أبو العباس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    أبو العباس

    رمتني الحياة بعللها ، وصيرتني فوق نارها الهادئة قطعة فحم كالغراب يهرب منه الناس اتقاء شره و ابتعادا عن نحسه..
    أخبرتني أمي أن ولادتي كانت في يوم ذي عواصف و أمطار هوجاء..و أنها وضعتني كما تضع النساء الأمازونيات..حتى إنها فكرت في التخلي عني و قد وجدتني نحيفا يكاد الموت يتخطفني، غير أن السماء قذفت في روحها محبتي، فرفعتني إلى حضنها باكية، و كان بكاؤها مضاعفا، ففي تلك الليلة الليلاء توفي أبي نتيجة صفقة تجارية خاسرة..ذهولها لموت أبي جعلها تنسى إقامة حفل عقيقتي، فقد بقيت بدون اسم لفترة و حين تيقظت، أطلقت علي اسم أبي العباس، لا أعرف إن كان ذلك له صلة بالولي الصالح الذي كانت تدمن على زيارته أم لسبب آخر؟..
    كنت أفرد من الناس إفراد البعير الأجرب، و لولا حماية امي لي لكنت ضمن أصحاب القبور..و حين انتقلت إلى الرفيق الأعلى، صرت هدفا لأحجار الناس و شتائمهم..
    اتخذت لنفسي مقاما قصيا، قمة جبل يطل على المدينة المنكوبة ..قيل بسببي..بنيت لي دارا ،صبغتها بالأبيض الناصع، و جعلتها إقامتي و مقر سكني، و كان طعامي مما تنبته الأرض من بقوليات، و ما تمنحه الأشجار من ثمار، و كان النبع الصافي موردي و مطفئ غلتي..بقيت معتكفا أتعبد إلى أن بدأ البياض يطرد السواد، و يعلن نفسه سلطانا، لحظتها انبعث مني سنا ضوء أنار ما حولي و بدد الحلكة..
    لم أعد أهتم بما يجري في تحت، كانت الأصوات تأتيني غامضة و متداخلة بشكل يعبر عن عبثية الحياة..
    و في يوم، كسر صمة مكاني حضور راع مغبر الثياب حائر النظرات ،ظل يبحث عن قطيعه المفقود مدة ثلاثة أيام، وجده إلى جوار سكني مطمئنا يأكل الحشائش بوداعة..قال لي ، و قد عاد إليه اطمئنانه المفقود:
    _لقد اعتقدت أنني لن أعثر عليه أبدا، و استغربت وجوده بقربك لم تمسه أنياب الذئاب الساكنة بالجوار..
    ثم أمدني بخروف، و لما رأى إعراضي، ذبحه و تركه أمامي مدرجا في دمائه..فلم يكن لي بد من قبول الهدية..
    كان أول عهدي بتناول اللحم..
    و بعد فترة حضر مجموعة من العجائز صفر الوجوه، ترهقهم الأحزان، و تأكل أرواجهم الحيرة، ظلوا مقيمين إلى جواري فترة، و لما أزف وقت رحيلهم، منحوني سلالا من التين و الزيتون و بعض البيض، و شكروني على سماحي لهم بالإقامة جنبي، مخبرين إياي على أنهم نالوا حظا من السعادة لم ينعموا بها في حياتهم إطلاقا، و أنهم قد شعروا براحة و سكينة لم يطعموهما من قبل..غادروا مخلفين وراءهم صمتا ثقيلا و أسئلة محيرة، ساعدت نفسي على تجاهلها لكي لا تؤرقني و تذهب عني راحة التعبد..و تفسد صفوي بمنغصات البحث عن أجوبة..
    و بقيت وحيدا أذكر الله كثيرا ، و أشكره على نعمه الكثيرة و المتعددة.
    و في صبيحة أحد أيام الربيع، استيقظت على صوت بكاء شديد، خرجت أستطلع الأمر، و إذا بي أفاجأ بجمع من الناس قد أطلقوا لأعينهم سيل الدمع، و لأفواههم الرجاء..
    حين رأوني مقبلا، جثوا على ركبهم و رؤوسهم يكاد يأكلها التراب، ثم رجوني أن أغسلهم بدعواتي حتى يرفع عنهم البلاء..
    طلبت منهم رفع رؤوسهم، و لما فعلوا، تبينت القوم الذين رجموني بشرهم، لم أتخذها فرصة للانتقام، فقد وهبت قلبا مسامحا، بعد أن طهرته بالعبادة و الإخلاص..و طهرت روحي بنداوة الفجر..
    رفعت أكفي ارجو لهم الراحة و الصحة و ما ترضاه أنفسهم..
    و أرجعتهم إلى مضاربهم راضين..
    و أبت إلى بتي متسائلا عن سر حمل النفس البشرية كل هذا الشقاء..
    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرحيم التدلاوي; الساعة 22-01-2013, 08:07.
  • ريما ريماوي
    عضو الملتقى
    • 07-05-2011
    • 8501

    #2
    وصار وليا .. تطلب الناس بركاته..
    وهو استمر في وداعة العيش الهني..
    جدا حلوة هذه القصة، أعجبتني.

