إهداء---إلى روح ابن أخي* الشـــاب الشــــهيد سعيد
فقد استحضرت -اسمه فيها-فله الرحمة وجنان النعيم

دخان برائحة السوسن
******************
اعتادت أم ثائر أن تزور المقبرية الغربية---التي سمّيت مقبرة الشهداء---على يمين معسكر اللاجئين في خانيونس ،تخنقه مستوطنة تَحُول كثيراً بين الأمهات و زيارة أضرحة أبنائهن ---تقول أم ثائر محدثة نفسها، لا يمكن أن أغيب عنك يا نور عيني يمه يا سعيد ، كفاية انحرمتك بالحياة وانت في سجنهم، الله يحرقهم ويحرق سجونهم،وقتلوك يمه --براحتهم ، على مهلهم، ياترى يمه كم موته موّتوك!
الله ينتقم منهم.
أذن الظهر--بسم الله وعلى الله توكلت ، لا حول ولا قوة الا بالله ! سعيد يمه، شايف أخلى عليّ البيت،البنات في المدرسة ، ومها تزوجت والاولاد كل في عمله، هه قال عمله قال أي هو فيه عمل ، مع أصحابهم والله يسترها معهم--------يا رب أنت وكيلنا،
يا مستعمرة الهمّ---هزت رأسها وقد راقتها الفكرة --الظهر ---في عز الظهر راح أزورك يمة يا حبيبي،ووو أصلي عندك ،أيوه عندك،يطخّوا يحرقوا هي موتة، هو بعد الموت فيه شوق والّا حتى همّ------طز فيهم و شمسهم نص الليل.
اتكلت على الله،كانت تناجي نفسها، والدموع تحفرفي خديها بأنين الوجع ،اعتادت عليهما في كل وقت وأينما كان.
كانت أم ثائرفي منتصف العمر---تخاطب في طريقها أمام المستعمرة، ابنها الشهيد مرة-والمستعمرة مرة-الله ينتقم منهم، قالوها من زمااان ( لو ما خفت ولا استحيت افعل ما تشاء ) والله صدَقوا،متى تنقلع هي واللي فيها، تمسح دمعها بقناعها، يا ريت يمه ما كنت أمنعك عن هالقعدة مع أصحابك ، في هالسوافي هذي، كنت خايفة عليك! اييييييييه صدق اللي قال:-
(المكتوب ما عنه مهروب) يا رب أوصل ما أشوف واحد من شياطين مستوطنة الموت هذي!
وصلت-المجنة--وقفت عند ضريح ابنها :-السلام عليكم يا يمه يا سعيد، انا بخير يمه، ما ببكي ولا بنوح عارفه إنك شهيد حي، أنا اللي متت يا قلب أمك!
لا يمه انا بخير اطمئن، والرئيس يمه وعدنا يحججنا انا وأمهات رفايقك وغلبها النَشَيجَ ، كان نفسك تحججني-هيني باستعد للحجة يمه اطمئن، بس من غيرك يا حبيبي آه يا دنيا ما رحمتينا!
فردت سجادة صلاتها، صلت وبدأت تدعو لابنها ولإخوانه الشهداء بالرحمة،
رائحة كالبخور تفحفح---هه يا كريم يا رب (هذي ريحة الشهادة) قالت بصوت خفيض تخاطب نفسها---بخور! ( لا والله ريحة ورد)
سوسنة حزينة تتراءى أمامها---قالت في نفسها وما العجب! ما هو السوسن ينبت دائما على قبور الشهداء.
صوت هامس( لا يا خاله أنا غير) يمكن تتذكريني ! انظري ليّ ملياً---- أنا رولا بنت أم حسين.
أخذت أم ثائر تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، تقرأ المعوذات،وتستغفر.
الهمس يستمر---أنا رولا(ول ياخالة ست سنوات نستك رولا، كنت صاحبة مها بنتك، صدقيني، أنا صاحبة مها)!
هرب الكلام عن شفتي أم ثائر، اصفرّ وجهها، تقرأ بصوت يرتفع شيئاً فشيئاٍ (قل أعوذ برب الفلق) ونسيت التتمة تلعثمت -تتمتم ،أعوذ بالله من غضب الله تتمتم في نفسها معقول زيارة القبور حرام مثل ما بيقولوا في الجامع ! يارب عفوك(يارب هذا سعيد ابني، يا رب وجلالك ما بقدر أغيب عنه،يا رب-يا رب -أنت خلقت قلوبنا ونبضها وحسّها---ارحمنا، يا ريتني متّ قبل فقدك يمه.
الهمس لم ينقطع(اسألي مها عني) والله بفرح بشوفتك ،أقول لك شيئء في بالي وخاطري -الله يخليكي لاتخافي مني واسمعيني!
فزت أم ثائر مذعورة،نسيت أن تودع سعيد كالعادة، ونسيت تقبيل تربته، السوسنة تتبعها، تحلق لها ،
كممت وجهها بقناعها كي لا ترى زهرة القبور المرعبة ، نسيت اليهود والمستعمرة---تبسمل- تتعوذ-تحوقل لم تترك شيئا تعرفه من الاستغفار إلّا وقالته حتى وصلت بيتها،
ارتمت في سريرها، أغلقت الباب ، تربسته ولم تفكر في شيء وهي تتخيل الزهرة الحزينة أمامها ، لم يهدأ روعها بعد ، فتحت الباب!
شربت رشفة ماء بالكاد دخلت جوفها----هيّ--حقيقة والّا خيال ! يا مثبت العقل والدين يا رب دخلك.
صدى الصوت لم يزل يرن في سمعها!
قالت في نفسها: -----لا لا هذا مستحيل --أروح عند أم محمود جارتي، إنا لله وإنا إليه راجعون ، قالتها وهي ترد الباب خلفها.
دقّت على الباب يا أهل الله --يا أهل الله ، أقبلت أم محمود قائلة :-يعني اليوم صرنا غرباء يا أم ثائر! ما كان دخلتي
من غيرما تقوميني هههه----أم ثائر صامتة !
يلعن شرك وين ما طلّيتي الضحى ، والله يا شيخة اشتقت لك---أم محمود تتكلم وترد على نفسها.
أم ثائر لا تنطق ببنت شفه !
تتأملها الجارة باستغراب: مالك يا مره ؟ ايش فيه؟ صمت كصمت القبور ، صفرة الموت على محيّا أم ثائر!
سلامتك يا أختي لا أسكت الله لك حسّاً، لا تكوني اليوم ما قدرت تزوري سعيد!
هزت رأسها بالنفي وكصوت خرج من قاع بئر عميق أجابت : زرته
تقول أم محمود لأم ثائر وقد ظنت أنها فهمت كل شيء، آه راجعة من عنده، الله يرحمه وجميع الشهداء، وأكملت يعني يا أختي إيش جد اليوم، ما هو أنت متعودة على هالزيارة! سامحيني يا أختي (يا ما مشينا وجينا والتعب مخلوف) في الجنة يا قلبي في الجنة.
