هروب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    هروب


    تجسدت أمامي بكل روعتها ،
    على امتداد حنيني إليها .
    همت في الرمل ،
    شفق السماء ؛
    علني أهرب من حصارها ،
    حتى قذفت بي قدماي إلي " كانتين " سرية النقل .
    تدحرجت نازلا الخندق ،
    تحت سيطرتها كمنوم ،
    و فكرة لم أستطع رفع لثامها .
    وجهها يلاحقني أينما سرت و حللت .
    لا أدري .. لم ؟
    من " محمود " جندي " الكانتين" دنوت ،
    أسررت إليه بحاجتي لـ " باكو سجاير " .
    ربما نعم كنت أفكر ؛ و إلا ما كنت هنا .
    مط شفتيه ، ثم استدار و هو يردد
    : السيارة لم تصل بعد ".



    الوقت محرقة ،
    و الانتظار شهيد لم تقم عليه صلاة ،
    وصوتها على غير العادة يناديني بإلحاح .. من كل الجهات الست ،
    من كل فتحاتي الست ،
    من بين حبات الرمل .
    فجأة وجدتني متكوما في صندوق سيارة ،
    تمخر الطريق صوب المدينة .


    لم أنتبه إلي إفلاسي ،
    فقر جيوبي المدقع ،
    إلا و أنا أمام حافلة ، تحملني إلي المحلة .. إليها .
    ما العمل ؟
    حتى لو لم أكن بلباسي الميري ؛
    لا أستطيع مد يدي ، طلبا لمساعدة من لا أعرف .
    درت في المكان كنحلة مكسورة الجناح .
    حين اقتربت من أحد الجنود ،
    و قد قررت أن أعلن حاجتي .
    عجزت ،
    فشلت .
    ما خرج لساني ،
    ما احتملتني قدماي .
    ليس أمامي سوى القطار ،
    حتى لو أدى الأمر إلي التسطيح على عرباته .
    كم مؤلم انتظار القطارات !
    كم مؤلم بطئها و برودتها !
    وهذا الصوت لا يتوقف عن مطاردتي و جلدي .
    هاجمني صوت أبي : اتركني أربي أخوتك .
    و صراخه يمتد كاشفا عورة حيلتي ،
    هواني على نفسي .
    وقتها استشطت غضبا ،
    ارتديت ملابسي الميري بسرعة غريبة ،
    و انا أرتعد .. بينما صوت أمي الواهن يأتيني باكيا : لا تمش .. أبوك قلبه طيب .. لا تمش . اعذره يا ولدي !
    لم أمثل عبئا على أحد ،
    من وقت حملتني قدمان ،
    هذا ما تأكد لي ،
    و كنت على يقين منه .
    أتي القطار أخيرا ،
    زحفت وسط جموع حاشدة ،
    لست أحمل أي شيء ،
    تصريحا من الوحدة ،
    لا مصاريف تقيني من الشرطة .. أي مهدد من كل ناحية ، من المدني و الميري .
    بين العربات صعدت على سطح القطار ،
    كما يفعل الكثيرون ،
    و أنا في غاية الخجل و القرف من نفسي .
    حضنت السقف الصاج ،
    الذي رد أحضاني بسيل جارف من الصدأ ،
    حين تحرك القطار .
    وحملته الريح إلي غايته .
    كم كانت الرحلة صعبة ومريرة ،
    وكم هانت على روحي
    بكيت برغمي ..
    بكيت نفسي .


    حين كنت هناك ..
    فوجئت بأمي تضمني باكية .
    كانت المرة الأولى التي تفعلها .
    لم أعد أفهم شيئا .
    ربتت على في أسى .
    تشبثت بكتفيّ ،
    بعد تردد دفعت ما تحمل : " لا تحزن ..
    لا تحزن .. كل شيء نصيب ".
    زاد استغرابي أكثر و أكثر : " أمي .. عن أي شيء تتحدثين ؟!".
    من بين نشيجها :" جاءتني منذ يومين ..
    وودّعتني .. قالت :
    قبليه لي .. سوف أزف إلي قدري .. غدا ".
    التعديل الأخير تم بواسطة ربيع عقب الباب; الساعة 06-08-2013, 20:56.
    sigpic
  • نعيمة مبارك زكي
    ذات قلب
    • 16-04-2013
    • 22

    #2
    أسلوب سردي رائع، ولغة سليمة..امتزجت بنظرة واعية لواقع جيل بأكمله، تروي ظروفه في مرارة وحسرة...
    دمت ألقا مبدعا أخي ربيع..كل الود لك والتحية.
    ها قد صرتُ أُنائيكَ
    كما تشتهي..
    ما لِقلبكَ..إذن..
    يمورُ كلّما، تامّلني..
    ألثُمُ كفّي..؟؟؟
    أنسيت..؟؟؟ خلّفت روحكَ هاهنا
    على صفحة أناملي

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة نعيمة مبارك زكي مشاهدة المشاركة
      أسلوب سردي رائع، ولغة سليمة..امتزجت بنظرة واعية لواقع جيل بأكمله، تروي ظروفه في مرارة وحسرة...
      دمت ألقا مبدعا أخي ربيع..كل الود لك والتحية.
      شكرا لك استاذة جميل حضورك
      ربما نعم .. بل أجيال تربت على الحلم الناصري الذي خذلها
      و لم يكن بحجم العشق الذي كان

