طوق الحمامة The Ring of the Dove

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد بوسنة
    أديب وكاتب
    • 30-04-2013
    • 507

    #16
    من أروع ما قرأت في شبابي
    طوق الحمامة
    ما اجمله من كتاب
    كل التقدير لك الاستاذ عبد الرؤوف النويهي لتذكيرنا به
    و لجميل هذا الحرف الرائق
    جزاك الله كل خير أستاذ النويهي


    تعليق

    • عبدالرؤوف النويهى
      أديب وكاتب
      • 12-10-2007
      • 2218

      #17
      من فرط إعجابى بكتاب طوق الحمامة ..أنقل هذه الدرر عن العشق بالوصف دون المعاينة.
      ضبط نصه وحرر هوامشه : الدكتور الطاهر أحمد مكي
      ص39،38 طبعة دار المعارف المصرية الطبعة الرابعة ،منقحة، 1985م


      مختارات من طوق الحمامة فى الألفة والألاف


      (4)

      باب من أحب بالوصف

      و من غريب أصول العشق أن تقع المحبة بالوصف دون المعاينة ، و هذا أمر يترقى منه إلى جميع الحب ، فتكون المراسلة و المكاتبة ، و الهم و الوجد ، و السهر على غير الإبصار ، فن للحكايات و نعت المحاسن ، و وصف الأخبار ، تأثيرا في النفس ظاهرا .
      و أن تسمع نغمتها من وراء جدار ، فيكون سببا للحب و اشتغال البال.

      و هذا كله قد وقع لغير ما واحد ، و لكنه عندي بنيان عار على غير أساس ، و ذلك أن الذي أفرغ ذهنه في غير هوى من لم ير لا بد له إذ يخلو بفكره أن يمثل لنفسه صورة يتوهمها ، و عينا يقيمها نصب ضميره ، لا يتمثل في هاجسه غيرها ، قد مال بوهمه نحوها ، فإن وقعت المعاينة يوما ما فحينئذ يتأكد الأمر أو يبطل بالكلية.
      و كلا الوجهين قد عرض و عرف ، و أكثر ما يقع هذا في ربات القصور ، المحجوبات من أهل البيوتات مع أقاربهن من الرجال ، و حب النساء في هذا أثبت من حب الرجال ، لضعفهن و سرعة إجابة طبائعهن إلى هذا الشأن ، و تمكنه منهن.


      و في ذلك أقول شعرا ، منه :

      و يا من لا مني في حب من لم يره طرفي
      لقد أفرطت في وصفك لي في الحب بالضعف
      فقل : هل تعرف الجنة يوما بسوى الوصف

      و أقول شعرا في استحسان النغمة دون وقوع العين على العيان منه :
      قد حل جيش الغرام سمعي ***و هو على مقلتي يبدو

      و أقول أيضا في مخالفة الحقيقة لظن المحبوب عند وقوع الرؤية :
      وصفوك لي حتى إذا أبصرت ما*** وصفوا علمت بأنه هذيان

      فالطبل جلد فارغ و طنينه*** يرتاع منه و يفرق الإنسان

      و في ضد هذا أقول :
      لقد وصفوا لي حتى التقينا*** فصار الظن حقا في العيان

      فأوصاف الجنان مقصرات ***على التحقيق عن قدر الجنان

      و إن هذه الأحوال بين الأصدقاء و الإخوان ، و عني أحدث.
      *خبر :
      إنه كان بيني و بين رجل من الأشراف ودّ و كيد ، و خطاب كثير ، و ما ترامينا قط ، ثم منح الله لي لقاءه ، فما مرت إلا أيام قلائل حتى وقعت لنا منافرة عظيمة و وحشة شديدة متصلة إلى الآن ، فقلت في ذلك قطعة ، منها :
      أبدلت أشخاصنا كرها و فرط ***كما الصحائف قد يبدلن بالنسخ
      و وقع لي ضد هذا مع أبي عامر بن أبي عامر ( 1 ) رحمة الله عليه . فإني كنت له على كراهة صحيحة و هو لي كذلك ، و لم يرني و لا رأيته ، و كان أصل ذلك تنقيلا يحمل إليه عني و إلي عنه ، و يؤكده انحراف بين أبوينا لتنافسهما فيما كانا فيه من صحبة لسلطان ، و وجاهة الدنيا. ثم وفق الله الاجتماع به فصار لي أو الناس ، و صرت له كذلك ، إلى أن حال الموت بيننا.
      و في ذلك أقول قطعة ، منها :
      أخ لي كسّبنيه اللقاء ***و أوجدني فيه علقا شريفا
      و قد كنت أكره من الجوار*** و ما كنت أرغبه لي أليفا
      و كان البغيض فصار الحبيب *** و كان الثقيل فصار الخفيفا
      و قد كنت أدمن عنه الوجيف*** فصرت أديم إليه الوجيفا