    بوركت ويراعك، ودانم لك الألق.

    تحيتي واحترامي وتقديري.

    همسة: مضرجا في دمائه وليس مدرجا...


    أنين ناي
    يبث الحنين لأصله
    غصن مورّق صغير.

    تعليق

    • عبدالرحيم التدلاوي
      أديب وكاتب
      • 18-09-2010
      • 8473

      #3
      اختي البهية، ريما ريماوي
      اشكرك على بهاء حضورك، فعلا، اغنيت متصفحي.
      ممتن لك الاشادة و التصويب.
      بوركت
      مودتي

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        كأنك تحكي عن ولي حقا
        ولي بحق و ليس زورا و كيدا
        أو إذا شط بنا القول قلنا نبيا
        و هي سيرة كل الانبياء عدا بعض التفاصيل التي تحط من لون و جنس هذا الولي أو النبي
        فكيف دان الناس له ؟
        و متى ؟
        و قد ظل الاوليا ء الصالحون في مواجهة مع الآخر
        كما ظل أبو جهل و أبو لهب
        و قوم لوط
        و عاد
        و ايضا .. ربما الأمر يحتاج إلي قفلة مغايرة
        فلا كرامة لنبي في وطنه
        و هذه لم تأت اعتباطا و لا قولا مجانيا !

        السرد كان جميلا و طيبا إلي حد بعيد

        محبتي
        sigpic

        تعليق

        • حسن لختام
          أديب وكاتب
          • 26-08-2011
          • 2603

          #5
          أخاف عليك يوما ان تهجر الدنيا وملذاتها، وتصبح ناسكا ومتعبدا في قمم إحدى الجبال هههههه .هي النفس البشرية الهائمة والمنقادة وراء الشرور والكراهية
          سرد ممتع ومشوق
          كل التقدير للصديق الجميل عبد الرحيم التدلاوي

          تعليق

          • وسام دبليز
            همس الياسمين
            • 03-07-2010
            • 687

            #6
            جميلة ويالا جمال تلك النفس البشريةحين ترضا بك ما هو قليل بل ويكبر فيها الشكر لله على نعمة لم يقدرها الاخرين في القصة عظة وحكمة تصلح لكل زمان ومكان مودتي لياسمين كلماتك

            تعليق

            • سالم وريوش الحميد
              مستشار أدبي
              • 01-07-2011
              • 1173

              #7
              و أبت إلى بتي متسائلا عن سر حمل النفس البشرية كل هذا الشقاء
              الطهارة الجسدية والنقاء الروحي ،وهذا التصوف والأبتعاد عن أذى الناس
              ليعيش في صومعة قصية ، والتسامي في مسامحة الغير ،هي فلسفة تقودنا إلى الرضا
              والشعور براحة البال التي ننشدها ، وكانت القفلة هي السؤال الذي يجب على كل فرد منا أن يسأل نفسه به
              لم نحن حمالين للشقاء مادامت هناك طرق كثيرة تقودنا إلى السعادة
              نص رائق وراق رقي قلم إبداعك أستاذ عبدالرحيم
              تقديري لك واحترامي الكبير
              التعديل الأخير تم بواسطة سالم وريوش الحميد; الساعة 28-01-2013, 00:52.
              على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
              جون كنيدي

              الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

              تعليق

              • عبدالرحيم التدلاوي
                أديب وكاتب
                • 18-09-2010
                • 8473

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
                كأنك تحكي عن ولي حقا
                ولي بحق و ليس زورا و كيدا
                أو إذا شط بنا القول قلنا نبيا
                و هي سيرة كل الانبياء عدا بعض التفاصيل التي تحط من لون و جنس هذا الولي أو النبي
                فكيف دان الناس له ؟
                و متى ؟
                و قد ظل الاوليا ء الصالحون في مواجهة مع الآخر
                كما ظل أبو جهل و أبو لهب
                و قوم لوط
                و عاد
                و ايضا .. ربما الأمر يحتاج إلي قفلة مغايرة
                فلا كرامة لنبي في وطنه
                و هذه لم تأت اعتباطا و لا قولا مجانيا !

                السرد كان جميلا و طيبا إلي حد بعيد

                محبتي
                استاذي الراقي، ربيع عقب الباب
                اشكرك على هذا التفاعل المثمر و الاشاءة المفيدة.
                بوركت
                مودتي

                تعليق

                • عبير هلال
                  أميرة الرومانسية
                  • 23-06-2007
                  • 6758

                  #9
                  ما أحوجنا لقصص من هذا النوع

                  هي درس وعظة لنا


                  بورك قلبك وقلمك
                  sigpic

                  تعليق

                  يعمل...
                  X