ليته يفعلها ..!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    ليته يفعلها ..!

    ليته يفعلها

    1
    كورقة تلوكها الريح كان ، شاردا بين أعاصير من هم و حزن . لا تحط عيناه على معنى ، إلا ما كان دفينا . فجأة ينتبه ، فيتوقف بذات الشرود و التيه ،يطالع صمت الجدران ، و هزيمة الوقت بين أشلاء الشوارع .. ينتزع قدميه ، يخطو برغمه ؛ كأن بينه و بين الهواء المار بجواره جدارا سميكا . منفصل هو ، متوحد ..حتى حكة الهياكل ، و اصطدامها به حد التعثر ، لا يبعد صورتها قيد شعرة ، و لا يستشعر حرجا في اختلال توازنه ، و سقوطه الذي كان يعني الكثير فيما مضى .

    على الطريق ارتفعت أبواق السيارات ، نالت من رأسه شتائم السائقين ، بصقات المعبئين في صناديق الحافلات .. ما كان هنا ، و لا كان هو . غريبا ممزقا فاقد المعنى مذ قرأ تلك القصة ، مذ رأى ما غاب عنه في حديثها ، ما اختزلته خشية من تورطها ، و هي لا تدري أنه متورط حد التلاشي في جناحها ، و بها يعافر الوقت ، كأنه فتى لما يزل ، على قيد شفرة من حياة أخرى .

    ما تصور حين قشرت أوجاعها ، أن يكون الأمر أكثر من ذلك ، محض تصرفات خائنة ، وطيش شباب ؛ وكثيرا ما كان الأمر كذلك ، و لكن أن تتهشم الجوهرة كل مساء ، و بتلك اليد الثملة الغبية ، تقذف بها كخرقة ، إذا ما اعترضت ، أو طالبته بالاعتدال ، و أعلنت تذمرها ... يرحل في بيادق الرقعة ، ليرى ما يسكن توتره ، كأنه يبحث عن مبرر ما ، لم يقنعه أبدا ، ليتوقف سيل الرفض ، وهذا الجيشان القاهر وجعا ، في فلك ضميره وروحه .
    باسترخاء عبر بوابة حنينه . كانت الأم في ركنها المعتاد ، قعيدة تحدقه بنظرات فرحة ، تحاصر عينيه الباكيتين . وقبل أن تنطق باسمه ، يرتمي على صدرها : ضميني يا أمي ". يلثم يديها بدموعه ، حتى أشعل روحها قلقا . ضمته كشجرة عتيقة ، وصوتها يخرج من كل جنباتها : " يا ولاد .. يا ... يا... أخوك يا ولاد ماله .. ". يأتي من الأرض و السماء ، ، كأنها تتحدث إلي نفسها ، ما كانت تنتظر تلبية ندائها ، ثم انهمرت دموعها كسيل .

