تحقق قصيدة النثر في ديوان
( زهرة النار )
للمغربية مالكة حبرشيد
1
زهرة النار
ديوان شعري
للشاعرة المغربية مالكة حبرشيد
يتحقق عبر 20 نصا شعريا
يتصدره إهداء للشاعرة
و يتذيله تعريف بها
ربما لو توقفنا عند الإهداء و التذييل
لأدركنا إلي حد ما مدى اعتزاز الشاعرة
بموطنها و ارتباطها به ارتباطا راسخا
ناهيك عن البيولوجية التي تحكم تلك العلاقة
و ربما الفسيولوجي و السيكولوجي فيما نطلق
عليه الارتباط بالتراب و الأرض كالدم و الشريان
الرافد و المصب
تعالو ا بنا لنقرأ هذا الإهداء لنعرف من هي مالكة حبرشيد
شاعرتنا الليلة
2
على امتداد شاطئ مهجور
شهد نوبات احتراقي
كنت دائما أنثر بعضا مني
أشتله في حقول العمر الحزينة
أثمر مع الأيام حروفا شدت وثاق حبي
لكل من حولي ...رغم انكساراتي
التي التهمت كثيرا من لحظات ابتهاجي
اليوم ..
أهدي باكورة عمري لصدفاتي
التي كانت دائما مصدر قوتي
اهدي كلماتي .... لـ .......
و............و .......
و.........................
ولـ خينفرة .. و ما تعني لي !
مالكة
هنا نرى عجز الشاعرة عن ذكر الأسماء
بل أنها لم تصرح إلا باسم تلك المدينة / القرية / خنيفرة
التي شهدت مولدها و صباها و لحظات حزنها وفرحها
و مرتع لهوها و نضالها
الذي لم تشأ أن تتحدث عنه إلا اسما ، رغم أنه مكون حاسم لتلك الملكات التي تنتصر للحق و الفضيلة و القيم الرفيعة و عموم البسطاء و القضايا الحيوية للمرأة في الوطن المغرب و الوطن العربي على وجه العموم .
إنها ذات جريحة بما يهين وجه الحضارة و الحياة في عالمنا العربي ، و ذات رافضة لما آل إليه الحال ، بالمرأة و الطفولة على وجه الخصوص .. ربما منبع ذلك ، ما مارسته الشاعرة من دور حيوي في جمعيات العمل الإنساني و النقابي بحكم عملها كمربية فاضلة في مدارس هذه المدينة .
و لا يفوتني هنا أن أقدم تعريفا بسيطا و سريعا عن خنيفرة :
3
إقليم خنيفرة هو أحد الأقاليم المغربية ويقع في الأطلس المتوسط. مساحته إلى 12320كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانه 511538 بكثافة سكانية تقارب المعدل الوطني 42.45 نسمة في الكيلومتر الواحد حسب الإحصائيات الرسمية لسنة 2004، يتوزعون إلى 250000 كساكنة قروية و 281000حضريون. يتكون إقليم خنيفرة من ثلاث جماعات حضرية (خنيفرة مريرت وميدلت). و35 جماعة قروية. لإقليم خنفرة حدود مع أقاليم بني ملال، الخميسات ،افران، بولمان، الرشيدية، خربيكة.
خنيفرة هي مدينة مغربية وحاضرة إقليم يحمل اسمها، تقع في جهة مكناس تافيلالت بين جبال الأطلس المتوسط على ارتفاع 826م فوق سطح البحر وتحيط بها أربعة جبال. وتعتبر عاصمة قبائل زيان الامازيغية، إذ يشهد لها التاريخ بمقاومتها ضد المستعمرين الفرنسيين في بداية القرن العشرين. إذ هزموا الفرنسيين في معركة لهري سنة 1914 م وقد أخدت اسم خنيفرة عن بعض الروايات التي تقول ان هناك راعي غنم كان يعيش قديما في هده المنطقة يدعى خنفر. يبلغ عدد سكان المدينة 75,000 نسمة.
من أشهر أبنائها الأسطورة موحى احمو الزياني.
و تعد خنيفرة جوهرة جبال الأطلس الأوسط
بما تحاط به من طبيعة خلابة
نهر أم الربيع
الذي يمر وسط مدينة خنيفرة ويشطرها إلى شطرين
بحيرة أغلمام أزغزا وسط غابة خنيفرة ، وتعتبر المخيم الصيفي لسكان المدينة .
ناهيك عن الفلكور الشعبي
و اللغة و الامازيغية
و اللهجات المنبثقة عنهما
و حتى لا يتوه مني الحديث
أكتفي بهذا التعريف
4
لا أخفيكم سرا .. أني عشت حيرة ما
في تبني عنوانا لهذه الدراسة ؛ إذا شئنا أن نطلق عليها .
ربما لأني من بداية الأمر ، يلفتني شيء حاسم في أعمال
و أشعار مالكة حبرشيد ، و ألا و هي الصورة :
كيف تتكون الصورة بمثل هذه البراعة ،
و كيف تُختزلُ مساحاتٌ من حديث ..
و ربما لا يكون هذا متحققا في عموم النصوص ،
و إن رأيته متأكدا في أكثرها .
وما يعني الانزياح ؟
هل يتحقق بشكل كاف عبر هذا الديوان ؟
ربما كان لا بد أن أحدد سلفا ، الطريق التي سوف أرتادها ،
و أسميها لأكون مقتنعا بما أفعل ،
و أيضا لما أقدم من رؤية ووجهة نظر ، أنال بها ما أستحق من استحسان أو سخط ؛ فكلا الأمرين أولى بالعناية ، من أن أظل متأرجحا ، و ربما غارقا في رمال العشوائية ،
التي لا تنجب إلا مسوخا من حديث و أضاليل ، لن تفيد بقدر ما تشوه و تهزم !
