
إلى كل حب

( كل ليلة , كل غنوة ,عالفرح كانت ,عالدمع كانت ,كتبتها كانت عشانك
العيون السود ياحبيبي بحبك ..بحبك)
كل يوم وكل ليل كانا يستهلان سهرهما الطويل بهذه المعانقة الغنائية .. لأجمل عشق لم يتسع له التاريخ
سراب.. المرأة الغارقة في ضبابها في أرجوحة قلبها الذي ماستطاع رجل أن يحتفظ به
رجال مرقوا خلف نافذة الجسد ,مزقوا شفيف الروح
كانت قديمة القلب .. معتقة الحب تتذكر حبيبها كل لحظة وإن مر عليها يوم وماسمعت حفيف صوته الذي يهز نسيج نهرها الساجي ..كانت تعتبر نفسها من المفقودين
لهذا حقولها لم تستطع أن تتفتح في قلب رجل يتسع للكثير من
الخيول , حتى نبت الشوك في قلبها لتسقط صريعة كل شرفة اعشوشبت عليها طحالب الرجال .
قفزت سراب موبخة نفسها :انسي كل مشتقات رجال ماستطاعوا أن يتركوا رائحة لو كانت مصل عبور
وكانت رياحهم خماسينية
وهذا هو يوسف حبيبك الذي يعشقك وقد أتممت السنتين في حبه
حى تناثرت تفاصيل حياتك في ذرات نفسه ...
وشوارد عشقه...
أنت الوحيدة من استطاعت أن تتربع عرش أهراماته ليتوجك للجمال.. كليبوباترا العاصي..
فهو يراك بقلبه غير كل من رآك وأحبك فائرا عشقا لوجهك وملحقاته
الوحيد من قال لك: أنت قيمة روحية كبيرة وجمال وجهك يتناغم وجمال روحك وعقلك ثم يستطرد.. غريبة
فأقفز منفعلة كعادتي :
ممم.. مالغريب ؟
بخجل يقول: الغريب أن أجد امرأة جميلة وذكية
أحاول مقاطعته مدافعة عن نسائي الرابضات ..المتربصات على ظهري
وبرخيم صوته ..بقرار رجل مهيب ماأجمله :
افهميني جيدا ,المرأة الجميلة تضلّ طريقها لإن مجتمعنا متخلف ,وعندما يرى حواء مبهرة يتجاهل عقلها ولاتراه يمتدح أو يتغنى إلا بجمالها ..فتسقط هي في فخ الغباء والخوف على مصدر احترام واهتمام الناس لها فتبذل حياتها اهتماما بجمالها دون كل ثمين وقيّم فيها
ومن حينها تقع صنما وراء صنم, وملامحها تغور وتمحى ولايبقى منها سوى الدهشة ,وحاجبين ضالّيين ,يبحثان عن رحم لفظهما قبل الآوان ,تبحث عن أطرافها لاتجد وكأنها فرخ مدمّى سقط للتو بزغبه
تقطعُ سراب انغماسهما المعتاد دائما بفصول الخليقة :نعم نعم وصلتني الفكرة والأهم من هذا كله أنك تراني جميلة الوجه والروح.
تتمتم في سرها مسائلة نفسها : لذا أتراني أحببته؟!
ويعاودها الحنين إليه : مممم ماآخبار قصتك عروس النيل ..ويجيب ببطئ عاشق مكدس بالحنين:
سأنتهي منها قريبا ,وسأعمل منها فيلما من إخراجي تدرين أن عشقي الأول كان هو الأخراج
فكيف إن كتبتها وأخرجتها ببصمتك و النيل
وعادت بي الذاكرة إلى المخرجين الأربعة اللذين تقاسموني
يكمل يوسف : ستنتهي وتقرأين وتعرفين كم أحبك وأحببتك و كم أنت عروس النيل .
