أجمل ماقرأت لكم/ من نصوصكم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    أجمل ماقرأت لكم/ من نصوصكم

    مساء الورد لكم زميلاتي وزملائي
    بودي أن أشارككم ببعض ما عندي
    أحببت أن تترك النصوص الجميلة بصمة هاهنا، تبقى كي تذكرنا دائماً أن هناك نصاً رأيناه الأجمل بالنسبة إلينا، حسب ذائقتنا الأدبية، وتصورنا بنحو ما أنّه الأجمل فعلاً، مع شرح بسيط لِمَ اخترنا هذا النص؟.
    بمعنى أننا حين نختار، سنكتب لم اخترنا هذا النص بالتحديد؟، وما الملفت فيه ( حبكة، فلسفة، قيمة أدبية ، اجتماعية ، خيال متطور، جمالية ممتعة، نص شائق )، والإبداع لا يتوقّف على النصوص التي تكتب عن الوطن مثلاُ، أو الخيانة والوفاء، ... وإلا تقيّدنا وأصبحنا نكرّر أنفسنا، هناك نصوص جميلة فيها تشويق وإثارة ( أكشن ) ولا ننسى الخيال والفنتازيا وهكذا.
    كلّ النصوص الجميلة لها قيمة، حتى لو كانت ترفيهية لأجل نشر روح المرح كاستراحة بعد تعب.
    لا شروط سوى أن يكون النص جميلاً فعلاً، من حيث ( الحبكة والفنية والقيمة الأدبية والتشويق وكلّ ماسبق ذكره)، ونبذة قصيرة عن ( لمَ اخترناه ) دون باقي النصوص، أشكركم لو أحببتم الفكرة وتفاعلتم معها.
    لنجعلها ثورة من النصوص الجميلة، ثورة للجمال والرفعة والألق والتألق.
    كلّ الاحترام لكم مبدعاتنا ومبدعينا الأكارم.
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق
  • منار يوسف
    مستشار الساخر
    همس الأمواج
    • 03-12-2010
    • 4240

    #2
    مبادرة رائعة لا تصدر إلا من سيدة رائعة
    عائدة نادر
    تمنيت لو أني كنت أتابع ملتقى القصة حتى أستطيع أن أختار و أشارك
    لكن يمكنني أن أشارك بشىء آخر
    و هو تكريم القصة المختارة و تكريم صاحبها
    سأصمم له يوتيوب للقصة
    فقط عسى ألا تكون طويلة بحيث أستطيع إخراجها
    مساهمة متواضعة مني
    ممن يمتعونا بأجمل القصص

    محبتي و تقديري

    تعليق

    • عائده محمد نادر
      عضو الملتقى
      • 18-10-2008
      • 12843

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة منار يوسف مشاهدة المشاركة
      مبادرة رائعة لا تصدر إلا من سيدة رائعة
      عائدة نادر
      تمنيت لو أني كنت أتابع ملتقى القصة حتى أستطيع أن أختار و أشارك
      لكن يمكنني أن أشارك بشىء آخر
      و هو تكريم القصة المختارة و تكريم صاحبها
      سأصمم له يوتيوب للقصة
      فقط عسى أن لا تكون طويلة بحيث أستطيع إخراجها
      مساهمة متواضعة مني
      ممن يمتعونا بأجمل القصص

