البحث عن مكان لدفن السيد مسعود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسن لختام
    أديب وكاتب
    • 26-08-2011
    • 2603

    البحث عن مكان لدفن السيد مسعود

    كنت أنتظر بفارغ الصبر قدوم "الأتوبيس" ليلقي بي قرب الجامعة. كانت عندي محاضرة مهمة في "علم اللاهوت". بعد طول انتظار ظهر الشبح، فرميت بنفسي داخله كبقية الحشود. صراخ وازدحام، وسب وشتم بين الركّاب..لامكان للوقوف ولو برجل واحدة. كان "الأتوبيس" يتقدّم ببطء شديد، وكانت درجة الحرارة لاتطاق. كنت أشعر بالإختناق، حتى أنني قرّرت في لحظة من اللحظات أن أقفز من النافذة ، وأنفذ بجلدي وروحي من تلك المأساة. لكني تراجعت عن قراري.. فإن قمت بحركتي الجريئة تلك ، سيتهمونني -بالتأكيد- أنني سرقت شيئا ما من أحد الركاب، وأحاول الهرب عبر النافذة. فقرّرت النزول عند أول محطة. بدأت أتقدّم بصعوبة بالغة نحو باب الخروج. كنت أقاوم أمواجا بشرية هائلة لكي أتقدّم بخطوة واحدة.. فعلا، كان الأمر لايصدّق. فجأة أثار انتباهي صندوق خشبي، ليس بالغريب عني، يحمله أربعة أشخاص على أكتافهم. أصابتني الدهشة، ولم أصدق ما رأته عيني. تساءلت في نفسي قائلا:
    -هل أنا على وعي أم سكران؟
    تأكدت أني لم أتناول شيئا يفقد العقل ذاك الزوال، فغالبا ما كنت أتناول كمية كبيرة من النبيذ ذي المفعول القوي. همس أحد الركاب في أذني قائلا:
    -سمعتهم يقولون أن حارس المقبرة منعهم من القيام بعملية الدفن;إنهم لايتوفرون على شهادة التصريح .
    تجمّدت في مكاني، ولم أنطق بكلمة. ثم أضاف الراكب، الذي كان ملتصقا بي من شدّة الإزدحام، وهو ينظر إلى النعش بفضول زائد، قائلا:
    -سمعتهم يقولون كذلك أنه توفي إثر سكتة قلبية مفاجئة، بعد سنوات عديدة من القهر والإستبداد في حق أبنائه وذويه، وكل خلق الله. إنه يدعى السيد "مسعود" والذين يحملون النعش هم أبنائه.. طالما تمنوا من الزمن أن يعجل برحيله، ويخلّصهم من طغيانه وجبروته.
    "الأتوبيس" يتقدّم وهو مكدّس بمختلف الأجساد الآدمية..أياد تقبض بقوّة بالمشاجب، وأخرى تتمسّك بالنعش تفاديا للسقوط أثناء اهتزاز "الأتوبيس" بسبب الحفر المتناثرة على طول الطريق.
    توقف "الأتوبيس" أمام مستودع الأموات. ترجّل منه الأشخاص الذين يحملون النعش، وانطلقوا مسرعين داخل المستودع.
    دفعني الفضول، لمعرفة نهاية تلك القصة الغريبة، إلى أن أقفز خارج الأتوبيس بحركة خفيفة وسريعة، غير آبه بالركّاب. تهاطل عليّ وابل من السب والشتم بسبب حركتي البهلوانية التي أزعجت كل من كان يعترض طريقي. تابعت سيري، ولم أعر أدنى اهتمام لتلك الشتائم واللعنات. انطلقت مسرعا داخل مستودع الأموات. توقف الأشخاص الذين يحملون النعش أمام مكتب الطبيب المختص. ارتكنت بزاوية مقابلة لهم، وبدأت أراقبهم دون أن ألفت الإنتباه .بدأنا ننتظر.. طال الإنتظار، ولم يظهر الطبيب المزعوم.
    تدخل طبيب آخر لحل المشكلة، شرط معاينة الجثة. فوجىء أن الجثة قد أُخد منها القلب والكبد، وأعضاء داخلية أخرى. تفاديا للمشاكل قام الطبيب بتسليم الأبناء شهادة التصريح بدفن الميّت. حُملت الجنازة على الأكتاف، وانطلق الجميع مهرولين باتجاه إحدى مقبرات المدينة. صرخ أحد المارّة قائلا:
    -ليس من السنة التعجيل بالدفن.
    ردّ علية شخص آخر بثقة عالية في النفس قائلا:
    بلى، إنه من المفروض والمؤكّد التعجيل بدفن الميت.
    تابعنا سيرنا، ولم نعرهما أدنى اهتمام. فقط اكتفيت بالردّ عليهما في قرارة نفسي :
    -لاحاجة لنا بالفتاوى..ادّخرا فتواكما لنفسيكما..أو اذهبا إلى الجحيم.
    بعد فترة، وصلنا المقبرة وهمّ أولاد السيد مسعود بالدخول. لكن الحارس منعهم من ذلك. أخبرهم بأنه تمّ إيقاف الدفن بتلك المقبرة منذ مدّة طويلة، نصحهم بالتوجه إلى إحدى المقبرات الحديثة العهد، تتواجد خارج المدينة.
    بعد أن استعاد الحاملون للنعش أنفاسهم، انطلقوا، مرّة أخرى، مهرولين باتجاه المكان المحدّد..
    أطلقت بدوري العنان لساقيّ خلفهم.. كنت ألهث من شدّة التعب، وبدأت أحس بوخز يؤلمني في باطن قدمي. تمنّيت أن تنتهي تلك التراجيديا في أسرع وقت، حتى أتمكن من العودة إلى الجامعة لحضور المحاضرة المرتقبة ذلك اليوم.
    أخيرا، وصلنا المقبرة التي دلّنا عليها الحارس. لحسن الحظ -هذه المرّة- نجح أولاد السيد "مسعود" في إيجاد قبر لوالدهم.
    وُري جثمان السيد مسعود" وانتهى أمره. لكن، بقي قلبه بكل مكنوناته..بما فيها ذاكرته.