لا جواب ولا كلام أم ثائر صامتة فقط تهز رأسها كأنها تنفي وتثبت وتتعجب ثم تبهت في ذهول!
تقول ام محمود وهي تلقّم إبريق الشاي ، والله حالها مابيسُرّ عدو ولا صديق---يا حسيرتي عليك ياأم ثائر، اييش جرى لك من ورى القبور!
وترد على نفسها لكن هذا سعيد الغالي حبيبها؛ يكسر إيدَيّات اللي قتله !
وضعت أم محمود صينية الشاي أمامها---اقتربت منها ، حضنتها ، قبّلت رأسها قائله:- والله ما أنا عارفة ايش أحكي وايش أقول أردفت يعني هو أحمد رخيص علي يا خيتي، يعلم الله باللي في القلوب!
ارتشفتا الشاي---وابتدأ روع أم ثائر يخفّ شيئاً فشيئاً--لكن كأس الشاي يرتجف بكفها---وكأنها تفكر بصوت مسموع(أي والله ما أقطعها زيارة سعيد)
يا حبيبتي يا أخيتي قالت أم محمود وهي تنظر للكأس يرتجف ، بينما أم ثائر محرجة.
أم ثائر بهمس الله يرحمهم كلهم-------والله احمد في قلبي ما يقل محبة عن سعيدلكن الناس قالوها من زمان(انعي الجديد خلي القديم بحاله) إيييييييه
طلع التأوه من كلتيهما---بلون الهم --بَلوَه وابتلينا بيها!
أم محمود ترد ما لها غير الله----والله يا خيتي عربنا شكلهم ما نافعين فدو ولا ضحية! وكأن الكلام نزل سلسلاً على قلبها، وخرجت عن ذهولها ،خليها على الله يا أم محمود انتي ما بتسمعي الأخبار----- حكامنا سلاحهم لشعوبهم! حتى اللي بيتظاهر عشانّا بيقتلوه-حسبنا الله
أم محمود بحسرة : شفتي شفتي الهنا اللي احنا فيه----أويلاااااه علينا--ماهم قالوها من زمان ما بيحك جلدك غير ظفرك.
من وييييين إلنا سلاح---ماهي كل قطعة بتوصلنا عربنا بيقولوا عنها تهريب----يا خيتي كنهم بيساعدوا اليهود علينا هذول الحكام
تَوْنَا عرفنا ليش ما بننتصر ولا في حرب!
ربنا يلطف بينا يا أم محمود هه--(ميعاد رواح البنات من المدرسة اسمحي لي) قالت هذا وهي تستجمع جرأتها لتطلب من أم محمود
مرافقتها للمجنّة غداً ، ترددت وأم محمود تحسّ بأن في قلبها كلاماً تريد قوله----حبيبتي أم ثائر شكلك بدك تقولي حاجة-لا تستحي مني يا أخيتي أمانه تفضفضي.
ما هو احنا هيك يا النسوان حكايات الباب ما بنستغنى عنها ---يالله يالله قوولي لخيتك يعني بدك تفضفضي لمين غيري!الكلمة بتسطح
إن ظلّت بالقلب تجرح .
باستحياء قالت لا والله كنت نفسي أقول لك بكرة الظهر ،تروحي معي ع المقبرة! سامحيني ما بدي أفتّح مواجع -بس والله اليوم استوحشت لحالي ما أنا عارفه ليش!
أنتي تؤمري-----بكرة أطبخ بدري وأروح معك ومنه بازور سعيد واحمد.
في عز الظهيرة دقت أم محمود على الباب ،كانت أم ثائر تنتظر بجانبه، خرجت مسرعة واتجهتا للمجنة.
اقربتا من الباب ففاحت رائحة السوسن -اصفرّ وجه أم ثائر، وبدا عليها الارتباك
السلام عليكم يا شهداءنا--أم محمود تردد --وتقف عن شاهد أول ضريح هذا محمد صاحب أحمد الله يرحمه الفاتحة---تقرأ الفاتحة ومعها أم ثائر .
قلب أم ثائر يكاد يهرب من صدرها ، تتصبّر، تركز نظرها على أم محمود، لاتريد أن تنظر لشيء آخر
المرأة منهمكة في قراءة القرآن والدعاءوتترحّم، بين لحظة وأخرى تقول :--شهداء يا أخيتي، شهداء أحياء عند ربهم يرزقون!
أم ثائر ملتزمة بالصمت التام، تفكر فيما هو قادم ، اتجهتا لضريح آخر فثالث ---فرابع واستمرت أم محمود في الدعاء للشهداء بالرحمة ---يا رب -يا رب .
هنا ورود مدفونة -قتلهم المجرمون --يا رب تقبلهم شهداء وتجعل نهاية تضحياتهم النصر.
وأم ثائر جفت منها الدموع، بالكاد تلقط أنفاسها، تلتفت إليها أم محمود شايفة يا أم الشهيد ، هذول بكرة بيشفعوا لنا، يا أختي انطقي فقعتيني---الحزن بيقتل يا حبيبتي ، يالّا يالّا على ضريح الغالي وسحبتها من يدها ،
أم ثائر لا تنطق ببنت شفة، رأت السوسنة تتراقص أمامها، كأنها فتاة جميلة تلوح أحياناً أمامها--تمالكت نفسها ،
اقتربت من أم محمود قائلة: شايفة حاجة يا أم محمود !؟شايفة رحمة ربنا على الشهداء، شايفة القهر في قلبي،
هان الشباب العايقين ارتاحوا-يا ريت ما خلص رصاص سلاحو وانهمرت دموعها ، هان تحت التراب يا أم ثائر فرحتنا اندفنت.
ويسود صمت رهيب ، أم محمود تتلو آيات قرآنية في سرّها، ودموعها تذرف.
أم ثائر عصافير قلبها تفرفط من الرعب،أمسكتها أم محمود من يدها، هيه وإنت أم الشهيد ( يا عيني هوني-زي الناس كوني) مالك يخيتي ذاهلة ، هيّ أول مرة تدخلي هنا ‘ ع الحساب كل يوم وانت هان!
انزور باقي الشباب ، يمه يا حبايبي، ياما أكلوا من إيدي هذي ، ياما رنّت ضحكاتهم في دارنا مع أحمد!
الله يمه يسامحكوا ويرحمكوا، تضحك إلكم الجناين يمه يا حبايبي.
أم ثائر تشاغلها زهرة الحزن، مرة في شكل زهرة، مرّة طيفاً ليس بالغريب عليها
نطقت على حين غرة ، والله كني بعرفها!
اسم الله عليكي أخيتي، هو أنتي عن أي شيء بتتكلمي؟ بتعرفيها؟ هي مين؟ المقبرة!
وزهرة السوسن الحزينة تندار وتلتف حيثما تتجه أم ثائر!
كانت فرائصها ترتجف ، تنظر لأم محمود وهي تتكلم ، تلتصق بجارتها مذعورة، بينما الأخرى لم تفهم شيئاً
لم تر شيئاً غريباً الّا حالة صاحبتها، أزعجها ما ارتسم على محياها مذ دخلت المجنة.
