المقابر الجماعية
الجزء الأول
كنت امشي في الشارع بين مترقب وخائف فالحرب قد وضعت أوزارها قبل أيام ، والأجواء لا تُحتمل ،والثورة الجزء الأول
قد قامت ضد الدكتاتورية والاستبداد ، ثورةٌ رغم إنها غير منظمة إلا إنها تبشر بالخير للشعب .
أتت سيارة ووصلت قربي ، ترجل منها مجموعة من الأشخاص يحملون البنادق الرشاشة
والهراوات وانهالوا علي بالضرب ، ولا أعرف من أين تأتي الضربة وفي أي مكان .
بدئت بالصراخ إلا أنهم حملوني بعدما احسوا إنني لا استطيع الحراك ورموا بي إلى السيارة ، وأنا اردد
لماذا ما هو ذنبي ؟ ألا أنهم لا يتكلمون بل يضربون فقط .
نضرت بالسيارة التي رميت بها فرأيتها مزدحمة بالشباب والشيوخ والنساء والأطفال ، فهذا
محمد جارنا وذاك علي الذي يسكن في الجهة المقابلة لنا وتلك خديجة وعائشة الصغيرة .
كانت السيارة تتقدم ببطء وسط صراخ ، وسط زحام ، وسبٌ وشتم ..... لا مكان للوقوف ولو برجلٍ واحدة ودرجة الحرارة لا تطاق ، حتى
إنني شعرت بالاختناق ، فجاءتني فكرة أن اقفز وأهرب ، ألا إنني تراجعت عن قراري بعد أن حسبتها
جيداً فالحشود كثيرة وهي تزداد بين مشارك في الثورة بصدق وبين من أخذوه مع الجميع ، ولا يمكن
التحرك والخروج من خلالها ، وأصحاب الرشاشات والهراوات كثيرين أيضاً لذلك فأي تصرف سوف يجابه بالرمي بالرصاص
وسوف أموت ويموت معي الكثير من الموجودين في السيارة ونحن لا نعرف مصيرنا إلى ألان فقد يطلقون سراحنا في أي لحضه، لذلك تجمدت في مكاني
ولم انطق بكلمة واحدة ولم أقم بتصرف يثير ريبتهم واستفزازهم ، فانتظرت إلى أين يكون مصيرنا والسيارة تمشي بنا هويداً هويدا.
وصلت السيارة إلى مكان خالي من كل شيء إلا حفرة ً كبيرةً تتسع للسيارة بكاملها لو تم رميها فيها ، وترجل منها حاملي السلاح والهراوات ، وأمرونا
بالنزول ، شعرت خلالها إن شيئاً ليس بطبيعي سوف يحدث وإننا ذاهبون إلى رحلة اللاعودة لا محاله ، فبدئت
بالتراجع إلى الخلف ، والناس تنزل الواحد تلو الأخر ، وقد أنهكها التعب والضرب ، فنزل سامي العجوز وجبينه
يتفصد عرقاً ورجلاه النحيفتان قد تسلل إليهما التعب ، وهجتا عن حمل جسده المنهك ، وهو يتساءل
ما هو الذنب ، ولمَ هذا الفعل معنا وأنا بدوري أتساءل أيضاً مع نفسي كيف تنبت الأزهار مع الشوك ، وكيف
تولد القوة من الضعف ، وكيف ينبلج النهار في وسط الليل المظلم ..... الكثير من المتضادات ، ولعل أصلها
كيف تولد الحياة من الموت ، تلك هي الثورة الحقيقية ، وفي غمرة تفكيري هذا جاءنا صوت عالي ،اصطفوا الواحد تلو الاخر بسرعة.
أصطف الجميع فهذا الشاب سعيد وذلك الطفل عبد الله والشيخ علي ، وتلك المرأة الحامل بطفل هي فاطمة وكثير كثير غيرها.
بدء رمي الرصاص ، فسقط الجميع بين قتيل وجريح وسقطتُ أنا معهم أتأوه من جراحاتي التي تؤلمني كثيراً ، بعدها جاءت الجارفات
وبدئت بدفعنا إلى الحفرة جميعنا ، وعندما شعرت إن النهاية قد اقتربت صرختُ بأعلى صوتي
إن معنى أن يكون للمرء صوت في اختيار مَن يحكمه هو وسيلة لحماية النفس .. من حق كل إنسان أن يتمتع بها ، كما إن الشعب لم يطلب إلا حقه
بالعيش بحياة حرة كريمة ......... إلا أنهم جرفوني مع الجميع ووضع علينا كمٌ هائل من التراب ، أدركتُ خلالها إني لم أمت بل سأعيشُ إلى الأبد.
انتهى الجزء الأول
تحياتي
أخوكم
احمد عيسى نور
أخوكم
احمد عيسى نور
تعليق