      محبتي و تقديري
      لك يأبرني الحلو هاهاها
      الزميلة الرائعة
      منار يوسف
      كم أحبك لو تدرين
      مبادرة كبيرة لا تخرج إلا من يد كبيرة ومقتدرة وعطاءة مثلك
      وكم أفتخر أني عرفتك
      لأنك علم من أعلامنا التي ترفرف في سماء الإبداع
      لن أنسى مانسجته يدك حول مجموعاتي القصصية على اليوتيوب
      وهاهي الفرصة أمامكم زميلاتي وزملائي من مبدعة مقتدرة ستكون من أجمل الهدايا للنص الأجمل.
      هنيئا لنا بك منار يوسف المهيبة
      كل ورد الغاردينيا لك سيدة العطاء
      الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        الشبح
        ***
        عشقت الليل منذ تسللت الأنوثة الى جسدها الرقيق أحبت في ظلامه الهدوء والسكون ، أحست برابطة خفية تشدها الى نجومه المتلألئة ،عشقت أشباح الظلام المتسللة تحت جنحه .
        كانت تشمئز من نور النهار داخل غرفتها الا من سويعاته القليلة التي تقضيها في مدرستها ، حتى طعامها تتناوله داخل غرفتها الصغيرة التي تشاركها فيها أختان صغيرتان ما زالتا في المرحلة الأبتدائية ، لاتعرفان من الدنيا سوى اللعب والمرح ، ولا ينبض في جسديهما الغضين سوى قلبين بريئين يعشقان حنان أمهما .
        منذ تلك الليلة الحالكة الظلام ، التي قضتها ساهرة تحاكي الدرر المتلألئة عبر نافذة غرفتها الصغيرة التي بالكاد تتسع لرأسها الصغيرة وشعرها الأسود الفاحم المسترسل بخفة ودلال على وجهها وكتفيها ، بينما اختاها تغطان في نوم عميق ، وهي تشعر بحنين غريب الى الليل وظلامه ، فأرقها النوم ورافقها السهاد ، تنام جزءا قليلا من النهار وتلتصق معظم الليل بنافذتها .
        في تلك الليلة ، شعرت بهاجس خفي يشدها الى ذلك الشبح الذي يتحرك بخفة ونشاط كل ليلة بين أزقة المخيم في أتجاهات متعددة ، يبدأ من تحت نافذتها الصغيرة ثم ينطلق في طريقه ، لم ترى منه سوى جسده النحيل وقامته الطويلة ، هكذا تقضي معظم ليلها تنتظر مرور الشبح وتتابعه بنظراتها الحانية حتى يختفي في دجى الليل ، ثم تترقب عودته بقلق ، شيء يقول لها بأنه يراها ويبادلها شعورها ونظراتها .
        وقفت كعادتها تسد طاقتها الصغيرة ، بوجههاالأبيض الناصع وشعرها المسترسل بسواده ، يبرز جمال وجهها الوضاح ، الكحل الأسود على رموشها الطويلة زاد عينيها الواسعتين جمالا .. وقفت بزينتها ، تنتظرمرور الشبح ، نظرت الى ساعتها الصغيرة .. لقد تأخر .. لماذا ؟ لماذا هذه الليلة بالذات ؟ سطع نور القمر ، تبددت حلكة الظلام .. ارتاحت لنوره لأول وهلة ، استبد بها القلق ، عقارب الساعة تجري بسرعة .
        تجاوزت منتصف الليل .. السكون يخيم على المخيم ، لا أدنى حركة تزعج أزقته سوى القطط والكلاب الضالة ونباحها المستمر ... اشعلت شمعه وضعتها على حافة الشباك انعكس ضوءها على جانب وجهها ، خيال الشمعة يتحرك على الحائط المقابل لنافذتها .. لم يأت الشبح ... احمرت وجنتاها خجلاً من نفسها , ماذا اصابها ؟ هل تحب شبحاً ؟شعرت بحركة خارج غرفتها داخل فناء البيت..نظرت الى ساعتها ، عقاربها تسير بسرعة تحو النهار ، أطفأت الشمعة وأغلقت النافذة واندست داخل فراشها .. سرح خيالها ... من يكون هذا الشبح ؟ وما شكله ؟ اهو رجل أم فتاة مثلها ؟ماذا يعمل ؟ من أنت يا شبحي العزيزهل انت من بني الأنس ام من الجن ؟ لماذا لم تمر هذه الليلة لتشاهد جمال وجهي ؟ كم بذلت من جهد حتى تراني في أحسن صورة ... غدا لن أقف .. لن تراني ثانية ... لماذا أخلفت موعدك ؟ لن انتظر مرة ثانية ...أكرهك أيها الشبح ... أكره الليل الذي تتستر تحت جنحه ... يا ويلتي ... هل أنت مريض أم أصابك مكروه ؟كيف أشعر بالأمان في ظلام الليل دون أن أراك ؟ أين تذهب ؟ وماذا تعمل ؟من تكون أيها الشبح اللعين ؟ لن أهتم بك بعد الآن ... لن ترى نافذتي مفتوحة ... لن تراني ... لن ترى وجهي ... داهمها النوم ... طرقات خفيفة على نافذتها تهادت الى مسامعها كحلم مزعج ... الطرقات تتكرر متسارعة ... قفزت من فراشها ... بلا خوف ولا تردد فتحت النافذة ... رأت الشبح وجها لوجه ... نزع كوفيته عن رأسه ... غطت وجهه ابتسامة شاحبة ، وهو ينظر اليها .. كان شابا وسيما ، رغم وجهه المكفهر وشعره المنكوش ، يبدو عليه الأضطراب والأرهاق ... قذف شيئا ملفوفا تلقفته بصعوبة ، كان ثقيلا بعض الشيء ، وقبل أن تفتح فاها بكلمة توارى عن نظرها ، أغلقت نافذتها ، وجلست على فراشها تتفحص هذا الشيء ، رعشة قوية اصابت جسدها ... ارتعدت مفاصلها ... أين تخفيه عن أعين أهل البيت ... هدأ قلبها لثقة الشبح بها ، ولكن هذا الشيء المزعج والمهم لدى الشبح أين تخفيه ؟ تحت وسادتها ... ادعت المرض طوال نهارها... لم تذهب الى المدرسة ، ولم تفارق مخدعها ... شعرت بالحزن وهى ترى القلق في عيون والدتها ووالدها ، رفضت تناول طعامها رغم الحاح والديها حتى يبدو المرض على وجهها ويشحب لونها من شدة الجوع ... ادعت الأستغراق في النوم ، بين الفنية والأخرى تشعر بيد حنونة تتحسس جبهتها كما تنفذ الى مسامعها همهمات والدتها بالدعاء والرجاء ، وتمتمات والدها بآيات القرآن الكريم ... طال نهار هذا اليوم ، يأبى الظلام أن يقترب ... تصر الشمس على أطالة فترة شروقها ... وضعت والدتها الطعام بجانب فراشها على الأرض ، بعد أن فقدت الأمل في ان تتناول منه شيئا .. مر نهارا طويلا ... طويلا .. أطول نهار في حياتها .
        خيم الظلام واختفى بصيص أشعة الشمس عبر شقوق نافذتها ، والدتها مازالت جالسة الى جوارها ... لابد أن تذهب والدتها ...يجب أن تبقى في الغرفة وحيدة ... جلست في فراشها وقالت : يا والدتي العزيزة أشعر بتحسن الآن سأتناول الطعام .. . تهلل وجه والدتها بالفرح واطمأن قلبها وهي ترى كبرى بناتها تأكل طعامها بعد نهار طويل من المرض والقلق وغادرت الغرفة وهي تمتم ببعض آيات القرآن الكريم وودعت بناتها بحنان فياض وهن يستسلمن للنوم ... بعد فترة وجيزة أحست خلالها باستغراق أهل البيت في النوم ، نهضت من فراشها ووقفت تزين نافذتها بوجهها الشاحب وتبث قلقها واضطرابها في أزقة المخيم ، تنتظر الشبح ، لم يطل انتظارها جاء الشبح كعادته بخطواته الخفيفة السريعة... حياها بايماءة فردت التحية بابتسامة عريضة وهي تقذف له بذلك الشيء ... تلقفه بقوة واختفى بسرعة وهي تودعه بنطرات حانية ... وقفت تنتظر عودته بقلق بالغ ... لم تعرف لماذا قلقت عليه هذه المرة أكثر من السابق .. لم تمضي سوى فترة قصيرة حتى مزقت سكون الليل أصوات طلقات سريعة وانفجارات رهيبة أضاءت ومضاتها ظلام المخيم الدامس ... ارتفع صراخ الألم وضجيج السيارات وتعالت أصوات جنود الاحتلال بلغتهم الكريهة ... صمتت أصوات طلقات الرصاص والانفجارات ... اقتربت أصوات ضجيج وضحت نبرات جنود الاحتلال ... مر شبحان من تحت نافذتها بخطوات سريعة يحملان شبحا ثالثا يقطر دما ... يا الهي ... انه شبحي العزيز ... نظر اليها ، رأت ابتسامته لأول مرة ... وجهه ناصع البياض حياها بأشارة النصروكأنه يطمئنها بأن اصابته بسيطة وسيعود قريبا ... اقتربت الأصوات كثيرا ... الصهاينة داخل فناء بيتها ... أغلقت النافذة بسرعة واندست داخل فراشها ... اقتحم الصهاينة غرفتها .. نهضت شقيقتاها فزعتين ... صرختا بصوت واحد بابا ... بابا ... جذبها جنود من شعرها بقوة وهم يصرخون ، أين صديقك " المخرب " ...؟ رمقنهم بنظرات قوية ... وقفت أمامهم شامخة مرفوعة الرأس .. لم ترهبهم ... منذ لحظات سمعت عويلهم وصراخهم ... كان فؤادها وفكرها مع الشبح ... تراه قويا رغم جراحه ... رأتهم اقزاما بأسلحتهم امام خفتة ورشاقته ... ابتسمت ...كيف سيكون حالهم لو هاجمهم الشبح الآن بسلاحه الصغير ؟ اتسعت ابتسامتها .. مما اغاظ قائد جنود الاحتلال فضربها بعنف ووحشية ودفعها بقوة فسقطت على الأرض والأبتسامة ما زالت تزين وجهها ضربوا والدها بهمجية وهم يسألون أين " المخربين " ... عز عليها ان يهان والدها ... رأت دموعه لأول مرة ... ودت لو كانت شابا تعمل كالشبح وتنتقم ... جرجروها ووالدها بطريقتهم البربرية وسط صراخ والدتها وشقيقتيها الصغيرتين ، ابتسامتها الساخرة ما زالت تغيظ الجنود الصهاينة وتثير سخطهم وحنقهم ... رفعت شارة النصر وهي ترتقي السيارة العسكرية وتمتمت لو لم يسقط الشبح صريع جراحه لما تجرأتم على فعل ذلك أيها الأنذال .



        مساء الورد أحبتي
        نص اخترته لما فيه من قيمة وطنية
        فيه لمسة الحب التي لا تقتلها يد الوحشية
        فيه الأمل
        سردية شفافة شجية
        قد لايخلو من بعض الشوائب وهذا قد يصيب الكثير من النصوص خاصة أن الكاتب لم يزل على عتبة من عتبات القص، لكنه يحتوي على الكثير من الشروط التي يحتوي عليها النص الجميل.
        الزميل محمود عودة، شكرا لك
        كل الورد لكم ولاختياراتكم القادمة
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • عائده محمد نادر
          عضو الملتقى
          • 18-10-2008
          • 12843

