يمتد سور طويل يفصل بين المحيط الأزرق والمدينة . ليس سور الصين طبعا ، ولكنه سور الميناء الذي يخفي طلاؤه المتجدد معالم القسوة التي حفرت في أركانه كثيرا من الأحداث.
يقابل سور الميناء سرب من الملاهي والحانات تمتص كل يوم عرق البحارة وتحوله إلى عوالم جديدة تخفي ملوحة البحر ورائحته . وأنت تقترب من باب الملهى ، تشدك كتابة أعلى بابه المظلم كنت عليها "ملهى السعادة " .كلمة "السعادة" مكتوبة بالأحمر ، وتحتها يقف جسد عريض يكاد يصبح جزءا من باب الملهى ، يمسحك بنظرة خاطفة ثم يفسح لك مجال الدخول بابتسامة لا طعم فيها .
أنت الآن داخل " السعادة " ، تحاول أن تفسح لك مجالا للمرور وسط الراقصين والراقصات على موسيقى تنطلق من زاوية الملهى ، تريد أن تصل إلى "الكونطوار" . المكان مزدحم جدا لأن نهاية الأسبوع لها وقع خاص ، لها ثقافتها وناسها وأجيالها ، لكنك لن تهتم بكل هذا ، فأنت تعلم أن الأجساد المرمية على الكراسي ستسافر إلى سعادتها بعد كؤوس متوالية ورقصات اعتباطية وحديث لابداية له ولا نهاية وذهاب ورواح إلى دورة المياه ...
صاحب الملهى جالس أمام مصرفه الخاص يجمع إيصالات الندل ويرتبها داخل صندوق خشبي صغير . هو رجل يبتسم للجميع ، يصنع لهم سعادة مؤقتة ، يجعلهم يحسون بآدميتهم ، يحترمهم ويحبهم ولا يحاسبهم على أخطائهم الكثيرة عندما يصلون ذروة السكر . صاحب الملهى رجل يقدر الجميع على اختلاف مشاربهم وأهوائهم ، هم ضيوفه ما دامت جيوبهم تعشق نوع السعادة التي يقدمها لهم...
رائحة السمك تملأ المكان ومعها رائحة الشيشة والتبغ والعرق والجنون . فتيات ترقصن للجميع ، تشربن مع الجميع ، تبرزن مفاتنهن لكل ابتساماتهم الطافحة بالجنس . فتيات كأنهن قطعة من مدينة لفظت أنفاسها الأخيرة وهي تبحث عن سعادة حمراء ستنتهي عندما تستفيق النوارس باحثة عن زورق يظهر من بعيد...
تعليق