طوق الحمامة The Ring of the Dove

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرؤوف النويهى
    أديب وكاتب
    • 12-10-2007
    • 2218

    طوق الحمامة The Ring of the Dove

    [align=justify]الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد،دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف،فلاتدرك حقيقتها إلا بالمعاناة،وليس بمنكر فى الديانة ،ولابمحظور فى الشريعة ،إذ القلوب بيد الله عز وجل "

    هكذ قال الأديب العالم الفقيه ابن حزم الأندلسى فى كتابه العظيم "طوق الحمامة فى الإلفة والإلاّف".

    وهذا لعمرى من الدراسات الفارقة فى الحب وأروع دراسة وأعمقها كتبها هذا العالم الجليل طيّب الله ثراه.

    ويشرح "والحب - أعزك الله-داء عياء ،وفيه الدواء منه على قدر المعاملة ،ومقام مستلذ،وعلة مشتهاه ،لايود سليمها البرء

    ،ولايتمنى عليلها الإفاقة.يزين للمرءماكان يأنف منه،ويسهل عليه ماكان يصعب تصديقه عنده ،حتى يحيل الطباع المركبة ،

    والجبلة المخلوقة
    "

    وصدق الشاعر إذ يقول "

    قالوا عشقت فقلت كم من فتنة لم تغن فيها حكمة الحكماء

    إن الذى خلق الملاحة لم يشأ إلا شقائى فى الهوى وبلائى

    وقال آخر :

    وما كنت ممن يدخل العشق قلبه و لكن من يبصر جفونك يعشق

    وقول الشريف الرضى :

    أنت النعيم لقلبي و العذاب له فما أمرّك في قلبي و أحلاك

    وسلطان الحب على العشاق قادر ،وقلّ أن يفيق منه ،إنما هو روح تسرى فى الأبدان ودماء تجرى فى العروق.

    وقال رجلُ لعمر بن الخطاب رضى الله عنه :يا أمير المؤمنين إنى رأيت إمراة فعشقتها .فقال عمر :ذلك مما لا يملك.

    ويقول الفضيل بن عياض :لو رزقنى الله الله دعوة مجابة لدعوت الله أن يغفر للعشاق لأن حركاتهم اضطرارية.

    ويؤكد ذلك القاضى أبو عمر النونانى فى كتابه" تحفة الظراف:

    "العشاق معذورون على كل حال ،مغفور لهم فى جميع الأفعال والأقوال .

    إذ العشق إنما دعاهم على غير اختيار .بل اعتراهم على جبر واضطرار .

    والمرء إنما يلام على مايستطيع من الأمور لا فى المقضى عليه والمقدور"

    وما ورد عن الحسين بن الحلاج :

    والله ماطلعت شمس ولاغربت إلا واسمك مقرون بأنفاسى

    ولاجلست إلى قوم أحدثهم إلا وأنت حديثى بين جلاسى

    ولاشربت الماء من ظمأ إلا وصورة منك فى الكاس

    ولا ذكرتك محزوناً ولافرحاً إلا وأنت بقلبى بين وسواسى

    ولو قدرت على الإتيان جئتكمو سعياً على الوجه أو مشياً على الراس
    [/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرؤوف النويهى; الساعة 04-12-2012, 15:41.
  • مصطفى شرقاوي
    أديب وكاتب
    • 09-05-2009
    • 2499

    #2
    وسلطان الحب على العشاق قادر ،وقلّ أن يفيق منه ،إنما هو روح تسرى فى الأبدان ودماء تجرى فى العروق.
    ل
    له درُّ المعاني حينما تُلامس القلوب والأفهام وبقدر التجارب والتشارك نؤمن بالتصديق على ما هنالك إذ لا راحة ولا هدوء ولا طيب خاطر يحدث للعاشق حتى يستلذ بما عند المعشوق منه ولا يطيب له فؤاد إلا وبين خافقيهِ أثرٌ من حبيبه مستطاب ويعيش مكدوراً مهموماً بعشقه سارحاً في الأوديةِ والشعاب لا يرتاح لهُ بال ولا يقرُ له قرار دون أن يعرف منزلته عند محبوبه ... فأنى لهم بدواء ودواء الحبيب قُرب المحبوب وما القرب إلا أصل المرض .... أ- النويهي لو مرَّ عليك العاشقون ونكأت لهُم الجراح فلا تأمن من أمرين دعوةٌ لك أو ..... أظن أنك تمتلك مثل هذا الكِتاب في خزانتك أنصحك أن تخفيهِ وأن تقلل من القراءة فيه فطوق الحمامه رسالة زاجله يطير بها الحُمام فوق مرتفعات الروح والباقي من قلوبنا لا يتحمل يا صديقي ...........
    سلمك الله من كل سوء تقبل ودي وتحياتي

    التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى شرقاوي; الساعة 29-11-2012, 16:33.

    تعليق

    • جلاديولس المنسي
      أديب وكاتب
      • 01-01-2010
      • 3432

      #3
      ويقول إبن حزم أيضاً

      "ويا من لازمني في حب من لم يره طرفي
      لقد أفرطت في وصفك لي في الحب بالضعف
      فقل: هل تُعرف الجنة يوماً بسوى الوصف".


