احلام الارقام ..في سوق مريدي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فراس عبد الحسين
    أديب وكاتب
    • 18-08-2013
    • 180

    احلام الارقام ..في سوق مريدي

    احلام الارقام سوق مريدي
    كان الضجيج مرتفعاً في السوق بصياح الباعة من رجالٍ ونساء, تجمعهم ملامح الفقر والجوع بوجوههم الكالحة وشعرهم الاشعث, وهم يعلنون عن سلعهم المختلفة من فواكه وخضار يكسوها الغبار, تحت اشعة الشمس اللاهبة كأنها سعير لجهنم.
    استشرفت وصوله من بعيد, وهو يلوح لها بورقةٍ بيضاء ممسكاً بها بين أصابعه, تغطي وجهه الابتسامة مع عنفوان وعزة بالنفس.
    اتكأت على الارض بكلتا يديها ونهضت بمعاناة من بين سلعها, مسحت بطرف ردائها الاسود البالي دموعها الغزيرة المتدفقة عفوياً بعد ان امتزجت بقطرات العرق, وتوغلت بأخاديد التجعدات تاركة اثار طبقه خفيفة من الطين على خدها المُتّرب.
    ركض عبد الكريم مسرعاً يسابق خطواته وهو يصيح بفرح من بعيد: تحقق حلمكِ امي.. اخيراً حبيبتي تحقق حلمك. وصل اليها احتضنها بقوة واجهشا بالبكاء سوياً, كان يقبل يديها بقوة وتلثم رأسه بحنان بعد ان اغرقته بدموعها المدرارة.
    شاركهم الباعة في السوق الفرح بالتهليل والتصفيق مع الرقص والغناء, رفعوه على الاكتاف وهو يهتف بأعلى صوته - راح اعالجكم .بلاش ..انتم وعوائلكم ...ببلاش ببلاش, حتى كستهم غمامة كثيفة من الغبار.
    شارك بالاحتفال الكثير من المتسوقين دون علمهم لماذا ومن اجل مَنْ اقيم الاحتفال.؟ جمعتهم البراءة بحب الابتسامة, ابتسامة الفقراء رائعة الجمال, دائماً بلا مصالح وخالية من اشكال الكذب والنفاق.
    حينذاك وصل رجل ملتحي بوجهه العبوس مبتسماً بقلق وارتباك. جلس في المقهى القريب نفض السوق يطالع وجوه الباعة الكادحين والناس المتبضعين, حتى سقطت عيناه على التجمع الكبير بمناسبة النجاح, صيد ثمين يتغدى به مع رسول الله ويدخله الجنة من وسع ابوابها.
    قام من مكانه ومشى حتى دخل وسطهم, بين الام وابنها والمحتفلين معهم, قبل ان يصرخ الله اكبر ويضغط على الزر.
    سادت لحظه صمت مرعبة تلاها عصف اصفر محمر لاهب, ثم انفجار مدوي مزق الاذان واقتلع الاجسام النحيلة الخاوية من الارض وبعثرها بعيدا, شظايا كثيره حالت الاجساد لأشلاء تناثرت على السطوح القريبة.
    ثم انتشرت النار التي أذابت البشر والحجر كأنها حمم لبركان انفجر, امتزجت رائحه اللحم البشري المشوي برائحة الدخان, مع صراخ الاطفال وعويل الرجال والنساء. اجساد الفقراء دائماً سهلة التقطيع, لأنها ضعيفة معصورة وخاليه من امل الحياة.
    كان الابن ممدد على الارض بين الاجساد المقطعة تغطيه برك الدماء والتراب المسود, ولا يشعر بوجود أطرافه او باقي اجزاء جسمه, رمق نتيجة الامتحان وهي تتطاير بالهواء حتى التصقت بالصورة الكبيرة للسيد الرئيس التي تلطخت وتعفرت بدم الفقراء.
    كانت عيناه تبحث بقلق ورعب عن امه الحبيبة عسى ان تكون بخير, حدجها بين ركام الاشلاء من الرؤوس والاطراف المحترقة, رنته بألم وخوف ودهشه, كانوا يتحدثون لغة العيون ولا يفقه حوارهم احد, حتى سالت قطرات الدمع الاحمر من عينيها وفارقت الحياة.
    اخمدت سيارات الاطفاء الحرائق المنتشرة, وشطف عمال البلدية مكان الانفجار بعناية واهتمام.
    ذابت الاجساد وتبخرت احلامها, وتحولت لمشاهد روتينية ينقلها التلفاز لمجازر يومية.. واصبحوا مجرد ارقام لضحايا على الصفحات الاولى للصحف الوطنية.