دعت أم محمود صديقتها على كأس شاي، فالوقت لم يزل مبكراً على عودة الأولاد من المدارس.
دخلت معها وجلست مرهقة على أول كرسي واجهها، بينما أم محمود تتمتم بينها وبين نفسها ، مسكينة الصدمة شديده، لم تبهتها الأيام، آه--والله يا حسيرتي معها حق، انقتل بين ايدين الظَلَمة في سجن البين والهمّ.
حسبا الله عليهم----يا رب ما لنا غيرك.
دخلت وبِشَي من الفكاهة يالله يا ختي نشرب شاي بالنعناع، يشفي من الأوجاع، هههه بالله مش أحسن من دوا الوكالة حبة أسبرين
تفضلي، شاي أختك أم محمود.
والله نفسي مسدودة عن كل شيء ، لا ياختي النعنع بيفتحها توكلي على الله--عدلي راسك يا الله، تفضلي
مدّي إيدك الله لا يكيدك مالك يالّا ياحبيبتي مالك ! هذا هو حالنا، يعني هم أرجل منّا، ما نواجهّم!الله يرحم الشباب ويحيّي التراب اللي لمتهم.
أم ثائر كانت في عالم آخر، بين سعيد والسوسنة،يرن في أذنها صدى قول السوسنة أمانة خليكي شوية، بتونّس بيكي يا خالة.
فجأة انتبهت وبضحكة باهتة مصطنعة قالت:-اعذريني والله ما كنت هنا ، الله يرحمنا برحمته
احتست الشاي، وشكرت جارتها، ولأنها لاتريد أن تسمع أو تتكلم! عادت لبيتها أغفت وهي جالسة في غرفة الجلوس
صحت شاردة النظرات على صوت بنياتها ، قامت مترنحة سكبت حلة المقلوبة في الصينية، وضعتها على طبلية الطعام ، جلست تنتظر
حضر زوجها متعباً، يبدو عليها الشحوب ، ساءه الأمر ولم يُظهرذلك.
سلمت يداك يا أم ثائر حبيبتي ، الله يحفظ لي إياكي يا الغالية،
وطبع على جبينها قبلة ، استحضرتها دمعة ، أحست بعطف أبو ثائر وهو أحوج منها للعطف ،كانت في عالم المجنة والسوسنة الحزينة!
قال وهو يصطنع الدعابة ، أكيد سنأكل أصابعنا اليوم ما أحضرت الحبيبة الملاعق هههه، ولا حتى الصحون
لم تنبس ببنت شفة! بمرح جرت غادة نحو المطبخ قائلة ، أجيب لي صحن أكاد أموت من الجوع ، وأنتم أحرار!
لا هاتي للجميع ،حبيبتي بابا، وهاتي معك الملاعق،وقبل أن يسكب أحدهم شيئاً من الطعام دخلت مها-----انطلقت أخواتها هيييييييييييه مهاااااااااا ماها--ماها--وأخذن يصفقن ويتسابقن لاحتضانها بالسلام والقبل.
حماتك بتموت عليك يا مها يا بنتي، لا يا حبيبي حماتي ماتت قبل ما تعرفني، الله يخرب بيت الاحتلال ويومه---هدوا البيت عليها بدري سَلَف!
أشار لها والدها الا تأتي على سيرة الموت، وكز بأسنانه على شفته كاد يدميها ، منبهاً لئلا تنزعج أمها
جرت غادة برشاقة غزال نسينا السلطة واللبن، وهذا السفن أب -----يا الله بالهنا والشفا.
أم ثائر فرحت بمقدم مها - كانت محتاجة لها جلست دون أن تسكب في صحنها شيئاً كانت صامتة تماماً،
صممت مها إلّا أن تأكد من يدها فألقمتها ملعقة أتبعها أبو ثائر بملعقة ثانية وثالثة --قامت بعدها لأنها تشعر بصداع، واستسلمت لنوم مخاصم لعيونها، لعلّ وعسى!
تنهد أبوثائر وهو يهمس لمها-----والله يا مها يا بنتي أحوال أمك هذه الأيام لا تعجبني.
أمي أمي--- ما مالها ؟ بابا----طمئني --.
لا تنزعجي والله دائمة السرحان ، تذبل يوماً بعد يوم! وتنزعج على إخوانك بطريقة كبيرة.
لا والله هذا الأمر لا يمكن السكوت عليه، سآخذ إجازة طارئة ، واتصلت بزوجها تخبره أنها ستنام الليلة عند أهلها.
بابا بعد إذنك ،أنا داخلة عند ماما لو ما في مانع،
تفضلي يا بنتي تفضلي، الله يوفقك وتشوفي ايش اللي مذبلها ومتعبها ! ما هو كل بيت فيه شهداء لو على سعيد،
صح بابا لكن أمي كتير حساسة ، هذي لوحدها مشكلة، وأنا شغلي عرفني على حالات كتير من هالنوع ، يمكن تفضفض لي
قول يا رب يا بابا.
قالت ذلك وهي تهم بالقيام بعد أن اتصلت بزوجها، دعته للغداء في بيت أهلها ،ولمّا اعتذر ،أخبرته بأنها ستنام عندهم.
استلقت بجانب أمها، كحت كي تنبهها لوجودها، لكن الأم التزمت الهدوء والسكينة، لم تكن نائمة تماماً لكنها مسبلة عينيها وصامتة ،إحم إحم نحن هنا أم ثائر، أنا حبيبتك مهااااا ،
تململت الأم ، حضنتها مها ، قبلت جبهتها ، رأسها، أمسكت بيدها وقبلتها قائلة مشتاقة لك يا ما ما كتير
اشتقت لك كتير يا مها يا حبيبتي، كان صوتها حزينا ،وسقطت من عينها دمعة على كف مها.
أمي حبيبتي تبكي ، يا عمري أنا، يا حياة مها، طيب أنا جئتُ لأفرّحك ---طلعت مرضتي الشهر اللي فات حمل يا ماما حمل، فرحت الأم
مبارك يا بنتي ------شوفي يا ماما لو ولد راح أسميه سعيد ولو بنت راح أسميها أسميها أسميييييييها رولا.
انتفضت الأم رولا.
بلاش رولا يا بنتي بلاش رولا، حبيبتي ماما ماله اسم رولا ؟ حتى هواسم أصيل وجميل ، وهو كمان اسم صاحبة لي أحبها جداً وأعزها .
وتنهدت الأم كأنها تذكرت شيئاً مولماً ---بلاش رولا.
هنا كأن شيئاً ما دق على مركز التنبيه في مخ مها قالت بحنان، خلاص خلاص يا أمي أسميها على اسم القمر ست الحبايب
وداااد ، أي هو فيه أسم أحلى وأغلى من اسم وداد، يا كل الود يا إنتَ ، وقبلت خدّ أمها وهي تهدهدها على كتفها.
بصوت ضعيف ذابل قالت الأم لمها :--يا ريت يا مها تقدري تقضي معنا يومين!