      و أما أبو شاكر عبدالرحمن بن محمد القبري ( 2 ) فكان لي صديقا مدة على غير رؤية ، ثم التقينا فتأكدت المودة و اتصلت و تمادت إلى الآن.

      هوامش :
      1– الحديث أكيدا عن ابن لعبد الملك المظفر ، و ينفي أننا بصدد المظفر نفسه فارق السن بينه و بين ابن حزم ، فلقد كان والد ابن حزم و المظفر نفسه في خدمة هشام الثاني المؤيد ، كما يفهم ذلك من كلام المؤلف.
      2 – ترجم له الضبي في كتابه ( البغية ) الترجمة رقم 1107 ، و أورد اسمه كاملا : عبدالواحد ( بدلا من عبدالرحمن ) بن محمد بن موهب بن محمد التجيبي ، أبو شاكر ، و يعرف بابن القبري. و قال إنه فقيه محدث أديب خطيب ، نشأ بقرطبة و سكن شاطبة ، و ولى الأحكام بها ، و أورد له الضبي ، برواية ابن حزم ، أبياتا من الشعر ، و ذكر أنه توفي عام 456 هـ = 1064 م .
      التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرؤوف النويهى; الساعة 12-05-2013, 18:12.

      تعليق

      • نايف ذوابه
        عضو الملتقى
        • 11-01-2012
        • 999

        #18
        المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرؤوف النويهى مشاهدة المشاركة
        قمع الهوى


        كنت فى بداية نضجى وفى سنى المراهقة ،ولم أكمل بعد العشرين وتعلقت ببنت الجيران تعلقا ملك على حواسى وتحدثت معها وصارت المشاعر بيننا بحرا عذبا ووهجا متألقا ، والأشعار الرومانسية لإبراهيم ناجى ومدرسة أبولو الوجدانية ومدرسة المهجر وجبران خليل جبران وحفظت أشعارا كثيرة عن الحب وقرأت مئات بل آلاف قصص الحب والروايات العالمية لكل أدباء العالم وأتذكر كم عانيت من قسوة المشاعر والأحاسيس الغضة الخضراء.

        نظرا لظروف المجتمع الريفى والتربية الدينية والأخلاق الحميدة لم أستطع تعميق هذه العلاقة، وظلت علاقة ود وتبادل عواطف فى إطار المشروع من التصرفات والمتعارف عليهاوالمعاملة بين الأهل والجيران سيما وأنها تمت بقرابة لأمى.

        أعتقد أن هذه المشاعر ترسبت فى حياتى آنذاك وأخذت بيدى إلى أن المتاح من العلاقات لايكفى لظهورها حيز النور ولابد من وأدها فى مهدها وإلا الثورة والإنقلابات والتقاتل بين الأسر والعائلات . حافظت من جهتى على سرية العلاقة ولم أغامر بظهورها وكذلك هى ،فكلانا يعرف جيدا النهاية المؤسفة لو حدث وتسرب خبر العلاقة ،بصراحة كتمت المشاعر وخنقتها خنقا ،وقلت لايمكن البوح بها إلا على الورق والكتابة والإنغماس أكثر وأكثر فى القراءة والتثقيف والتعليم .

        وحصلت على الثانوية العامة وبدون تفكيراخترت كلية الحقوق جامعة القاهرة وتحملى مشقة السفروالغربة عن الأهل والصحاب ، رغم أن كل زملائى إختاروا كليات بجامعة طنطا .

        وفوجئت فى يوم من الأيام بأخيها يخبرنى بخطبة أخته على فلان قريب لى وله ،وأنهم قرأوا الفاتحة من أسبوع أو أكثر .