5
سوف أتجاوز و إياكم حديثا طويلا ، عن قصيدة النثر ، و ما تعني ، و ما تواجه من مصاعب ، و ربما أكثرها قوة ، التجاهل و الإزاحة ، حتى بجذبها جلَّ أو معظم شعراء الموزون ، و التفعيلي على وجه الخصوص ، ربما لضبابية الحركة النقدية ، و بعدها عن أهم قضايا الشعر ، ككل ، و ليس قصيدة النثر وحدها .
و المتتبع لحركة التفعيلي ، سوف لن يشق عليه الأمر ، في استظهار نوع وماهية ومصادر التجاهل و الإزاحة المفروضة ، و ما تعرض له شعراء هذا اللون التجديدي لميراثنا الطويل و العريض من عنت و مطاردة ، و تلاسنا وصل حد القذف و ربما التكفير ؛ و كأن الشعر من المقدسات التي لا يجب الاقتراب منها ، برغم التصاقه بالوجدان و انقلاباته ، و تجلياته اليومية في الحيوات الشاعرة ، و الخاضعة للكثير من العوامل كالبيئة و الثقافة ، و الأحداث ، و الذوات .
سوف أعتبر هذا مدخلا طيبا و مستقيما ؛ للتعامل مع هذا الديوان النثري .. و إن احتاج الأمر إلي تبيان أوضح ، أو مرتكز للدخول إلي الموضوع المطروح من خلال عنوان الدراسة و الرؤية ، التي أرجو أن أكون فيها مفيدا ، لا مستهلكا للوقت مهدرا للذائقة ، و هذا ما لا أرتضيه لكم و لي . فلن يشق علينا الأمر ..!
6
يقول أدونيس في خصائص قصيدة النثر : " ليس للنثر الشعري شكل ، هو استرسال و استسلام للشعور ، دون قاعدة فنية أو منهج شكلي بنائي ، و سير في خط مستقيم ، ليس له نهاية . لذلك – هو روائي أو وصفي يتجه دائما إلي التأمل الأخلاقي أو المناجاة الغنائية أو السرد الانفعالي ، و لذلك يمتلئ بالاستطرادات و التفاصيل ، و تتفسخ فيه وحدة التناغم و الانسجام . أما قصيدة النثر فذات شكل قبل أي شيء ، و ذات وحدة مغلقة ، هي دائرة أو شبه دائرة . لا خط مستقيم . هي مجموعة علائق تنتظم في شبكة ذات تقنية محددة ، و بناء تركيبي موحد منتظم الأجزاء متوازن .. هي شعر خاص يستخدم النثر لغايات شعرية خالصة ..
ثم يورد رفعت سلام في دراسته عن قصيدة النثر العربية ( المنشورة في مجلة فصول العدد ( الأول لصيف97 ) ص ( 301 )
أما خصائص قصيدة النثر و التمايز بينها و بين النثر الشعري فيتحدد لديه في ثلاث :
1 – يجب أن تكون صادرة عن إرادة بناء و تنظيم واعية كلا عضويا
2 – هي بناء فني متميز ، لا غاية لها خارج ذاتها
3 الوحدة و الكثافة
كما أنها عند سوزان برنار الكاتبة الفرنسية المعروفة تكتمل في ثلاث :
1 – الإيجاز
2 – التوهج
3 – المجانية
و من هنا ، و بعد هذا التقديم لقطبين هامين ، إحداهما عربي ، و الآخر غربي ، نلج حدود هذا الديوان ( زهرة النار ) للشاعرة مالكة حبرشيد ، لنرى إلي أي حد ، تحققت القصيدة ، على ضوء هذه المعايير ، برغم أن الثلاث خاضعةٌ لمعايير أكبر و أكثر كثافة لأنها تعني تاريخ الشعر ، سواء كان عربيا أم غربيا .. نظما أم نثرا ، فلا تفرقة ، و لا يجوز لنا أن نفرق ، و إلا وضعنا قصيدة النثر في مكان لا يليق بها ، و أضعنا حقها في الحضور جنبا إلي جانب و القصيدة كجنس أدبي مطلق !
الإيجاز ( الاختصار ) ، و كيفية بناء السطر الشعري ، و سرعة الالتفاف حول المعنى ، بل و فتح أفق الحالة لعمليات ولادة للغة ، شديدة الكثافة ، ثم العبور عليها وصولا أو استرسالا
و ليس الإيجاز و الاختصار هنا ، طول أو قصر النص الشعري ، و إن كان مقصودا و مستهدفا في المقام الأول ..
ولكن مسألة الاستطراد ، و الاسترسال في المعنى ، و الإلحاح عليه - و هذا ما يعد ثقلا غير مرغوب فيه ؛ فقد تشغل القصيدة عددا كبيرا من الصفحات ، ومع ذلك لا نستشعر طولها ، و لا نستطيع أن نسمها بالإطالة ، أو ننفي عنها صفة الإيجاز - يكون تحقق هذا مرهونا بالتوهج و المجانية ، و إلا عد الأمر ضربا من ضروب النثر الشعري ليس إلا ؛ لأنه فقد أهم ميزاته الفارقة !
و يتجلى هذا في قصيدة ( شجرة الحنين ص 12 ) التي لم تبني على عنوانها ، و لم تعزله عن الحديث كعنوان لمجمل القصيدة
كما نرى عند الشعراء ، نظما أو نثرا .. تقول الشاعرة :
شجرةُ الحنين
تحفظُ كتبَ الأسلاف
تبكي في ثوبِ الحداد
ما صنعتِ المقاديرُ
بالمنارات التي انهارتْ
عند الأقدام
و التاريخِ الذي فقدَ قطرةَ
الضوء الباقية
في فراغ الكون
انتهت الفقرة هنا .. أرأيتم معي ما تعني شجرة الحنين في الوجدان و الذاكرة و المخيلة ؟
و كيف كان الإيجاز هنا واضحا ، و سريع الالتفاف ، حاملا انزياحا صوب المعنى المتجدد ، كاسرا توقع القارئ ؟
بالمنارات التي انهارت
عند الأقدام
و التاريخ الذي ..