آآآه من كان يصدق أن هذا العشق البركاني يعبرني من خلال أسلاك هاتف غير شاعرة, و لقائاتنا كانت في خليوي أطلق خيوله العمياء .. ذهابا وإيابا ..جوالا في ليلة مقمرة
ومن خلالهما تمشيت معه في غرف منزله الأنيق الحزن والشاعرية ,هذا البيت الذي كان يعتمر طابقه الأخير دون غيره
إنه العلو ..السماء والعشق النقي
فعرفت تفاصيل بيته .. منذ الباب يستقبله صالون شاعري بسيط ,خفيق الظلال ..أريكة لاتسمح سوى له بالجلوس والأستماع إلى الموسيقا التي يعشق , وبالنوم الذي يمقت حين يباغت النعاس وفجأة يغلق الستارة بالوجوه وينهي المشهد الذي لتوّه بدأ.
ممممممم لذا أنا عشقته وأنام على صوته حيث كان يترك لي سماعته مفتوحة حتى أقتفي أثره وأنام على صوت أنفاسه حتى امتلأت كتابا عطشا لحبيبات حياته.
كان أكثر من حبيب ..كان شيء لايشبهه أحد
كان ثلاثة أرباعي وموشور حياتي ومراياي السداسية الأعناق ..
كان كلّي حيث صودرت خفاياي منذ أن لاقت الصدود والمنع والبتر ..كلما حاولتٌ عبور المدن وكم اضطررت لأنفاقها
كنت أخاف جدا على حبنا من قناص عيون
مع أن يوسف كان يشعر بهذا ويحاول بث الطمأنينة : لاتكوني شكوكة وحذرة وسترين كيف سأتوجك عروسة النيل .
كان اليوم الأربعاء 19مارس وقد واصلنا السهر حتى صباح الجمعة حيث شاهد معنا الندى ..آخر مشهد.. حتى آخر حرف أبجدية ماعرفنا تدوينه لأروع قصة
أكملناه نورا ونارا احترقنا لتمطر بردا وسلاما لكل من يقرأ ليكون شاهدا على نيل بطرحته البيضاء الزبد
ابتدأ القصة بـ
إهداء إلى
عروس النيل ..العيون السود ..
وكم آلمني هذا الأهداء كما العنوان .. حفر عميقا في عاصي روحي.
قرأت القصة التي بعثها لي مغلفة بنهر عنيف الثورة , وملامح امرأة تشبهني بعينين وحشيتين تفترس من يفك أنوثتها الملغمة المدغّمة بألف غنّة ودمعة
ونمنا نوما عميقا كأهل الكهف ثملين فرحا وعشقا وخصوصا أن قصته ..حاز عليها بجائزة ولاقت أعجاب مدهش
نعم كيف لا وهي دمنا روحنا ..قصة كتبتنا من أخمص
النيل حتى قمة العاصي.
عانيتُ في هذه الفترة بعض ملل
لانشغاله عني وماعدت أرافقه إلا بضعة من أغنيتنا
كل ليلة
كل همسة
لكنه كان يطمأنني : هي فترة استثنائية وبعدها سأكون قد حضرت لك أجمل مفاجأة.
ولأنني أحب المفاجئات وأغلفة الهدايا -التي ورطتني غالبا بكيمياء العشق- فرحت جداا
وأكثر ماكنت أرغب من أصناف الهدايا كحقيبتي الأنثوية, وتذكرتها وتذكرت كيف رميتها خلفا لإن الطريق لم يتسع لي ومن بعدها ضاعت هويتي
ليته يعوضني عنها الآن ويهديني الحقيبة وبداخلها أحمر شفاه يموّه الفصل القاني الرابض على الشفتين بمرارة
وكم كنت أعشق الكحل الذي ينام به حبيب
ممممم .. لذا عشقته لإنه اتقن حقيبتي الأنثوية
المهم أني أتنفس الصعداء والصعيد الذي كان يقربه
أمضيت أياما نائمة ,أستيقظ قليلا أسير مغمضة, أفتح البراد أتناول خيارة, بندورة كل ماتقع عليه يدي الغافية ثم آخذ زجاجة ماء أغبها وأتابع نومي
كنت سعيدة جدا بأيام نمتها وحلمي يلتحف معي
وكذلك لأقتل الوقت ريثما يأتيني يوسف بخبر المفاجأة
وشرّعت الأحلام شرقا وغربا ..نيل وعاصي
حتى............