        الحق أقول : غامت عيناى بالدموع وتلجلج لسانى وشعرت بتهاوى قلبى ولم أنبس ببنت شفة . ومرت سنة أو أكثر، وعقد القران وتحددت ليلة الزفاف وحضرت الفرح وأنا غاضب من قلبى الذى أوردنى هذا المورد الصعب والإيذاء النفسى الجسيم .

        وكانت الغربة من المجتمع والناس وقلبى الذى أخرسته وألجمته وأغلقت عليه باباً صعب الإقتراب منه أو المرور أمامه .
        ولم أحاول مستقبلاًخوض غمار معارك الحب،خشية من مصارع العشاق.[align=justify]سأسمى هذا الحب الذى أقبل علىَ إبان مراهقتى (حب جامح) لأنه سيطر سيطرة كاملة وهيمن هيمنة أخذت بخناقى ، واجتاح كيانى وسلب أنفاسى
        سأمسك نفسى عن الكلام العاطفى وأحكم بالعقل والمنطق على تجربتى الشبابية.

        أتصور وأنا فى نهاية العقد السادس من العمر ، أن الحب هو أشياء كثيرة وعواطف وانفعالات شتى ، بل أحيانا يصبح غير مفهوم
        وأتذكر هذين البيتن :
        [/align][align=justify]إنى أحبك حبا ليس يبلغه ** فهم ولاينتهى وصفُ إلى صفته
        أقصى نهاية علمى فيه معرفتى ** بالعجز منى ، عن إدراك معرفته

        اليوم :
        أحاول تشريح مفهوم هذه العلاقة وأتبين ظروفها ومحتواها وخصائصها والدوافع التى أملتها والغاية منها يتبين لى الآتى :
        إنه إندفاع محموم .
        إنه نار شبت فى كيانى .
        إنه رغبة وشهوة .
        إنه أتى إلىَ عفويا ، دخل بقوة وعنف وبدون إستئذان.
        إنه إمتد فترة طويلة ثم صار شاحبا وضعيفا وهزيلا.
        إنه ترك فىَ ندوبا وجروحا وانكسارا وآلاما لاتنسى.

        بل أتذكر سوفوكليس المسرحى اليونانى الأعظم يقول :
        الحب ليس وحده الحب .
        ولكن اسمه يخفى فى ثناياه أسماء أخرى متعددة .
        إنه الموت والقوة التى لاتحول ولاتزول .
        إنه الشهوة المحض،الجنون العاصف والنواح.

        وأتجاوز بالقول قليلا وأتقدم بحرص شديد وحذر أشد :

        هل تختلف تجربة المرأة عن الرجل إذا ما صادف الحب قلبها؟[/align][align=justify]

        [/align]


        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أسعد الله صباحكم .. صباح الحب ما دام الحديث يحمل في تضاعيفه كل هذا الشوق والعنفوان وكلّه للحب .. أظن أن هناك فيلما بعنوان "يحيا الحب" يا أستاذ عبد العزيز .. وأيام طفولتي كنت أسمع عبارة من أحد المراهقين تقول: الحب بلا (بلاء) والعشق سمٌّ قاتل .. وبينما كنت أذرع شارعًا خلفيًّا لبيتنا الذي يقع قرب حديقة المدرسة أقبل شاب صباح أحد الأيام من أعلى الشارع -وكان في الثانوية العامة- يركب دراجة هوت به ودخلت الدراجة الحقول وهي تخبط يمنة ويسرة والشاب الذي كان يقودها يصرخ بأعلى صوته: كله في حبك يهون!!
        والحب فعلا لا يأتي من ورائه إلا انشغال البال والخبال الذي يؤدي إلى ضعف التركيز والذاكرة لأن العقل والقلب مشغول مشغول .. لذلك ليس من داء للحب إلا الزواج ويجب أن يتجنب المسلم/ة كل مثيراته ومهيجاته لأنه يصبح أسير هذه الحالة ويتجمد عليها وإن كان على رأس عمل فسيؤدي به الأمر إلى تسريحه من عمله وإن كان طالبًا فسيؤدي في الغالب إلى إخفاقه .. قد يقول بعض الناس إن الحب ملهم وقد تكون هذه العلاقة حافزًا لصاحبي الشأن أن يبدعا ويتميزا .. لكن يغلب على ظني أن هذا حكمه حكم النادر ..
        فعلا الحب أعمى والمحبون عميان -وكما قرأت يومًا- ليس عن عيوب محبوبيهم بل حتى عن حسناتهم لذلك فهم يتخاطبون بلغة بريل .. لغة العميان .. ومما سمعت لإحدى العالقات في الحب: يقطع الحب وسنينه.. "والحب قبل الخبز أحيانًا" لغادة السمان، والإعجاب هو التوأم الوسيم للحب لأحلام مستجانمي .. في تقديري كل هذا نوع من التنفيس عن عواطف مكبوتة تنتظر التفريغ بطريقة سوية ولا سوية إلا بالزواج ..
        "طوق الحمامة في الألفة والألاف" أذكر أنني قرأت الكتاب في أيام الدراسة الجامعية في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وأذكر أن الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة رئيس قسم اللغة العربية حينئذ قد كلفنا بإعداد بحث يتعلق بالأدب الأندلسي فاخترت ابن حزم وقد سرّ الدكتور بالبحث وهو أيضا له كتاب قيم عن ابن حزم سيرته ومؤلفاته ومكانته الأدبية والفقهية ولا سيما أنه صاحب كتاب المحلى والجدير بالذكر أن ابن حزم إمام المذهب الظاهري الذي يأخذ بظواهر النصوص..