    حسن لختام.2006مراكش
    التعديل الأخير تم بواسطة حسن لختام; الساعة 29-03-2013, 06:12.
  • ميساء عباس
    رئيس ملتقى القصة
    • 21-09-2009
    • 4186

    #2
    الأديب الرائع حسن
    مرحبا بك
    بقصة ركضت فيها معك
    جثة جثة
    قصة رائعة يالعزيز
    مازالت حروفها تتبخر
    طازجة حد الألم
    أيها المعتق بالمشاعر
    المخضرم بالألم
    كانت كوميديا سوداء من النوع الذي أحبه جداا
    سخرية ملتصقة بسواد اللحظة
    سرد ذكي
    استمتعت بها جداا
    دمت نقيا يالحسن
    وسأعلق هذا التابوت هنا وأثبته
    علنا نجد من يرفعه معنا وله ثوابا عند الله

    ميساء العباس

    الأتوبيس" يتقدّم وهو مكدّس بمختلف الأجساد الآدمية..أياد تقبض بقوّة بالمشاجب، وأخرى متمسكة بالنعش خوفا من السقوط أثناء الإهتزاز المتواصل "للأتوبيس" بسبب الحفر المتناثرة على طول الطريق.
    توقف "الأتوبيس" أمام مستودع الأموات. ترجل منه الأشخاص الذين يحملون النعش، وانطلقوا مسرعين في اتجاه المستودع.
    دفعني الفضول، لمعرفة إلى ماستنتهي إليه تلك القصة الغريبة ،أن أقفز خارج الأتوبيس بحركة خفيفة وسريعة غير آبه بالركاب . تهاطل عليّ وابل من السب والشتم بسبب حركتي البهلوانية التي أزعجت كل من كان يعترض طريقي.. تابعت سيري ولم أعر أدنى اهتمام لتلك الشتائم واللعنات. توقف الأشخاص الذين يحملون النعش أمام مكتب الطبيب المختص بالأموات.ارتكنت في زاوية مقابلة لهم، وبدأت أراقبهم دون أن ألفت الانتباه. بدأ الجميع ينتظر.. طال الإنتظار، ولم يظهر ذاك الطبيب المزعوم.
    تدخل طبيب آخر لحل المشكلة، شرط معاينة الجثة. فوجىء أن الجثة قد أُخد منها القلب والكبد، وبعض الأعضاء الداخلية الأخرى. تفاديا للمشاكل، سلّم الطبيب الأبناء شهادة التصريح بدفن الميت. حُملت الجنازة على الأكتاف، وانطلق الجميع مهرولين باتجاه إحدى مقابر المدينة. صرخ أحد المارّة قائلا:
    مخالب النور .. بصوتي .. محبتي
    https://www.youtube.com/watch?v=5AbW...ature=youtu.be