          #5

          إستبدال
          يرتعش جسدها كريشة في مهب ريح ، وجهها ممتقع اللون، وعيناها غائرتان ، أحاطتهما هالة زرقاء ، ترتجف شفتيها.
          تجلس أمها محطمة على كرسي حديدي في الرواق، وكأنها هدت من على شاهق تلطم خدها وتندب حظها العاثر.
          قام المحقق دون أن ينزل نظراته عنها، نفث دخان السيجارة بوجهها، وأقترب منها، أحس بخوفها وانكماشها على نفسها ... ثم قال( احكي كل شيء ) ناولها كأس الماء ،عبته بشغف ، خرجت الكلمات من فيها مضطربة قالت :-
          فتشت كل شيء
          بحثت عن عطر اختلط وعطره،أو شعرة امرأة نست نفسها وتوسدت على كتفه عن رقم منسي في هاتفه النقال، أو صورة،عن رسالة لم يهتد إليها، بين الرسائل تكشف غدره.
          بحثت في دفتر مذكراته .. عن حرف يفك طلاسم سره، عن زلة لسان .. اسم امرأة قد ينطقه في غفلة،أو حلم توارى خلف أستار اللاوعي قد يفضح أمره.
          لكنني لم أجد شيئا، فصدقت عذره، نظرت إليه من بعيد يصفف شعره ويعدل ربطة عنقه، يطالع وجهه في المرآة.
          - أين ستقضي سهرتك اليوم؟
          نظر إليّ دون أن ينبس ببنت شفة، راح يدندن بأغنية شعرت وكأنه يستفزني بكل كلمة تخرج من فيه مطرقة تهوي على رأسي.
          - لم يتجاهلني، أما عاد الحب شفيعا لوصالنا، ما الذي جنيته حتى يعاقبني بمثل هذا الصدود، حمل حقيبته قلت بحزن وثمة ارتباك ورعشة سرت في جسدي وكأنني أبوح له بسر.
          -أنا ..
          تعثرت الكلمات، ابتلعت ريقي أبلل شفتاي المتيبستين.
          -أنا ...
          قاطعني بحزم
          - قولي.. أنا على عجلة من أمري.
          هممت أن ألقي بجسدي بين ذراعيه إلا أنه أشاح بوجهه عني، أمسك أكرة الباب .. توقف .. رنا إليّ .. ألقى برزمة من النقود أمسكت بها دون شعور ، دون أن أعرها أهمية، ألقيتها أرضا، اختفت ولكن أين اختفت لا أعرف، لم أعر للنقود أهمية لم تكن هاجسا لي في يوم من الأيام، لم أطالب بأي مبلغ يضاف إلى مصروف البيت الروتيني، كان كل همي أن يطبع قبلة على جبيني، أو يلامس ثغري ثغره، أن يٌمسدًّ شعري، يده تسافر عبر خصلات شعري، وتطوق عنقي، أن يحكي عن حبه لي ، إن أكون المرأة الوحيدة في تاريخ سفره..
          - سوف أتأخر هذه الليلة .. لا تقلقي
          كلمات جافة طالما قتلت كل جنين نما في رحم أحلامي، أطرقت رأسي وأسلمت نفسي ليأس قاتل ..
          تكتكة الساعة، تثير في داخلي وحشة، المكان والزمان اللذان ما عادا يلتقيان إلا على غربة أحزاني ،رعب رافقني منذ الطفولة كنت لا أنام ،أذا ما اجتمعت عتمة الليل ودقات الساعة ، تضطرب نفسي أغطي رأسي بالوسادة ، دون أن تنقذني من فوبيا مجنونة، أصبحت غريبة عن هذا البيت الذي احتواني منذ خمس سنوات فلم يعد حلما لي، رغم سعته وفخامة أثاثه، ما بنيت من آمال عليه تلاشت، لم يعد يعني لي شيئا غير كتلا من الصخور الصامتة ، حتى التلفاز أصبح وحشا أخاف أن يفترسني ، كل يوم تؤرقني وحدة الليل لا أنيس لي، ولا صديق يعيد لنفسي هدوءها ويبدد الوحشة من داخلي، حاولت أن أًشغل نفسي بالقراءة، بدت لي الخطوط متداخلة مع بعضها، كل شيء مشوش، رميت بالكتاب ، ضغطت على زر جهاز التسجيل تمايل جسدي ،ربطت شالي حول وسطي، رقصت على إيقاع الموسيقى ، بدا إيقاع جسدي متنافرا مع الموسيقى ، ثقيلا لا يستجيب لأنغام هذه ليلتي التي طالما أنصتنا إليها سويا، أتوسد ساقيه، ترتفع آهات أم كلثوم، تثير في داخلي حميا، وأميل برأسي على أنغام الموسيقى، ذكريات كانت تعيش معي، حاولت النوم .. لكن أجفاني عاندت أن تستسلم للكرى، أردت أن أفتح الباب لكنني وجدته موصدا، كيف وقد خرج سامي لتوه هل أغلقه خلفه!؟ سألت نفسي متحيرة( لا.. هو...لا يملك مفتاح البيت .....؟ أكاد أن أصاب بالجنون ... يا ألهي ...!)
          أخرجت المفتاح من حقيبتي المركونة على المكتب، مفاتيح السيارة سقطت على الأرض من على المنضدة .. هممت بحملها، كل شيء يبدو غريبا ..
          (أيمكن أن يكون قد نسى المفاتيح)، أسرعت إلى النافذة لازالت؛ السيارة مركونة في مكانها، فتحت الباب، نسمات من الهواء البارد، عطر الشبوي، كل شيء هادئ في عتمة الليل، الأضواء تتراقص، أنصتت لصوت بكاء أبني ... ماما .. ماما .. ماما، البكاء يتواصل يحثني كي أسرع إليه .. تركت كل شيء ركضت إلى الداخل، رحت أنظر باضطراب، فتحت غرفة الصغير، وجدته ينظر إلي وكأنه يتوسلني.
          - حبيبي جائع ..
          ألقمته زجاجة الحليب .. جلست قرب المهد .. رحت أهزه وأغني ( دل..اللول يا الولد يا ابني دل..اللول .. عدوك عليل وساكن الجول *، )..رأيته يستسلم للنوم أطفأت المصباح وخرجت على أطراف أصابعي سرت، جلست في الحديقة ، ثمة أصوات راحت تقترب من باب الدار، صوت أعرفه جيدا أنه صوت سامي، اقتربت من الباب أنصت لهمسهما، صوت امرأة يصل لسمعي، راحت يدي ترتجف، يجب أن أضبطه متلبسا بجرمه، لأباغتهما في اللحظة المناسبة، كل شيء بدا متوترا، الأصوات بدت مبهمة لم أميز أهو صراخ أم ضحك، ( سيكون هذا اليوم نهاية مأساتي) اقتربا من بعضهما، أمسك يدها، ضمها إلى صدره، الجريمة كاملة، خيانة مع سبق الإصرار، لم يعد أمامي غير أن أغرس هذه السكين في قلبه... أنه خان حبي ، خان قلبا أحبه .. ما الذي أفعله .. أتريد مني أن أجعله يتشفى بعذابي، أن يغرس في قلبي سكين غدره.. نعم قتلته.
          قال المحقق بهدوء
          -نعم قتلتي زوجك، يستحق ذلك جزاء خيانته لكن، أين الجثة، أين الدم .. أين سلاح الجريمة ؟!
          صرخت أمها بأعلى صوتها ..
          - دعوني أدخل
          أشار المحقق بيده، للشرطي الذي منعها من الدخول .. جلست قرب ابنتها التي راحت تنظر إليها ببلاهة ..
          أخرجت أوراق كانت بحقيبتها أعطتها للضابط .. أمعن النظر في الأوراق..
          تعرض السيدة إلهام كامل .. على طبيب للأمراض النفسية لمعاينة حالتها، ظهر إن زوجها المدعو سامي غالب وابنها الرضيع قد قتلا بانفجار، ولم يعثر لهما على رفات حسب تقرير الطبيب الشرعي .