        استعرضت بشكل عام ما كُتب هنا وأدرج وشعرت بأن الموضوع أثار رغبة وشاعرية وحنين جمع مَن كتب إلى "الحب" هذه العاطفة الإنسانية النبيلة، والحب بلا بوصلة قد يخطئ الهدف وقد يسبب الضلال والهلاك للمحبين .. فالحب ليس مفصولا عن ثقافة الأمة والمجتمع ومقيد بما تعارف عليه الناس .. عبارة الفضيل بن عياض أثارت انتباهي وفضولي وهي التي تتعلق بأنه لو كان له دعوة لخصصها للعشاق والمحبين أن يغفر الله لهم لأن ما يقع منهم ليس طوع الخاطر ولا مقيدا بعقل ووعي .. أظن هذا الكلام منحول ومن وضع الوضاع وهو كالطبخة التي تحتاج إلى بهار يفتح الشهية للأكل ويرغب فيه..
        العشاق ليس مرفوعًا عنهم التكليف .. فهم مكلفون ويتحملون أوزار أخطائهم وانغماسهم في علاقة ينبغي أن تتوج بزواج لا أن تستمر سنوات برسائل تحمل آهات العشاق وعذاباتهم، وقد يتهمون ظلم الأقدار لهم (حاشا لله) لصعوبة اجتماعهم ووقوف أهلهم في وجه علاقة قد لا تكون فيها كفاءة بين المحبين ولا أهلية لاجتماعهما ولقائهما فيما يحل ويأخذ بيد المحبين للسكينة والسكن والمودة والرحمة ..

        صباح الخير وصباح الحب للجميع على محيّا هذا الصباح الجميل ما دام الجميع قد خاضوا في موضوع لامس شغاف قلوبهم وقد يكون هيج ذكريات علاها غبار السنين ومكابدة هموم العيش ..

        صباح الخير وأعتذر إن كانت مداخلتي قد غردت خارج السرب يا أستاذنا الكريم المستشار عبد العزيز النويهي .. فقد قرأت الموضوع وسررت بمطالعته وتفاصيله وما عقب به جمع الفضلاء والفضليات وأضافوا .. ولقد ابتسمت وأوشكت أن أضحك ضحكًا تسمعه زوجتي المشغولة بحفيدتي جوان الجميلة ابنة ابني الدكتور عبد الله ..
        التعديل الأخير تم بواسطة نايف ذوابه; الساعة 14-05-2013, 06:36.
        [glint]
        ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ
        عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ
        فــإذا تكلّـمتِ الشّــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

        وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

        [/glint]

        تعليق

        • عبدالرؤوف النويهى
          أديب وكاتب
          • 12-10-2007
          • 2218

          #19
          قلت ذات يوم

          (1)
          فى 20/7/2005م كتبت هذه السطور .