      ****
      جميل إختيارك أستاذي الفاضل
      الطوق والحمامة من الكتب التي لا تمل من ملازمتها ( بالرغم من صعوبة اللغة بها قليلاً بالنسبة لي )
      ولكنها جمعت كل أبواب الحب وإن كنت أرى أن من يعرف الحب حقاً تعدى هذه الأبواب وما إستطاع سرد أو سطر بابٍ لما يعتريه
      كل التحايا على هذه القراءة السريعة في ... طوق الحمامة
      التعديل الأخير تم بواسطة جلاديولس المنسي; الساعة 29-11-2012, 16:35.

      تعليق

      • عبدالرؤوف النويهى
        أديب وكاتب
        • 12-10-2007
        • 2218

        #4
        الله ..الله ..لقد زادنى شرفاً وبهجة وسروراً ،هذه السطور الرائعة التى خطها الأستاذ الفاضل مصطفى شرقاوى
        "أ- النويهي لو مرَّ عليك العاشقون ونكأت لهُم الجراح فلا تأمن من أمرين دعوةٌ لك أو ..... أظن أنك تمتلك مثل هذا الكِتاب في خزانتك أنصحك أن تخفيهِ وأن تقلل من القراءة فيه فطوق الحمامه رسالة زاجله يطير بها الحُمام فوق مرتفعات الروح والباقي من قلوبنا لا يتحمل يا صديقي ...........
        سلمك الله من كل سوء تقبل ودي وتحياتي ""

        ما أروعها وماأعمقها
        ..
        فعلاً قلوبنا لاتحتمل!!

        وأذكر فى سنواتى الخضراء ،كم كنت شغوفاً بكتابات العشق والحب ودواوين الشعراء.
        وأحفظ بيتين من الشعر "مقدمة لمسلسل إذاعى فى فى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضى ،
        اسمه" لا تلوموا الخريف" كتبه الدكتور يوسف عزالدين عيسى ،إن لم تخونى الذاكرة.

        والبيتان كما حفظتهما هما :

        يزهر الزهر فى الربيع ويلقى عندباب الخريف بعض ظلاله
        لاتلوموا الخريف إن عشق الزهر وتاقت عيونه إلى جماله

        دمت -سيدى- عاشقاً ومحباً ورزقنا الله وإياك قلوباً تحتمل !!

        ولاتلومواالخريف!
        التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرؤوف النويهى; الساعة 29-11-2012, 20:44.

        تعليق

        • عبدالرؤوف النويهى
          أديب وكاتب
          • 12-10-2007
          • 2218

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة جلاديولس المنسي مشاهدة المشاركة
          ويقول إبن حزم أيضاً

          "ويا من لازمني في حب من لم يره طرفي
          لقد أفرطت في وصفك لي في الحب بالضعف
          فقل: هل تُعرف الجنة يوماً بسوى الوصف".


          ****
          جميل إختيارك أستاذي الفاضل
          الطوق والحمامة من الكتب التي لا تمل من ملازمتها ( بالرغم من صعوبة اللغة بها قليلاً بالنسبة لي )
          ولكنها جمعت كل أبواب الحب وإن كنت أرى أن من يعرف الحب حقاً تعدى هذه الأبواب وما إستطاع سرد أو سطر بابٍ لما يعتريه
          كل التحايا على هذه القراءة السريعة في ... طوق الحمامة
          الأستاذة الفاضلة جلاديوس المنسى

          ابن حزم الظاهرى الأندلسى من مفاخر الأدباء والعلماء والفقهاء على مر التاريخ .
          وكتابه "طوق الحمامة....."من الدراسات النادرة والمتميزة .وربما ولأول مرة نجد مثل هذه الدراسة لموضوع الحب.
          ولها تأثير عظيم فى حقل الدراسات الوجدانية والنفسية .
          وهو كما تشرفتِ بالقول"من الكتب التى لاتمل من ملازمتها" .
          دمتِ بخير

          تعليق

          • عبدالرؤوف النويهى
            أديب وكاتب
            • 12-10-2007
            • 2218

            #6
            العشاق والمحبون ،من عمق التاريخ ، لايهدؤون وشعلة العشق والحب متأججة فى قلوبهم ،فهى صلوات فى هيكل الحب ،يحفظونها وويقدسونها ويتلونها ليل نهار .
            ومن عمق التاريخ .. يأتينا صوت الحضارة المصرية الخالدة المشرقة الزاهرة ،مهما توالت القرون ..
            إنها فجر الضمير .
            ومن كتابات عالم المصريات العملاق الدكتور سليم حسن، ومن الجزء الثامن عشر من موسوعته الرائدة والفارقة فى "مصر القديمة" أختار من بردية شستر بيتى "أغانى غزلية " المقطوعة الرابعة التى ترجمها .

            لنقرأ ماذا تقول الحبيبة :

            إن قلبى يخفق سريعاً،

            عندما أذكر حبى لك،

            ولايجعلنى أسير كبنى الإنسان،

            بل أفزع من مكانه،

            ولايجعلنى أتزين بلباس،

            أو أتحلى بمروحتى.

            إنى لا أضع كحلاً فى عينى ،

            ولا أعطر نفسى قط .

            (
            لاتنتظرى بل عودى إلى البيت

            هكذا يحدثنى غالباً قلبى كلما ذكرته.

            لاتلعبن دور المجنون ياقلبى ؛

            لماذا تلعب دور الرجل المخبول ؟

            اهدأ إلى أن يأتى لك المحبوب .

            ياعينى ....؟

            ولاتجعلن القوم يقولون عنى ،

            إنها إمرأة قد أقعدها الحب.

