التطبيع.....ها ها ها.....

مصطفى بونيف