          ابن حزم الأندلسى . . رائد أدب الإعترافات والسيرة الذاتية

          "كان طوق الحمامة أروع كتاب درس الحب فى العصر الوسيط ،فى الشرق والغرب ،فى العالمين الإسلامى والمسيحى ،تتبع أطواره ،وحلل عناصره ،وجمع بين الفكرة المفلسفة والواقع التاريخى ،وواجه أدق قضاياه فى وضوح وصراحة ،وكان ابن حزم الدارس الواقعى فى كل خطاه ،أفكاره محلقة ،وقدماه على الأرض ،ويصدر فى نظرته عن تجربة عميقة ،ذات أبعاد إنسانية واسعة ،وعن إدراك ذكى لطبائع البشر وسير الحياة ،فجاءت نتائجه صادقة ، لما ًتفقد بريقها ولا توهجها ، وإنها لتقف الآن فى مستوى أرقى الدرا سات عن الجنس والحب ".

          هذا التقديم المشوق والحاسم ، لرائعة الإمام الفقيه إبن حزم الأندلسى "طوق الحمامة فى الإلفة والألاُف "للدكتور الطاهر أحمد مكى ، جعلنى مبهورا بهذا الكتاب وكثيراً ما أطالعه وأحرص على ذلك ،وأردد بعض أبياته ونثره السلس فى شبابى الغض ، ولاأنسى تعريفه للحب
          "
          الحب -أعزك الله-أوله هزل وآخره جد.دقَت معانيه لجلالتها عن أن توصف ،فلاتدرك حقيقتها إلا بالمعاناة ,وليس بمنكر فى الديانة ، ولابمحظور فى الشريعة،إذ القلوب بيدالله عز وجل ."
          بل أننى أؤكد لنفسى ،دائماً وأبداً، على أن هذا العبقرى العظيم وصاحب المذهب الظاهرى فى الدراسات الفقهية وكتابه العمدة "
          الإحكام فى أصول الأحكام"، وكتابه الأروع والأعمق والأخلد "الأخلاق والسير فى مداواة النفوس "الذى كتبه فى أخريات حياته ،تاركا تجربته وذكرياته وكان أصدق مايكون وأعمق وأخلص لضميره وأنقى لروحه وإعترافاته الجريئة بحلو حياته ومرها ،بل أحيانا أ قول وأحسبنى متزيدا فى القول ،أن أدب الإعترافات والسير الذاتية ، كان رائده وبلامنازع ، ابن حزم الأندلسى وأذكر بعضاً من هذا الكتاب المتفرد"تطلبت غرضا يستوى الناس كلهم فى استحسانه،وفى طلبه ، فلم أجده إلا واحدا،وهو طرد الهَم.فلما تدبرته علمت أنَ الناس كلهم لم يستووا فىإحسانه فقط، ولا فى طلبه فقط،ولكنى رأيتهم على اختلاف أهوائهم ومطالبهم ،وتباين هممهم وإرادتهم،لايتحركون حركة أصلا إلا فيما يرجون به طرد الهم ،ولاينطقون بكلمة أصلا إلا فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم ، فمن مخطىء وجه سبيله، ومن مقارب للخطا، ومن مصيب وهو الأقل من الناس ، فى الأقل من أموره، فطرد الهَم مذهب قد اتفقت الأمم كلها،مذ خلق الله تعالى العالم إلى أن يتناهى عالم الابتداءويعاقبه عالم الحساب ،"
          وإذا كنت قد استرسلت وبعدت قليلاًعن طوق الحمامة إلا أننى أعود وبسرعة إليه فهو مقصدى الذى أغوص فيه كى أمسك بجواهره النادرة وهو يؤكدالصدق ويقول ابن حزم "
          ولقد شاهدت النساء وعلمت من أسرارهن مالا يكاد يعلمه غيرى ، لأنى ربيت فى حجورهن ، ونشأت بين أيديهن،ولم أعرف غيرهن ،ولا جالست الرجال إلاَوأنا فى حد الشباب،وحين تفيَل وجهى، وهن علمننى القرآن ،ورويننى كثيراً من الأشعار ،ودربننى فى الخط،ولم يكن وكدى، وإعمال ذهنى مذ أول فهمى ، وأنا فى سن الطفولة جداً ،إلاَتعرف أسبابهن،والبحث عن أخبارهن ،وتحصيل ذلك، وأنا لا أنسى شيئا مما أراه منهن،و أصل ذلك غيرة شديدة طبعت عليها، وسؤ ظن فى جهتهن فطرت به ."
          وبصراحة لا مواربة فيها ،أعتقد أن هذا الكتاب قد أمسك بتلابيب عقلى سنوات طوال ومازال ،إذ أننى وكلما طالعته أجد فيه جديدأ ، وهكذا يكون الخلود والتفرد على مدى العصور،لكتب ودراسات وآراء الفقيه العظيم الإمام ابن حزم الأندلسى ، رحمه الله وأدخله فسيح جناته.