            كن ثابتاً كلما ذكرته،

            أنت ياقلبى،

            ولاترخين له العنان"
            التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرؤوف النويهى; الساعة 29-11-2012, 20:32.

            تعليق

            • منيره الفهري
              مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
              • 21-12-2010
              • 9870

              #7
              الأستاذ القدير
              عبد الرؤوف النويهي
              شكرا جزيلا لهذا الموضوع الجميل الحي
              و هذا الكتاب العظيم الذي تضعه بين يدينا
              طوق الحمامة لأبن حزم

              و الحقيقة انني قرأت هذا الكتاب و مازلت لا أمل قراءته و هو كنز فعلا

              و مما قيل عن الشاعر ابن حزم و عن كتابه "طوق الحمامة":

              طوق الحمامة فى الألفة و الألاف

              تأليف : ابن حزم الأندلسى


              يعد ابن حزم من فحول الشعراء, فهو شاعر من الطبقة الأولى, حيث يمتاز شعره بجودة التعبير, وحسن التصوير, وسلامة المعنى, وعمق التفكير, وبراعة الاستهلال, وجودة الخيال, ونصاعة اللفظ, وإشراقة التركيب. وقد ظهر إبداعه في طوق الحمامة, فهو يصورها في سلاسل تصويرية بارعة, ورنات موسيقية تلمس شغاف القلب, وقد جمع ابن حزم بين ضروب العلم المختلفة , فهو الكاتب البارع, والمؤرخ ذو النظرة العميقة, والنسابة المدقق في الأنساب, والفيلسوف المتمنطق, والعالم العارف المحقق, والفقيه المحدث, والشاعر المبدع المفلق. وخاصة في أسلوبه في طوق الحمامة وهذا ما يبينه الكتاب للقارىء المطلع والعارف والعالم.

              تعد رسالة “طوق الحمامة في الألفية والآلاف”، سفراً من فرائد الكتب، التي حفلت بها مكتبتنا العربية، وجوهرة ثمينة، قل مثيلها في التراث الحضاري الإنساني، لأنها جمعت بؤرة بحثها، في ميدان متخصص شيق، يتناول غريزة، من غرائز الإنسان الهامة، وعاطفة نبيلة طالما عصفت بالأنثى والذكر من البشر.
              رسالة في صفة الحب ومعانيه وأسبابه وأعراضه، وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة لا متزيداً ولا مفتناً، وأصول الحب، وكيفية الوصول إلى قلب المحبوب، وقبح المعصية وفضل التعفف.
              عالج الكتاب أمور الحب وصفاته وظروفه وأحواله ومعانيه وأعراضه، من منظار الجنسين، وتوسع في فلسفته، وما يعانيه العشاق والمحبون، من ألوان العذاب والعذل، والحرمان والألم والهجر والفراق، وما ينتشونه من أريج لحظات اللقاء ولذة الانضمام ونعيم الاجتماع.
              شرح ابن حزم موضوعه من تجاربه الخاصة ومن أخبار الثقة، ومن مراقبة مجتمعه وعاداته وتقاليده، وقصص الرواة، متضمناً بحثه الأمثال، والطرائف، والشعر، والقصص والتعليقات الجاذبة، والحوادث الجارية في زمنه، مرفقاً عباراته كل معنى يشد من انتباه القارئ ويبعد عنه روح السأم، جالياً تركيزه جاذباً انتباهه. كأن الكاتب يتناول فلسفة الحب من منظاره النفسي، مبيناً الأهواء، والعواطف والمشاعر، والحس الغريزي، والمشاعر الإنسانية، وسلطان النفس والروح التي تخفق في القلوب، وتسيطر على عقول المحبين والعشاق مثيرة فيهم ضروب الشوق والقلق والترقب واللهفة.
              استغل ابن حزم المشاعر والعواطف الغريزية الإنسانية، ليبرزها لنا معربة منقاة متعددة الأصناف، فهو يعرض صفات الحبيب المثالي على ضوء العادات والقيم والأخلاق والدين، ويستقذر من الحبيب الماجن، السلوك الدنيء البعيد عن رضا الله، وكأنه في عمله يقوم ميولنا وأهواءنا في الحب والعشق ليسيرها في الطريق الصحيح الذي يؤدي إلى اللقاء الجلال، رافعاً من فلسفلة الحب إلى مقام أسمة محمود.
              وهو وإن صرح في مقدمة رسالته بأنه كان ليؤلف مثل هذا الكتاب، أو ينفق الوقت في جمعه وتبويبه، لولا مودة يحرص على تزيينها بالقبول والإيجاب بقوله: “ولولا الإيجاب لك لما تكلفته، فهذا من العفو، والأولى بنا مع قصر أعمارنا ألا نصرفها إلا فيها نرجو به رحب المنقلب وحسن المآب غدا..”، فهو في الحقيقة أراد أن يرفع أمامنا مشعلاً ينير طريقنا نحو الحق ويعطينا درساً في موضوع الحب وصفاته، بعد أن رأى تخبط زمانه بالفساد، وانغماس أهله في التلهي والشهوات والملذات وقد ضاقت القصور بالجواري والغلمان والقيان، وانهالت الثروات على جيوب الموالي والحكام الأمر الذي أدى إلى زعزعة القيم والأخلاق والذمم وتردي أوضاع الأمن والاضطرابات، وثورات البربر والصقالبة ودمار بعض المدن وخاصة قرطبة.