فقد قطرة
الضوء الباقيةَ
في فراغ الكون ..
كأننا لسنا غريبين ، و كأن هذا هو ذاته إحساسنا ، فما الغرابة إذا و ما الجديد الذي أشعل هنا دهشتنا .. إلا أنها ترجمت كوامننا ، و أمسكت أطرافها ، لتغرسها في رقعة القصيدة .. !
وحدها شجرةُ الحنين
تضيءُ المقبرةَ الخرساء
و ضياعنا في الأضابير
تتوسلُ الليلَ الطويلَ
أن يعودَ بثورةِ الروح
و بقايا البلد النازح
تمدُّ أغصانها
تفتحُ أوراقَها
لتغيِّرَ مساراتِ القلوب
و تعيدَ النورَ
لفجرِ الأفول
وحدها تضئُ الساكتَ الصامتَ فينا ،
و ضياعنا في الأضابير ، حيث القيد و المولد و الـ ... ، و أيضا في هيئات الأمم ، و ما نعني لها ، و تعني لنا !
من منا كان يتوقع هذا في شجرة الحنين .. تتوسل الليل الطويل بماذا ؟
أن يعود بثورة الروح
و بقايا البلد النازح
الكلمات و الإحساس هنا مفخخان بالمعنى ، و علينا أن نتوقع أن ثمة ازدواجية في تركيبة ، لا تشرق مع القراءة مرورا ، بل بالتوقف عندها لسبر ما تحمل .. هل يتنافى أم يؤكد و يؤبد ، و لو من باب المغايرة ، و إحداث القلق المطلوب .. و هل هذا في صالح الفكرة المؤسس عليها ؟!
علينا أن نرى .. نحاول الوصول .. هل تحققت المجانية هنا ؟
المجانية في كونها قصيدة و فقط ، أنها تبحث عن ذاتها الشعرية بهذا الإحساس ، و هذا التشكيل ، و لا شيء آخر .. دون أن يكون هناك نموذجٌ بعينه تسترفد منه ، و تؤكد وجودها .. و هذه من أروع ما تستند إليه قصيدة النثر ، و ما يفرقها عن النظم الشعري
الذي كان له التراكمُ و القوانينُ التي تحكمه .. تحكم له أو عليه .. شاعرا كان أم قصيدة ! وكأنها الطفل يولد مرات و مرات ، في كل حالات الكتابة ، بريئا إلا من لغة و ميراث ، و عليه أن يكون هو ، و ليس آخر ، بلا سقف محدد ، و إن كان ، و لكن سقفا شاهقا في رحابة الكون ، يتعدى كثيرا ، و يشطط فيما عجز عن ولوجه غيره .
ألا يعلمون أن الشجر
لا يقاس بالأقدام
و انه مهما اغتيل
ينبعث من رماد الموت
صرخة حبلى
بطلقات الحياة ؟!
و قد رأينا أن الشجر إناث من نور
على أجسادها تلتف الثعابين
و في حضن الأرض تبحث عن سر الحياة
في عيون خانت عنفوانها
و مرايا تعكس خارطة
مشروخة
لوطن المنفى و منفى الوطن
لنرى الإحساس ذاته عند ( نجيب سرور في قصيدته غرسة الزيتون في ديوانه التراجيديا الإنسانية ص 42 )
أنظريها تخرق الصخر و ترنو كابتسامة
غرسة الزيتون .. كالطفل نقاء ووسامة
كالندى .. كالحب .. كالحلم الذي يصدق مرة
بعد أعوام من الخيبة كالعلقم مرة
أنظريها
لم يمتها ذلك الليل الطويل
لا .. و لا الثلج الذي غطى الحياة
لا .. و لا الريح التي ترعش بالرعب النخيل
إنها تنبض دفئا وحياة مثل قبلة
إنها تقطر نورا وصفاء مثل نجمة
قد زرعناها معا يوم التقينا
.............
.............
................
إلي أن يقول
ليست المأساة أنا لن نرى زيتونها
فهبنا ما زرعناها .. أكنا سعداء ؟!
قد ولدنا أشقياء
و بقينا أشقياء
و سنمضي أشقياء
..............
...............
و في الختام يقول
ما أنا .. ما أنت .. إلا ما زرعنا .. و سقينا .. ورعينا ...
و لم يغلق المعنى
و يقول الشاعر الكبير مختار عيسى في قصيدته ( من شجرة العائلة ) من ديوانه العابر
ليست الأرض وحدها
أسكرتها العجوز بالمواويل
ثم أنفقت نصف عمرها ..
في تعقب الفاكهة ،
و نصفه إلا قليلا ..
في الصلاة
لأجل طائر مسحور !
و معي نموذج آخر .. لنرى
هل أعاد النص اجترار نفس المعنى و الحالة ؟
أم كان غنيا بنفسه لمعنى الشجرة و الحنين
في قصيدته ( شجرة الخروب ) يقول الشاعر محمد مثقال الخضور ( فلسطين ) :
ظَلَّتْ شَجَرَةُ الخَرُّوبِ . .
غَصَّةَ الغَصَّاتِ
وَجُرْحَ الجُروحِ
أتُراها مَدّتْ جَذْرَها للمُصافَحَةِ ؟
ما الفَرْقُ بَيْنَكُما ؟
يَتيمانِ أَنْتُما . . كالمَطَرِ . .