          * الجول/ تعني المكان المقفر باللهجة العراقية الدارجة



          نص موجع
          يحكي قصة شعب بأكمله تلتهم ناسه يد الإرهاب بكل قسوة ووحشية
          فيه حبكة ونهاية غير متوقعة أبدا، والإستبدال كان مهولا
          نص أتصور حين تقرأوه ستجدونه جميلا رغم الألم والشجن والقهر
          أنتظر مشاركاتكم والنصوص التي تجدونها جميلة بنظركم
          المبدع القدير
          سالم وريوش الحميد
          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

          تعليق

          • عائده محمد نادر
            عضو الملتقى
            • 18-10-2008
            • 12843

            #6
            أرواح تأبى الرحيل

            - حبنا الكبير ارتباط وثيق بين روحين...و الروح مهما حلقت بعيدا لابد أن تعود إلى توأمها.
            كانت الكلمات تخرج من بين شفتيه الشاحبتين كطيور مهيضة الجناح سرعان ما تساقط على صدره،و هو ممدد على الفراش. وضعت سبابتها على ثغره المتعب.كلامه يفقدها السيطرة على شؤون عينيها.أحس بالوهن يهيمن على كامل جسده. برودة غريبة تصعد من مخمص قدميه ، و عند كل مفصل تحدث ألما حادا. لحظات وجع قاسية حفرت في أعماقها أخاديد ألم لن تنمحي أبدا. تأملها بعيون سقيمة. رسم على شفتيه بسمة متعبة. ضغط على يدها بقوة. شهق شهقة حارة، ثم أغمض مقلتيه إلى الأبد. فارقها و هو في ميعة شبابه. لم يتعد عقده الثاني إلا بثلاث سنوات. جلست في شرفة بيتها الجميل تحت ضوء القمر الذي يحمم بنوره جسدها الماسي،و بأنامل ضوئه يداعب جدائلها الناعمة. جلست كقديسة حزينة تردد تراتيل ذكرياتها المؤلمة ، و تعيد شريط اللحظات الأخيرة من حياة زوجها. رغم مرور أكثر من ستة أعوام ، لم تنس شيئا من تفاصيل ذلك الحوار الذي دار بينهما قبل وفاته بقليل:
            - الجسد تراب يحن إلى ترابه ، أما الروح فجوهر خالد تغادر الجسد ، و تعود إلى باريها.
            - كلا يا حبيبتي. الروح تذهب من جسد إلى آخر، لتبدأ رحلة جديدة.
            تحت التأثير الفائق للدهشة من كلامه ردت بقلق:
            - الله قادر على خلق ما لا يحصى من الأرواح، فلماذا يحتاج الناس للعيش بأرواح مستعملة؟ّ
            أمسك بيدها بكل ما تبقى لديه من قوة. و رفع وجهه المتعب نحوها:
            - أعلم أن الموت قد أنشبت براثنها في جسدي.لكني أومن بقوة أن المنية لن تبعدني عنك إلا مؤقتا. أعدك أن روحي ستعود إليك في ثوب جديد...انتظريها... !
            تنهدت تنهيدة حارة لفحت خديها الأسيلين. مسحت عينيها المخضلتين بالدموع، وهي تردد:
            - إنني أصدق كلامك. لكن روحك ستبدأ صغيرة في جسد صغير. كم سنة سأنتظر يا عائد؟

            الأحد 20يوليوز العاشرة صباحا.

            أراحت جسدها على كرسي وثير،تحت ظلة بألوان قزح.وضع النادل أمامها فنجان شاي،و كوب ماء. انتصب أمامها بوجهه الوضيء.رفعت قبعتها الوردية لترى صاحب الظل الذي يزاحم الظلال الأخرى على جسدها. وضع يده على قلبه،كأنه تلقى سهم حب أطلقه كيوبيد من قوس شفتها العليا المنحوتة بشكل لا يضاهى.وضع
            زهرة أضاليا بيضاء في كأس الماء.من دون استئذان جلس أمامها.ندت من ثغره البديع الشكل كلمات عذبة:
            هل يمكنني الجلوس؟ يراودني شعور بأنني أعرفك حق المعرفة!

            الأحد 20يوليوز الثانية عشرة زوالا

            تقف بكامل ملابسها تحت رشاش الماء البارد.لتطفئ الحرائق التي أشعلها في جسدها،و تلطف من غليان أعصابها.ما عاشته اليوم لقطة من الماضي السحيق أعادها مخرج مجهول بالعرض البطيء.نفس المكان و الزمان...نفس المشروبات و الزهرة...أقل وسامة منه، لكن روحه المرحة...ذوقه النبيل...حركاته المثيرة كانت استنساخا دقيقا للمرحوم.

            الأحد 27 يوليوز

            انفتح باب شقته الشاطئية على دنيا ساحرة.تسمرت في مكانها ترزح تحت التأثير الشديد للمفاجأة القوية. لا شيء غريب عنها في هذا الفضاء البهيج: أزهار الأضاليا البيضاء...طائر الكناري الأصفر...عناوين الكتب في خزانته...راحت تركز النظر بحثا عن شيء يخالف عالم زوجها، لم يقع نظرها إلا على ما يضارعه في أدق تفاصيله. أحست بالألفة.لكنها لم تستطع أن تمنع قلبها من الخفقان بقوة، و هي تردد كلامه:
            - بعض الأرواح تتكيف مع أجسادها الجديدة، و بعضها يحافظ على ذاكرته. فيسعى لاستنساخ حياته السابقة في كثير من تفاصيلها. ناداها باسمها كما كان يفعل زوجها.أحست بأقدامها تغوص في الأرض.إن لم تهرول خارج البيت سينصهر جسمها الطري كتمثال ثلج اكتسحت الحرارة أوصاله.
            الاثنين 28 يوليوز
            كان ضوء المصباح ينعكس على ذراعيها الرشيقتين، و قلبها مضمخ بعبق حب لا يمكن نسيانه، تعمل دائما على استعادة طقوسه الشاعرية التي تهيمن على كيانها برمته.
            سمعت الجرس يرن. خفق قلبها.فتحت الباب بسرعة. وجدته أمامها بكامل أناقته.غرس في شعرها البهيم زهرة أضاليا.ارتعشت (هكذا كان يفعل زوجها دائما)ابتسم، و قال:
            - لن تبقيني على الباب طبعا؟
            هزه جسدها المشع هزا عنيفا.ندت من بين شفتيه كلمات من دون إرادته:
            - يا له من جسد شفيف ينساب كجدول ماء رقراق! امنحني يا رب القدرة على تحمل روعته.
            ضمها بين ذراعيه المشتعلتين. و ضع رأسه على صدرها الصافن كجواد عربي أصيل.طفرت من عينيه دموع ساخنة.تدحرجت كحبات لؤلؤ على أديم صدرها الصقيل.أحست بمزلاج قلبها ينفتح من تلقاء نفسه،و بأجراس نبضها تصدح بنبوءة زوجها الراحل:
            - مهما تاهت روحي،ستعود إليك، و هي أكثر كمالا.ستعود لتذرف الدمع على صدرك المترع بالحنان.

            بعينين غارقتين في الدموع، و ضعت الرواية بجانبها. تأملت سريرها الموحش. بات باردا، بعد أن هجرته أنفاس زوجها، التي كانت تدفئه. إلى متى ستظل تطارد في ثنايا القصص و الأساطير الأمل في عودة زوجها. لم يعِدها بشيء، مضى في صمت. لكن الأبطال الذين قرأت رواياتهم كلهم عادوا. حتى الذين لم يقطعوا وعدا بذلك.



            نص جميل بكل المقاييس
            فيه شفافية
            سرد شيق ومتقن
            أحببته كثيرا
            تناسق السردية والحدث
            وومضة نهاية جميلة وغير متوقعة
            الزميل القدير
            محمد الشرادي
            شكرا لك على المتعة الرائعة مع نصك أرواح تأبى الرحيل
            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

            تعليق

            • عائده محمد نادر
              عضو الملتقى
              • 18-10-2008
              • 12843