    *سوق مريدي. سوق شعبي في مدينة الثورة بأطراف بغداد

    فراس عبد الحسين
    التعديل الأخير تم بواسطة فراس عبد الحسين; الساعة 03-11-2013, 14:15.
    فراس العراقي
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    احكِ فراس ..
    هات ما عندك يابن النخل و الوقت الجائع للحم و الظامئ للدم
    هات يابن الكلمة الحق في زمن ضاعت فيه الحقيقة عن الحقيقة
    و تسعرت فيه الكلاب باسم كل القيم و الاخلاق و الحب و الله و الرسول

    هاتِ .. ليّل على رباب الحزن و الالم

    ربما تكرر خطأ " عينيه " فهي في الموضعين " فاعل " عيناه

    محبتي
    sigpic

    تعليق

    • فراس عبد الحسين
      أديب وكاتب
      • 18-08-2013
      • 180

      #3
      الأستاذ الرائع ربيع.. نصفي الاخر ...مساء الخير
      لا تعلم مدى سعادتي لمتابعتك لي...
      شكراً لتعليقك.. وشكرا لوصفك الجميل.. وشكراً جزيلا لتصحيح الخطأ اللغوي.
      حاولت كثيراً الكتابة عن الحب او الغزل او عن مواضيع اخرى..... ولم استطع.
      هناك جرح بالقلب ينزف دماً ويترجم لكلمات ضمن قصص ودائماً مؤلمه.. وهي اقل الماً من واقع احباب الله الفقراء في وقتنا الحاضر.
      كن بخير استاذي ربيع الرائع
      التعديل الأخير تم بواسطة فراس عبد الحسين; الساعة 24-09-2013, 18:11.
      فراس العراقي

      تعليق

      • سالم العامري
        أديب وكاتب
        • 14-03-2010
        • 773

        #4

        جميل أنت أيها الفراس!
        جميل أيها الفينيق القادم من عالم النار والدمار، يحمل تحت جنحيه
        قصصاً وغصصاً و... نبوءة حياة،
        من أرض الحياة التي يراد لها أن تبيد
        ليفرح إلههم الشيطان...
        تقبل مروري وتحياتي أخي العزيز، و
        صادق ودي والامنيات


        سالم



        إذا الشِعرُ لم يهْزُزْكَ عند سماعهِ
        فليس جديراً أن يُـقـالَ لهُ شِــعْــرُ




        تعليق

        • فراس عبد الحسين
          أديب وكاتب
          • 18-08-2013
          • 180

          #5
          سعيد بمرورك استاذ سالم
          وسعيد جداً بتعليقك... ذكرتني بالفينيق الذي يولد من جديد وسط الرماد والدمار..
          وهذا حال الشعوب الحية.. لن تموت ابداً رغم الخراب .
          كن بخير... سعيداً سالماً.. وسلمت اناملك للإبداع.. يا سالم الاحساس والمشاعر.
          محبتي
          فراس العراقي

          تعليق

          • محمد عبد الغفار صيام
            مؤدب صبيان
            • 30-11-2010
            • 533