              اعتلى ابن حزم في “طوق الحمامة” منبراً للوعظ والإرشاد، وتبياناً للمعرفة وسبر أغوار نفوس الناس وغرائزها، بعد ثمرة تجربة ومعاناة ومعالجة، عدد أخلاق النساء المحمودة والمذمومة وميولهم المختلفة، بعد أن عاش في كنفهن صبياً، وعاشرهن شاباً، وارتوى من أخبارهن وقصصهن بعد حيازة ثقتهن به، وقارن طبائعهن بأخلاق الرجال وميولهم واهتماماتهم وحرصهم وإيثارهم، الأمر الذي يدل على سعة خبرته بنيات النساء والرجال وطبائعها وعواطفها، ومعتقدها، وهو أمر يعلنه صراحة بقوله: “ولقد أطلعت من سر معتقد الرجال والنساء على أمر عظيم”.
              واللافت للنظر أنه وقف وقفة أطول عند خبرته بالنساء وأحوالهن فقال: “ولقد شاهدت النساء، وعلمت من أسرارهن، ما لا يكاد يعلمه غيري، لأني ربيت في حجورهن ونشأت بين أيديهن، ولم أعرف غيرهم.. فلم أزل باحثاً عن أخبارهن، كاشفاً عن أسرارهن، وكن قد أنسن مني بكتمان، فكن يطلعنني على غوامض أمورهن، ولولا أن أكون منبهاً على عورات يستعاذ بالله منها لأوردت من تنبههن في السر، ومكرهن فيه، عجائب تذهل الألباب”.
              ألف “ابن حزم الظاهري الأندلسي” رسالته طوق الحمامة في الألفية والآلاف استجابة لسؤال صديق عزيز عليه من منطقة المرية، كان قد طلب منه أن يصنف له رسالة في صفة الحب ومعانيه وأسبابه وأغراضه، وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة، واستجابة لهذا الصديق دون رسالته التي بين أيدينا ملتزماً فيها جانب الحقيقة في دراسته للحب وأغراضه وصفاته ومستفيداً من تجربته الشخصية ومن تجارب الآخرين في هذا المجال، وأغلب الظن أن عمر ابن حزم عند تأليفه رسالة “طوق الحمامة” كان عمره 34 سنة.
              وقد يرسم للقارئ فيه صورة للمرأة الأندلسية من خلال القصص والأخبار التي ذكرها بين ثنايا الرسالة، وقدم له فيه أكثر من نموذج وصورة وهو الفقيه يقول: “عني أخبرك”، ويتحدث عن قصة حبه لـ “نغم”، وقصة حب أخرى عاشها، وفي الصورتين يظهر لنا “العفة” وفضل التعفف، ويعرض له صوراً لقبح المعصبة، كل ذلك منثور منتظم داخل “الطوق”!
              هذا وينطوي الكتاب على إشارات تاريخية، وتفسيرات نفسية، فالقارئ يبصر ابن حزم مرة يكون مؤرخاً، وعالم نفس تارة أخرى، كل ذلك بأسلوب مشرق ولغة بيانية صافية لا تخلو من مصطلحات المتكلمين والفقهاء.
              وبالرجوع لأقسام الرسالة نجد أنه قد قسمها إلى 30 باباً جاءت في أربعة أقسام تحدثت عن ما يلي: أصول الحب، أعراض الحب وصفاته المحمودة والمذمومة، الآفات الداخلة على الحب، الكلام في قبح المعصية؛ وفضل التعفف. ونظراً لما تتمتع به هذه الرسالة من نظرية تحليلية لعاطفة الحب فقد عني بإخراجها في هذه الطبعة محققة، وبالرجوع لعمل المحقق نجد أنه يتجلى بما يلي: أولاً قابل بين النسخ المطبوعة من الرسالة، ورجح ما هو أقرب للمعنى والسياق، ثانياً: ترجم لبعض الأعلام والبلدان، وضبط النص بالشكل، وأثبت الأوزان الشعرية للأبيات، ثالثاً: شرح المشكل من الكلمات الغريبة، وعلق بتعليقات ومقارنات على بعض الأشعار، رابعاً: دوّن للرسالة مقدمة تحدث فيها عن الرسالة ومؤلفها ونهجه بالتحقيق.
              أن يعالج فنان الحب في كلمات أو أنغام أو رسوم أو تكوين أو حركات فذلك عهد الإنسانية بمواضيع الفنانين منذ نشأ الفن وترعرع في وحي الجمال. وأن يعالج فيلسوف الحب فذلك مألوف منذ جعل أفلاطون من الايروس (eros) أداة مجدية للارتقاء بالنفس الإنسانية إلى عالم الحياة الروحية إلى اليوم الذي أصبح فيه الحب مشكلة فلسفية تترامى حتى تشمل كافة حقول الفكر الفلسفي ومذاهبه. أما أن يتناول رجل سياسة وفقه وقانون مثل ابن حزم الأندلسي موضوع الحب فلا ريب أن يثير ذلك السؤال: من أي جانب تناول ابن حزم الحب؟! لم يعالج ابن حزم موضوعه هذا من زاوية فقهية أو قانونية، إلا أن ابن حزم ينطلق في طوق الحماقة “يحلل الحب تحليلاً نفسياً يضاهي في مناهجه ونتائجه أحدث ما توصل إليه علم النفس المعاصر من معطيات في دراسة عاطفة الحب. ويلاحظ أن ابن حزم عندما يرسم شخصية أو يعرض فكرة أو يعالج مسألة يستشهد بما خبره أو بما سمعه ووثق به. فلقد كان لابن حزم مصادره وكان له منهجه لقد اقتصرت مصادر ابن حزم على ما شاهد وعاين ورأى وجرب وما صح عنده مما نقله إليه الثقات.