              #7

              جندي

              عندما وصلت المنزل منتصف الليل التفت حولي كالإخطبوط . تركت الخندق الليلة ، وعدت إليها محاربا مليئا بالرغبة والتجدد ، أجهشت بالبكاء .
              لمْ أفهم لمَ حين تلمسني تفوح منها رائحة الارض . لبث الخوف بجسمي . هل أنا متمسك بوجودها قربي ؟ لا أدري ؛
              كانت سلاحي الذي يحرسني من شرور هذا العالم ، أو ربما دمائي المتدفقة التي أواصل من خلالها حياتي تحديا للحرب التي تطاردني منذ سنين لا أعرف عدها . لكن ما يحدث اليوم أقرب الى ذهني من الذي حدث بالأمس . وكل هذا يتركني أفكر بشيء ما أكرهه، أمضيت وقتا طويلا أحس بأن هناك في الأفق البعيدة، أياما لا أكون فيها جندي يسكن الخنادق في جبهات القتال، أعود لأرضي مزارعا بسيطا، مواصلا حياة خافتة كالماء، وليست مؤقتة كالزمن . أخرجت منديلها من بين الشراشف الحريرية المرمية بالطرف الآخر من السرير الحديدي الذي يحتوينا ثم مسحت دموعها . أدركت حينها أنها غابت في الطرف الاخر مني منتظرة حضوري أو غيابي، لست ادري،
              علمتني تلك السنين الموت بحضور الآخر يملئني الصوت الخافت، يخبرني فجأة وأنا بين لحمها الدافئ :- (ستبقى مختبئا في دهاليز أفكارك المشوشة، مهددا بالقتل والدمار دائما بسبب أخطاء من خطئوا وأشعلوا نيران الحرب عبر التاريخ، أو رغبات السلاطين والملوك، والقادة العسكريين. إنهض، ارتدي درعك المتروك قرب النافذة، ثم افتح الأبواب المقفلة الصدئة كي تصر صريرا يملأ الارض ضجيجا).
              (عندما كنت وحدي في انتظار مجيئك، سمعت ضربات شرسة تكاد تحطم الأبواب والنوافذ، أحسست بالفزع يملأ كياني، ورأيت نفسي أركض هاربة من وحشة الليل ووجوه القتلة، وأخيرا انتهيت بين ذراعيك، انتهى هروبي، لكن خوفي لم ينته)
              قالت هامسة بأذني .
              بقيت أرقب المكان متسائلا : للغرف الحجرية القديمة سقوفا تملئها العناكب، لا تحمي من يرفض قدره رغم احساسي بأن الليل في هذه القرية حقيبة مسائية، مهيأة لرحلة مدهشة في عربات القطار المسطحة ذو السقوف البارزة الذي يجتاز الأنفاق بطيئا كالسلحفاة، صاخبا كالحياة .
              قالت : ابق معي .... أنا خائفة.
              وامتصنا الليل بين كائناته الصاخبة، فأصبحنا أشباحا منفية في قرية نائمة . غير أن جسدها مكث بلا تراخ، ينحل ثم ينضح روائح تملأ رأسي أحلاما طوال الليل، ووجهها مازال متأرجحا أمامي، فأرى نفسي أعتصرها قاتلا الصوت الصاخب الذي يحكم على حياتي بالفشل الدائمة والهزيمة الباردة. وأخذ العمود في طرف السرير يخترق البياض الوهاج في وسط ثوبها . كان ابريق الشاي فوق المائدة . هذا المساء أنا تائه، وعاد الحنين الى أمي يقيدني ثانية.
              نهضت مرتديا ثيابي ببطء بعد أن أمضيت وقتا طويلا مستلقيا قربها . لقد عرفت منذ سنين بأن الارض تشبه المرأة، كلاهما فم يبتلع الشعلة، تتقطع أوصالا فوق السرير، تمسك العارضة الخشبية ثم تقتل الرغبة العالقة بحافة قفل الباب المنتفخ .
              وقفت أمام النافذة أبصر الخارج . كانت السماء غائمة، يرتفع الرعد فجأة تاركا صمتا فجائيا متناغما، مع زخات المطر الناعمة وهي تضرب النافذة . ربما الحقيقة رذاذ بلا بداية، وفي النهاية يجب أن يتلاشى خوفي الساذج من عدمية حياتي الموحشة . تلك هي الحقيقة إذن، ليست سوى رؤيتي الواضحة الآن لخوفنا معا من الموت، وهو يهددنا منقضا علينا دونما تحذير أو إشارة . ربما أنا أعيش رغبة في تأكيد قضيتي الخاسرة، وربما يهزمني اليقين فأعود مستسلما للقتلة، تاركا لهم جسمي المغسول بالوحل .
              لماذا ؟ هل أنا متعب ؟
              متى ابتلعتني الكلمات، فأصبحت كائنا يتشظى بكل لحظة، داخل عالم غامض مثل عصفورا صغير تعمد الهرب من الطيور الغاضبة غير المتوقعة، ثم يأتي الصباح صوتا حزينا مطأطئا، مشدودا بشراهة صراعي .
              أعادتني رائحة ثوبها . ورأيتها تبدو جميلة جدا، تبكي كلما تركت وحدها، كانت إدراك بلا رغبة، ثقيل لكنه لا يبقى . مرة أخرى أكتم غضبي داخل نفسي التي اعتادت القرف .
              فأصبحت وديعا كالحمل، مبصرا الليل والمطر الغزير الذي يغمر القرية، منتظرا اللحظة التي أقرر فيها خروجي تحت المطر، وأنا أسال، لم كل هذا الشقاء ؟.


              وهذا نص رائع بكل المقاييس
              نص فيه فلسفة عميقة
              نص بإسلوب شيق ولغة متينة
              أحببته جدا لأنه جعلني مشدودة
              وترك السؤال مفتوحا، بومضة حزينة
              نص للزميل القدير
              مناف عبد مسلم
              شكرا لك زميل مناف على هذا النص الجميل الذي أمتعنا
              الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

              تعليق

              • عائده محمد نادر
                عضو الملتقى
                • 18-10-2008
                • 12843

                #8

                طَرْق .. طَرْق ..

                ولأنّ الباب أذن دامعة ... شاهد ضعيف الحيلة .... وقلب مكسور ... يخرج عن صمته أمام الليل ...كل ليل .... ليشهق بالحكاية
                .......