            #6
            قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ , وَلا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ " .
            و قد جاء ... و الله جاء .
            أشجيتنا ...أدميتنا...نكأت جرحنا ...
            لماذا لا توزع الحكومات مع السلع التموينية على الفقراء سترات نجاة !! أدرك جيدا أنها ستكون بنفس رداءة السلع !!
            لماذا يتخذون الفقراء غرضا فى كل بلادنا !!
            ألا يصلح غيرهم للموت ؟
            سلمت و سلم يراعك .
            "قُلْ آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ"

            تعليق

            • فراس عبد الحسين
              أديب وكاتب
              • 18-08-2013
              • 180

              #7
              الاستاذ محمد عبد الغفار
              ذنب الفقراء هم حطب لنيران الحروب السياسية ..والتي هي في الاساس اقتصادية بحتة.
              هم دائماً ادوات للقتل وسفك الدماء ..في حروب وتصفية حسابات ..ليس لهم بها ناقة ولا جمل .
              ولأن السلع التموينية لا توزع على الفقراء والمحتاجين لسد رمقهم من الاساس ...فلا توزع عليهم ستر النجاة.
              اسف لما كتبت من ألم ..ولكن وجعهم اكبر واعظم..
              وسلمت استاذ محمد....
              فراس العراقي

              تعليق

              • خديجة راشدي
                أديبة وفنانة تشكيلية
                • 06-01-2009
                • 693

                #8
                أخي فراس موجعة كثيرا
                أسلوبك رائع في سرد الأحداث
                لغتك سلسة وتحمل في طياتها
                رسالة نبيلة.....

                أنا لم أعد أشاهد نتيجة الانفجارات
                أصاب بالاكتئاب وتمزقني الحسرة
                أمقتُ الحروب وأكره الإرهاب
                إلى متى ونحن نتمزق ألما وحسرة

                حسبنا الله ونعم الوكيل

                سلم نبضك المبدع والإنساني الرائع أخي فارس


                تعليق

                • فراس عبد الحسين
                  أديب وكاتب
                  • 18-08-2013
                  • 180

                  #9
                  ليست اشد ألماً من الواقع .. سيدتي خديجة
                  تعجز الاقلام ان تبوح عن مدى مشاعر المعاناة والألم بالواقع..
                  صورة الدمار والقتل مع الدم لا يمكن وصفها ولا تصويرها بمختلف اشكال الادب..
                  شكراً لمتابعتك.. شكراً لرأيك.. شكراً لكلماتك التي تفيض فناً وابداعاً..
                  سيدتي المبدعة خديجة
                  فراس العراقي

                  تعليق

                  • بسباس عبدالرزاق
                    أديب وكاتب
                    • 01-09-2012
                    • 2008

                    #10
                    آآآآسف أن فاتتني هذه الدماء
                    كنت أريد أن تلطخني أولا

                    من يمتهن الدخول للجنة برصاصة في قلب الزهرة
                    من هذا الذي يريد الجنة و يتسلق للفردوس فوق جسدي و جسد الأبرياء



                    أي باطل و أي مشهد هذا

                    أقسم إنني بكيت داخلي و حزنت كثيرا
                    تزاحمت صور العراق و أهله أمامي



                    آسف أنني لم أنتبه لهذا النص الرائع

                    أستاذ فراس قص علينا و إياك أن تشيح بنظرك نحو الحب أو الغزل

                    تقديري و محبتي أيها الرائع
                    السؤال مصباح عنيد
                    لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                    تعليق

                    • فراس عبد الحسين
                      أديب وكاتب
                      • 18-08-2013
                      • 180

                      #11
                      قسماً ابكيتني وسالت قطرات الدمع على خدي ..اليد تكتب والعين تدمع.. عندما قرات كلماتك
                      كونها تدخل القلب من اوسع الابواب....
                      سلمت وسلم يراعك وابداعك من مظاهر الدم والقتل.. انت من صناع الحياة وصناع الحب و الأمل. وسلمت كل شعوبنا العربية .
                      سلمت الانسانية بلا مظاهر للعنف واشكاله الحزينة المؤلمة..
                      شكراً لدخولك ولكلماتك الاجمل استاذي بسباس من الجزائر الحبيبة الشقيقة..
                      .
                      فراس العراقي

