حين عودة روحي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بسباس عبدالرزاق
    أديب وكاتب
    • 01-09-2012
    • 2008

    حين عودة روحي

    اتخذت زاوية قريبة من زجاج المقهى، طاولة دائرية تدور حوافها مثلي بلا انتهاء، أحتسي قهوتي الداكنة مثل رؤيتي، أشعلت سيجارة و رحت أنفث ترسبات الخيبة في أرجاء المكان، كنت أتتبع قطرات المطر خارجا التي كانت تراقصها الريح رقصة شاوية و الرعد مثل البارود و كأنني في حفلة فلكلورية فنتازية، و صوت سقوط المطر يشبه زغاريد النساء فرحة بمشوار قامت به السحب التي تشبه فارسا يمتطي الفضاء، أملأ رئتي بوجوه المارة الغامضة، نظرات حزينة و بعضها كئيبة قليلا ما يمر أحدهم باسما أو مهتما بهذا المهرجان المائي.

    في المحطة الصغيرة الزجاجية المقابلة للمقهى طفل صغير يلاعب يدا والده، يستجدي الدفء من عروقه الناتئة من ذراعيه الهزيلتين، يراقبه أبوه بلطف و حنو، النظرات الأبوية منحة إلهية، التلامس الجسدي بين الوالد و أبنائه تلامس روحي قبل كل شيء. الريح كان يداعب شعره الأصفر، لم يكن بيد المحطة التي تشبه كشكا أن تحول بينهما، بل كانت سافرة تفضخ الهاربين من المطر و من البرد.

    كنت ألاحق مشاغبات الولد باهتمام و هو غير عابيء بالجو، بل يبدو لي مسرورا بتقبل تقلبات الطقس، أحيانا يمد يديه من تحت سقف المحطة التي غطيت و أحيطت بالزجاج. ليستطلع قوة المياه المتساقطة عندما تولد و هي في بكارتها الأولى، يثير فضوله المطر عوض أن يفر منه مثل كل الناس، يشبهني هذا الطفل كثيرا، طوال حياتي لم أكتسب مظلة، بل كنت أستقبل السماء حافيا من التكنولوجيا، تماما مثلما هي عارية بدون ثياب.

    أخذت نفسي و اقتربت منه، وقفت بجانبه، قلدته و مددت يدي نحو المطر، انتبه لاستفزازي له، فتقدم خطوة جريئة و وقف خارجا، و كأنه يغريني أن أراقص حبيبة قادمة من السماء، سايرته و تقدمت بجانبه لأستكشف أي حب ستهديني السماء هذا اليوم، هذا الفتى كان ذكيا جدا و شاعرا رغم الملابس الرثة التي كان يرتديها، و شكله الصغير، و راح يستدرجني حين رفع وجهه نحو المطر و راحت زخاته تتساقط بين خديه و تنساب بين تقاسيم رقبته، و تبلل شعره الأصفر ليصبح براقا أكثر، لم أكن لأغفل عن ابتسامته البريئة التي كان يكيلني بها كي أوافقه و أقلد تصرفاته و أقاسمه تلك اللحظة، رفعت وجهي نحو السماء موافقا لأكتب شعرا مائيا على خدي، و كأنني أتحضر لأول قبلة جارفة.

    كان شيء ما غائبا عني يعود رويدا رويدا نحو جسدي، يتغلغل و يدخلني بل يحتلني كالفاتحين، لحظتها و لأول مرة أحس بروحي تداعبني، تتسلل بين عروقي لتسكن من جديد جسمي المنهار، أحسستني أقف على أفق الجنة، مددت يدي لأمسك يد الطفل لأعيش أكثر تلك اللحظة، وقعت يدي بيد دافئة غير أنها كبيرة شيئا ما، فتحت عيني لأرى حبا سقط لحظة عودة روح.
    التعديل الأخير تم بواسطة بسباس عبدالرزاق; الساعة 09-11-2013, 07:37.
    السؤال مصباح عنيد
    لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    صباح المطر صاحبي
    صباح الخير و العطاء إذ يتقطر في الروح فيعطيها مالم نكتشف
    عمرنا كله .
    كم لذيذة براءة الطفل و براءة المطر ، وكم نكون أكثر جمالا حين نتخفف من أثقالنا ، لنكون على ذات الحد من براءة
    و لو في غفلة من زمن عات ، دأب على اغتيال إرادتنا ، ووعينا بمزيد من المعرفة و الفعل !
    و كم جميل أن أعانق قصتك هذا الصباح
    فأجري إلي ثياب الشتاء ، و أرتدي واحدة لأستشعر البرد الذي تركته لي حبيبتي !