                جلست القُرْفُصاء فوق بلاط المطبخ البارد، تدندن بصمت موّالاً من زمن الحزن اعتادت المرأة أن تواسي به نفسها بعد كلّ موت، يسمّونه موال السلام ... وللحرب في نفوس الأبرياء كلّ السلام ... وربّما كانت مازوشيّة خاصة اعتادت أن تلطم بها جراحها لتضيف إلى الأحمر لون الأنوثة مثلما اعتادت أن تغنّي للصغير الذي لم يكبر أغنيةً عند النوم .. أغنية من كلامٍ وحبّ ...
                «سوف يُدقّ الباب ... حتماً سوف يُدقّ .. » وترفع صمتها ليكبر الصوت في أعماقها أكثر .. لئلاّ يدقّ الباب حين يدقّ ...
                واحد .. اثنان .. كم مرّة على الزمن أن يمارس لعبة الأرقام .. كم طلقة موجعة على الانتظار أن يتحمّلها كي تولد الفاجعة!
                واحد .. اثنان .. أقراص الكبّة لا تشبه نفسها ... عددها نقص، عدنان كان يحبّها كثيراً، كان يأكل في كلّ مرة الحصّة الكبرى ... أقراص الكبّة لا تشبه نفسها أيضاً، تتكوّم في الصينيّة، كأنّها تراب يردم جثّة ... بل سبع جثث .... تنتفض مذعورة من شيطان الفكرة الذي مسّها .. «بعد الشرّ .. بعد الشرّ
                ....... سلام قولا من ربّ رحيم».
                «لا مكان لحصّتك يا عدنان ... ».
                قرار أصدرته بحرقة ... تردّد وكأنّه أمامها : «لا مكان لك يا حبيبي اليوم إلاّ في قلبي ... لا تكرهني يا حبيبي ....».
                وتتحقّق النبوءة، ساخرة من اعتذارها، من أمومتها. يُدّق الباب ... يُدقّ الباب .. بل يكاد يُكسر، نسيَت غطاء رأسها وفردة الحذاء، صرخت بأبنائها «ابتعدوا أنا أفتح .. أنا أفتح ....».
                مِفصل الباب يحتاج إلى زيت، ثقيل و صوته مزعج فوق الاحتمال، عنيد ومنكسر حدّ الانفصام، وصراخ رجال المخابرات مركّب، ممزوج بصدى بعيد وبخشونة ليست بمصطنعة، المسدّسات مطمئنّة لأيدي الفولاذ، والرصاص يحتاج إلى ذخيرة، إلى جسد ضحيّة، أو إلى قلب أمّ يقتله دون بارود، يقتله بعرق بارد ..
                - أين هو؟؟ أين ابنك عدنان؟
                - ليس هنا .. ليس هنا سيدي ...
                - فتّشوا المنزل ....
                حاولت أن تُفهمه، أبعدها بقسوة ألقت بها أرضاً.....
                فوق الأرض خطى منقوشة بكلّ الأحجام، سبعة قياسات، سبع أكباد ... الأرض صَلبة والقلب هشّ ولكن ...... !
                عاد الرجال خائبين، منتصرين فقط بما حقّقوه من فوضى وتخريب: «سيّدي لم نجده» ...
                السيّد يرتدي بنطالا أسودَ، وقميصاً أسود وقلباً بشريّاً أسود، اقترب منها كثعلب يحوم حول مالك حزين يتحصّن بشيء من الحكمة :
                - أقراص الكبّة في الفرن، أكثرتِ من البرغل هذه المرّة، قرص ناقص وستّة أقراص تكاد تحترق ... هل تريدينها أن تحترق ؟
                ذُعرت وبدأت ترتجف تحاول استيعاب الأمر بينها وبين نفسها، كيف عرف ؟
                ردّ عليها : «نحن نعرف كلّ شيء ... ونسمع كلّ شيء .... عدنان لن يأكل حصّته ... أمّا الباقون..؟
                عدنان ولدك البكر، لم تربيه جيّداً، حقير يظنّ نفسه مثقّفاً، يتحدّث في السياسة، سمعوه يلعن الرئيس، ومشى في مظاهرة مع المشاغبين... قولي أين خبّأتِهِ...».
                قاطعته دون أن تشعر: «أعوذ بالله سيّدي ... إلاّ الرئيس ... إلاّ الرئيس ... نحن نحبّه سيّدي ... ذلك الخائن هو الملعون. ذلك الخائن ليس ولدي، أتبرّأ منه أمامكم وأمام الله ... أقسم لك سيّدي نحن لا نعرف عنه شيئاً .. ولا نريد أن نعرف ...».
                «سيناريو مكرّر» .. لم يعجبه كلامها، رفع حاجبه ليحاصر كذبتها، تنهّد ثمّ هدّد:
                - لو شممنا خبراً أنّكم التقيتم به ... أو عرفتم عنه شيئاً ... سنأخذهم جميعاً .. الشباب الخمسة وابنتك الصبيّة ... سنأخذهم كلّهم هل تفهمين ...!!!
                - نعم نعم سيّدي ... بل نسلّمه لكم بأيدينا .. إلاّ الرئيس سيدي ... إلاّ الرئيس ...
                وغادروا من نفس الباب ... ويا لوجع الباب، حين حلّ ظلام اليوم التالي وقف عنده ملثّماً، خائفاً، لاجئاً، متوسّلاً ...
                - أمّي حبيبتي وأخيراً استطعت العودة ... خبّئيني ... خبّئيني يا أمّي ... يبحثون عنّي ...
                لم تعرف بمَ تردّ عليه، لطمت خديّها، شهقت، اختنقت بكلماتها :
                - لا أستطيع ... سيأتون .. كيف أخاطر بإخوتك أيضاً..؟
                - سأختبئ جيّداً .. في بيت المونة مثلاً ... وربّما لن يسألوا عنّي مرّة أخرى ..
                تظاهرت بالقسوة، عاتبته بشدّة: لماذا يا عدنان .. ألم أحذرك طويلاً ...؟
                - لم أفعل شيئاً .. لم أنتمِ إلى أحد .. ألا تصدّقين ... ولكن ألم تسمعي ماذا فعلوا بأبي صالح .. وعائلة الزيتونيّ ... ظلموهم يا أمي، غدروا بالمختار أيضاً، وألقوا عِمامة الشيخ أرضاً وسط السوق. حاولنا فقط مساعدتهم .. ضمّ صوتنا إليهم ... لم تكن مظاهرة كان تجمّعاً سلميّاً تضامناً مع المظلومين ... أمّي إنّه القرن العشرين يا أمّي .... إلى متى سيظلّون يقمعون أصواتنا ؟؟ إلى متى ؟!
                عبثاً حاولت التجرّد من أمومتها، حضنته بغصّة قاتلة، بلّلته بالدموع:
                - سامحني ... سامحني يا ولدي ... أنت لا دخلك لك ... أنت طفلي .. كان عليك فقط أن تفكّر في أمّك .. إخوتك .. أختك سهام ... هل تريد أن ......!
                - "لا تكملي......"
                لم يحتمل أكثر .. قبّل يدها ورحل هارباً من المأساة المحتملة، ملثّماً بالليل .. كما الريح رحل .. إلى الريح رحل ...
                كان قحطان يستمع إلى الحديث، لم يستطع أن يقابله، كيف يُريه وجهه وهو تخلّى عنه؟ كتم أنينه وهرب إلى المطبخ، حاول أن يُقنع ضميره «هو ورّط نفسه ... أنا مازلت في الجامعة ... لن أتحمّل تعذيبهم .. لن أتحمّل السجن .. لا أريد أن أموت». فتح باب البرّاد وضع في فمه شيئاً، راح يلوكه والملح ينسكب فوق شفتيه، لقمة تلو اللقمة ... «كُل يا قحطان لابدّ أنّك جائع». أرغم نفسه على ابتلاع ذلك الشيء كلّه، ثمّ فكر بحلّ آخر ... جسد حبيبته راضية الذي لم يره قط، شدّ على عينه كي تُغمض:
                «راضية جميلة، راضية فاتنة بل شهيّة، لا بدّ وأنّها كذلك ... تعالي راضية ... اقتربي .... اقتربي».
                أحسّ برعشة الانهزام، بالعار، بالعجز، صفعها، لعنها، ضربها بعنف، حطّم أضلاعها، صرخ بها:
                «أنا رجل رغماً عنك ... رجل ... رغماً عنك أنا رجل ... أنا ... أنا ... أنا لم أخن أخي .. لم أخن أخي».
                ثم وقع منهاراً فوق حطام الطبق الزجاجيّ .....
                وفي الدار أمّ عادت تدندن ألحانها، تجلد نفسها وتغني لينام عدنان، عدنان عاد رضيعاً « كيف تخلّيت عنك يا ولدي ؟ أيّ أم هي أنا ؟ عدنان يا طفلي الصغير ... يا كلمة "ماما" الأولى ... كيف وصلت أيديهم إلى أمومتي ؟»

                مرّت أيام طويلة وعدنان لم يكبر، عدنان جنين ما زالت حبلى به ... تطلق كلّ مساء ... تمزّق أوردة الكون ....... ولادة صعبة .... ولادة شبه مستحيلة....
                قدر أن تبقى أمومتها عالقة حتّى تأتي طلقة الخلاص، ربّما كانت عقيماً، نعم عقيم، الجارة شهدت أنّهم استأصلوا رحِمها مرّاتٍ عديدة، وأقسمت أخرى في السوق أنّه حَمْلٌ كاذب، وأنّ أبا عدنان لم يكن ... وأسكتتها أخرى « دعينا من سيرتهم، لا نريد مشاكل».
                مرّت سنون والباب يستيقظ كلّ ليلة .. ينادي أصحاب البيت، لا يريد زيتاً، ولا أيادٍ تفتح .. بل يحتاج منديلاً يكفكف الدمع ...
                سنون والطرق يزيد، طرق على الباب، على السقف، على الجدار، على الصدر، في القلب، في الذاكرة، في صميم العجز، على يد أمّ شلّها الذعر...

                .
                .
                بسمة الصّيادي
                01.06.2013


                وهذا نص للزميلة الرائعة
                نص بحجم الوجع الذي يبدو أنه سيكون أبدي
                طرّق .. طرّق
                بسمة الصيادي
                الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                تعليق

                • عائده محمد نادر
                  عضو الملتقى
                  • 18-10-2008
                  • 12843

                  #9

                  حين عودة روحي
                  اتخذت زاوية قريبة من زجاج المقهى، طاولة دائرية تدور حوافها مثلي بلا انتهاء، أحتسي قهوتي الداكنة مثل رؤيتي، أشعلت سيجارة و رحت أنفث ترسبات الخيبة في أرجاء المكان، كنت أتتبع قطرات المطر خارجا التي كانت تراقصها الريح رقصة شاوية و الرعد مثل البارود و كأنني في حفلة فلكلورية فنتازية، و صوت سقوط المطر يشبه زغاريد النساء فرحة بمشوار قامت به السحب التي تشبه فارسا يمتطي الفضاء، أملأ رئتي بوجوه المارة الغامضة، نظرات حزينة و بعضها كئيبة قليلا ما يمر أحدهم باسما أو مهتما بهذا المهرجان المائي.

