ما إن وصل المعلم علي إلى البيت ، حتى ارتفع صراخه ، فاشرأبت أعناق الجيران إلى الأسفل ، وكأنهم يسمعون ويشاهدون إعصارا مدويا يهز أرجاء الدار العتيقة. الكل يعرفه هادئا بشوشا لا يسمع له حس أو صوت ، لكنه اليوم انقلب رأسا على عقب . زوجته السيدة فاطمة كعادتها لا تريد الخروج عن صمتها عندما يفقد صوابه ، فهي تجيب على أسئلته التافهة بكل هدوء، متجاهلة حالة غضبه وهياجه. أما الأولاد فينزوي كل واحد منهم بإحدى الغرف ويلزم السكوت حتى لا تصيبه شرارة طائشة. لا يزال المعلم علي يواصل استفزازه لزوجته بكل قوة وإلحاح حتى تتركه وتنصرف إلى المطبخ لتعد وجبة الإفطار. يرفع بصره إلى الشرفة ، فيرى أعينا ترقبه وآذانا تتنصت إليه . لا يتردد ، يبدأ يشتم ويصيح ، فيختبيء الجميع . يعم الصمت من جديد ، ويبقى وحده في باحة الدار ، يروح ويجيء مرددا كلمات كلها تهديد ووعيد دون أن يتدخل أحد ليرده إلى صوابه . يستمر الحال هكذا طيلة المساء ، حتى ينهكه التعب ، فيستلقي على سريره وينام نوما عميقا ليستيقظ على صوت الأذان . عندها ،لا يفوه بكلمة واحدة ، فقط يجلس إلى مائدة الإفطار . يتناول بسرعة ما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات ، ثم يعود إلى غرفته كالمجنون . يخرج غليونه الطويل ، وبنشوة كبيرة يشرع في تدخين نبتة * الكيف *. ينبعث دخان كثيف مع رائحة قوية ، فيبدأ الأولاد يضحكون ويلعبون، ويرتفع ضجيجهم مصحوبا بصخب الموسيقى . ينادي المعلم علي زوجته فاطمة ، فتقوم إليه مسرعة لتشاركه هواجسه وليحدثها عن يومه الطويل . وماهي إلا لحظات حتى يسمع الجميع قهقهات عالية تهز أرجاء الدار وكأن شيئا لم يحدث أبدا...
***عبد الاله اغتامي***
***عبد الاله اغتامي***
تعليق