                      تعليق

                      • عائده محمد نادر
                        عضو الملتقى
                        • 18-10-2008
                        • 12843

                        #12
                        الزميل القدير
                        فراس عبد الحسين
                        آه يافراس كم توجعني تلك الجراح
                        الدم
                        الأشلاء
                        الضحايا
                        الأطفال وبكائهم
                        وتلك الأمهات وآه من أوجاعهن
                        أوجعتني
                        آلمتني
                        وكل يوم أموت ألف مرة مع أخبار العراق والعراقيين
                        لي نص بعنوان ( جلس يستريح ) ربما لو قرأته لو جدتنا نتشابه حتى بالررؤى
                        تحياتي لك ياابن الفراتين
                        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                        تعليق

                        • فراس عبد الحسين
                          أديب وكاتب
                          • 18-08-2013
                          • 180

                          #13
                          هناك جرحاً في القلب... ينزف دماً وكلمات.
                          صورة تقشعر لها الابدان لما يحصل لأبناء شعبنا في العراق من قتل منظم.
                          خالية من الدين والشرف والانسانية.
                          سعيد لقراءتك نصي البسيط..
                          وجميل ان ننقل ما يحصل من قتل و الم ودموع ودم بلا رتوش..
                          قصتك سأقرأها حتماً..
                          للأديبة المبدعة بنت الحضارة عائدة محمد نادر..... محبتي
                          فراس العراقي

                          تعليق

                          • سلام الكردي
                            رئيس ملتقى نادي الأصالة
                            • 30-09-2010
                            • 1471

                            #14
                            رغم ما يجري في بلادنا نحن السوريون,والذي يفترض به أن يجعلنا مدمنين على تلك المشاهد بلا منازع,إلا أنك ابكيتني يا فراس,فكم من عزيز رحل على تلك الشاكلة وبذات اليد الغادرة تحت ذرائع ,وبطرائق مختلفة.
                            ذكرتني بدمعة رسول حمزا توف,الكاتب الروسي حبيب الشعب حين قال:
                            "الفقراء يملكون أجمل العيون في العالم",ولانهم الأجمل , يحسدونهم فيفقؤونها .
                            أحييك استاذ فراس.
                            [COLOR=#0000ff][SIZE=6][FONT=Andalus][COLOR=black]انا الدمشقي .. لو شرحتم جسدي... لسال منه ,عناقيد وتفاح[/COLOR]
                            [COLOR=darkorange]ولو فتحتم شراييني بمديتكم...سمعتم في دمي اصوات من راحوا[/COLOR][/FONT][/SIZE][/COLOR]
                            [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][/COLOR][/SIZE][/FONT]
                            [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][/COLOR][/SIZE][/FONT]
                            [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=seagreen]مآذن الشام تبكي اذ تعانقني...[/COLOR][/SIZE][/FONT][FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][COLOR=seagreen]وللمآذن, كالاشجارارواح[/COLOR]
                            [COLOR=purple]للياسمين, حقوق في منازلنا...وقطة البيت تغفو .. حيث ترتاح[/COLOR][/COLOR][/SIZE][/FONT]
                            [COLOR=#0000ff][/COLOR]

                            تعليق

                            • فراس عبد الحسين
                              أديب وكاتب
                              • 18-08-2013
                              • 180

                              #15
                              جرحنا واحد, نزفنا واحد, دمنا واحد, لك مني ألف ألف تحية.... سيدي سلام الكردي..... كن بخير عزيزي.
                              التعديل الأخير تم بواسطة فراس عبد الحسين; الساعة 21-02-2014, 17:36.
                              فراس العراقي

                              تعليق

                              يعمل...
                              X