              وإذا عالج ابن حزم الموضوع اعتمد على الاستقراء والتتبع مستعيناً في بعض الأحيان بما وصل إليه من فلسفة اليونان ومرتكزاً على ثقافته الإسلامية، وفي معالجة لموضوع من مواضيع الحب نجده يتناوله من وجهتين، وجهة واقعية ووجهة دينافيزيكية. لقد كان ابن حزم يسعى لأن يأتي بجديد في كتابه وكان لا بد أن يهمل أخبار الأعراب والمتقدمين ليس لأن هناك من سبقه إلى تناولها فحسب، بل لاعتقاده من جهة بكون مجتمعهم يختلف عن مجتمعه، ومن جهة ثانية لإيمانه بأن لا بد من أساس موثوق به لما يخرج به من آراء ونظريات ومعطيات في الموضوع. وعلى هذا حفل كتابه بجوانب ونماذج تجمع بين الطرافة والجدة فتعكس شخصيته ومجتمعه. وهذه الطبعة من كتاب “طوق الحمامة” هي ثمرة محاولة للتوفيق بين نصوص الترجمات والطبعات العديدة للكتاب وعلى نحو يتلاءم مع نص المخطوطة الأصلي، وفي الوقت نفسه تتوخى هذه الطبعة عرض الكتاب بشكل ومظهر يتلاءم مع منهجيته وموضوعه.(منقول )



              المؤلف:

              ابن حزم: هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم, وكنيته أبو محمد. ولد بقرطبة في رمضان سنة 384هجرية. كانت له ولأبيه من قبله الوزارة وتدبير المملكة, ثم زهد فيها وانصرف إلى العلم. أهم مؤلفاته: الإحكام لأصول الأحكام, أسماء الله الحسنى, أسماء الصحابة, الأصول والفروع, المحلى في الآثار, حجة الوداع, وغيرها.

              كان ابن حزم الأندلسي عالماً، سبر الناس وخبرهم وعرف الناس وهو في أوج الثراء في حياته الأولى في بيت أبيه، ثم عرفهم وزيراً، ثم زهد في الدنيا وتركها لأصحابها، وعكف على التصنيف والعلم، وقد بلغت مصنفاته أربع مئة مجلد في 80 ألف ورقة.



              تعليق

              • عبدالرؤوف النويهى
                أديب وكاتب
                • 12-10-2007
                • 2218

                #8
                قمع الهوى

                كنت فى بداية نضجى وفى سنى المراهقة ،ولم أكمل بعد العشرين وتعلقت ببنت الجيران تعلقا ملك على حواسى وتحدثت معها وصارت المشاعر بيننا بحرا عذبا ووهجا متألقا ، والأشعار الرومانسية لإبراهيم ناجى ومدرسة أبولو الوجدانية ومدرسة المهجر وجبران خليل جبران وحفظت أشعارا كثيرة عن الحب وقرأت مئات بل آلاف قصص الحب والروايات العالمية لكل أدباء العالم وأتذكر كم عانيت من قسوة المشاعر والأحاسيس الغضة الخضراء.

                نظرا لظروف المجتمع الريفى والتربية الدينية والأخلاق الحميدة لم أستطع تعميق هذه العلاقة، وظلت علاقة ود وتبادل عواطف فى إطار المشروع من التصرفات والمتعارف عليهاوالمعاملة بين الأهل والجيران سيما وأنها تمت بقرابة لأمى.

                أعتقد أن هذه المشاعر ترسبت فى حياتى آنذاك وأخذت بيدى إلى أن المتاح من العلاقات لايكفى لظهورها حيز النور ولابد من وأدها فى مهدها وإلا الثورة والإنقلابات والتقاتل بين الأسر والعائلات . حافظت من جهتى على سرية العلاقة ولم أغامر بظهورها وكذلك هى ،فكلانا يعرف جيدا النهاية المؤسفة لو حدث وتسرب خبر العلاقة ،بصراحة كتمت المشاعر وخنقتها خنقا ،وقلت لايمكن البوح بها إلا على الورق والكتابة والإنغماس أكثر وأكثر فى القراءة والتثقيف والتعليم .

                وحصلت على الثانوية العامة وبدون تفكيراخترت كلية الحقوق جامعة القاهرة وتحملى مشقة السفروالغربة عن الأهل والصحاب ، رغم أن كل زملائى إختاروا كليات بجامعة طنطا .

                وفوجئت فى يوم من الأيام بأخيها يخبرنى بخطبة أخته على فلان قريب لى وله ،وأنهم قرأوا الفاتحة من أسبوع أو أكثر .

                الحق أقول : غامت عيناى بالدموع وتلجلج لسانى وشعرت بتهاوى قلبى ولم أنبس ببنت شفة . ومرت سنة أو أكثر، وعقد القران وتحددت ليلة الزفاف وحضرت الفرح وأنا غاضب من قلبى الذى أوردنى هذا المورد الصعب والإيذاء النفسى الجسيم .