بمرح مصطنع لكنه حنون قالت مها:- يومين بس كل الأيام يا أمي على حسابك،
أنا قلت لزوجي إني سأنام عندك يا ست الكل---إممممممممممموا قبلت جبهتها،آآآآآآآآه تبدو مجهدة ، عرقانة قالت في سرّها وهي تطبع قبلة أخرى مذابة بكل حبها ،وخوفها عليها.
فرحت أم ثائرقائلة :-----الله لا يحرمني منك يا حبيبتي أيوه --خليكي تزوري معي قبر سعيد ، أخوك حبيبك يا مها زمان ما رأيتيه
الله يرحمه يا ماما هو أحسن منا عند ربه في جنات النعيم، الحسرة علينا، وعلى المقيدين في زنازين الصهاينة الظالمين.
شعرت أم ثائر ببصيص من الطمأنينة بوجود مها، فغداً ستصطحبها معها للمقبرة------ستؤنسها ولن تحرج من إطلاعها على كل شيء-عن رولا السوسنة الحزينة
أعدت طعام الغداء على مزاج مها فهي تحب البرياني بالدجاج ، وقبل الظهر كان الطعام جاهز، لفّته في قطعة قماش سميكة،حتى لا يبرد، وتركته في ركن المطبخ كالعادة.
اتجهتا معاً للمقبرة وقد أخذت معها مها بعض أغصان الريحان وبعض زهور الليلك الذي يحبه ثائر.
فغرت أمها فاها عندما رأت زهر السوسن الرقيق مع الريحان، همست بينها وبين نفسها كمان سوسن يا مها ، وصلتا الضريح، بعثرت مها الريحان والسوسن عليه
تغير لون الأم ، وتبدل حالها
لم تعد تتكلم --إنها تستمع فقط ، جذبت ابنتها من كتفها شايفة شيء؟ سامعة حاجة؟!
اسم الله عليك حبيبتي أيّ شيء مثلاً!
انظري تلك السوسنة الحزينة أنها تحدثني ---سألتها ماذا تقول لها فأخبرتها بما كان، ثمّ نبّهتها-دخن يمة دخن بريحة الورد والبخور،ما شميتيه؟!
قالت لها بحنان:- لأنك رقيقة وحساسة ،وأم شهيد يحدثك الليلك يا أمي يا بختك ههه ،وأخذت تهدهدتها بلطف-- عرفت مها بيت القصيد ،
فهي ما زالت تذكر احتراق رولا ،السوسنة الرقيقة حبيبة سعيد، وتعلق سعيد بها، وتوصيته لأمه عليها،وأن ترعى زهر الليك وتهتم به.
قررت من لحظتها أن تأخذ أمها معها لغزة ،حيث المركز النفسي لمعالجة المرضى النفسيين، من الفاقدين، ومن كسرتهم ظروف الحياة تحت الاحتلال .
اتصلت بالطبيب الذي تعمل معه في المركز كمؤهلة للحالات البسيطة قبل عرضها عليهما هو أوزوجته، أخبرته بأنها ستصطحب أمها ، حيث تعاني من قصة حزينة أثرت عليها---وتم الاتفاق ، فهي مشرفة نشيطة ومحبوبة وصديقة د- بسنت زوجته الطبيبة المصرية
أخبرت أباها أنها ستصطحب أمها معها لبيتها ، تغير جو وتعطيها بعض الأدوية من المركز .
شجعها والدها قائلاً لا تخليها تقلق علينا، كل شيء راح يكون تمام ، بنتي حبيبتي اهتمي بيها، وخذي بالك منها ، حالتها ما بتطمئن .
أخبرته أن موضوعها سهل وأنها تحتاج تغيير جو لا أكثر.
تشجعت أمها أكثر عندما أخبرتها أن زوجها يحب البرياني من يدها، وأنها ستأخذ طاسة صغيرة وفرخة وسيأكلون معاً في بيتها .
وفي المساء بعد أن انتهى العمل في المركز ، أخذت مها علبة شوكولاتة أنيقة لتقنع أمها أنهما في زيارة
استقبلتهما د- بَسَنت أحسن استقبال، وبدأ التسامر قصت د بسنت قصة حضورها كمتطوعة لغزّة، وقصة زواجها من الدكتور عماد، وما يلاقون من عناء في التوفيق بين البيت والمركز بالذات وكثرة المراجعين،وكيف أنّ أفقر فقراء غزة لا يشغلون بناتهم كخادمات في البيوت!
وبدأت مها تتحدث عن خانيونس وشهدائها ، وترحمت على أخيها سعيد الشهيد وروت بعض بطولاته ، وكيف أن عمله كفدائي مناضل حرمه من الفتاة التي أحبته وأحبها كانت تتكلم وتنظر لأمها قائلة :- لو نسيت يا ماما يا حبيبتي شيئاً ذكريني به.
كانت الأم ملتزمة بالصمت، وكانت مها تريدها أن تتذكر وتتكلم، وتستوعب ما جرى،قالت أنه كان يحب صديقتها وتحبه ، حباً نقياً بصمت وإخلاص ،وأنها من أحضرت لهم شتائل زهرة الليلك ( السوسن).
تململت الأم - وفغرت عينيها وهي تنظر لابنتها التي تتحدث، قالت حسرتي عليها كانت يتيمة، وأجبرها عمها على الزواج من ابنه الجلف،
رحمت نفسها منه ، أنهت حياتها يوم الصباحية .
أكملت مها لأنه دبّ نفسه عليها كثور هائج،لم يراعِ إنسانيتها وهي الرقيقة، ولم يحترم وضعها ويثور عليه لأنها سحبت إليه كسبيّة!
أخبرتني قبل أن تشعل عود الكبريت في بدلتها، وقد أمروها بالاستعداد للاحتفاء بصباحيتها ،
وكانت تحب أخي الشهيد (سعيد ) رحمه الله.
بهدوء قالت الأم مات بحسرتها .
أكملت مها حقيقة كما أخلص للوطن أخلص لحبه ،وأخفينا عليه خبر احتراقها، لليوم زهر السوسن في بيتنا يجدد ذكراها،هي من أحضرته-----الله يجازي عمها وابن عمها----
تلاقوا يا حسرتي في البريّة --قالت أم ثائر بهمس فهمته مها،
و بصوت حزين قالت:- أنا وصيت أبو ثائر يخلي قبره قريب من قبرها----------حسرتي على الشباب المغدور،
المرحوم كان في المعتقل، وكل ما يسألني عنها أقول بخير وتنتظرك، وكان يبعث لها السلام والزخارف على المناديل البيضاء، ودموعها تغالبها وهي
تتحدث عنهما ويتساقط العرق من وجهها ، يكفهر مرة ،ويصفر مرة أخرى.
هي كان اسمها رولا قالت مها--انتفضت أمها --رولا بنت أم حسيين صحيح ذكرتيني، أيييييه الله يلعن أبو الدنيا يااااااما أخذت شباب حلوين
وياما فرقت ناس!
أشار الدكتور لمها أن يكفي الليلة فالمرأة اختنقت بالذكريات التي تريد أن تنساها ،ولا تريد الإقرار بها، ولكنها تحاصرها بما يشابهها، ويبعث الذكرى.
