
كلما حل فصل الصيف, يضيق صدره حرجا كأنما يصعّد الى السماء, فمثله لا يعرف العطل, ولا السياحة, ولا السمر ولا السهر, كل ليلة هي مقدمة ليوم شاق من العمل, وليس أقسى على أعصابه من حلول هذا الليل, فرغم قصر زيارته الا أن لسانه سليط كسياط الجلاد, نباح الكلاب فوق أسطح الديار لا يكاد ينقطع, وكأن الكلاب تردد أغنية مقدسة كل ليلة, ويختلط مع نباح الكلاب نباح بشري شاذ, حديث هذا النوع من البشر يتغير فجأة في الليل الى صراخ وعويل وعواء, وتمتزج مع كل هذا الكم من الفوضى نوتة بعيدة للمخمورين تزداد حدة بالتدرج حتى تكاد تلمس طبلة أذنيه, وعندما يستلقي على فراشه تحضر نوتة جديدة تمنع عن جفنيه زيارة النعاس, فالشارع الذي يسكنه, تأتيه ليلا أرواح بشرية غريبة تلعب الدومينو طيلة الصيف دون كلل أو ملل, وتنتشر في أرجاء حيه كما ينتشر العفن في الخبز اليابس, يضربون بقوة قطع الدومينو على الطاولة وكأنها ترتطم برأسه, وكأنهم جميعا متفقون على ضرب قطعهم على رأسه ضربة رجل واحد, لطالما فكر في الذهاب إليهم بحديث لين كما ذهب موسى الى فرعون الذي طغى, ولكن قناعته باستحالة افتكاك كاس الخمر من المخمور, وافتكاك سيجارة مخدرة من يد مدمن في أوج الحلم, جعله يقتنع باستحالة افتكاك قطعة من يد هذه الأرواح البشرية المدمنة, لكنه فكر ثم فكر ثم قدر أن الانفعال سيأتي بضغط دمه يتدفق على ناصيته, ولربما لامس سكر البنكرياس قمة لسانه, فاستسلم الى ضرب القطع واستبدلها بنوتات موسيقية عذبة يتتبع وقعها واحدة واحدة, دو, ري, مي, فا, صول, لا, سي, دو, حتى يبتلعه النوم, هكذا أمسى ينام كل ليلة سريعا على جرعات الدومينو, حتى أضحى قلبه يخفق كل ليلة خوفا من أن تتوقف الأرواح عن اللعب.
رابط القصة على مدونتي من هنا
تعليق