    تعليق

    • ريما ريماوي
      عضو الملتقى
      • 07-05-2011
      • 8501

      #3
      بالفعل كوميديا سوداء رهيبة...
      من حسن الحظ ان الواقع احسن
      من هذا الوضع قليلا ....
      سيغشى عليي لو وجدت تابوتا
      معي في الاوتوبيس...

      شكرا لك ... تحيتي وتقديري.


      أنين ناي
      يبث الحنين لأصله
      غصن مورّق صغير.

      تعليق

      • حسن لختام
        أديب وكاتب
        • 26-08-2011
        • 2603

        #4
        الشاعرة والأديبة الأنيقة: ميساء عباس
        أشكرك على حضورك البهي، وعلى الإطراء الجميل في حق النص
        تعليقك المتميز ترك أثرا طيبا في النفس
        أنبل المشاعر والتقدير

        تعليق

        • حسن لختام
          أديب وكاتب
          • 26-08-2011
          • 2603

          #5
          المبدعة المثابرة: ريما ريماوي
          أشكرك على اهتمامك المتواصل..يسعدني دوما حضورك الدافىء
          محبتي الخالصة

          تعليق

          • عبد المجيد برزاني
            مشرف في ملتقى الترجمة
            • 20-01-2011
            • 472

            #6
            والله يا أخ حسن نصوصك تحيرني ...
            فمن نصوص ضاربة في الروعة والإقناع، فكرة ً ولغة ً وحبكة ً ترفعك لدرجة الاحترافية ..
            إلى نصوص أقل متعة بكثير وأقل إقناعا تكاد تزحزح الانطباع الأول.
            فكرة نقل جثة داخل محمل في الأتوبيس (أو أي نقل عمومي) أظنها غير ممكنة وغير واردة بتاتا. شركات نقل الأموات أو عربات البلديات لنقل الأموات أو سيارات الإسعاف هي التي بالضرورة تتكلف بذلك.
            نقل نعش هكذا في نقل عمومي شيء لا يكون إلا في بلد تعيش أحداثا طارئة كالحرب أو الكوارث الطبيعية (زلازل، فيضانات...) فقط. والنص لا يشير إلى شيء من هذا القبيل.
            قلتُ أظن. فقد أكون على خطإ، يبقى هذا رأي يخصني ولا يُلزم أحدا في شيء.
            دمت مبدعا أخي حسن، فأنت من الأدباء المغاربة الذين أحب نصوصهم وأتمنى لهم الباع الطويل في هذا المضمار. فأغلبية الأصدقاء يتنبؤون لك بذلك.
            مودتي الصافية وكل تقديري. وعيد مبارك سعيد.
            التعديل الأخير تم بواسطة عبد المجيد برزاني; الساعة 18-08-2012, 02:36.

            تعليق

            • حسن لختام
              أديب وكاتب
              • 26-08-2011
              • 2603

              #7
              العزيز: عبد المجيد برزاني
              أهلا بك، وعيد مبارك سعيد.فيما يخص النص وفكرة نقل الجثة في الأتوبيس، تعطي للنص معنى أكثر تراجيدية،فإن حُملت الجثة داخل سيارة الإسعاف،فسيكون الحدث عاديا جدا، وهذا ما لاأريده..هناك أشياء لا تريد أن تموت أو تزول،أو لا يريدها الناس أن تموت و تزول، فيتشبّتون بها وتتشبّت هي بهم، إلى مالانهاية
              أسعدني مرورك الجميل
              مودتي الخالصة
              التعديل الأخير تم بواسطة حسن لختام; الساعة 20-08-2012, 15:23.