8-12-2013
الأحد
ي
فقد استحضرت -اسمه فيها-فله الرحمة وجنان النعيم
دخان برائحة السوسن
******************
اعتادت أم ثائر أن تزور المقبرية الغربية---التي سمّيت مقبرة الشهداء---على يمين معسكر اللاجئين في خانيونس ،تخنقه مستوطنة تَحُول كثيراً بين الأمهات و زيارة أضرحة أبنائهن ---تقول أم ثائر محدثة نفسها، لا يمكن أن أغيب عنك يا نور عيني يمه يا سعيد ، كفاية انحرمتك بالحياة وانت في سجنهم، الله يحرقهم ويحرق سجونهم،وقتلوك يمه --براحتهم ، على مهلهم، ياترى يمه كم موته موّتوك!
الله ينتقم منهم.
أذن الظهر--بسم الله وعلى الله توكلت ، لا حول ولا قوة الا بالله ! سعيد يمه، شايف أخلى عليّ البيت،البنات في المدرسة ، ومها تزوجت والاولاد كل في عمله، هه قال عمله قال أي هو فيه عمل ، مع أصحابهم والله يسترها معهم--------يا رب أنت وكيلنا،
يا مستعمرة الهمّ---هزت رأسها وقد راقتها الفكرة --الظهر ---في عز الظهر راح أزورك يمة يا حبيبي،ووو أصلي عندك ،أيوه عندك،يطخّوا يحرقوا هي موتة، هو بعد الموت فيه شوق والّا حتى همّ------طز فيهم و شمسهم نص الليل.
اتكلت على الله،كانت تناجي نفسها، والدموع تحفرفي خديها بأنين الوجع ،اعتادت عليهما في كل وقت وأينما كان.
كانت أم ثائرفي منتصف العمر---تخاطب في طريقها أمام المستعمرة، ابنها الشهيد مرة-والمستعمرة مرة-الله ينتقم منهم، قالوها من زمااان ( لو ما خفت ولا استحيت افعل ما تشاء ) والله صدَقوا،متى تنقلع هي واللي فيها، تمسح دمعها بقناعها، يا ريت يمه ما كنت أمنعك عن هالقعدة مع أصحابك ، في هالسوافي هذي، كنت خايفة عليك! اييييييييه صدق اللي قال:-
(المكتوب ما عنه مهروب) يا رب أوصل ما أشوف واحد من شياطين مستوطنة الموت هذي!
وصلت-المجنة--وقفت عند ضريح ابنها :-السلام عليكم يا يمه يا سعيد، انا بخير يمه، ما ببكي ولا بنوح عارفه إنك شهيد حي، أنا اللي متت يا قلب أمك!
لا يمه انا بخير اطمئن، والرئيس يمه وعدنا يحججنا انا وأمهات رفايقك وغلبها النَشَيجَ ، كان نفسك تحججني-هيني باستعد للحجة يمه اطمئن، بس من غيرك يا حبيبي آه يا دنيا ما رحمتينا!
فردت سجادة صلاتها، صلت وبدأت تدعو لابنها ولإخوانه الشهداء بالرحمة،
رائحة كالبخور تفحفح---هه يا كريم يا رب (هذي ريحة الشهادة) قالت بصوت خفيض تخاطب نفسها---بخور! ( لا والله ريحة ورد)
سوسنة حزينة تتراءى أمامها---قالت في نفسها وما العجب! ما هو السوسن ينبت دائما على قبور الشهداء.
صوت هامس( لا يا خاله أنا غير) يمكن تتذكريني ! انظري ليّ ملياً---- أنا رولا بنت أم حسين.
أخذت أم ثائر تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، تقرأ المعوذات،وتستغفر.
الهمس يستمر---أنا رولا(ول ياخالة ست سنوات نستك رولا، كنت صاحبة مها بنتك، صدقيني، أنا صاحبة مها)!
هرب الكلام عن شفتي أم ثائر، اصفرّ وجهها، تقرأ بصوت يرتفع شيئاً فشيئاٍ (قل أعوذ برب الفلق) ونسيت التتمة تلعثمت -تتمتم ،أعوذ بالله من غضب الله تتمتم في نفسها معقول زيارة القبور حرام مثل ما بيقولوا في الجامع ! يارب عفوك(يارب هذا سعيد ابني، يا رب وجلالك ما بقدر أغيب عنه،يا رب-يا رب -أنت خلقت قلوبنا ونبضها وحسّها---ارحمنا، يا ريتني متّ قبل فقدك يمه.
الهمس لم ينقطع(اسألي مها عني) والله بفرح بشوفتك ،أقول لك شيئء في بالي وخاطري -الله يخليكي لاتخافي مني واسمعيني!
فزت أم ثائر مذعورة،نسيت أن تودع سعيد كالعادة، ونسيت تقبيل تربته، السوسنة تتبعها، تحلق لها ،
كممت وجهها بقناعها كي لا ترى زهرة القبور المرعبة ، نسيت اليهود والمستعمرة---تبسمل- تتعوذ-تحوقل لم تترك شيئا تعرفه من الاستغفار إلّا وقالته حتى وصلت بيتها،
ارتمت في سريرها، أغلقت الباب ، تربسته ولم تفكر في شيء وهي تتخيل الزهرة الحزينة أمامها ، لم يهدأ روعها بعد ، فتحت الباب!
شربت رشفة ماء بالكاد دخلت جوفها----هيّ--حقيقة والّا خيال ! يا مثبت العقل والدين يا رب دخلك.
صدى الصوت لم يزل يرن في سمعها!
قالت في نفسها: -----لا لا هذا مستحيل --أروح عند أم محمود جارتي، إنا لله وإنا إليه راجعون ، قالتها وهي ترد الباب خلفها.
دقّت على الباب يا أهل الله --يا أهل الله ، أقبلت أم محمود قائلة :-يعني اليوم صرنا غرباء يا أم ثائر! ما كان دخلتي
من غيرما تقوميني هههه----أم ثائر صامتة !
يلعن شرك وين ما طلّيتي الضحى ، والله يا شيخة اشتقت لك---أم محمود تتكلم وترد على نفسها.
أم ثائر لا تنطق ببنت شفه !
تتأملها الجارة باستغراب: مالك يا مره ؟ ايش فيه؟ صمت كصمت القبور ، صفرة الموت على محيّا أم ثائر!
سلامتك يا أختي لا أسكت الله لك حسّاً، لا تكوني اليوم ما قدرت تزوري سعيد!
هزت رأسها بالنفي وكصوت خرج من قاع بئر عميق أجابت : زرته
تقول أم محمود لأم ثائر وقد ظنت أنها فهمت كل شيء، آه راجعة من عنده، الله يرحمه وجميع الشهداء، وأكملت يعني يا أختي إيش جد اليوم، ما هو أنت متعودة على هالزيارة! سامحيني يا أختي (يا ما مشينا وجينا والتعب مخلوف) في الجنة يا قلبي في الجنة.
لا جواب ولا كلام أم ثائر صامتة فقط تهز رأسها كأنها تنفي وتثبت وتتعجب ثم تبهت في ذهول!