رن الهاتف ,وبقفزات حادة ثلاثية الجهات , رفعت السماعة : نعم ,أنا سراب ,ماذا ؟
لدي بطاقة سفر بالطائرة ,نعم , شكرا لك
أقفلت وقفزت فوق الأرائك نعم يوسف يوسف بعث لي بطاقة لأسافر مصر.
لملمت بعضي بسرعة ..حقيبة سفر مختصرة بنطالين جينز وثلاثة قمصان حمراء وبيضاء وصفراء,وثوب أسود طويل حتى الأرض فيه خطوط بيضاء بالطول سأرتديه هناك مفاجأة له لأنه يشبه الزي المصري
و..أقلعت الطائرة
رأيت الحلم عن بعد ومنزلي كم كان صغيرا تائها ومدينتي المفطومة .. بدت كأنامل تتشابك ,تسورها بالحب وتغفو على سطح العالم
آآآه مدينتي ياحمّى رجفتي .. وتأخري عن مواعيد أفراحي .
مرّ الهواء بسرعة, وقطعت طائرة الأحلام زمنا أنهى ازدحام أفكاري
فرّغت ذاكرتي من كل أشجارها , لقد اقترب سقوط الأشخاص على مسرح الواقع
هااا حبيبي , وصلت إليك , تعال غزيرا كدموعي لاتأتني متعقلا كحبات مطر أيلول يخبئ تهوره لأشجار الزيتون ..كيف ستأتي على هلعي على بردي .
نزلتُ من سلم البقاء لكن رجلين اعترضا سيري : هل أنت سراب أرد بفرح : نعم
يمد أحدهما يده يناولني رسالة :هذه لك
أفتحها بجنون نعم نعم هذا توقيعه أقرأ الرسالة :الحبيبة الأبدية أظنني قد وفيت بوعدي وسترين بنفسك النيل يحتفل بقدومك ليتوجك عروسا ماقرأانتظارها أحد ,أستقللت سيارة مسرعة وأعطيت السائق العنوان .
أصبتُ حينها برجفة وحمى البياض من شدة التوتر وبدا لي كل ماأمامي بياضا ,نزلت من السيارة وسرت باتجاه الأبنية ,وجدت البائع الذي اخبرني عنه أنه بمحاذاة البناء وانحدرت بشارع يمينا ورأيت الأبنية الجميلة التي لاتنتمي للقصور وتذكرت حين وصفها يوسف بأنها كامرأة اصطناعية كل مافيها مركّب ,والفلل تبعث بالكآبة وضحكنا ضحك طفلين معا ..حتى قطعت الذاكرة والضجة حين باغتني اسمه المطرّز بأجمل بقعة شمس , دخلت البناء ومع أن المصعد كان فارغا إلا أنني بطبيعتي أرغب أحيانا تعذيب نفسي والتوقف قليلا عند انتظار الحلم
ركضت ..ارتقيت درجة ..درجتين ..ثلاث ولهاثي وضجيجي أضاء شهوة فضول أصحاب البيوت
حتى وصلت الطابق العلوي لأجد نفسي إزاء رجل مترقب ,يلتزم مقبض الباب كحارس
هو ؟ لا.. ليس هو ..حتما ليس فحبيبي حتما ليس كما الأشياء وهذا رجل ..محض رجل كما الرجال
يرحب بي ..وهاك المفتاح سيدتي من يوسف أسلمه إياه , أخذته بفرح شاكرة له وازدادت إثارتي لتفاصيل تلك المفاجأة ..فكل تفاصيلها كانت مفاجئآت غير عادية
وضعت مفتاح الأمل بثقب الحياة , ودخلت مسرعة متسللة بخفي حنين لابتداء أجمل مشهد بكامل ألوانه القزحية
ولجت الصالون ماأجمله وهذه أريكته التي عاشت معنا كل مامضى ولأنني أعرف تفاصيل بيته , استدرت يسارا حيث كانت هناك غرفة أخبرني عنها أنه يستخدمها فقط ليضع فيها الأشياء المهملة, دخلتها وأغلقت الباب بهدوء ورائي .