              تعليق

              • حسن لختام
                أديب وكاتب
                • 26-08-2011
                • 2603

                #8
                أرجو منك، صديقي عبد المجيد برزاني، أن تعيد قراءة قصيصتي المتواضعة..قمت ببعض التعديلات.هنا الخيال والتخييل فقط، وفي الأدب- بصفة عامة- نكتشف كل الإحتمالات الهائلة الموجودة في هذا العالم. أتمنى أن أكون دائما عند حسن ظنك
                محبتي، أيها الجميل

                تعليق

                • عبد الاله اغتامي
                  نسيم غربي
                  • 12-05-2013
                  • 1191

                  #9
                  مأساة حقيقية ، كتبتها في قالب حكي مرتبط الأجزاء يشد القارئ الى تتبع المراحل بحماسة وشوق ، شكرا أخي حسن على هذا الابداع ...تحياتي...
                  sigpic
                  طرب الصبا وأطل صبح أجمل*** بصفائه وزها الشباب الأكمل
                  متلهفا لقطاف ورد عاطر ***عشق الندى وسقاه ماء سلسل
                  عزف الهوى لربيعه فاستسلمت*** لعبيره قطرات طل تهطل
                  سعد اليمام بقربه مستلهما ****لنشيده نغمات وجد تهدل

                  تعليق

                  • حسن لختام
                    أديب وكاتب
                    • 26-08-2011
                    • 2603

                    #10
                    أشكرك، أخي المبدع عبد الاله، على القراءة والتعقيب الجميل
                    محبتي

                    تعليق

                    • جلال داود
                      نائب ملتقى فنون النثر
                      • 06-02-2011
                      • 3893

                      #11
                      تحياتي أستاذ حسن
                      القصة ذات حبكة درامية عالية.
                      في مضمون القصة توقفتُ عند شخصية المرحوم مسعود :

                      فهو في حياته :
                      -سمعتهم يقولون كذلك أنه توفي إثر سكتة قلبية مفاجئة، بعد سنوات عديدة من القهر والإستبداد في حق أبنائه وذويه، وكل خلق الله. إنه يدعى السيد "مسعود" والذين يحملون نعشه على أكتافهم هم أبنائه.. طالما تمنوا من الزمن أن يعجل برحيله، ويخلصهم من طغيانه وجبروته.

                      بمعنى أنه مات غير مأسوفا عليه حتى من ذريته.
                      ثم توقفت هنا مرة أخرى :

                      تدخل طبيب آخر لحل المشكلة، شرط معاينة الجثة. فوجىء أن الجثة قد أُخد منها القلب والكبد،وأعضاء داخلية أخرى.


                      يعني الجماعة أخدوا حقهم من اللحم الحى، بمعنى آخر إنطبق عليهم المثل ( اللي ما لحقش الميري ، يتْقَلّب على ترابو ) ...

                      إستمعت حقا بالقصة
                      دام يراعك.

                      تعليق

                      • يحيى البحاري
                        أديب وكاتب
                        • 07-04-2013
                        • 407

                        #12
                        أخي حسن لختام
                        قصة مشوقة قوة في الوصف والتصوير
                        أبدعت أديبنا القدير
                        تحياتي

                        تعليق

                        • حسن لختام
                          أديب وكاتب
                          • 26-08-2011
                          • 2603

                          #13
                          أخي المبدع: جلال داود
                          أشكرك على قراءتك الفاعلة والواعية.سرّني كثيرا مرورك الجميل، و حضورك الكريم
                          محبتي وكل التقدير، أيها الجميل

                          تعليق

                          • حسن لختام
                            أديب وكاتب
                            • 26-08-2011
                            • 2603

                            #14
                            صديقي المبدع الجميل: يحيى البحاري
                            شكرا جزيلا على جميل مرورك ووارف حضورك
                            محبتي وتقديري، أيها العزيز

                            تعليق

                            • اماني مهدية الرغاي
                              عضو الملتقى
                              • 15-10-2012
                              • 610

                              #15
                              يا سيدي لختام قطعت نفسي من الجري معك
                              في الأوتبيس ووراء التابوت المسعودي
                              جميل ما قراته لك هنا اتقان وسلاسة وانسدال سرد
                              اظن سأدمن حرفك ههه واظن ان ق ق ج جدا في تقهقر كبير
                              وعادت القصة القصيرة لاستعادة مكانتها من جديد
                              مودتي والتقدير
                              اماني

                              تعليق

                              يعمل...
                              X