                  في المحطة الصغيرة الزجاجية المقابلة للمقهى طفل صغير يلاعب يدا والده، يستجدي الدفء من عروقه الناتئة من ذراعيه الهزيلتين، يراقبه أبوه بلطف و حنو، النظرات الأبوية منحة إلهية، التلامس الجسدي بين الوالد و أبنائه تلامس روحي قبل كل شيء. الريح كان يداعب شعره الأصفر، لم يكن بيد المحطة التي تشبه كشكا أن تحول بينهما، بل كانت سافرة تفضخ الهاربين من المطر و من البرد.

                  كنت ألاحق مشاغبات الولد باهتمام و هو غير عابيء بالجو، بل يبدو لي مسرورا بتقبل تقلبات الطقس، أحيانا يمد يديه من تحت سقف المحطة التي غطيت و أحيطت بالزجاج. ليستطلع قوة المياه المتساقطة عندما تولد و هي في بكارتها الأولى، يثير فضوله المطر عوض أن يفر منه مثل كل الناس، يشبهني هذا الطفل كثيرا، طوال حياتي لم أكتسب مظلة، بل كنت أستقبل السماء حافيا من التكنولوجيا، تماما مثلما هي عارية بدون ثياب.

                  أخذت نفسي و اقتربت منه، وقفت بجانبه، قلدته و مددت يدي نحو المطر، انتبه لاستفزازي له، فتقدم خطوة جريئة و وقف خارجا، و كأنه يغريني أن أراقص حبيبة قادمة من السماء، سايرته و تقدمت بجانبه لأستكشف أي حب ستهديني السماء هذا اليوم، هذا الفتى كان ذكيا جدا و شاعرا رغم الملابس الرثة التي كان يرتديها، و شكله الصغير، و راح يستدرجني حين رفع وجهه نحو المطر و راحت زخاته تتساقط بين خديه و تنساب بين تقاسيم رقبته، و تبلل شعره الأصفر ليصبح براقا أكثر، لم أكن لأغفل عن ابتسامته البريئة التي كان يكيلني بها كي أوافقه و أقلد تصرفاته و أقاسمه تلك اللحظة، رفعت وجهي نحو السماء موافقا لأكتب شعرا مائيا على خدي، و كأنني أتحضر لأول قبلة جارفة.

                  كان شيء ما غائبا عني يعود رويدا رويدا نحو جسدي، يتغلغل و يدخلني بل يحتلني كالفاتحين، لحظتها و لأول مرة أحس بروحي تداعبني، تتسلل بين عروقي لتسكن من جديد جسمي المنهار، أحسستني أقف على أفق الجنة، مددت يدي لأمسك يد الطفل لأعيش أكثر تلك اللحظة، وقعت يدي بيد دافئة غير أنها كبيرة شيئا ما، فتحت عيني لأرى حبا سقط لحظة عودة روح.


                  وهذا نص للزميل القدير
                  بسباس عبد الرزاق
                  حين عودة روحي
                  نص جميل وشفاف وفيه نسمات عذبة من الرقة والرقي

                  من أجمل ما قرات لبسباس عبد الرزاق
                  الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                  تعليق

                  • عائده محمد نادر
                    عضو الملتقى
                    • 18-10-2008
                    • 12843

                    #10
                    قبل المغيب


                    تشبث بقوة بما حوله و نهض, أزال ما علق على ملابسه من أتربة و مسح عينيه.
                    نظرَ حوله, لم يكن هناك أي احد, وحدها صرخة الصمت تصم أذنيه. عجبا, للتو كانوا قربه, سمع بكائهم و وقع أقدامهم. كيف اختفوا بهذه السرعة؟!!
                    شارفت الشمس على المغيب, السماء بلون أرجواني, و ظلال الشواهد قريبا منه ممدودة إلى الأفق. عليه أن يسرع قبل العتمة, حاول أن يتحرك, عبثا, هو لا يقوى على السير. البرودة تكبل قدميه و تغتال جسده, شيء ما يسحبه إلى الأسفل, عليه أن يقاوم. استغاث و صرخ بكل قوته, تلاشى الصوت في جوفه.
                    مر وقت طويل وهو يحاول أن يحرك جسده دون فائدة. نظر إلى الشمس, عجبا لا زالت في مكانها و ظلل الشواهد على حالها, أدار رأسه ليرقب ظِله, فزع و ارتجف جسده, لم يجد له ظلا, أستسلم و غرق عميقا في الرمال.

                    هذا نص للزميلة القديرة
                    شاكرين السامرائي
                    قبل المغيب
                    لحظة نوراى التراب
                    نص قصير لكنه عميق بحكمته وعبرته
                    وكم صعبا على الإنسان أن يعرف انه...................!

                    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                    تعليق

                    • عائده محمد نادر
                      عضو الملتقى
                      • 18-10-2008
                      • 12843

                      #11
                      اقتراب حميم
                      **************
                      كلمات و رموز رياضية مبهمة تجريدية .. ليست من النوع الذي تطرب العين عندما تراه اول مرة .. تحتاج ان تقرأه مرات ومرات حتى تبدأ بالإحساس بالألفة معها .. مرة بعد مرة تستوطن الكلمات والرموز قلبك و يسري في جسدك إحساس غامض .. ثم تبدأ خيالات بعيدة كل البعد عن المعاني بالظهور .. وتتكون كيانات منفصلة عن ما حولها .. تقف هناك وحدها .. و يبدأ الحلم .. و في الأحلام تبدأ اكتشافاتنا العظيمة .. المسالة كلها .. هي القدرة على التخيل .. ولن نستطيع ان نصل بلا قدرة على التخيل .. هكذا هي الفيزياء .. على الاقل كما أحببتها .. تشبه نصوص الشعر والادب التي ترسم من الخيالات .. حكاية .. تلتقط الوانها من هنا وهناك .. من ومضة كلمة عابرة .. من قصة حب .. او من خاطرة ..


                      هكذا كانت الملاحظات التي كتبتها بقلمي الرصاص وانا اجلس على الاريكة المريحة في غرفتي الصغيرة بعد انتهاء اليوم الاول من مؤتمر فيزياء الكم .. كنت أتأمل ظلمة الليل الحالك و قطرات المطر تطرق زجاج النافذة في ليلة من ليالي سبتمبر .. بداية الخريف !! الإضاءة خافتة تأتي من مصباح وحيد الى جانب السرير المزدوج .. شدني الحنين فجاءة تركت الورقة و القلم .. ذهبت هناك الى فضائي الافتراضي حيث التقي بآحلامي ..


                      ارسلت لها بعض من وميض الشوق .. انتظرت .. و انتظرت .. يا لقيظ ملل الانتظار .. يا لمرارة الوله لها .. يا لصقيع رياح الغياب .. يا لعتمة المساء .. لم تكن هناك ربما هو فارق التوقيت !! ..


                      طرق على الباب .. فتحت الباب .. قلت: أحلالالام بصوت مملوء بالدهشة .. أمسكت يدها و سحبتها برفق الى داخل الغرفة .. انت هنا !! .. كيف وصلت!! .. كانت ترتدي فستانا ازرق فاتح قصير الأكمام .. يصل الى ركبتيها ولا شئ من حلي الزينة سوى سلسال رفيع من الذهب يتدلى على صدرها و ساعة صغيرة في معصمها حزامها من الجلد الاسود .. ألوان زينتها لا تكاد ترى .. عطرها استباح المكان برائحة فواكة ربيعية .. انظر الى عينيها و ابتسامة ثغرها و شعرها المنسدل على كتفيها .. و لكن مهلا .. كيف عرفتك ؟ انا لم ارك من قبل و لا اعرف لك رسما ..