تقول ام محمود وهي تلقّم إبريق الشاي ، والله حالها مابيسُرّ عدو ولا صديق---يا حسيرتي عليك ياأم ثائر، اييش جرى لك من ورى القبور!
وترد على نفسها لكن هذا سعيد الغالي حبيبها؛ يكسر إيدَيّات اللي قتله !
وضعت أم محمود صينية الشاي أمامها---اقتربت منها ، حضنتها ، قبّلت رأسها قائله:- والله ما أنا عارفة ايش أحكي وايش أقول أردفت يعني هو أحمد رخيص علي يا خيتي، يعلم الله باللي في القلوب!
ارتشفتا الشاي---وابتدأ روع أم ثائر يخفّ شيئاً فشيئاً--لكن كأس الشاي يرتجف بكفها---وكأنها تفكر بصوت مسموع(أي والله ما أقطعها زيارة سعيد)
يا حبيبتي يا أخيتي قالت أم محمود وهي تنظر للكأس يرتجف ، بينما أم ثائر محرجة.
أم ثائر بهمس الله يرحمهم كلهم-------والله احمد في قلبي ما يقل محبة عن سعيدلكن الناس قالوها من زمان(انعي الجديد خلي القديم بحاله) إيييييييه
طلع التأوه من كلتيهما---بلون الهم --بَلوَه وابتلينا بيها!
أم محمود ترد ما لها غير الله----والله يا خيتي عربنا شكلهم ما نافعين فدو ولا ضحية! وكأن الكلام نزل سلسلاً على قلبها، وخرجت عن ذهولها ،خليها على الله يا أم محمود انتي ما بتسمعي الأخبار----- حكامنا سلاحهم لشعوبهم! حتى اللي بيتظاهر عشانّا بيقتلوه-حسبنا الله
أم محمود بحسرة : شفتي شفتي الهنا اللي احنا فيه----أويلاااااه علينا--ماهم قالوها من زمان ما بيحك جلدك غير ظفرك.
من وييييين إلنا سلاح---ماهي كل قطعة بتوصلنا عربنا بيقولوا عنها تهريب----يا خيتي كنهم بيساعدوا اليهود علينا هذول الحكام
تَوْنَا عرفنا ليش ما بننتصر ولا في حرب!
ربنا يلطف بينا يا أم محمود هه--(ميعاد رواح البنات من المدرسة اسمحي لي) قالت هذا وهي تستجمع جرأتها لتطلب من أم محمود
مرافقتها للمجنّة غداً ، ترددت وأم محمود تحسّ بأن في قلبها كلاماً تريد قوله----حبيبتي أم ثائر شكلك بدك تقولي حاجة-لا تستحي مني يا أخيتي أمانه تفضفضي.
ما هو احنا هيك يا النسوان حكايات الباب ما بنستغنى عنها ---يالله يالله قوولي لخيتك يعني بدك تفضفضي لمين غيري!الكلمة بتسطح
إن ظلّت بالقلب تجرح .
باستحياء قالت لا والله كنت نفسي أقول لك بكرة الظهر ،تروحي معي ع المقبرة! سامحيني ما بدي أفتّح مواجع -بس والله اليوم استوحشت لحالي ما أنا عارفه ليش!
أنتي تؤمري-----بكرة أطبخ بدري وأروح معك ومنه بازور سعيد واحمد.
في عز الظهيرة دقت أم محمود على الباب ،كانت أم ثائر تنتظر بجانبه، خرجت مسرعة واتجهتا للمجنة.
اقربتا من الباب ففاحت رائحة السوسن -اصفرّ وجه أم ثائر، وبدا عليها الارتباك
السلام عليكم يا شهداءنا--أم محمود تردد --وتقف عن شاهد أول ضريح هذا محمد صاحب أحمد الله يرحمه الفاتحة---تقرأ الفاتحة ومعها أم ثائر .
قلب أم ثائر يكاد يهرب من صدرها ، تتصبّر، تركز نظرها على أم محمود، لاتريد أن تنظر لشيء آخر
المرأة منهمكة في قراءة القرآن والدعاءوتترحّم، بين لحظة وأخرى تقول :--شهداء يا أخيتي، شهداء أحياء عند ربهم يرزقون!
أم ثائر ملتزمة بالصمت التام، تفكر فيما هو قادم ، اتجهتا لضريح آخر فثالث ---فرابع واستمرت أم محمود في الدعاء للشهداء بالرحمة ---يا رب -يا رب .
هنا ورود مدفونة -قتلهم المجرمون --يا رب تقبلهم شهداء وتجعل نهاية تضحياتهم النصر.
وأم ثائر جفت منها الدموع، بالكاد تلقط أنفاسها، تلتفت إليها أم محمود شايفة يا أم الشهيد ، هذول بكرة بيشفعوا لنا، يا أختي انطقي فقعتيني---الحزن بيقتل يا حبيبتي ، يالّا يالّا على ضريح الغالي وسحبتها من يدها ،
أم ثائر لا تنطق ببنت شفة، رأت السوسنة تتراقص أمامها، كأنها فتاة جميلة تلوح أحياناً أمامها--تمالكت نفسها ،
اقتربت من أم محمود قائلة: شايفة حاجة يا أم محمود !؟شايفة رحمة ربنا على الشهداء، شايفة القهر في قلبي،
هان الشباب العايقين ارتاحوا-يا ريت ما خلص رصاص سلاحو وانهمرت دموعها ، هان تحت التراب يا أم ثائر فرحتنا اندفنت.
ويسود صمت رهيب ، أم محمود تتلو آيات قرآنية في سرّها، ودموعها تذرف.
أم ثائر عصافير قلبها تفرفط من الرعب،أمسكتها أم محمود من يدها، هيه وإنت أم الشهيد ( يا عيني هوني-زي الناس كوني) مالك يخيتي ذاهلة ، هيّ أول مرة تدخلي هنا ‘ ع الحساب كل يوم وانت هان!
انزور باقي الشباب ، يمه يا حبايبي، ياما أكلوا من إيدي هذي ، ياما رنّت ضحكاتهم في دارنا مع أحمد!
الله يمه يسامحكوا ويرحمكوا، تضحك إلكم الجناين يمه يا حبايبي.
أم ثائر تشاغلها زهرة الحزن، مرة في شكل زهرة، مرّة طيفاً ليس بالغريب عليها
نطقت على حين غرة ، والله كني بعرفها!
اسم الله عليكي أخيتي، هو أنتي عن أي شيء بتتكلمي؟ بتعرفيها؟ هي مين؟ المقبرة!
وزهرة السوسن الحزينة تندار وتلتف حيثما تتجه أم ثائر!
كانت فرائصها ترتجف ، تنظر لأم محمود وهي تتكلم ، تلتصق بجارتها مذعورة، بينما الأخرى لم تفهم شيئاً
لم تر شيئاً غريباً الّا حالة صاحبتها، أزعجها ما ارتسم على محياها مذ دخلت المجنة.
دعت أم محمود صديقتها على كأس شاي، فالوقت لم يزل مبكراً على عودة الأولاد من المدارس.