    من بين النشيج تفلتت كلماته : لم أنس أبدا ، حين كان يعتدي عليك ، أتذكرين يا أمي .. كم مرة كان غضبه يؤلمني ، و يشقيني، بل يذهب بي إلي التهالك كعصفور مبلل ، هناك أسفل السرير ، و أنت تتخذين ركنا حانيا يضمك و دموعك ، و انكساراتك .. كانت مثلك .. كانت أنت ، و كانت تبحث عني . كنت رجلا عاقا .. ما رأيتها ، ما سمعت حزنها إلا حين أدركني الشيب .. ضميني يا أمي ".
    مسدت حزنه بملائكتها ، ثم نثرت بسمة حزينة :" ولم يحتمل القلب يا روح حنائي ، و أول هزائمي وفرحي .. كل البيوت مغاليق على جراحات .. كان حلما ، و كان لا بد أن أتحمل كل مشاغباته وأوجاعه .. المأساة أعمق يا قلب أمك .. أعمق .. و كلنا سنمضي ، بين يديه .. يدي .. أكفنه أو يكفنني ، ألا تستحقون يا صغار بطني ومواجعي ؟ ! ".
    : لم كانت تبحث عني ، وهي تحمل ذات الوجه .. لم ؟!
    : لأن الريح لا تستوي ولدي ، قد تمسد جذوة أو تطيرها رمادا ، كأن شيئا لم يكن .. وقد تشعل الرماد بلا رحمة ، و كلما خبا اللهب أعطته مزيدا من القوت .. سير يأكلها التراب ودود القبر ..
    الفرق في الحطابة يا ولدي ، و حطابكم لم يكن سوى نقطة تبحث عن العدل في أرض مظلمة .. فلا بأس أن نلت حصتي من وجعه ، ونال حصته من ضعفي ".
    هيجه ما كان منها ، استفزه بقوة . اعتدل واقفا مطلقا دهشتها ، و كنحلة دار حول نفسه : استعذ بالله .. استعذ بالله .
    شلت صورتها المرتسمة على الحائط جنونه . تأملها ، غاب فيها . بينما الأم تسأله عن الأولاد ، و الزوجة .. و أنفاس الكبير تأتي من حجرة مختلطة برائحة الأدوية و المطهرات .
    حدثته بصمتها المتغلغل في أعماقها ، بشت في وجهه ، و بين ارتخاءة نظرات الأم و غفلتها ، كان يردد : كم نحن قساة ، أنتِ جريمتنا .. أنا و هو .. أقول أحبك ، و هو يقول .. من منا كان صادقا .. من .. من .. من . كلي ظمأ إليك ، ولو كنت في آخر بقاع القهر .. في غيابك تائه ، فلا كنت هو و لا حطابي .. حطابها .
    : دمك لن يتحمل يا ولدي .. لن يتحمل !
    : ليته ينهزم - هذه المرة - يا أمي ، ليته يفعلها ؛ فهو يدري ما أحمل .. ليته يفعلها !
    sigpic
  • أحمد عيسى
    أديب وكاتب
    • 30-05-2008
    • 1359

    #2
    صور القهر تتكرر ، وتنسخ نفسها نسخا ، والحب يبقى أقوى وأكبر من الكره ، ومن القسوة والقهر ..

    اديبنا الكبير ربيع عقب الباب

    رحلة ماتعة ، مؤلمة ، ونصٌ باذخ ـ ولغة فريدة ، وأسلوب مبدع ، كيف لا ونحن أمام نصٌ عملاق يولد على الهواء أمامنا

    تحيتي لك أشتقت اليك ، ولنصوصك ، وسعيد بمصافحة أولى لنصك الجديد

    وكل سنة وأنت أجمل وأكثر ابداعاً
    ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
    [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة أحمد عيسى مشاهدة المشاركة
      صور القهر تتكرر ، وتنسخ نفسها نسخا ، والحب يبقى أقوى وأكبر من الكره ، ومن القسوة والقهر ..

      اديبنا الكبير ربيع عقب الباب

      رحلة ماتعة ، مؤلمة ، ونصٌ باذخ ـ ولغة فريدة ، وأسلوب مبدع ، كيف لا ونحن أمام نصٌ عملاق يولد على الهواء أمامنا

      تحيتي لك أشتقت اليك ، ولنصوصك ، وسعيد بمصافحة أولى لنصك الجديد

      وكل سنة وأنت أجمل وأكثر ابداعاً
      شكرا كثيرا صديقي أحمد عيسى
      على مصافحتك الرزينة و التي تقطر شهدا و حبا
      بارك الله فيك و لك يا غالي
      و أنا و الله أكثر اشتياقا لأعمالك الماتعة

      عنوان أول ربما في سلسلة ، ارجو لها الاكتمال
      و أن تفرخ عن عمل روائي أريده فعلا لأهديه إلي رئتي الثانية !

      محبتي
      sigpic

      تعليق

      • آسيا رحاحليه
        أديب وكاتب
        • 08-09-2009
        • 7182

        #4
        فعلا أستاذ ربيع
        النفس الروائي واضح هنا ..
        نصوصك دائما رائعة ..
        تحياتي و مودّتي .
        يظن الناس بي خيرا و إنّي
        لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

        تعليق

        • ربيع عقب الباب
          مستشار أدبي
          طائر النورس
          • 29-07-2008
          • 25792

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
          فعلا أستاذ ربيع
          النفس الروائي واضح هنا ..
          نصوصك دائما رائعة ..
          تحياتي و مودّتي .
          شكرا لمرورك أستاذة آسيا
          سرتني قراءتك للنص
          و رأيك الذي أثمنه !