تَمُوتُ غَيْمَتُهُ حِينَ يُوْلَدُ
كَيْفَ سَتُمَيِّزُ جُذُورَها . . مِنْ عُرُوقِ يَدَيْكَ ؟
حِينَ تَنْدَمِجُ الخَريطَتانِ ؟
وَكَيْفَ سَتَعْرِفُ ظِلالَها . . مِنْ لَوْنِ وَجْهِكَ ؟
حينَ تَسْتَبْدِلُكُما الشَّمْسُ
بِشَجَرةٍ أُخْرى . . وَوَليدٍ جَديدٍ ؟
إنها ذاك النائم الصاحي فينا ما بقينا
الشاهد المشهود في تواريخنا
بل الشهيد بين أوراقنا
مهما اختلف الشعور و التشكيل ستظل الحالة قريبة
تلامس أوراق بعضها البعض
و إن ثبت لنا تفردها ، و التمسك بواحديتها كرؤية تقنع و تضيف
و لنرى تجسيد الأمر أكثر ، في نص آخر من نصوص الديوان
في غناء الفجر ( ص 26 )
هذا النص الرائع الذي لعبت فيه الصورة بجمال رسمها و تشكيلها ، وربما كما كل نصوص الديوان دورا بارزا ، في نقل المعنى ، و الهمس به ، و ربما هنا في هذا النص يتحقق الإيجاز بشكل حاد و قاس من قبل الشاعرة ، في حين أن الحديث كان ممتعا للدرجة التي نهتف فيها ( زيدينا سيدتي )
غناء الفجر
تمثال تائه
يقود قطعان الدهشة
هنا نلمس اتكاء القصيدة على العنوان ، فدخل في لحمة العمل ، لنرى غناء الفجر تمثال تائه .. و بلا أي مقدمات أو استطرادات
مملة أو غير مملة .. و هذا أعتبره توحد بين القصيدة و الشاعرة
بين الحالة و الشاعرة
اللحظة و الشاعرة
فهي لم تكتب العنوان ، ثم عقدت جبهتها انتظارا ، لأن يسعفها بالحديث .. أبدا .. الأمر إطلاقا لم يكن كذلك .
الحالة هي الفاعلة
الحالة فرضت نفسها فرضا
فدفعت بالشاعرة إلي الورق و الخوض
غناء الفجر
تمثال تائه
يقود قطعان الدهشة
أي غرابة كانت هنا
و الغناء تمثال تائه
و يقود قطعان الدهشة
أي تركيبة تلك التي تجعل من غناء الفجر
حالة مستمرة الوقع
في سديمية الوجود
و مع ذلك يقود ( قطعان جمع قطيع و هو ما يطلق على جماعات الحيوان و ما يقطع منها و من غيرها من الموجودات و الأشياء الأخرى مثل الشجر و الجلد و السهام و ... و .. و ... و ) و لنقف قليلا مع هذا التعريف لكلمة قطيع ، ربما تعطينا دلالات أكثر قوة ، أو تفسيرا مقنعا للصورة :
القَطيعُ - قَطيعُ :
القَطيعُ : المقطوعُ .
و القَطيعُ من الشجرة : الغصنُ يُقطعُ منها .
و القَطيعُ القضيبُ تُبرَى منه السِّهام .
و القَطيعُ السَّوْطُ يُقطَعُ سيوراً تُفتَل وتُترَكُ حتى تيبَس وتصير كالعصا .
و القَطيعُ الطائفةُ من الغَنم والنَّعم وغيرها . والجمع : قُطْعَانٌ ، وقِطَاعٌ .
و القَطيعُ المثْلُ والنَّظير . والجمع : قُطَعاء .
يقال : فلانٌ قطيعُ فلان : شبيهه في خَلْقه وقَدِّه .
ويقال : هذا الثوبُ قطيعُ هذا : نظيرُه .
و القَطيعُ المصابُ بالقُطْع : تتابُع النَّفَس .
ويقال : رجلٌ قطيعُ القيام : لا يستطيع القيامَ لضعف أَو سِمَن .
وفلانٌ قطيعُ اللسان : غيرُ سليطِه .
وامرأَة قطيعٌ : فاترةُ القيام .
وامرأةٌ قطيعُ الكلام : غير سليطة .
المعجم: المعجم الوسيط -
قَطيع :
جمع أقاطيعُ وقُطْعان :
1 - صفة ثابتة للمفعول من قطَعَ / قطَعَ بـ : مقطوع " غُصن قَطيع ".
2 - طائفة من الغنم والنَّعم وغيرها يقودها الرَّاعي ، أو تجمع في مكان واحد أو تسير معًا " ترعى قَطيعًا من الأغنام ، - جمع شمل القَطيع ".
المعجم: اللغة العربية المعاصر -
قطيع - قَطِيعٌ :
جمع : قُطْعَانٌ ، قِطَاعٌ . [ ق ط ع ]. ( صيغَةُ فَعِيل ). " قَطِيعُ الغَنَمِ " : عَدَدٌ مِنَ الغَنَمِ . " قَطِيعُ الإِبِلِ " " قَطِيعُ البَقَرِ " " تَتَصَاعَدُ أَغَانِي الرُّعَاةِ العَائِدِينَ مَعَ قُطْعَانِهِمْ إِلَى القُرَى ". ( حنا مينه ).
المعجم: الغني -
قطيع :
1 - قطيع : طائفة من الغنم أو الجمال أو البقر أو سواها ، جمع : قطعان وقطاع ، جج أقاطيع .
2 - قطيع : قضيب تبرى منه السهام ، جمع : قطعان وأقطع وقطاع وقطع وأقاطع وقطعات وأقطعة .
3 - قطيع : ما قطع من الشجر أو من الأغصان ، جمع : قطعان وأقطع وقطاع وقطع وأقاطع وقطعات وأقطعة .
4 - قطيع : طائفة من الليل تكون من أوله إلى ثلثه .