          (2)

          20/10/2010م
          طوق الحمامة فى الأفة والآلاف

          ولد أبو محمد، على بن أحمد بن سعيد بن حزم ،فى قرطبة ،صبيحة الأربعاء آخر يوم من رمضان عام 384هجرية - 7من نوفمبر 994ميلادية ،وكما يذكر فى كتابه "طوق الحمامة .فى الألفة والآلاف"

          ومما أذكره عن هذا العلاّمة أنه وقد عاش فترة اضطراب السلطة فى الأندلس وكان أحد ضحاياها فعانى السجن والقهر والذل .وكان المذهب المالكى وشيوخه وفقهاؤه الذين لهم الصولة والجولة والكلمة المسموعة ،وتقلبهم مع كل حاكم جديد وإصدار الفتاوى التى تتغير بحسب الأحوال .فصار المذهب المالكى هو السائد،فتوى وتشريع وتعليم وأحكام ،ومناهضة الحكام لأى مذهب سواه والعمل على تحجيمه بل ومعاقبة من يدين بغير الولاء للمذهب المالكى بعقوبات متعددة والتشهير به ومدى خطورته على تدين الناس وإفساد عقيدتهم .

          وهكذا عاش ابن حزم فترة صعبة ثائراً وصاحب فكر ورؤية جديدة وكيلت له الإتهامات فى عقيدته ودينه وقناعاته الفكرية .لأنه لايميل إلى المذهب المالكى ويبشر بمذهب جديد.


          ومن ثم كان التعتيم والإقصاء للمذهب الظاهرى الذى كان أحد أعمدته مع الشنترينى ،وطمس معالمه ومقاومة من يدرسه أو يقوم عليه .



          هكذا أصبح رجالات وشيوخ وفقهاء وعلماء المذهب المالكى فى خدمة السلطان وبكلمته صار المذهب الوحيد الواجب نشره ،تعليماً وفتاوى وتشريعاً وأحكاماً، أما ماعداه من مذاهب أخرى فلابد من خنقها .



          عرفتُ ابن حزم الأندلسى فقيهاً وقاضياً ومؤرخاً وتراثه الفكرى الذى يتنوع بين الفلسفة والتاريخ النقدى للأديان والفرق والمذاهب وكتابه الفارق "طوق الحمامة فى الألفة والألاف" الذى قرأته مراراً وتكراراً فهو فى نظرى أعظم وأروع وأعمق وأشمل كتاب كُتب عن الحب ،وقد كتبه وهو فى الثامنة والعشرين من عمره .
          ويحكى د.زكى مبارك ..أنه لما قام بنشر هذا الكتاب ،هاجت العمائم وماجت واضطربت أمور شيوخ الأزهر وأنكروا أن يكون هذا الكتاب من تأليف الفقيه الكبير ابن حزم صاحب الإحكام فى أصول الأحكام .فالحب لديهم عار وأى عار والكتابة عنه عبث وقلة أدب ولايجوز أن يكتب ابن حزم هذا الكلام الفارغ الذى لايليق بالعلماء .
          واجتمع شيخ الأزهر وعلماؤه للرد على هذ الفرية وانفض الاجتماع ولم يصدر بياناً .


          وأعجبنى جداً كتابه"الأخلاق والسير فى مدواة النفوس" ،رأيت فيه تجارب عالم وثقافة متعمق فى الحياة وخبير بالنفوس البشرية وحكمة الشيوخ ورزانة العقل وسعة الأفق .بل رأيتها وصية من عالم جليل إلى الأجيال ،تتناقلها جيل بعد جيل . وأذكر من هذا الكتاب " من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها ،ولم يرافق فى الطريق إلا أكرم صديق "
          والكتاب على صغر حجمه ،عظيم الأهمية ،عميق التأثير .