                وكانت الغربة من المجتمع والناس وقلبى الذى أخرسته وألجمته وأغلقت عليه باباً صعب الإقتراب منه أو المرور أمامه .
                ولم أحاول مستقبلاًخوض غمار معارك الحب،خشية من مصارع العشاق.[align=justify]سأسمى هذا الحب الذى أقبل علىَ إبان مراهقتى (حب جامح) لأنه سيطر سيطرة كاملة وهيمن هيمنة أخذت بخناقى ، واجتاح كيانى وسلب أنفاسى
                سأمسك نفسى عن الكلام العاطفى وأحكم بالعقل والمنطق على تجربتى الشبابية.

                أتصور وأنا فى نهاية العقد السادس من العمر ، أن الحب هو أشياء كثيرة وعواطف وانفعالات شتى ، بل أحيانا يصبح غير مفهوم
                وأتذكر هذين البيتن :
                إنى أحبك حبا ليس يبلغه ** فهم ولاينتهى وصفُ إلى صفته
                أقصى نهاية علمى فيه معرفتى ** بالعجز منى ، عن إدراك معرفته

                اليوم :
                أحاول تشريح مفهوم هذه العلاقة وأتبين ظروفها ومحتواها وخصائصها والدوافع التى أملتها والغاية منها يتبين لى الآتى :
                إنه إندفاع محموم .
                إنه نار شبت فى كيانى .
                إنه رغبة وشهوة .
                إنه أتى إلىَ عفويا ، دخل بقوة وعنف وبدون إستئذان.
                إنه إمتد فترة طويلة ثم صار شاحبا وضعيفا وهزيلا.
                إنه ترك فىَ ندوبا وجروحا وانكسارا وآلاما لاتنسى.

                بل أتذكر سوفوكليس المسرحى اليونانى الأعظم يقول :
                الحب ليس وحده الحب .
                ولكن اسمه يخفى فى ثناياه أسماء أخرى متعددة .
                إنه الموت والقوة التى لاتحول ولاتزول .
                إنه الشهوة المحض،الجنون العاصف والنواح.

                وأتجاوز بالقول قليلا وأتقدم بحرص شديد وحذر أشد :

                هل تختلف تجربة المرأة عن الرجل إذا ما صادف الحب قلبها؟[/align]
                [align=justify]

                [/align]
                التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرؤوف النويهى; الساعة 05-12-2012, 08:06.

                تعليق

                • منيره الفهري
                  مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
                  • 21-12-2010
                  • 9870

                  #9
                  من القسم الأول
                  من كتاب طوق الحمامة لابن حزم
                  علامات الحب
                  مترجم




                  Translated by

                  A.J. ARBERRY, LITT.D., F.B.A


                  THE SIGNS OF LOVE


                  LOVE has certain signs, which the intelligent man quickly detects, and the shrewd man readily recognizes. Of these the first is the brooding gaze: the eye is the wide gateway of the soul, the scrutinizer of its secrets, conveying its most private thoughts, and giving expression to its deepest-hid feelings. You will see the lover gazing at the beloved unblinkingly; his eyes follow the loved one's every movement, withdrawing as he withdraws, inclining as he inclines, just as the chameleon's stare shifts with the shifting of the sun. I have written a poem on this topic, from which the following may be quoted.
                  My eye no other place of rest
                  Discovers, save with thee;
                  Men say the lodestone is possessed
                  Of a like property.

                  To right or left it doth pursue
                  Thy movements up or down,
                  As adjectives in grammar do
                  Accord them with their noun.

                  The lover will direct his conversation to the beloved, even when he purports however earnestly to address another: the affectation is apparent to anyone with eyes to see. When the loved one speaks, the lover listens with rapt attention to his every word; he marvels at everything the beloved says, however extraordinary and absurd his observations may be; he believes him implicitly even when he is clearly lying, agrees with him though he is obviously in the wrong, testifies on his behalf for all that he may be unjust, follows after him however he may proceed and whatever line of argument he may adopt. The lover hurries to the spot where the beloved is at the moment, endeavors to sit as near him as possible sidles up close to him, lays aside all occupations that might oblige him to leave his company, makes light of any matter however weighty that would demand his parting from him, is very slow to move when he takes his leave of him. I have put this somewhere into verse.
                  No captive for the gallows bound
                  With more reluctance quits his cell
                  Than I thy presence, in profound
                  Regret to say farewell.

                  But when, my darling, comes the time
                  That we may be together, I
                  Run swiftly as the moon doth climb
                  The ramparts of the sky.

                  At last, alas! That sweet delight
                  Must end anew; I, lingering yet,
                  Turn slowly, as from heaven's height
                  The fixed stars creep to set.

                  Other signs of love are that sudden confusion and excitement betrayed by the lover when he unexpectedly sees the one he loves coming upon him unawares, that agitation which overmasters him on beholding someone who resembles his beloved or, on hearing his name suddenly pronounced. This I have put into verse, as the following extract indicates.
                  Whene'er my ranging eyes descry
                  A person clad in red,
                  My heart is split with agony
                  And sore discomforted.

                  His roguish glance, as I conclude,
                  Has shed such human blood
                  That now his garments are imbrued
                  All saffron from the flood.