يقود قطعان الدهشة
نحو يم المجهول
كل الحواس ( اللحظة ) ( انظر الظرف هنا و ليس المعنى )
تفرد أجنحة الخوف
بعد انتهاء جولة النقع
في بيداء حلم
مأسور في بيت الخطيئة
( زهرة النار )
للمغربية مالكة حبرشيد
1
زهرة النار
ديوان شعري
للشاعرة المغربية مالكة حبرشيد
يتحقق عبر 20 نصا شعريا
يتصدره إهداء للشاعرة
و يتذيله تعريف بها
ربما لو توقفنا عند الإهداء و التذييل
لأدركنا إلي حد ما مدى اعتزاز الشاعرة
بموطنها و ارتباطها به ارتباطا راسخا
ناهيك عن البيولوجية التي تحكم تلك العلاقة
و ربما الفسيولوجي و السيكولوجي فيما نطلق
عليه الارتباط بالتراب و الأرض كالدم و الشريان
الرافد و المصب
تعالو ا بنا لنقرأ هذا الإهداء لنعرف من هي مالكة حبرشيد
شاعرتنا الليلة
2
على امتداد شاطئ مهجور
شهد نوبات احتراقي
كنت دائما أنثر بعضا مني
أشتله في حقول العمر الحزينة
أثمر مع الأيام حروفا شدت وثاق حبي
لكل من حولي ...رغم انكساراتي
التي التهمت كثيرا من لحظات ابتهاجي
اليوم ..
أهدي باكورة عمري لصدفاتي
التي كانت دائما مصدر قوتي
اهدي كلماتي .... لـ .......
و............و .......
و.........................
ولـ خينفرة .. و ما تعني لي !
مالكة
هنا نرى عجز الشاعرة عن ذكر الأسماء
بل أنها لم تصرح إلا باسم تلك المدينة / القرية / خنيفرة
التي شهدت مولدها و صباها و لحظات حزنها وفرحها
و مرتع لهوها و نضالها
الذي لم تشأ أن تتحدث عنه إلا اسما ، رغم أنه مكون حاسم لتلك الملكات التي تنتصر للحق و الفضيلة و القيم الرفيعة و عموم البسطاء و القضايا الحيوية للمرأة في الوطن المغرب و الوطن العربي على وجه العموم .
إنها ذات جريحة بما يهين وجه الحضارة و الحياة في عالمنا العربي ، و ذات رافضة لما آل إليه الحال ، بالمرأة و الطفولة على وجه الخصوص .. ربما منبع ذلك ، ما مارسته الشاعرة من دور حيوي في جمعيات العمل الإنساني و النقابي بحكم عملها كمربية فاضلة في مدارس هذه المدينة .
و لا يفوتني هنا أن أقدم تعريفا بسيطا و سريعا عن خنيفرة :
3
إقليم خنيفرة هو أحد الأقاليم المغربية ويقع في الأطلس المتوسط. مساحته إلى 12320كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانه 511538 بكثافة سكانية تقارب المعدل الوطني 42.45 نسمة في الكيلومتر الواحد حسب الإحصائيات الرسمية لسنة 2004، يتوزعون إلى 250000 كساكنة قروية و 281000حضريون. يتكون إقليم خنيفرة من ثلاث جماعات حضرية (خنيفرة مريرت وميدلت). و35 جماعة قروية. لإقليم خنفرة حدود مع أقاليم بني ملال، الخميسات ،افران، بولمان، الرشيدية، خربيكة.
خنيفرة هي مدينة مغربية وحاضرة إقليم يحمل اسمها، تقع في جهة مكناس تافيلالت بين جبال الأطلس المتوسط على ارتفاع 826م فوق سطح البحر وتحيط بها أربعة جبال. وتعتبر عاصمة قبائل زيان الامازيغية، إذ يشهد لها التاريخ بمقاومتها ضد المستعمرين الفرنسيين في بداية القرن العشرين. إذ هزموا الفرنسيين في معركة لهري سنة 1914 م وقد أخدت اسم خنيفرة عن بعض الروايات التي تقول ان هناك راعي غنم كان يعيش قديما في هده المنطقة يدعى خنفر. يبلغ عدد سكان المدينة 75,000 نسمة.
من أشهر أبنائها الأسطورة موحى احمو الزياني.
و تعد خنيفرة جوهرة جبال الأطلس الأوسط
بما تحاط به من طبيعة خلابة
نهر أم الربيع
الذي يمر وسط مدينة خنيفرة ويشطرها إلى شطرين
بحيرة أغلمام أزغزا وسط غابة خنيفرة ، وتعتبر المخيم الصيفي لسكان المدينة .
ناهيك عن الفلكور الشعبي
و اللغة و الامازيغية
و اللهجات المنبثقة عنهما
و حتى لا يتوه مني الحديث
أكتفي بهذا التعريف
4
لا أخفيكم سرا .. أني عشت حيرة ما
في تبني عنوانا لهذه الدراسة ؛ إذا شئنا أن نطلق عليها .
ربما لأني من بداية الأمر ، يلفتني شيء حاسم في أعمال
و أشعار مالكة حبرشيد ، و ألا و هي الصورة :
كيف تتكون الصورة بمثل هذه البراعة ،
و كيف تُختزلُ مساحاتٌ من حديث ..
و ربما لا يكون هذا متحققا في عموم النصوص ،
و إن رأيته متأكدا في أكثرها .
وما يعني الانزياح ؟
هل يتحقق بشكل كاف عبر هذا الديوان ؟
ربما كان لا بد أن أحدد سلفا ، الطريق التي سوف أرتادها ،
و أسميها لأكون مقتنعا بما أفعل ،
و أيضا لما أقدم من رؤية ووجهة نظر ، أنال بها ما أستحق من استحسان أو سخط ؛ فكلا الأمرين أولى بالعناية ، من أن أظل متأرجحا ، و ربما غارقا في رمال العشوائية ،
التي لا تنجب إلا مسوخا من حديث و أضاليل ، لن تفيد بقدر ما تشوه و تهزم !