          تقديري و احترامي
          sigpic

          تعليق

          • عبدالرحيم التدلاوي
            أديب وكاتب
            • 18-09-2010
            • 8473

            #6
            مررت من هنا شاكرا على جمال المتعة.
            مودتي

            تعليق

            • محمد الفاضل
              أديب وكاتب
              • 21-12-2011
              • 208

              #7
              الأستاذ والأديب الرائع ربيع
              سعدت بالتنقل بين زهرات حروفك الراقية
              سرد ماتع أخي العزيز
              دام نبض يراعك الجميل
              sigpic

              روحي تحلق بعيداً في الفضاء تخترق الاَفاق ، ترنو إلى أحبة حيث الشحرور والحسون يشدو على الخمائل أعذب الألحان . لما رأى الحمام لوعتي وصبابتي رق لحالي وناح على الأيك فهيج أحزاني وأشجاني . أتسكع في أروقة المدينة وأزقتها .. أبحث عن هوية ووطن ! ولا شئ غير الشجن . أليس من الحماقة أن نترك الذئاب ترتع فوق تخوم الوادي ؟

              تعليق

              • ربيع عقب الباب
                مستشار أدبي
                طائر النورس
                • 29-07-2008
                • 25792

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحيم التدلاوي مشاهدة المشاركة
                مررت من هنا شاكرا على جمال المتعة.
                مودتي
                ومرورك أسعدني كثيرا
                وزودني بالهمة و الإرادة اللازمة

                تقديري و محبتي
                sigpic

                تعليق

                • ربيع عقب الباب
                  مستشار أدبي
                  طائر النورس
                  • 29-07-2008
                  • 25792

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة محمد الفاضل مشاهدة المشاركة
                  الأستاذ والأديب الرائع ربيع
                  سعدت بالتنقل بين زهرات حروفك الراقية
                  سرد ماتع أخي العزيز
                  دام نبض يراعك الجميل
                  أستاذي محمد الفاضل
                  شكرا لمرورك الطيب
                  و قراءتك و رأيك

                  أسعدني تواجدك أخي

                  محبتي
                  sigpic

                  تعليق

                  • نصير فليح العائدي
                    أديب وكاتب
                    • 29-07-2013
                    • 62

                    #10
                    ابداع في ابداع استاذ ربيع نصوصك دائما رائعة

                    تعليق

                    • ربيع عقب الباب
                      مستشار أدبي
                      طائر النورس
                      • 29-07-2008
                      • 25792

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة نصير فليح العائدي مشاهدة المشاركة
                      ابداع في ابداع استاذ ربيع نصوصك دائما رائعة
                      شكرا على مرورك أخي
                      شهادة أعتز بها من كريم

                      تحيتي و تقديري
                      sigpic

                      تعليق

                      • البكري المصطفى
                        المصطفى البكري
                        • 30-10-2008
                        • 859

                        #12
                        الأخ العزيز ربيع : نص الجميل يشد الانتباه ؛ ولغة سردية تغري بأدبيتها .
                        تحيتي وتقديي

                        تعليق

                        • البكري المصطفى
                          المصطفى البكري
                          • 30-10-2008
                          • 859

                          #13
                          الأخ العزيز ربيع : نص الجميل يشد الانتباه ؛ ولغة سردية تغري بأدبيتها .
                          تحيتي وتقديري.

                          تعليق

                          • ربيع عقب الباب
                            مستشار أدبي
                            طائر النورس
                            • 29-07-2008
                            • 25792

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة البكري المصطفى مشاهدة المشاركة
                            الأخ العزيز ربيع : نص الجميل يشد الانتباه ؛ ولغة سردية تغري بأدبيتها .
                            تحيتي وتقديري.
                            أستاذي البكري أشكرك على مرورك أخي
                            تقبل خالص احترامي و تقديري
                            sigpic

                            تعليق

                            يعمل...
                            X