احلام الارقام سوق مريدي
كان الضجيج مرتفعاً في السوق بصياح الباعة من رجالٍ ونساء, تجمعهم ملامح الفقر والجوع بوجوههم الكالحة وشعرهم الاشعث, وهم يعلنون عن سلعهم المختلفة من فواكه وخضار يكسوها الغبار, تحت اشعة الشمس اللاهبة كأنها سعير لجهنم.
استشرفت وصوله من بعيد, وهو يلوح لها بورقةٍ بيضاء ممسكاً بها بين أصابعه, تغطي وجهه الابتسامة مع عنفوان وعزة بالنفس.
اتكأت على الارض بكلتا يديها ونهضت بمعاناة من بين سلعها, مسحت بطرف ردائها الاسود البالي دموعها الغزيرة المتدفقة عفوياً بعد ان امتزجت بقطرات العرق, وتوغلت بأخاديد التجعدات تاركة اثار طبقه خفيفة من الطين على خدها المُتّرب.
ركض عبد الكريم مسرعاً يسابق خطواته وهو يصيح بفرح من بعيد: تحقق حلمكِ امي.. اخيراً حبيبتي تحقق حلمك. وصل اليها احتضنها بقوة واجهشا بالبكاء سوياً, كان يقبل يديها بقوة وتلثم رأسه بحنان بعد ان اغرقته بدموعها المدرارة.
شاركهم الباعة في السوق الفرح بالتهليل والتصفيق مع الرقص والغناء, رفعوه على الاكتاف وهو يهتف بأعلى صوته - راح اعالجكم .بلاش ..انتم وعوائلكم ...ببلاش ببلاش, حتى كستهم غمامة كثيفة من الغبار.
شارك بالاحتفال الكثير من المتسوقين دون علمهم لماذا ومن اجل مَنْ اقيم الاحتفال.؟ جمعتهم البراءة بحب الابتسامة, ابتسامة الفقراء رائعة الجمال, دائماً بلا مصالح وخالية من اشكال الكذب والنفاق.
حينذاك وصل رجل ملتحي بوجهه العبوس مبتسماً بقلق وارتباك. جلس في المقهى القريب نفض السوق يطالع وجوه الباعة الكادحين والناس المتبضعين, حتى سقطت عيناه على التجمع الكبير بمناسبة النجاح, صيد ثمين يتغدى به مع رسول الله ويدخله الجنة من وسع ابوابها.
قام من مكانه ومشى حتى دخل وسطهم, بين الام وابنها والمحتفلين معهم, قبل ان يصرخ الله اكبر ويضغط على الزر.
سادت لحظه صمت مرعبة تلاها عصف اصفر محمر لاهب, ثم انفجار مدوي مزق الاذان واقتلع الاجسام النحيلة الخاوية من الارض وبعثرها بعيدا, شظايا كثيره حالت الاجساد لأشلاء تناثرت على السطوح القريبة.
ثم انتشرت النار التي أذابت البشر والحجر كأنها حمم لبركان انفجر, امتزجت رائحه اللحم البشري المشوي برائحة الدخان, مع صراخ الاطفال وعويل الرجال والنساء. اجساد الفقراء دائماً سهلة التقطيع, لأنها ضعيفة معصورة وخاليه من امل الحياة.
كان الابن ممدد على الارض بين الاجساد المقطعة تغطيه برك الدماء والتراب المسود, ولا يشعر بوجود أطرافه او باقي اجزاء جسمه, رمق نتيجة الامتحان وهي تتطاير بالهواء حتى التصقت بالصورة الكبيرة للسيد الرئيس التي تلطخت وتعفرت بدم الفقراء.
كانت عيناه تبحث بقلق ورعب عن امه الحبيبة عسى ان تكون بخير, حدجها بين ركام الاشلاء من الرؤوس والاطراف المحترقة, رنته بألم وخوف ودهشه, كانوا يتحدثون لغة العيون ولا يفقه حوارهم احد, حتى سالت قطرات الدمع الاحمر من عينيها وفارقت الحياة.
اخمدت سيارات الاطفاء الحرائق المنتشرة, وشطف عمال البلدية مكان الانفجار بعناية واهتمام.
ذابت الاجساد وتبخرت احلامها, وتحولت لمشاهد روتينية ينقلها التلفاز لمجازر يومية.. واصبحوا مجرد ارقام لضحايا على الصفحات الاولى للصحف الوطنية.