5
سوف أتجاوز و إياكم حديثا طويلا ، عن قصيدة النثر ، و ما تعني ، و ما تواجه من مصاعب ، و ربما أكثرها قوة ، التجاهل و الإزاحة ، حتى بجذبها جلَّ أو معظم شعراء الموزون ، و التفعيلي على وجه الخصوص ، ربما لضبابية الحركة النقدية ، و بعدها عن أهم قضايا الشعر ، ككل ، و ليس قصيدة النثر وحدها .
و المتتبع لحركة التفعيلي ، سوف لن يشق عليه الأمر ، في استظهار نوع وماهية ومصادر التجاهل و الإزاحة المفروضة ، و ما تعرض له شعراء هذا اللون التجديدي لميراثنا الطويل و العريض من عنت و مطاردة ، و تلاسنا وصل حد القذف و ربما التكفير ؛ و كأن الشعر من المقدسات التي لا يجب الاقتراب منها ، برغم التصاقه بالوجدان و انقلاباته ، و تجلياته اليومية في الحيوات الشاعرة ، و الخاضعة للكثير من العوامل كالبيئة و الثقافة ، و الأحداث ، و الذوات .
سوف أعتبر هذا مدخلا طيبا و مستقيما ؛ للتعامل مع هذا الديوان النثري .. و إن احتاج الأمر إلي تبيان أوضح ، أو مرتكز للدخول إلي الموضوع المطروح من خلال عنوان الدراسة و الرؤية ، التي أرجو أن أكون فيها مفيدا ، لا مستهلكا للوقت مهدرا للذائقة ، و هذا ما لا أرتضيه لكم و لي . فلن يشق علينا الأمر ..!
6
يقول أدونيس في خصائص قصيدة النثر : " ليس للنثر الشعري شكل ، هو استرسال و استسلام للشعور ، دون قاعدة فنية أو منهج شكلي بنائي ، و سير في خط مستقيم ، ليس له نهاية . لذلك – هو روائي أو وصفي يتجه دائما إلي التأمل الأخلاقي أو المناجاة الغنائية أو السرد الانفعالي ، و لذلك يمتلئ بالاستطرادات و التفاصيل ، و تتفسخ فيه وحدة التناغم و الانسجام . أما قصيدة النثر فذات شكل قبل أي شيء ، و ذات وحدة مغلقة ، هي دائرة أو شبه دائرة . لا خط مستقيم . هي مجموعة علائق تنتظم في شبكة ذات تقنية محددة ، و بناء تركيبي موحد منتظم الأجزاء متوازن .. هي شعر خاص يستخدم النثر لغايات شعرية خالصة ..
ثم يورد رفعت سلام في دراسته عن قصيدة النثر العربية ( المنشورة في مجلة فصول العدد ( الأول لصيف97 ) ص ( 301 )
أما خصائص قصيدة النثر و التمايز بينها و بين النثر الشعري فيتحدد لديه في ثلاث :
1 – يجب أن تكون صادرة عن إرادة بناء و تنظيم واعية كلا عضويا
2 – هي بناء فني متميز ، لا غاية لها خارج ذاتها
3 الوحدة و الكثافة
كما أنها عند سوزان برنار الكاتبة الفرنسية المعروفة تكتمل في ثلاث :
1 – الإيجاز
2 – التوهج
3 – المجانية
و من هنا ، و بعد هذا التقديم لقطبين هامين ، إحداهما عربي ، و الآخر غربي ، نلج حدود هذا الديوان ( زهرة النار ) للشاعرة مالكة حبرشيد ، لنرى إلي أي حد ، تحققت القصيدة ، على ضوء هذه المعايير ، برغم أن الثلاث خاضعةٌ لمعايير أكبر و أكثر كثافة لأنها تعني تاريخ الشعر ، سواء كان عربيا أم غربيا .. نظما أم نثرا ، فلا تفرقة ، و لا يجوز لنا أن نفرق ، و إلا وضعنا قصيدة النثر في مكان لا يليق بها ، و أضعنا حقها في الحضور جنبا إلي جانب و القصيدة كجنس أدبي مطلق !
الإيجاز ( الاختصار ) ، و كيفية بناء السطر الشعري ، و سرعة الالتفاف حول المعنى ، بل و فتح أفق الحالة لعمليات ولادة للغة ، شديدة الكثافة ، ثم العبور عليها وصولا أو استرسالا
و ليس الإيجاز و الاختصار هنا ، طول أو قصر النص الشعري ، و إن كان مقصودا و مستهدفا في المقام الأول ..
ولكن مسألة الاستطراد ، و الاسترسال في المعنى ، و الإلحاح عليه - و هذا ما يعد ثقلا غير مرغوب فيه ؛ فقد تشغل القصيدة عددا كبيرا من الصفحات ، ومع ذلك لا نستشعر طولها ، و لا نستطيع أن نسمها بالإطالة ، أو ننفي عنها صفة الإيجاز - يكون تحقق هذا مرهونا بالتوهج و المجانية ، و إلا عد الأمر ضربا من ضروب النثر الشعري ليس إلا ؛ لأنه فقد أهم ميزاته الفارقة !
و يتجلى هذا في قصيدة ( شجرة الحنين ص 12 ) التي لم تبني على عنوانها ، و لم تعزله عن الحديث كعنوان لمجمل القصيدة
كما نرى عند الشعراء ، نظما أو نثرا .. تقول الشاعرة :
شجرةُ الحنين
تحفظُ كتبَ الأسلاف
تبكي في ثوبِ الحداد
ما صنعتِ المقاديرُ
بالمنارات التي انهارتْ
عند الأقدام
و التاريخِ الذي فقدَ قطرةَ
الضوء الباقية
في فراغ الكون
انتهت الفقرة هنا .. أرأيتم معي ما تعني شجرة الحنين في الوجدان و الذاكرة و المخيلة ؟
و كيف كان الإيجاز هنا واضحا ، و سريع الالتفاف ، حاملا انزياحا صوب المعنى المتجدد ، كاسرا توقع القارئ ؟
بالمنارات التي انهارت
عند الأقدام
و التاريخ الذي ..