فتحت حقيبتي ,وأخرجت منها الثوب الطويل المخطط بالأبيض ,وبكعب عالي العشق سرتُ مرورا بمطبخه الجميل ..ورأيت بأم قلبي فنجان قهوته الكبير المسترخي على رف المطبخ بعد أن شرب انتظاراته التعبى, وفي بضعة خطوات وصلت باب غرفة نومه المدجج رسما ..لوحة رائعة وفي منتصفها كان وجهي ويحدّه من كل الأتجاهات النيل .ارتفعت حمى رجفتي , ضربتُ الباب فانشطر نصفين .. بابين ..كل منهما يتمم لوحة الآخر ..سندريلا والنيل
تجولت عيناي بالغرفة شعرت أني في مدينة شاسعة والوقت أخذ مني سنة وعمر ,قلبي أشتد عنفا وطرقا حتى أني شعرت قلبي ماعاد يتسع لعنف نبضاتي فانفجر وهاهي أناملي ..أظافري تنبض
على السرير قميصه الأرزق ..كلوحة من التقاء السماء بصفحة نيله الساجية ..في كنف مسكنه الفرعوني المعتق بظلال الزمن اقتربت منه ..مفتوح الذراعين حملته التصقت به ..كان فارغا ومابين الكتفين ..موضع رأسه العاشق ,سقطت ورقة التقطتها مسرعة وعلى نافذة عشقه وحلمه الأزلي بالمطر القدسي المؤجل ..كان مشهد النيل من زاوية أحادية العشق مبهرا مستعصيا
لقد تعفّن الإنتظار من طول الرائحة و زجاج قلبي كاد ينكسر من دُفلى الروح , فتحت الورقة التي , مددت بنظري , يوسف على الشاطئ ملوّحا بيديه : تعالي يامجنونة .. ياعروس النيل ,هززت برأسي لكي أخلع الحلم من أمامي وأنفضه من هلوستي ,وبدأت أقرأ رسالته :
بسم الله الرحمن الرحيم ..
وهنا
تأرجح رأسي ثملا واتسعت حدقة قلبي حتى اختنق بصري
ركلتُ الكلمات مسرعة لأصل إلى لب الرسالة :
بعد أن أحضرتُ لك أجمل مفاجأة ركبت سيارتي وعلى الطريق الليلي كنت شاردا ناسيا أن أٌشعل مصباح السيارة فارتطمت بي شاحنة قذفتني ..وحين فتحت عيني متسائلا بألم مجنون يكتسح أضلاعي ورأسي : أين أنا ؟
يجيب صاحب البياض : أنت في المشفى ..في قسم العناية الفائقة بسبب
حادث مريع ,نظرتُ محاولا التحكم برأسي رأيتني كفنا.. كلي ضمادات
ماعدا خنصري والسبابة كانتا في حياة
طلبت منهم أن يبعثوا لصديقي المحامي جورج ..الذي أخبرتك عنه وعندما آتى طلبت منه أن يعطيكي المفتاح وتلك الورقة .
وهاأنا أنتزع شكك للأبد بمحبتي .
إن تحررتُ من كفني سأصعد إليك , وإن عشقني هذا الكفن فليس لي أن أقول لك ..أياعروس النيل هاهي شقتي تستقبلك وهي لك
كم كنت أتوق لرؤياك ..كنت آمل أن نبدأ أول مشهدنا على النيل لكنني ...
التوقيع ...
ركضت باتجاه النيل حتى وصلت, وبعينين وحشيتين رمقته , ورميت الورقة
بصوتي الذبيح :
( كل ليلة ..كل غنوة عالفرح كااانت ..عالغنوة كاانت
..كتبتها ..كانت عشانك)
أصرخ : أجبني , رد علي يايوسف
وصوتا من عاصي النيل يخرج حاملا
طرحة بيضاء الزبد
يقترب : العيون السود ياحبيبي
بحبك
بحبك
بحبك
محبتي
ميســــــــاء العباس
تعليق