اتخذت زاوية قريبة من زجاج المقهى، طاولة دائرية تدور حوافها مثلي بلا انتهاء، أحتسي قهوتي الداكنة مثل رؤيتي، أشعلت سيجارة و رحت أنفث ترسبات الخيبة في أرجاء المكان، كنت أتتبع قطرات المطر خارجا التي كانت تراقصها الريح رقصة شاوية و الرعد مثل البارود و كأنني في حفلة فلكلورية فنتازية، و صوت سقوط المطر يشبه زغاريد النساء فرحة بمشوار قامت به السحب التي تشبه فارسا يمتطي الفضاء، أملأ رئتي بوجوه المارة الغامضة، نظرات حزينة و بعضها كئيبة قليلا ما يمر أحدهم باسما أو مهتما بهذا المهرجان المائي.
في المحطة الصغيرة الزجاجية المقابلة للمقهى طفل صغير يلاعب يدا والده، يستجدي الدفء من عروقه الناتئة من ذراعيه الهزيلتين، يراقبه أبوه بلطف و حنو، النظرات الأبوية منحة إلهية، التلامس الجسدي بين الوالد و أبنائه تلامس روحي قبل كل شيء. الريح كان يداعب شعره الأصفر، لم يكن بيد المحطة التي تشبه كشكا أن تحول بينهما، بل كانت سافرة تفضخ الهاربين من المطر و من البرد.
كنت ألاحق مشاغبات الولد باهتمام و هو غير عابيء بالجو، بل يبدو لي مسرورا بتقبل تقلبات الطقس، أحيانا يمد يديه من تحت سقف المحطة التي غطيت و أحيطت بالزجاج. ليستطلع قوة المياه المتساقطة عندما تولد و هي في بكارتها الأولى، يثير فضوله المطر عوض أن يفر منه مثل كل الناس، يشبهني هذا الطفل كثيرا، طوال حياتي لم أكتسب مظلة، بل كنت أستقبل السماء حافيا من التكنولوجيا، تماما مثلما هي عارية بدون ثياب.
أخذت نفسي و اقتربت منه، وقفت بجانبه، قلدته و مددت يدي نحو المطر، انتبه لاستفزازي له، فتقدم خطوة جريئة و وقف خارجا، و كأنه يغريني أن أراقص حبيبة قادمة من السماء، سايرته و تقدمت بجانبه لأستكشف أي حب ستهديني السماء هذا اليوم، هذا الفتى كان ذكيا جدا و شاعرا رغم الملابس الرثة التي كان يرتديها، و شكله الصغير، و راح يستدرجني حين رفع وجهه نحو المطر و راحت زخاته تتساقط بين خديه و تنساب بين تقاسيم رقبته، و تبلل شعره الأصفر ليصبح براقا أكثر، لم أكن لأغفل عن ابتسامته البريئة التي كان يكيلني بها كي أوافقه و أقلد تصرفاته و أقاسمه تلك اللحظة، رفعت وجهي نحو السماء موافقا لأكتب شعرا مائيا على خدي، و كأنني أتحضر لأول قبلة جارفة.
كان شيء ما غائبا عني يعود رويدا رويدا نحو جسدي، يتغلغل و يدخلني بل يحتلني كالفاتحين، لحظتها و لأول مرة أحس بروحي تداعبني، تتسلل بين عروقي لتسكن من جديد جسمي المنهار، أحسستني أقف على أفق الجنة، مددت يدي لأمسك يد الطفل لأعيش أكثر تلك اللحظة، وقعت يدي بيد دافئة غير أنها كبيرة شيئا ما، فتحت عيني لأرى حبا سقط لحظة عودة روح.
في المحطة الصغيرة الزجاجية المقابلة للمقهى طفل صغير يلاعب يدا والده، يستجدي الدفء من عروقه الناتئة من ذراعيه الهزيلتين، يراقبه أبوه بلطف و حنو، النظرات الأبوية منحة إلهية، التلامس الجسدي بين الوالد و أبنائه تلامس روحي قبل كل شيء. الريح كان يداعب شعره الأصفر، لم يكن بيد المحطة التي تشبه كشكا أن تحول بينهما، بل كانت سافرة تفضخ الهاربين من المطر و من البرد.
كنت ألاحق مشاغبات الولد باهتمام و هو غير عابيء بالجو، بل يبدو لي مسرورا بتقبل تقلبات الطقس، أحيانا يمد يديه من تحت سقف المحطة التي غطيت و أحيطت بالزجاج. ليستطلع قوة المياه المتساقطة عندما تولد و هي في بكارتها الأولى، يثير فضوله المطر عوض أن يفر منه مثل كل الناس، يشبهني هذا الطفل كثيرا، طوال حياتي لم أكتسب مظلة، بل كنت أستقبل السماء حافيا من التكنولوجيا، تماما مثلما هي عارية بدون ثياب.
أخذت نفسي و اقتربت منه، وقفت بجانبه، قلدته و مددت يدي نحو المطر، انتبه لاستفزازي له، فتقدم خطوة جريئة و وقف خارجا، و كأنه يغريني أن أراقص حبيبة قادمة من السماء، سايرته و تقدمت بجانبه لأستكشف أي حب ستهديني السماء هذا اليوم، هذا الفتى كان ذكيا جدا و شاعرا رغم الملابس الرثة التي كان يرتديها، و شكله الصغير، و راح يستدرجني حين رفع وجهه نحو المطر و راحت زخاته تتساقط بين خديه و تنساب بين تقاسيم رقبته، و تبلل شعره الأصفر ليصبح براقا أكثر، لم أكن لأغفل عن ابتسامته البريئة التي كان يكيلني بها كي أوافقه و أقلد تصرفاته و أقاسمه تلك اللحظة، رفعت وجهي نحو السماء موافقا لأكتب شعرا مائيا على خدي، و كأنني أتحضر لأول قبلة جارفة.
كان شيء ما غائبا عني يعود رويدا رويدا نحو جسدي، يتغلغل و يدخلني بل يحتلني كالفاتحين، لحظتها و لأول مرة أحس بروحي تداعبني، تتسلل بين عروقي لتسكن من جديد جسمي المنهار، أحسستني أقف على أفق الجنة، مددت يدي لأمسك يد الطفل لأعيش أكثر تلك اللحظة، وقعت يدي بيد دافئة غير أنها كبيرة شيئا ما، فتحت عيني لأرى حبا سقط لحظة عودة روح.
تعليق