فقد قطرة
الضوء الباقيةَ
في فراغ الكون ..
كأننا لسنا غريبين ، و كأن هذا هو ذاته إحساسنا ، فما الغرابة إذا و ما الجديد الذي أشعل هنا دهشتنا .. إلا أنها ترجمت كوامننا ، و أمسكت أطرافها ، لتغرسها في رقعة القصيدة .. !
وحدها شجرةُ الحنين
تضيءُ المقبرةَ الخرساء
و ضياعنا في الأضابير
تتوسلُ الليلَ الطويلَ
أن يعودَ بثورةِ الروح
و بقايا البلد النازح
تمدُّ أغصانها
تفتحُ أوراقَها
لتغيِّرَ مساراتِ القلوب
و تعيدَ النورَ
لفجرِ الأفول
وحدها تضئُ الساكتَ الصامتَ فينا ،
و ضياعنا في الأضابير ، حيث القيد و المولد و الـ ... ، و أيضا في هيئات الأمم ، و ما نعني لها ، و تعني لنا !
من منا كان يتوقع هذا في شجرة الحنين .. تتوسل الليل الطويل بماذا ؟
أن يعود بثورة الروح
و بقايا البلد النازح
الكلمات و الإحساس هنا مفخخان بالمعنى ، و علينا أن نتوقع أن ثمة ازدواجية في تركيبة ، لا تشرق مع القراءة مرورا ، بل بالتوقف عندها لسبر ما تحمل .. هل يتنافى أم يؤكد و يؤبد ، و لو من باب المغايرة ، و إحداث القلق المطلوب .. و هل هذا في صالح الفكرة المؤسس عليها ؟!
علينا أن نرى .. نحاول الوصول .. هل تحققت المجانية هنا ؟
المجانية في كونها قصيدة و فقط ، أنها تبحث عن ذاتها الشعرية بهذا الإحساس ، و هذا التشكيل ، و لا شيء آخر .. دون أن يكون هناك نموذجٌ بعينه تسترفد منه ، و تؤكد وجودها .. و هذه من أروع ما تستند إليه قصيدة النثر ، و ما يفرقها عن النظم الشعري
الذي كان له التراكمُ و القوانينُ التي تحكمه .. تحكم له أو عليه .. شاعرا كان أم قصيدة ! وكأنها الطفل يولد مرات و مرات ، في كل حالات الكتابة ، بريئا إلا من لغة و ميراث ، و عليه أن يكون هو ، و ليس آخر ، بلا سقف محدد ، و إن كان ، و لكن سقفا شاهقا في رحابة الكون ، يتعدى كثيرا ، و يشطط فيما عجز عن ولوجه غيره .
ألا يعلمون أن الشجر
لا يقاس بالأقدام
و انه مهما اغتيل
ينبعث من رماد الموت
صرخة حبلى
بطلقات الحياة ؟!
و قد رأينا أن الشجر إناث من نور
على أجسادها تلتف الثعابين
و في حضن الأرض تبحث عن سر الحياة
في عيون خانت عنفوانها
و مرايا تعكس خارطة
مشروخة
لوطن المنفى و منفى الوطن
لنرى الإحساس ذاته عند ( نجيب سرور في قصيدته غرسة الزيتون في ديوانه التراجيديا الإنسانية ص 42 )
أنظريها تخرق الصخر و ترنو كابتسامة
غرسة الزيتون .. كالطفل نقاء ووسامة
كالندى .. كالحب .. كالحلم الذي يصدق مرة
بعد أعوام من الخيبة كالعلقم مرة
أنظريها
لم يمتها ذلك الليل الطويل
لا .. و لا الثلج الذي غطى الحياة
لا .. و لا الريح التي ترعش بالرعب النخيل
إنها تنبض دفئا وحياة مثل قبلة
إنها تقطر نورا وصفاء مثل نجمة
قد زرعناها معا يوم التقينا
.............
.............
................
إلي أن يقول
ليست المأساة أنا لن نرى زيتونها
فهبنا ما زرعناها .. أكنا سعداء ؟!
قد ولدنا أشقياء
و بقينا أشقياء
و سنمضي أشقياء
..............
...............
و في الختام يقول
ما أنا .. ما أنت .. إلا ما زرعنا .. و سقينا .. ورعينا ...
و لم يغلق المعنى
و يقول الشاعر الكبير مختار عيسى في قصيدته ( من شجرة العائلة ) من ديوانه العابر
ليست الأرض وحدها
أسكرتها العجوز بالمواويل
ثم أنفقت نصف عمرها ..
في تعقب الفاكهة ،
و نصفه إلا قليلا ..
في الصلاة
لأجل طائر مسحور !
و معي نموذج آخر .. لنرى
هل أعاد النص اجترار نفس المعنى و الحالة ؟
أم كان غنيا بنفسه لمعنى الشجرة و الحنين
في قصيدته ( شجرة الخروب ) يقول الشاعر محمد مثقال الخضور ( فلسطين ) :
ظَلَّتْ شَجَرَةُ الخَرُّوبِ . .
غَصَّةَ الغَصَّاتِ
وَجُرْحَ الجُروحِ
أتُراها مَدّتْ جَذْرَها للمُصافَحَةِ ؟
ما الفَرْقُ بَيْنَكُما ؟
يَتيمانِ أَنْتُما . . كالمَطَرِ . .