          تعليق

          • منيره الفهري
            مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
            • 21-12-2010
            • 9870

            #20
            أستاذنا الجليل
            المستشار القدير
            نايف ذوابه
            تشرفت الحمامة و طوقها بمشاركتك المثرية
            فأهلا و سهلا بك دااائما بآرائكم المثرية
            تقديري أخي الفاضل


            تعليق

            • منيره الفهري
              مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
              • 21-12-2010
              • 9870

              #21
              الأستاذ الكبير
              الأديب القدير
              عبد الرؤوف النويهي
              شكراااا لهذا الحضور الجميل المثري
              نتعلم منك أستاذي
              تقديري الفائق

              تعليق

              • عبدالرؤوف النويهى
                أديب وكاتب
                • 12-10-2007
                • 2218

                #22
                الباب الخامس

                من أحب من نظرة واحدة

                وكثيراً ما يكون لصوق الحب بالقلب من نظرة واحدة. وهو ينقسم قسمين، فالقسم الواحد مخالف للذي قبل هذا، وهو أن يعشق المرء صورة لا يعلم من هي ولا يدري لها اسما ولا مستقراً، وقد عرض هذا لغير واحد.
                خبر:
                حدثني صاحبنا أبا بكر محمد بن أحمد بن إسحاق عن ثقة أخبره سقط عني اسمه، وأظنه القاضي ابن الحذاء، أن يوسف بن هارون الشاعر المعروف بالرمادي كان مجتازاً عند باب العطارين بقرطبة، وهذا الموضع كان مجتمع النساء، فرأى جارية أخذت بمجامع قلبه وتخلل حبها جميع أعضائه، فانصرف عن طريق الجامع وجعل يتبعها وهي ناهضة نحو القنطرة، فجازتها إلى الموضع المعروف بالربض. فلما صارت بين رياض بني مروان رحمهم الله المبنية على قبورهم في مقبرة الربض خلف النهر نظرت منه منفرداً عن الناس لا همة له غيرها فانصرفت إليه فقالت له: مالك تمشي ورائي? فأخبرها بعظيم بليته بها. فقالت له: دع عنك هذا ولا تطلب فضيحتي فلا مطمع لك في النية ولا إلى ما ترغبه سبيل فقال: إني أقنع بالنظر. فقالت: ذلك مباح لك. فقال لها: يا سيدتي: أحرة أم مملوكة? قالت: مملوكة. فقال لها: ما اسمك? قالت: خلوة. قال: ولمن أنت? فقالت له: علمك والله بما في السماء السابعة أقرب إليك مما سألت عنه، فدع المحال. فقال لها: يا سيدتي، وأين أراك بعد هذا? قالت: حيث رأيتني اليوم في مثل تلك الساعة من كل جمعة. فقالت له: إما أن تنهض أنت وإما أن أنهض أنا فقال لها: انهضي في حفظ الله. فنهضت نحو القنطرة ولم يمكنه أتباعها لأنها كانت تلتفت نحوه لترى أيسايرها أم لا. فلما تجاوزت باب القنطرة أتى يقفوها فلم يقع لها على مسألة.
                قال أبو عمرو، وهو يوسف بن هارون: فوالله لقد لازمت باب العطارين والربض من ذلك الوقت إلى الآن فما وقعت لها على خبر ولا أدري أسماء لحستها أم أرض بلعتها، وإن في قلبي منها لأحر من الجمر. وهي خلوة التي يتغزل بها في أشعاره.
                ثم وقع بعد ذلك على خبرها بعد رحيله في سببها إلى سر قسطة في قصة طويلة.
                ومثل ذلك كثير.

                وفي ذلك أقول قطعة، منها:

                عيني جنت في فؤادي لوعة الفكر*** فأرسل الدمع مقتصاً من الـبـصـر
                فكيف تبصر فعلالدمع منـتـصـفـاً***منها بإغـراقـهـا فـي دمـعـهـا الـدرر
                لم ألقها قـبـل إبـصاري فـأعرفها***وآخر الـعـهـد منها سـاعة الـنـظـر

