الساعة الآن تقترب من الفجر والشمس على بعد الضجر والشروق في ملامحه قلق يأكل القلب وشك يقتل الضوء يشنق الأنفاس.. يغمرني هذا الإحساس الصادق بنور في عمق النجوم المخنوقة بعتمة غيمة من اللا مبالاة .. وكأن... الحقيقة لا تشبه نفسها!
منذ أعوام وحيدة رغم تواجد زوجي وأبنائي الثلاثة والأصدقاء والأقارب من حولي
إلا أنني غريقة بي.. حتى في زياراتي العائلية التي أقوم بها لا يرافقني غيري.. لم يكن الزواج يساوي الحب في حياة تحتاج لغسيل قلب!.. وقلب الحب لا يفعل شيئا أكثر من تحويلك لحيوان أليف!..
اليوم قررت أن أدخل غرفته بدون طرق الباب لأرصد ردة فعله.. دفعت الباب فقال: الرجاء لدي نقاش مهم مع المدير العام للمشروع.
مشروع؟! مدير؟! الآن؟! وبعد الثانية فجرا؟!
رد بطريقة انفعالية: متى سأنتهي من هذه الغيرة المدمرة؟
يا لقلب مصاب بنفور شديد من جسد لم يكن صغيرا بهذا الوجود.. كثيرا ما أرى روحي غيمة جاثية على ركبتيها تمطر للبحار اللؤلؤ ولا يعترف البحر.. أصبحت أضحك بعقل يتقلب على أوجاع جسدي
قلتُ : لكَ كل العذر، ولقلبي رداء من جليد .. أصبح وجودك يجرحني أكثر من غيابك .. الصور باتت تروضني وتخنقني داخل البراويز
شيئا فشيئاً صَعَّدَ من حدة لهجته : أنا أريد أن أركز مع المدير، هل هذا ممكن الآن؟
الحب ذنب لا يغتفر، ولكن تغتفر خيانته، مع قلبٍ كقلبك يسامح على الطعن، وإن كنت لا أرى الحياة إلا في خيانته ، أومأت أن اطمئن وأغلقت عليه بهدوء..
وقفت أهمس للباب: يؤلمني أنك أقل من أن تكون مخلصا!.. أشعر أنك موظف مجبر على تسجيل الحضور والخروج من دائرة قلبي، تقف كتمثال أصابته عوامل التعرية بندبات البؤس ، يلبسك الملل والتعب، وكأن الوجع صنع منك مجاملا بارعا.. يلعنني بينه وبين نفسه، ويبصق بألف لا في وجهي، أيها الطفل الذي تظن أنني أقل من أن أشعر، وأتفه من أن أحس، وأغبى من أن أفهم، كأنك تريد من روحي مكافأة على الخيانة صبحاً ومساءً!.. وتظن أن من حولك أحجاراً، لا ضير إن كان نهاري بليداً وجليداً وليلي عتمة ، لا ضير إن كنت قد تجاوزت من وجهة نظر قلبك العمر الافتراضي للحب، صدقت أيها الطفل، فغيرتي عربية تبلغ سن التجاعيد بعد عيد الزواج الأول، وعليّ أن أعتاد على وحدة ما قبل القبر، أحتاج لأن أكون ذلك المخلوق الذي لا يضحك، أن أشكر قلبك السعيد ثم أصفق لكل نبضة به ، كما عليّ أن لا أشعر بقدوم الرحيل، وأنه يجب أن أضحك حتى يملني الضحك ، فلم أعد أتمنى شيئاً، وإن كنت خبراً لكان.. فالحب لسان الحياة وكذبتها البيضاء ، تحت غطاء الشرف نُخبئ أشياء كثيرة غير شريفة!..المهم أن يكون قلبك بخير..
أسمعُ صوته من خلف الباب: سوف أخبركِ عن ليلة كان القمر فيها بدرا، وفي أحضاني حورية اجتمعنا على غير موعد، بهاؤها يعلو نور القمر وسحرها يسيطر على سكون الليل ، قلبها كأنه النهر ولهفتها احتراق . لا ليست حورية ولست على وعي تام، بين الحقيقة والخيال.. تشربني حد الانتشاء ولا ترتوي ، وأشربها حد السكر ولا أثمل.. كالربيع تماماً عندما يبعث مع النسيم رائحة الجمال.. لم أكن أعرفها رغم أنني قضيت عمراً معها من قبل بطول ذاكرتي وبعرض أحلامي
انفرجت أساريري ، تمتمت : للقلب وجهان لنبضة واحدة.. قلب مغلق على النور تسكنه الأرواح الطيبة ، وقلب مفتوح على الظلام تعبث به الأجساد الخبيثة..
بصمت بكيت وهو يواصل: حبيبتي النهر يسيل على أطراف قلبي يقبل شاطئا وطئته أقدام أميرة مرت من هنا لتغزل المطر والضوء، لتمزج الرحيق والندى، لتخلط الفجر بالنشوة .. حبيبتي عندما نخلص نكون أسعد حتى لو خاننا من نحب..
فتحت الباب مندفعة نحوه : كم أعشق روحك، قلبك، جنونك...
لكنني توقفت قبل أن أعانقه عندما رد باختناق : تصبحين على جحيم.
تعليق