    جميل أن نأتي محملين بالعطاء و كل هذه العذوبة لنقول : أهلا بالمطر .. اهلا بنا معك

    محبتي
    sigpic

    تعليق

    • بسباس عبدالرزاق
      أديب وكاتب
      • 01-09-2012
      • 2008

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
      صباح المطر صاحبي
      صباح الخير و العطاء إذ يتقطر في الروح فيعطيها مالم نكتشف
      عمرنا كله .
      كم لذيذة براءة الطفل و براءة المطر ، وكم نكون أكثر جمالا حين نتخفف من أثقالنا ، لنكون على ذات الحد من براءة
      و لو في غفلة من زمن عات ، دأب على اغتيال إرادتنا ، ووعينا بمزيد من المعرفة و الفعل !
      و كم جميل أن أعانق قصتك هذا الصباح
      فأجري إلي ثياب الشتاء ، و أرتدي واحدة لأستشعر البرد الذي تركته لي حبيبتي !

      جميل أن نأتي محملين بالعطاء و كل هذه العذوبة لنقول : أهلا بالمطر .. اهلا بنا معك

      محبتي

      أستاذي ربيع الجميل

      صباحك مطر من الحب و الجمال

      كم استوقفني ردك
      و ذلك لأنك دللتني أنني كنت محقا في حبي للمطر و الشتاء

      أحيانا و في قمة الحر عندما يبلغ الصيف أوجه
      ننتظر إطلالة من الشتاء و لو التفاتة

      المطر

      آآآآآآآآآآآه كم هو جميل عندما يلامس القلب


      أحببت كثيرا مرورك الماطر
      فهطول مثلك يكفيني أن أرمم ما تحطم بداخلي
      قد تم ما أشرت له

      محبتي دائما استاذي
      السؤال مصباح عنيد
      لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

      تعليق

      • كريم قاسم
        أديب وكاتب
        • 03-04-2012
        • 732

        #4
        يستهويني جمال الحروف عندما يسقى بماء المطر .. اغرق على الشاطئ .. ابتل واعطش على ضفاف السحر ..
        استمتعت هنا .. تحية طيبة

        تعليق

        • اماني مهدية الرغاي
          عضو الملتقى
          • 15-10-2012
          • 610

          #5
          الله ..اخي بسباس رائع هذا النص خفيف على القلب
          ويلامس الروح...كم احب المطر ايضا وفصل الشتاء لم اقتن يوما مظلة
          وكم اعشق الخوض في البرك..واللعب بالطين تخيل لما يروني افعل ذلك في سني هذا
          لكن كلما عدت مبللة حتى العظم احس اني ولدت من جديد
          شكرا على كل هذا الجمال
          مودتي والتقدي
          اماني

          تعليق

          • منيره الفهري
            مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
            • 21-12-2010
            • 9870

            #6
            جميل ما قرأت هنا أستاذ عبد الرزاق بسباس
            استمتعت فعلا بالمطر تهطل مع رقي الكلمات

            تعليق

            • عائده محمد نادر
              عضو الملتقى
              • 18-10-2008
              • 12843

              #7
              الزميل القدير
              بسباس عبد الرزاق
              من أجمل ما قرأت لك
              من أرق ما همست لنا به
              من أعذب ما كتبت
              ياإلهي كم أحببت النص حتى ذبت فيه
              وكم كان ناعما هذا السرد الشفاف الذي دخل القلب كأنه زخة مطر ندية
              رائع
              رائع
              رائع
              جميلة بجمال خلق الله
              همسة صغيرة ( حين يبلل المطر أو الماء الشعر يغمق لونه ولا يبصح براقا )
              تحياتي ومحبتي لك مع زخة مطر
              الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

              تعليق

              • بسباس عبدالرزاق
                أديب وكاتب
                • 01-09-2012
                • 2008

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة كريم قاسم مشاهدة المشاركة
                يستهويني جمال الحروف عندما يسقى بماء المطر .. اغرق على الشاطئ .. ابتل واعطش على ضفاف السحر ..
                استمتعت هنا .. تحية طيبة
                لي صديق كثيرا ما كتب عن المطر في أشعاره
                و هذا جعلني أشاغب المطر أكثر

                جميل جدا أن نعانق ما ينزل من مختبر السحب

                آآآآه
                و ماذا عن الثلج
                أعشقه جدا جدا
                فالثلج هو مطر و لكنه نوعا ما ينزل في شكل أكثر فلسفية و رومانسية
                كثيرا ما كنت أخرج ليلا، فقط، لأتوج رأسي بشيب مائي

                محبتي استاذ كريم قاسم
                السؤال مصباح عنيد
                لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                تعليق

                • بسباس عبدالرزاق
                  أديب وكاتب
                  • 01-09-2012
                  • 2008

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة اماني مهدية الرغاي مشاهدة المشاركة
                  الله ..اخي بسباس رائع هذا النص خفيف على القلب
                  ويلامس الروح...كم احب المطر ايضا وفصل الشتاء لم اقتن يوما مظلة
                  وكم اعشق الخوض في البرك..واللعب بالطين تخيل لما يروني افعل ذلك في سني هذا
                  لكن كلما عدت مبللة حتى العظم احس اني ولدت من جديد
                  شكرا على كل هذا الجمال
                  مودتي والتقدي
                  اماني
                  نحتاج أن نكون صغار بحجم الماء
                  شفافين مثل لون الماء