      تقديري و احترامي
      sigpic

      تعليق

      • محمد فطومي
        رئيس ملتقى فرعي
        • 05-06-2010
        • 2433

        #4
        لم يُغادر الهروب سطرا في القصّة.
        بين هروب من القدر و آخر إليه و آخر من الذّات..
        حضر الشّعر الحارّ و القصّ الذي لا يترك لك المجال إلاّ لتتآمر مع السّارد و تشاركه غربته و حمله المرير..و تتلقّى النّبأ كأنّك هو.
        قرأتها صورة و صوتا أخي ربيع الرّائع.
        محبّتي.
        مدوّنة

        فلكُ القصّة القصيرة

        تعليق

        • آسيا رحاحليه
          أديب وكاتب
          • 08-09-2009
          • 7182

          #5
          رائع أستاذ ربيع ..
          تحياتي و أصدق أمنياتي أن تكون بخير .
          يظن الناس بي خيرا و إنّي
          لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

          تعليق

          • ربيع عقب الباب
            مستشار أدبي
            طائر النورس
            • 29-07-2008
            • 25792

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
            لم يُغادر الهروب سطرا في القصّة.
            بين هروب من القدر و آخر إليه و آخر من الذّات..
            حضر الشّعر الحارّ و القصّ الذي لا يترك لك المجال إلاّ لتتآمر مع السّارد و تشاركه غربته و حمله المرير..و تتلقّى النّبأ كأنّك هو.
            قرأتها صورة و صوتا أخي ربيع الرّائع.
            محبّتي.
            شكرا كثيرا لمرورك أخي و أستاذي محمد فطومي
            أيها المبدع الكبير الذي أتعلم منه
            راقني ما كتبت

            محبتي
            sigpic

            تعليق

            • ربيع عقب الباب
              مستشار أدبي
              طائر النورس
              • 29-07-2008
              • 25792

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
              رائع أستاذ ربيع ..
              تحياتي و أصدق أمنياتي أن تكون بخير .
              الروعة كان حضورك أستاذة آسيا
              بارك الله فيك

              تقديري و احترامي
              sigpic

              تعليق

              • عائده محمد نادر
                عضو الملتقى
                • 18-10-2008
                • 12843

                #8
                آه ياربيع
                وحين يكون الموت هو القدر المحتوم
                نسير نحوه مأسورين حتى لو اعترضنا
                وذاك الذي ينبض بين ضلوع الأمهات الذي يشعر باقتراب الموعد المحتوم ولحظة اللقاء
                كنت معك ربيع صدقني حتى لو لم أقترب من رؤيتك فهو احساس بأني أحس بما يعتمل بصدرك
                قريبا أو بعيدا
                لست أدري
                والوقت محرقة فعلا
                أحببتك هنا كثيرا لأني أحسستك قريبا جدا
                ومن أقرب للوريد من الوريد نفسه
                محبتي وتحياتي وباقة غاردينيا تسبق أوانها لك
                الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                تعليق

                • ربيع عقب الباب
                  مستشار أدبي
                  طائر النورس
                  • 29-07-2008
                  • 25792

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
                  آه ياربيع
                  وحين يكون الموت هو القدر المحتوم
                  نسير نحوه مأسورين حتى لو اعترضنا
                  وذاك الذي ينبض بين ضلوع الأمهات الذي يشعر باقتراب الموعد المحتوم ولحظة اللقاء
                  كنت معك ربيع صدقني حتى لو لم أقترب من رؤيتك فهو احساس بأني أحس بما يعتمل بصدرك
                  قريبا أو بعيدا
                  لست أدري
                  والوقت محرقة فعلا
                  أحببتك هنا كثيرا لأني أحسستك قريبا جدا
                  ومن أقرب للوريد من الوريد نفسه
                  محبتي وتحياتي وباقة غاردينيا تسبق أوانها لك
                  أحنّ إليها كثيرا عائدة
                  أحنّ لبكارتها
                  لقلبها الحلو الطيب
                  لرائحتها الخمر و هي تزف إلي حنينها
                  كرهت رائحة العجز و الكهولة .. كرهتها حد المقت
                  ما أحلى البكارة و أطيب ريحها !

                  شكري الكبير لحضورك الماتع
                  بوركت
                  و حصنت من كل شر حاسد و العقد و نفاثاتها !

                  محبتي
                  sigpic

                  تعليق

                  • عبدالرحيم التدلاوي
                    أديب وكاتب
                    • 18-09-2010
                    • 8473

                    #10
                    أكتفي بقول : إني استمتعت بشكل الحكاية و طريقة عرضها و بنائها، بأسلوبها الشائق و الماتع، بتصويرها لخلجات النفس ، و نسيج العلاقات..
                    بوركت، دمت شامخا
                    مودتي

                    تعليق

                    • ربيع عقب الباب
                      مستشار أدبي
                      طائر النورس
                      • 29-07-2008
                      • 25792

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحيم التدلاوي مشاهدة المشاركة
                      أكتفي بقول : إني استمتعت بشكل الحكاية و طريقة عرضها و بنائها، بأسلوبها الشائق و الماتع، بتصويرها لخلجات النفس ، و نسيج العلاقات..
                      بوركت، دمت شامخا
                      مودتي
                      و أنا أيضا استمتعت بوصولك إليها
                      و حديثك عنها
                      كان مشهد من مشاهد
                      وحديثا أورثني علة أعالجها إلي الآن

                      محبتي أيها القاص الجميل
                      sigpic

                      تعليق

                      يعمل...
                      X