دخلت معها وجلست مرهقة على أول كرسي واجهها، بينما أم محمود تتمتم بينها وبين نفسها ، مسكينة الصدمة شديده، لم تبهتها الأيام، آه--والله يا حسيرتي معها حق، انقتل بين ايدين الظَلَمة في سجن البين والهمّ.
حسبا الله عليهم----يا رب ما لنا غيرك.
دخلت وبِشَي من الفكاهة يالله يا ختي نشرب شاي بالنعناع، يشفي من الأوجاع، هههه بالله مش أحسن من دوا الوكالة حبة أسبرين
تفضلي، شاي أختك أم محمود.
والله نفسي مسدودة عن كل شيء ، لا ياختي النعنع بيفتحها توكلي على الله--عدلي راسك يا الله، تفضلي
مدّي إيدك الله لا يكيدك مالك يالّا ياحبيبتي مالك ! هذا هو حالنا، يعني هم أرجل منّا، ما نواجهّم!الله يرحم الشباب ويحيّي التراب اللي لمتهم.
أم ثائر كانت في عالم آخر، بين سعيد والسوسنة،يرن في أذنها صدى قول السوسنة أمانة خليكي شوية، بتونّس بيكي يا خالة.
فجأة انتبهت وبضحكة باهتة مصطنعة قالت:-اعذريني والله ما كنت هنا ، الله يرحمنا برحمته
احتست الشاي، وشكرت جارتها، ولأنها لاتريد أن تسمع أو تتكلم! عادت لبيتها أغفت وهي جالسة في غرفة الجلوس
صحت شاردة النظرات على صوت بنياتها ، قامت مترنحة سكبت حلة المقلوبة في الصينية، وضعتها على طبلية الطعام ، جلست تنتظر
حضر زوجها متعباً، يبدو عليها الشحوب ، ساءه الأمر ولم يُظهرذلك.
سلمت يداك يا أم ثائر حبيبتي ، الله يحفظ لي إياكي يا الغالية،
وطبع على جبينها قبلة ، استحضرتها دمعة ، أحست بعطف أبو ثائر وهو أحوج منها للعطف ،كانت في عالم المجنة والسوسنة الحزينة!
قال وهو يصطنع الدعابة ، أكيد سنأكل أصابعنا اليوم ما أحضرت الحبيبة الملاعق هههه، ولا حتى الصحون
لم تنبس ببنت شفة! بمرح جرت غادة نحو المطبخ قائلة ، أجيب لي صحن أكاد أموت من الجوع ، وأنتم أحرار!
لا هاتي للجميع ،حبيبتي بابا، وهاتي معك الملاعق،وقبل أن يسكب أحدهم شيئاً من الطعام دخلت مها-----انطلقت أخواتها هيييييييييييه مهاااااااااا ماها--ماها--وأخذن يصفقن ويتسابقن لاحتضانها بالسلام والقبل.
حماتك بتموت عليك يا مها يا بنتي، لا يا حبيبي حماتي ماتت قبل ما تعرفني، الله يخرب بيت الاحتلال ويومه---هدوا البيت عليها بدري سَلَف!
أشار لها والدها الا تأتي على سيرة الموت، وكز بأسنانه على شفته كاد يدميها ، منبهاً لئلا تنزعج أمها
جرت غادة برشاقة غزال نسينا السلطة واللبن، وهذا السفن أب -----يا الله بالهنا والشفا.
أم ثائر فرحت بمقدم مها - كانت محتاجة لها جلست دون أن تسكب في صحنها شيئاً كانت صامتة تماماً،
صممت مها إلّا أن تأكد من يدها فألقمتها ملعقة أتبعها أبو ثائر بملعقة ثانية وثالثة --قامت بعدها لأنها تشعر بصداع، واستسلمت لنوم مخاصم لعيونها، لعلّ وعسى!
تنهد أبوثائر وهو يهمس لمها-----والله يا مها يا بنتي أحوال أمك هذه الأيام لا تعجبني.
أمي أمي--- ما مالها ؟ بابا----طمئني --.
لا تنزعجي والله دائمة السرحان ، تذبل يوماً بعد يوم! وتنزعج على إخوانك بطريقة كبيرة.
لا والله هذا الأمر لا يمكن السكوت عليه، سآخذ إجازة طارئة ، واتصلت بزوجها تخبره أنها ستنام الليلة عند أهلها.
بابا بعد إذنك ،أنا داخلة عند ماما لو ما في مانع،
تفضلي يا بنتي تفضلي، الله يوفقك وتشوفي ايش اللي مذبلها ومتعبها ! ما هو كل بيت فيه شهداء لو على سعيد،
صح بابا لكن أمي كتير حساسة ، هذي لوحدها مشكلة، وأنا شغلي عرفني على حالات كتير من هالنوع ، يمكن تفضفض لي
قول يا رب يا بابا.
قالت ذلك وهي تهم بالقيام بعد أن اتصلت بزوجها، دعته للغداء في بيت أهلها ،ولمّا اعتذر ،أخبرته بأنها ستنام عندهم.
استلقت بجانب أمها، كحت كي تنبهها لوجودها، لكن الأم التزمت الهدوء والسكينة، لم تكن نائمة تماماً لكنها مسبلة عينيها وصامتة ،إحم إحم نحن هنا أم ثائر، أنا حبيبتك مهااااا ،
تململت الأم ، حضنتها مها ، قبلت جبهتها ، رأسها، أمسكت بيدها وقبلتها قائلة مشتاقة لك يا ما ما كتير
اشتقت لك كتير يا مها يا حبيبتي، كان صوتها حزينا ،وسقطت من عينها دمعة على كف مها.
أمي حبيبتي تبكي ، يا عمري أنا، يا حياة مها، طيب أنا جئتُ لأفرّحك ---طلعت مرضتي الشهر اللي فات حمل يا ماما حمل، فرحت الأم
مبارك يا بنتي ------شوفي يا ماما لو ولد راح أسميه سعيد ولو بنت راح أسميها أسميها أسميييييييها رولا.
انتفضت الأم رولا.
بلاش رولا يا بنتي بلاش رولا، حبيبتي ماما ماله اسم رولا ؟ حتى هواسم أصيل وجميل ، وهو كمان اسم صاحبة لي أحبها جداً وأعزها .
وتنهدت الأم كأنها تذكرت شيئاً مولماً ---بلاش رولا.
هنا كأن شيئاً ما دق على مركز التنبيه في مخ مها قالت بحنان، خلاص خلاص يا أمي أسميها على اسم القمر ست الحبايب
وداااد ، أي هو فيه أسم أحلى وأغلى من اسم وداد، يا كل الود يا إنتَ ، وقبلت خدّ أمها وهي تهدهدها على كتفها.
بصوت ضعيف ذابل قالت الأم لمها :--يا ريت يا مها تقدري تقضي معنا يومين!