*سوق مريدي. سوق شعبي في مدينة الثورة بأطراف بغداد
فراس عبد الحسين
كان الضجيج مرتفعاً في السوق بصياح الباعة من رجالٍ ونساء, تجمعهم ملامح الفقر والجوع بوجوههم الكالحة وشعرهم الاشعث, وهم يعلنون عن سلعهم المختلفة من فواكه وخضار يكسوها الغبار, تحت اشعة الشمس اللاهبة كأنها سعير لجهنم.
استشرفت وصوله من بعيد, وهو يلوح لها بورقةٍ بيضاء ممسكاً بها بين أصابعه, تغطي وجهه الابتسامة مع عنفوان وعزة بالنفس.
اتكأت على الارض بكلتا يديها ونهضت بمعاناة من بين سلعها, مسحت بطرف ردائها الاسود البالي دموعها الغزيرة المتدفقة عفوياً بعد ان امتزجت بقطرات العرق, وتوغلت بأخاديد التجعدات تاركة اثار طبقه خفيفة من الطين على خدها المُتّرب.
ركض عبد الكريم مسرعاً يسابق خطواته وهو يصيح بفرح من بعيد: تحقق حلمكِ امي.. اخيراً حبيبتي تحقق حلمك. وصل اليها احتضنها بقوة واجهشا بالبكاء سوياً, كان يقبل يديها بقوة وتلثم رأسه بحنان بعد ان اغرقته بدموعها المدرارة.
شاركهم الباعة في السوق الفرح بالتهليل والتصفيق مع الرقص والغناء, رفعوه على الاكتاف وهو يهتف بأعلى صوته - راح اعالجكم .بلاش ..انتم وعوائلكم ...ببلاش ببلاش, حتى كستهم غمامة كثيفة من الغبار.
شارك بالاحتفال الكثير من المتسوقين دون علمهم لماذا ومن اجل مَنْ اقيم الاحتفال.؟ جمعتهم البراءة بحب الابتسامة, ابتسامة الفقراء رائعة الجمال, دائماً بلا مصالح وخالية من اشكال الكذب والنفاق.
حينذاك وصل رجل ملتحي بوجهه العبوس مبتسماً بقلق وارتباك. جلس في المقهى القريب نفض السوق يطالع وجوه الباعة الكادحين والناس المتبضعين, حتى سقطت عيناه على التجمع الكبير بمناسبة النجاح, صيد ثمين يتغدى به مع رسول الله ويدخله الجنة من وسع ابوابها.
قام من مكانه ومشى حتى دخل وسطهم, بين الام وابنها والمحتفلين معهم, قبل ان يصرخ الله اكبر ويضغط على الزر.
سادت لحظه صمت مرعبة تلاها عصف اصفر محمر لاهب, ثم انفجار مدوي مزق الاذان واقتلع الاجسام النحيلة الخاوية من الارض وبعثرها بعيدا, شظايا كثيره حالت الاجساد لأشلاء تناثرت على السطوح القريبة.
ثم انتشرت النار التي أذابت البشر والحجر كأنها حمم لبركان انفجر, امتزجت رائحه اللحم البشري المشوي برائحة الدخان, مع صراخ الاطفال وعويل الرجال والنساء. اجساد الفقراء دائماً سهلة التقطيع, لأنها ضعيفة معصورة وخاليه من امل الحياة.
كان الابن ممدد على الارض بين الاجساد المقطعة تغطيه برك الدماء والتراب المسود, ولا يشعر بوجود أطرافه او باقي اجزاء جسمه, رمق نتيجة الامتحان وهي تتطاير بالهواء حتى التصقت بالصورة الكبيرة للسيد الرئيس التي تلطخت وتعفرت بدم الفقراء.
كانت عيناه تبحث بقلق ورعب عن امه الحبيبة عسى ان تكون بخير, حدجها بين ركام الاشلاء من الرؤوس والاطراف المحترقة, رنته بألم وخوف ودهشه, كانوا يتحدثون لغة العيون ولا يفقه حوارهم احد, حتى سالت قطرات الدمع الاحمر من عينيها وفارقت الحياة.
اخمدت سيارات الاطفاء الحرائق المنتشرة, وشطف عمال البلدية مكان الانفجار بعناية واهتمام.
ذابت الاجساد وتبخرت احلامها, وتحولت لمشاهد روتينية ينقلها التلفاز لمجازر يومية.. واصبحوا مجرد ارقام لضحايا على الصفحات الاولى للصحف الوطنية.
*سوق مريدي. سوق شعبي في مدينة الثورة بأطراف بغداد
فراس عبد الحسين
تعليق