                  A man in love will give prodigally to the limit of his capacity, in a way that formerly he would have refused; as if he were the one receiving the donation, he the one whose happiness is the object in view; all this in order that he may show off his good points, and make himself desirable. How often has the miser opened his purse strings, the scowler relaxed his frown, the coward leapt heroically into the fray, the clod suddenly become sharp-witted, the boor turned into the perfect gentleman, the stinker transformed himself into the elegant dandy, the sloucher smartened up, the decrepit recaptured his lost youth, the godly gone wild, the self-respecting kicked over the traces-and all because of love!
                  All these signs are to be observed even before the fire of Love is properly kindled, ere its conflagration truly bursts forth, its blaze waxes fierce, its flames leap up. But when the fire really takes a hold and is firmly established, then you will see the secret whispering, the unconcealed turning away from all present but the beloved. I have some verses in which I have contrived to bring together many of these signs, and will now quote from these.


                  يتبع

                  تعليق

                  • حسن العباسي
                    أديب وكاتب
                    • 16-04-2012
                    • 522

                    #10
                    وقول الشريف الرضى :

                    أنت النعيم لقلبي و العذاب له فما أمرّك في قلبي و أحلاك

                    وسلطان الحب على العشاق قادر ،وقلّ أن يفيق منه ،إنما هو روح تسرى فى الأبدان ودماء تجرى فى العروق.

                    وقال رجلُ لعمر بن الخطاب رضى الله عنه :يا أمير المؤمنين إنى رأيت إمراة فعشقتها .فقال عمر :ذلك مما لا يملك.

                    ويقول الفضيل بن عياض :لو رزقنى الله الله دعوة مجابة لدعوت الله أن يغفر للعشاق لأن حركاتهم اضطرارية.

                    بارك الله بك الأخ الأستاذ والمستشار الأدبي عبد الرؤوف النويهي , كلمات في منتهى الرقة
                    والعذوبة والوجدان الحي النابع من الصميم الصادق .. دراسة طيبة الأثر وتقديم رائع جدا يدفعنا ألى مصافحة يداك والدعاء لك
                    التعديل الأخير تم بواسطة حسن العباسي; الساعة 05-12-2012, 07:54.
                    Undressed you shall be
                    O, Hadbaah
                    The worshiping place to all
                    A pious man and saint



                    تعليق

                    • منيره الفهري
                      مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
                      • 21-12-2010
                      • 9870

                      #11
                      أستاذنا المفكر الكبير
                      و الأديب القدير
                      عبد الرؤوف النويهي
                      مازلنا هنا
                      نريد أن ننهل أكثر من قيّم علمك و قراءاتك الثرية
                      تحياتي التي تليق سيدي

                      تعليق

                      • المختار محمد الدرعي
                        مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
                        • 15-04-2011
                        • 4257

                        #12
                        أحداث و ذكريات رائعة كم يحلو الجلوس إليها حيث يمر الوقت دون أن نشعر به
                        نتابع بإهتمام و شغف ما يجود به قلمك أستاذنا عبد الرؤوف
                        فائق الود و المحبة
                        [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
                        الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



                        تعليق

                        • جلاديولس المنسي
                          أديب وكاتب
                          • 01-01-2010
                          • 3432

                          #13
                          باب الضَّنى ... بطوق الحمامة
                          يقول :
                          يقول لي الطبيب بغير علم ...... تداو فأنت يا هذا عليل
                          ودائي ليس يدريه سوائي ...... ورب قادر مليك جليل
                          أأكنمه ويكشفه شهيـــــق ...... يلازمني وإطراق طويل
                          ووجه شاهدات الحزن فيه ......وجسم كالخيال ضن نحيل
                          وأثبت ما يكون الأمر يوماً ...... ب شك إذ صح الدليل
                          فقلت له : أبن عني قليــلاً ...... فلا زالله لا تعرف ما تقول
                          فقال : أرى نحو زاد جدا ...... وعلتك التي تشكو ذبــــول
                          فقلت له : الذبول تعل منه الجـ .... وارح وهي حمى تستحيل
                          وما أشكو لعمر الله حمى ...... وإن الحر في جسمي قليل
                          فقال : أرى إلتفاتا وإرتقابا ...... وأفكارا وصمتا لا يزول
                          وأحسب أنها السوداء فإنظر...... لنفسك إنها عرض ثقيل
                          فقلت له : كلامك ذا محال ...... فما للدمع من عيني يسيل
                          فأطرق باهتا مما أراه ...... ألا في مثل ذا بهت النبيل
                          فقلت له : دوائي منه دائي ...... ألا في مثل ذا ضلت عقول
                          وشاهد ما أقول يرى عيانا ...... فروع النبت إن عكست أصول
                          وترياق الأفاعي ليس شيء ...... سواه ببرء ما لدغت كفيل

                          تعليق

                          • عبدالرؤوف النويهى
                            أديب وكاتب
                            • 12-10-2007
                            • 2218

                            #14
                            للحب علامات .