بمرح مصطنع لكنه حنون قالت مها:- يومين بس كل الأيام يا أمي على حسابك،
أنا قلت لزوجي إني سأنام عندك يا ست الكل---إممممممممممموا قبلت جبهتها،آآآآآآآآه تبدو مجهدة ، عرقانة قالت في سرّها وهي تطبع قبلة أخرى مذابة بكل حبها ،وخوفها عليها.
فرحت أم ثائرقائلة :-----الله لا يحرمني منك يا حبيبتي أيوه --خليكي تزوري معي قبر سعيد ، أخوك حبيبك يا مها زمان ما رأيتيه
الله يرحمه يا ماما هو أحسن منا عند ربه في جنات النعيم، الحسرة علينا، وعلى المقيدين في زنازين الصهاينة الظالمين.
شعرت أم ثائر ببصيص من الطمأنينة بوجود مها، فغداً ستصطحبها معها للمقبرة------ستؤنسها ولن تحرج من إطلاعها على كل شيء-عن رولا السوسنة الحزينة
أعدت طعام الغداء على مزاج مها فهي تحب البرياني بالدجاج ، وقبل الظهر كان الطعام جاهز، لفّته في قطعة قماش سميكة،حتى لا يبرد، وتركته في ركن المطبخ كالعادة.
اتجهتا معاً للمقبرة وقد أخذت معها مها بعض أغصان الريحان وبعض زهور الليلك الذي يحبه ثائر.
فغرت أمها فاها عندما رأت زهر السوسن الرقيق مع الريحان، همست بينها وبين نفسها كمان سوسن يا مها ، وصلتا الضريح، بعثرت مها الريحان والسوسن عليه
تغير لون الأم ، وتبدل حالها
لم تعد تتكلم --إنها تستمع فقط ، جذبت ابنتها من كتفها شايفة شيء؟ سامعة حاجة؟!
اسم الله عليك حبيبتي أيّ شيء مثلاً!
انظري تلك السوسنة الحزينة أنها تحدثني ---سألتها ماذا تقول لها فأخبرتها بما كان، ثمّ نبّهتها-دخن يمة دخن بريحة الورد والبخور،ما شميتيه؟!
قالت لها بحنان:- لأنك رقيقة وحساسة ،وأم شهيد يحدثك الليلك يا أمي يا بختك ههه ،وأخذت تهدهدتها بلطف-- عرفت مها بيت القصيد ،
فهي ما زالت تذكر احتراق رولا ،السوسنة الرقيقة حبيبة سعيد، وتعلق سعيد بها، وتوصيته لأمه عليها،وأن ترعى زهر الليك وتهتم به.
قررت من لحظتها أن تأخذ أمها معها لغزة ،حيث المركز النفسي لمعالجة المرضى النفسيين، من الفاقدين، ومن كسرتهم ظروف الحياة تحت الاحتلال .
اتصلت بالطبيب الذي تعمل معه في المركز كمؤهلة للحالات البسيطة قبل عرضها عليهما هو أوزوجته، أخبرته بأنها ستصطحب أمها ، حيث تعاني من قصة حزينة أثرت عليها---وتم الاتفاق ، فهي مشرفة نشيطة ومحبوبة وصديقة د- بسنت زوجته الطبيبة المصرية
أخبرت أباها أنها ستصطحب أمها معها لبيتها ، تغير جو وتعطيها بعض الأدوية من المركز .
شجعها والدها قائلاً لا تخليها تقلق علينا، كل شيء راح يكون تمام ، بنتي حبيبتي اهتمي بيها، وخذي بالك منها ، حالتها ما بتطمئن .
أخبرته أن موضوعها سهل وأنها تحتاج تغيير جو لا أكثر.
تشجعت أمها أكثر عندما أخبرتها أن زوجها يحب البرياني من يدها، وأنها ستأخذ طاسة صغيرة وفرخة وسيأكلون معاً في بيتها .
وفي المساء بعد أن انتهى العمل في المركز ، أخذت مها علبة شوكولاتة أنيقة لتقنع أمها أنهما في زيارة
استقبلتهما د- بَسَنت أحسن استقبال، وبدأ التسامر قصت د بسنت قصة حضورها كمتطوعة لغزّة، وقصة زواجها من الدكتور عماد، وما يلاقون من عناء في التوفيق بين البيت والمركز بالذات وكثرة المراجعين،وكيف أنّ أفقر فقراء غزة لا يشغلون بناتهم كخادمات في البيوت!
وبدأت مها تتحدث عن خانيونس وشهدائها ، وترحمت على أخيها سعيد الشهيد وروت بعض بطولاته ، وكيف أن عمله كفدائي مناضل حرمه من الفتاة التي أحبته وأحبها كانت تتكلم وتنظر لأمها قائلة :- لو نسيت يا ماما يا حبيبتي شيئاً ذكريني به.
كانت الأم ملتزمة بالصمت، وكانت مها تريدها أن تتذكر وتتكلم، وتستوعب ما جرى،قالت أنه كان يحب صديقتها وتحبه ، حباً نقياً بصمت وإخلاص ،وأنها من أحضرت لهم شتائل زهرة الليلك ( السوسن).
تململت الأم - وفغرت عينيها وهي تنظر لابنتها التي تتحدث، قالت حسرتي عليها كانت يتيمة، وأجبرها عمها على الزواج من ابنه الجلف،
رحمت نفسها منه ، أنهت حياتها يوم الصباحية .
أكملت مها لأنه دبّ نفسه عليها كثور هائج،لم يراعِ إنسانيتها وهي الرقيقة، ولم يحترم وضعها ويثور عليه لأنها سحبت إليه كسبيّة!
أخبرتني قبل أن تشعل عود الكبريت في بدلتها، وقد أمروها بالاستعداد للاحتفاء بصباحيتها ،
وكانت تحب أخي الشهيد (سعيد ) رحمه الله.
بهدوء قالت الأم مات بحسرتها .
أكملت مها حقيقة كما أخلص للوطن أخلص لحبه ،وأخفينا عليه خبر احتراقها، لليوم زهر السوسن في بيتنا يجدد ذكراها،هي من أحضرته-----الله يجازي عمها وابن عمها----
تلاقوا يا حسرتي في البريّة --قالت أم ثائر بهمس فهمته مها،
و بصوت حزين قالت:- أنا وصيت أبو ثائر يخلي قبره قريب من قبرها----------حسرتي على الشباب المغدور،
المرحوم كان في المعتقل، وكل ما يسألني عنها أقول بخير وتنتظرك، وكان يبعث لها السلام والزخارف على المناديل البيضاء، ودموعها تغالبها وهي
تتحدث عنهما ويتساقط العرق من وجهها ، يكفهر مرة ،ويصفر مرة أخرى.
هي كان اسمها رولا قالت مها--انتفضت أمها --رولا بنت أم حسيين صحيح ذكرتيني، أيييييه الله يلعن أبو الدنيا يااااااما أخذت شباب حلوين
وياما فرقت ناس!
أشار الدكتور لمها أن يكفي الليلة فالمرأة اختنقت بالذكريات التي تريد أن تنساها ،ولا تريد الإقرار بها، ولكنها تحاصرها بما يشابهها، ويبعث الذكرى.
8-12-2013
الأحد
ي
تعليق