                والقسم الثاني مخالف للباب الذي يأتي بعد هذا الباب إن شاء الله، وهو أن يعلق المرء من نظرة واحدة جارية معروفة الإسم والمكان والمنشأ، ولكن التفاضل يقع في هذا في سرعة الفناء وإبطائه، فمن أحب من نظرة واحدة وأسرع العلاقة من لمحة خاطرة فهو دليل على قلة البصر، ومخبر بسرعة السلو، وشاهد الظرافة والملل. وهكذا في جميع الأشياء أسرعها نمواً أسرعها فناء. وأبطؤها حدوثاً أبطؤها نفاذاً.
                خبر:
                إني لأعلم فتى من أبناء الكتاب ورأته امرأة سرية النشأة، عالية المنصب، غليظة الحجاب، وهو مجتاز، ورأته في موضع تطلع منه كان في منزلها، فعلقته وعلقها وتهاديا المراسلة زماناً على أرق من حد السيف، ولولا أني لم أقصد في رسالتي هذه كشف الحيل وذكر المكائد لأوردت مما صح عندي أشياء تحير اللبيب وتدهش العاقل،أسبل الله علينا ستره وعلى جميع المسلمين بمنه، وكفانا.
                التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرؤوف النويهى; الساعة 15-05-2013, 19:41.

                تعليق

                • منيره الفهري
                  مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
                  • 21-12-2010
                  • 9870

                  #23
                  تعلمت السحائب من شؤوني...فعمت بالحيا السكب الهتون
                  و هذا الليل فيك غدا رفيقي...بذلك أم على سهري معيني
                  فإن لم ينقض الإظلام فجرا...ألا ما أطبقت نوما جوفوني
                  فليس إلى النهار لنا سبيل...و سهد زائد في كل حين
                  كن نجومه و الغيم يخفي..سناها عن ملاحطة العيون
                  ضميري في وددك يا منايا...فليس يبين إلا بالظنون

                  الصفحة 23 من ظوق الحمامة

                  تعليق

                  • عبدالرؤوف النويهى
                    أديب وكاتب
                    • 12-10-2007
                    • 2218

                    #24
                    من دفاترى القديمة
                    __________

                    كلمحٍ بالبصر
                    .
                    ....
                    راكباً السيارة ..تسير بى عبر الدروب والمنحنيات،
                    منشغلاً بكثير من الأشياء،
                    مفكراً فى الحاضر والماضى والمستقبل ،
                    أحاول جاهداً تبيان حقيقتى
                    والبحث عن نفسى ..

                    .....
                    السائق يسير ..
                    وأطل فجأةً عبر الزجاج خارج السيارة .
                    أراها تسير وحدها !
                    هذه التى كانت تسلبنى وقارى وهدوئى.
                    هذه التى كانت تضحك فتضحك الدنيا.
                    أراها فجأةً كلمحٍ بالبصر .

                    ....
                    فأترك الحاضر والمستقبل ..
                    ويقف الماضى أمامى ،بقوة وكل ثقة ،
                    بحلوه ومره،بجنونه وتعقله،بنزواته وملذاته،ببكائه وابتساماته .
                    يقف الماضى طارحاً ،أمامى ،كل ماحدث.

                    ....
                    أراه حياً يسير على قدمين.
                    أراه يُفجر فى قلبى الدماء الحارة !
                    أراه يأخذنى إلى بعيد البعيد!

                    ....
                    أين هذه اللحظات المتوهجة بالنشوى؟
                    أين هذه اللحظات المفعمة بالبهجة ؟
                    أين هذه اللحظات المملؤة بالغضب؟
                    أين هذه اللحظات المدمرة لكل منا؟

                    .....
                    "ليه يا حبيبتى ما بينا دايما سفر
                    دا البعد ذنب كبير لا يغتفر
                    ليه يا حبيبتى ما بينا دايما بحور
                    اعدى بحر الاقى غيره اتحفر
                    "

                    تعليق

                    • منير سالم
                      عضو الملتقى
                      • 23-07-2014
                      • 77

                      #25
                      جميل جدا أستاذ النويهي
                      المفكر الكبير
                      زدنا زاد الله في زادك المعرفي

                      تعليق

                      • منيره الفهري
                        مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
                        • 21-12-2010
                        • 9870

                        #26
                        المشاركة الأصلية بواسطة منير سالم مشاهدة المشاركة
                        جميل جدا أستاذ النويهي
                        المفكر الكبير
                        زدنا زاد الله في زادك المعرفي
                        أستاذي الفاضل منير سالم
                        شكرا على تفاعلك مع الموضوع الجميل
                        و طبعا كلنا في شوق للمزيد من أستاذنا الجليل
                        عبد الرؤوف النويهي
                        أطال الله في عمره و حفظه
                        تحياتي

                        تعليق

                        يعمل...
                        X