                            صفحات من كتاب " طوق الحمامة في الألفة والأُلاَّف" لابن حزم الأندلسى

                            "للحب علامات يقفوها الفطن، ويهتدي إليها الذكي . فأولها إدمان النظر والعين باب النفس الشارع ، وهي المنقبة عن سرائرها ، والمعبرة لضمائرها ، والمعربة عن بواطنها . فترى الناظر لا يطرف ، ينتقل بتنقل المحبوب ، وينزوي بإنزواءه ، ويميل حيث مال .
                            ومنها علامات متضادة وهي على قدر الدواعي ، والعوارض الباعثة والأسباب المحركة والخواطر المهيجة . والأضداد أنداد ، والأشياء إذا أفرطت في غايات تضادها ووقفت في انتهاء حدود اختلافها تشابهت ، قدرة من الله عز وجل تضل فيها الأوهام . فهذا الثلج إذا أُدمن حبسه في اليد فعل فعل النار ، ونجد الفرح إذا أفرط قتل ، والغم إذا أفرط قتل ، والضحك إذا كثر واشتد ، أسال الدمع من العينين . وهذا في العالم كثير ، فنجد المحبين إذا تكافيا في المحبة وتأكدت بينهما شديداً ، كثر تهاجرهما بغير معنى ، وتضادهما في القول تعمداً ، وخروج بعضهما على بعض في كل يسير من الأمور ، وتتبع كل منهما لفظة تقع من صاحبه ، وتأولها على غير معناها ، كل هذا تجربة ليبدو ما يعتقده كل واحد منهما في صاحبه .
                            والفرق بين هذا وبين حقيقة الهجرة ، المضادة المتولدة عن الشحناء ومحارجة التشاجر ، سرعة الرضى ، فإنك بينما ترى المحبين قد بلغا الغاية من الاختلاف الذي لا تقدره ، يصلح عند الساكن النفس ، السالم من الأحقاد في الزمن الطويل ، ولا ينجز عند الحقود أبداً ، فلا تلبث أن تراهما ، قد عادا إلى أجمل الصحبة ، وأهدرت المعاتبة ، وسقط الخلاف ، وانصرفا في ذلك الحين بعينه إلى المضاحكة والمداعبة ، هكذا في الوقت مراراً . وإذا رأيت هذا من اثنين فلا يخالجك شك ، ولا يدخلنك ريبة البتة ، ولا تتمار في أن بينهما سراً من الحب دفيناً ، واقطع فيه قطع من لا يصرفه عنه صارف .ودونكها تجربة صحيحة وخبرة صادقة . هذا لا يكون إلا عن تكافٍ في المودة وائتلاف صحيح .
                            ومن أعلامه أنك تجد المحب يستدعي سماع اسم من يحب ، ويستلذ الكلام في أخبارة ويجعلها هجيراه ، ولا يرتاح لشيء ارتياحه لها ، ولا ينهنهه عن ذلك تخوف أن يفطن السامع ويفهم الحاضر .
                            - ومن وجوه العشق : الوصل ، وهوحظ رفيع ، ومرتبة سرية ، ودرجة عالية ، وسعد طالع ، بل هو الحياة المجددة والعيش السني ، والسرور الدائم ، ورحمة من الله عظيمة . ولولا أن الدنيا ممر ومحنة وكدر ، والجنة دار جزاء وأمان من المكاره ، لقلنا إن وصل المحبوب هو الصفاء الذي لا كدر فيه ، والفرح الذي لا شائبة ولا حزن معه ، وكمال الأماني ، ومنهى الأراجي .
                            ولقد جربت اللذات على تصرفها ، وأدركت الحظوظ على اختلافها ، فما للدنو من السلطان ، ولا المال المستفاد ، ولا الوجود بعد العدم ، ولا الأوبة بعد طول الغيبة ، ولا الأمن بعد الخوف ، ولا التروح على المال ، من الموقع في النفس ما للوصل ، ولا سيما بعد طول الامتناع ، وحلول الهجر ، حتى يتأجج عليه الجوى ، ويتوقد لهيب الشوق ، وتتضرم نار الرجاء . وما إصناف النبات بعد غِب القطر ، ولا إشراق الأزاهير بعد إقلاع السحاب الساريات في الزمان السجسج ، ولا خرير المياة المتخللة لأفانين النوار ، ولا تأنق القصور البيض ، قد أحدقت بها الرياض الخضر ، بأحسن من وصل حبيب قد رُضيت أخلاقه ، وحُمدت غرائزه ، وتقابلت في الحسن أوصافه ، وأنه لمعجز ألسنة البلغاء ، ومقصر فيه بيان الفصحاء ، وعنده تطيش الألباب ، وتعزب الأفهام وفي ذلك أقول :
                            وسائل لي عما لي من العمر : وقد رأى الشيب في الفوْدين والعذر
                            أجبته : ساعة لا شيء أحسبه : عمراً سواها بحكم العقل والنظر
                            فقال لي : كيف ذا بينه لي فلقد : أخبرتني أشنع الأنباء والخبر
                            فقلت : إن التي قلبي بها عَلِقٌ : قبلتها قبلة يوم على خطر
                            فما أعد ولو طالت سِنِي سوى : تلك السويعة بالتحقيق من عمري "

                            تعليق

                            • منيره الفهري
                              مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
                              • 21-12-2010
                              • 9870

                              #15
                              وسائل لي عما لي من العمر : وقد رأى الشيب في الفوْدين والعذر
                              أجبته : ساعة لا شيء أحسبه : عمراً سواها بحكم العقل والنظر
                              فقال لي : كيف ذا بينه لي فلقد : أخبرتني أشنع الأنباء والخبر
                              فقلت : إن التي قلبي بها عَلِقٌ : قبلتها قبلة يوم على خطر
                              فما أعد ولو طالت سِنِي سوى : تلك السويعة بالتحقيق من عمري "

                              اااااااااااالله الله على باب الحب و العشق
                              و ابن حزم الأندلسي
                              شكرااا استاذنا الرائع
                              عبد الرؤوف النويهي
                              لهذه المداخلات الرائعة
                              نتابع الروعة و الألق بشغف كبير

                              تعليق

                              يعمل...
                              X