تَمُوتُ غَيْمَتُهُ حِينَ يُوْلَدُ
كَيْفَ سَتُمَيِّزُ جُذُورَها . . مِنْ عُرُوقِ يَدَيْكَ ؟
حِينَ تَنْدَمِجُ الخَريطَتانِ ؟
وَكَيْفَ سَتَعْرِفُ ظِلالَها . . مِنْ لَوْنِ وَجْهِكَ ؟
حينَ تَسْتَبْدِلُكُما الشَّمْسُ
بِشَجَرةٍ أُخْرى . . وَوَليدٍ جَديدٍ ؟
إنها ذاك النائم الصاحي فينا ما بقينا
الشاهد المشهود في تواريخنا
بل الشهيد بين أوراقنا
مهما اختلف الشعور و التشكيل ستظل الحالة قريبة
تلامس أوراق بعضها البعض
و إن ثبت لنا تفردها ، و التمسك بواحديتها كرؤية تقنع و تضيف
و لنرى تجسيد الأمر أكثر ، في نص آخر من نصوص الديوان
في غناء الفجر ( ص 26 )
هذا النص الرائع الذي لعبت فيه الصورة بجمال رسمها و تشكيلها ، وربما كما كل نصوص الديوان دورا بارزا ، في نقل المعنى ، و الهمس به ، و ربما هنا في هذا النص يتحقق الإيجاز بشكل حاد و قاس من قبل الشاعرة ، في حين أن الحديث كان ممتعا للدرجة التي نهتف فيها ( زيدينا سيدتي )
غناء الفجر
تمثال تائه
يقود قطعان الدهشة
هنا نلمس اتكاء القصيدة على العنوان ، فدخل في لحمة العمل ، لنرى غناء الفجر تمثال تائه .. و بلا أي مقدمات أو استطرادات
مملة أو غير مملة .. و هذا أعتبره توحد بين القصيدة و الشاعرة
بين الحالة و الشاعرة
اللحظة و الشاعرة
فهي لم تكتب العنوان ، ثم عقدت جبهتها انتظارا ، لأن يسعفها بالحديث .. أبدا .. الأمر إطلاقا لم يكن كذلك .
الحالة هي الفاعلة
الحالة فرضت نفسها فرضا
فدفعت بالشاعرة إلي الورق و الخوض
غناء الفجر
تمثال تائه
يقود قطعان الدهشة
أي غرابة كانت هنا
و الغناء تمثال تائه
و يقود قطعان الدهشة
أي تركيبة تلك التي تجعل من غناء الفجر
حالة مستمرة الوقع
في سديمية الوجود
و مع ذلك يقود ( قطعان جمع قطيع و هو ما يطلق على جماعات الحيوان و ما يقطع منها و من غيرها من الموجودات و الأشياء الأخرى مثل الشجر و الجلد و السهام و ... و .. و ... و ) و لنقف قليلا مع هذا التعريف لكلمة قطيع ، ربما تعطينا دلالات أكثر قوة ، أو تفسيرا مقنعا للصورة :
القَطيعُ - قَطيعُ :
القَطيعُ : المقطوعُ .
و القَطيعُ من الشجرة : الغصنُ يُقطعُ منها .
و القَطيعُ القضيبُ تُبرَى منه السِّهام .
و القَطيعُ السَّوْطُ يُقطَعُ سيوراً تُفتَل وتُترَكُ حتى تيبَس وتصير كالعصا .
و القَطيعُ الطائفةُ من الغَنم والنَّعم وغيرها . والجمع : قُطْعَانٌ ، وقِطَاعٌ .
و القَطيعُ المثْلُ والنَّظير . والجمع : قُطَعاء .
يقال : فلانٌ قطيعُ فلان : شبيهه في خَلْقه وقَدِّه .
ويقال : هذا الثوبُ قطيعُ هذا : نظيرُه .
و القَطيعُ المصابُ بالقُطْع : تتابُع النَّفَس .
ويقال : رجلٌ قطيعُ القيام : لا يستطيع القيامَ لضعف أَو سِمَن .
وفلانٌ قطيعُ اللسان : غيرُ سليطِه .
وامرأَة قطيعٌ : فاترةُ القيام .
وامرأةٌ قطيعُ الكلام : غير سليطة .
المعجم: المعجم الوسيط -
قَطيع :
جمع أقاطيعُ وقُطْعان :
1 - صفة ثابتة للمفعول من قطَعَ / قطَعَ بـ : مقطوع " غُصن قَطيع ".
2 - طائفة من الغنم والنَّعم وغيرها يقودها الرَّاعي ، أو تجمع في مكان واحد أو تسير معًا " ترعى قَطيعًا من الأغنام ، - جمع شمل القَطيع ".
المعجم: اللغة العربية المعاصر -
قطيع - قَطِيعٌ :
جمع : قُطْعَانٌ ، قِطَاعٌ . [ ق ط ع ]. ( صيغَةُ فَعِيل ). " قَطِيعُ الغَنَمِ " : عَدَدٌ مِنَ الغَنَمِ . " قَطِيعُ الإِبِلِ " " قَطِيعُ البَقَرِ " " تَتَصَاعَدُ أَغَانِي الرُّعَاةِ العَائِدِينَ مَعَ قُطْعَانِهِمْ إِلَى القُرَى ". ( حنا مينه ).
المعجم: الغني -
قطيع :
1 - قطيع : طائفة من الغنم أو الجمال أو البقر أو سواها ، جمع : قطعان وقطاع ، جج أقاطيع .
2 - قطيع : قضيب تبرى منه السهام ، جمع : قطعان وأقطع وقطاع وقطع وأقاطع وقطعات وأقطعة .
3 - قطيع : ما قطع من الشجر أو من الأغصان ، جمع : قطعان وأقطع وقطاع وقطع وأقاطع وقطعات وأقطعة .
4 - قطيع : طائفة من الليل تكون من أوله إلى ثلثه .
يقود قطعان الدهشة
نحو يم المجهول
كل الحواس ( اللحظة ) ( انظر الظرف هنا و ليس المعنى )
تفرد أجنحة الخوف
بعد انتهاء جولة النقع
في بيداء حلم
مأسور في بيت الخطيئة
تعليق