                  جميل أن نحبو مرة أخرى فوق الطين لنثبت جدارتنا بالأرض و نكون بذلك خزفا جميلا يزين أرواحنا

                  في خضم العراك اليومي ننسى أننا روح و جسد
                  فتذهب عنا أجمل و أعذب المشاعر
                  البراءة

                  سررت بهذا المرور


                  تقديري و احتراماتي استاذة أماني
                  السؤال مصباح عنيد
                  لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                  تعليق

                  • محمود قباجة
                    أديب وكاتب
                    • 22-07-2013
                    • 1308

                    #10
                    القدير بسباس نقي الحرف
                    راق لنا النص
                    جميل ان نجلس خلف الزجاج نراقب تساقط قطرات المطر تهوى واحده تلو اخرى
                    ونرتشق قهوتنا الساحرة بجمال المشهد نلتفت فنشاهد المحاسن من حولنا انغام الرعد ووهج البرق

                    احترامي وتقديري

                    تعليق

                    • بسباس عبدالرزاق
                      أديب وكاتب
                      • 01-09-2012
                      • 2008

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
                      جميل ما قرأت هنا أستاذ عبد الرزاق بسباس
                      استمتعت فعلا بالمطر تهطل مع رقي الكلمات
                      الأستاذة الشاعرة و المترجمة منيرة الفهري

                      شرفني كثيرا حضورك و قرائتك

                      مرحبا بالمطر و مرحبا بكم


                      تقديري فاضلتي
                      السؤال مصباح عنيد
                      لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                      تعليق

                      • ريما ريماوي
                        عضو الملتقى
                        • 07-05-2011
                        • 8501

                        #12
                        ما اجمل عودة الروح والمطر والحب...
                        ولكم أحب المطر له جو سحري خاص،
                        وخاصة والشمس تبرز بين الغيوم
                        يوجد مثل عندنا يقول
                        "مطرة نيسان تحيي الإنسان"
                        المطر في فصل الربيع شهر 4 يعني.

                        استمتعت هنا معك، وذكرياتك بالمطر.


                        تحيتي واحترامي وتقديري.


                        أنين ناي
                        يبث الحنين لأصله
                        غصن مورّق صغير.

                        تعليق

                        • بسباس عبدالرزاق
                          أديب وكاتب
                          • 01-09-2012
                          • 2008

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
                          الزميل القدير
                          بسباس عبد الرزاق
                          من أجمل ما قرأت لك
                          من أرق ما همست لنا به
                          من أعذب ما كتبت
                          ياإلهي كم أحببت النص حتى ذبت فيه
                          وكم كان ناعما هذا السرد الشفاف الذي دخل القلب كأنه زخة مطر ندية
                          رائع
                          رائع
                          رائع
                          جميلة بجمال خلق الله
                          همسة صغيرة ( حين يبلل المطر أو الماء الشعر يغمق لونه ولا يبصح براقا )
                          تحياتي ومحبتي لك مع زخة مطر
                          الفاضلة القديرة عائدة

                          شكرا لملاحظتك القيمة

                          سأحاول تعديل النص بما يناسبه

                          فرح أن أعجبك النص خاصة و أنه أجمل نصوصي حسب رأيك

                          و ربما هو كذلك


                          المطر لي متعة معه خاصة
                          حين أحس بتلوث داخلي
                          أعرض نفسي أمامه ربما يمنحني صفاء السماء و ريحه الشهية


                          تقديري أستاذتي لعذوبة حضورك
                          السؤال مصباح عنيد
                          لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                          تعليق

                          • بسباس عبدالرزاق
                            أديب وكاتب
                            • 01-09-2012
                            • 2008

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة محمود قباجة مشاهدة المشاركة
                            القدير بسباس نقي الحرف
                            راق لنا النص
                            جميل ان نجلس خلف الزجاج نراقب تساقط قطرات المطر تهوى واحده تلو اخرى
                            ونرتشق قهوتنا الساحرة بجمال المشهد نلتفت فنشاهد المحاسن من حولنا انغام الرعد ووهج البرق

                            احترامي وتقديري

                            الجميل محمود قباجة

                            المطر له قدرة كبيرة على تجديدنا
                            بعثنا من جديد و رسم ملامح الطريق

                            المطر فلسفة الأنقياء
                            المطر حياة الموات


                            محبتي و تقديري أستاذ محمود
                            السؤال مصباح عنيد
                            لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                            تعليق

                            • حارس الصغير
                              أديب وكاتب
                              • 13-01-2013
                              • 681

                              #15
                              رهانك كان صائبا
                              أمسكت بزخات المطر ولم تنفلت من يديك إلا بعد أن حظيت بالمكافأة.
                              سردية في الصميم صديقي بسباس.
                              تحيتي وتقديري

                              تعليق

                              يعمل...
                              X