                      اقتربت .. شعرت بدفء أنفاسها .. قلت : كيف جئت بكل فتنتك .. هكذا.. لا احب ان يراك احد غيري .. اين حجابك؟ .. قالت : لا عليك .. لن يراني احد غيرك .. لفت ذراعيها حولي .. كنت افكر ان أوقفها .. لا اريد ان ارتكب خطا فظيعا .. هذا ليس حلما .. انها الحياة الحقيقية .. ولكن ليس لدي القوة لاقاوم فانا الذي جلبته لنفسي .. بمحض ارادتي .. ثم افقد توازني .. واغوص في دوامة من دوامات الزمان .. وقبل ان تنتبه يكون حلمها قد تغشاك .. برقة و دفء .. اين تبدأ مسؤليتك هنا ؟ لا تدري!! .. تكافح لتزيل سديم الضباب عن ناظريك .. تحاول ان تعرف اتجاة التيار .. لتمسك بمحور الزمان .. لتتبين الحدود الفاصة بين الحلم والحقيقة .. كل يقينك انك في موقف حرج .. و شئ ما يجرك الى الأعماق .. و تغرق معالم الطريق تحت الأمواج .. ينسدل شعرها الناعم على كتفيك .. و يهتز بنعومة .. تغمض عينيك و تستسلم .. ولا تدري كم مر من والوقت .. لا تستطيع ان تتحرك .. او ربما لا ترغب ان تتحرك .. تمرر يدها على شعري .. تنظر الي بصمت .. تبتعد .. تسير عبر الغرفة .. و تغادر .. مازالت عاجزا عن الحركة .. راقدا على السرير .. أحاول ان أصغي لأسمع صوت حذائها في الممر .. او اي صوت اخر .. و لكن لا شئ .. يزداد المطر غزارة و تطرق حباته بشدة زجاج النافذة .. أرقد مستيقظا حتى شعاع الفجر الاول يتسلل من خلال نافذتي ..
                      *************

                      نص للزميل القدير
                      كريم قاسم
                      اقتراب حميم
                      سرد شفاف وحلم ليلة شتاء دافئة
                      سيمفونية المطر والحب

                      وحلم من الأحلام الجميلة
                      الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                      تعليق

                      • عائده محمد نادر
                        عضو الملتقى
                        • 18-10-2008
                        • 12843

                        #12
                        وغربت شمس اليوم الثامن
                        =====
                        قالت العرافة :
                        - انتظروه عند غروب شمس اليوم الثامن..
                        أدمعت عينا أمي،وأزاحت ثديها الفارغ من اللبن عن فم أخي ثم أسندت رأسها إلي ضلفة باب المنزل،وقالت بصوت متهدج :
                        - أثق
                        في كلامها،وتجاربها السابقة خير دليل .
                        ونهضت العرافة مسرعة،وكانت ترتدي ثيابا زرقاء مزركشة،وتضع صرة كبيرةعلي رأسها،وأسرعت خلفها،وأمسكت طرف ثيابها،وسألتها بلهفة وإلحاح :
                        - هل صحيح سيعود الغائب؟
                        رمقتني بنظرة حادة،ومضت في طريقها دون أن تنطق.
                        أقبل اليوم الأول،وقالت أمي محذرة :
                        - لا تذهب بأخيك بعيدا،فهناك لص يخطف الأطفال الصغار .
                        دارت في عقلي الصغيرأفكارمخيفة،وتخيلت اللص يذبحنا خلف صخرة نائية بسكين حادة،ثم يطهو لحمنا ويأكله،غيرأن طعم اللحم كان مرا.
                        أمسكت يد أخي،وتسلقنا شجرةعجوزا خارج المنزل،وبحثنا عن أعشاش العصافير،فوجدناها ميتة،ويبست أغصان الشجرة،وذبلت أوراقها،وألقت بها بعيدا ثم قذفت بنا في أرض وحلة كانت نهراعذبا رحلت عنه الأسماك.
                        تلطخت ثيابناالممزقة بالوحل،فألفيت وجه أمي غاضبا ينظرألينا بقسوة وينهرنا : "من أين أتي لكما بثياب أخري" ،ولابد إنها ستضربنا . أحدقت القرية بنظرة حانقة،فكانت ذابلة العروق،وفارقتها الحياة .
                        وفي اليوم الثاني،قالت أمي بلهجة أمرة :
                        - اذهبا
                        لتعملا مع أبيكما .
                        تذكرت
                        وجه صاحب الأرض الغاضب،وشاربه الكث،وعصاه الصغيرة التي دوما ماتضع بصمتها فوق أجسادنا . وتذكرت ابنه السمين الذي دائما ما يتشاجرمعنا،ويسخر منا ويعايرنا بملابسه الجديدة ولعبه الكثيرة . فأقسمت بأني لو رأيته لأضربه ضربا مبرحا،ثم أقتل أباه . قلت لأخي :
                        - هيا نتسابق .
                        - أنت كبير،وأقدامك كبيرة وستسبقني مثل كل مرة .
                        قلت له مداعبا :
                        - سأبطئ
                        من جري حتى تسبقني .
                        صاح بسعادة شديدة :
                        - صحيح
                        !!
                        - صحيح
                        .
                        وتسابقنا حتى وصلنا إلي الحقل،وقد سبقته كالعادة،فحزن مني،وقال بأنه لن يكلمني بعد اليوم .
                        وجدنا
                        صاحب الأرض وابنه جالسين يتابعان الأنفار،وقد اعتلت صيحاتهما بالتهديد والوعيد لمن لايعمل بجد. وكان أبونا منكباعلي فأسه يضرب بها في الأرض بقوة،وقد ربط خاصرته بقميص أزرق ممزق بانت له ساقاه الرفيعتان .
                        ورآنا ابن صاحب الأرض،ونظر إلينا نظرة هازئة ثم نهض واقترب منا،وقال ساخرا :
                        -
                        لاعمل لكما هنا،وسأطرد أباكم .
                        رمقته بنظرة حانقة،وودت لو أصفعه :
                        - سأضرب أباكم .
                        صفعته علي وجهه،فصرخ باكيا،ثم اندفع أبوه نحونا،وضربنا بقوة حتى أسال الدماء من وجهينا،بينما ظل أبونا ساكنا ينظر إلينا في حسرة وألم .
                        قفزنا
                        في الهواءغضبا،وضربنا الأرض بأقدامنا الصغيرة،فغضبت وأقسمت بأنها لن تثمر بعد اليوم .
                        وفي اليوم الثالث،نادي ميكرفون الجامع :
                        - مطلوب
                        أنفارللعمل بالعراق .
                        شددت أمي علي أبي :
                        - بسرعة ...العدد المطلوب قليل .
                        هرع أبي مسرعا،ولكزت أخي في قدمه،وأسرعنا خلفه .
                        واكتظ
                        الجامع بالمصلين علي غيرعادته،ففرحت وقلت لأخي :
                        - النهاردة العيد!!
                        رمقنا
                        رجل يرتدي بالطو أصفر!ممسكا بعصى صغيرة تحت إبطه،وقال بصوت أجش :
                        - أطفالأغبياء .
                        خفنا منه،ثم جاءالقطار فركب الرجل صاحب البالطو الأصفر،وتبعه المصلين،ومضي القطاربعيدا.
                        وفي اليوم الثالث،حملت كتبي وكراريسي وذهبت إلي المدرسة مليئا بالحماسة والنشاط.وقفت في الطابور منتظراً تحية العلم،بيد أن الناظر استقبلني بابتسامة صفراء،وقال بصوت حاد :
                        - لم تدفع المصاريف.
                        نظرت إلي الأرض وخرج صوتي واهنا:

                        - أمي لا
                        تستطيع دفع المصاريف .
                        أوجعني بعصاه
                        علي ظهري،وطردني من الطابور،وقال بصوت نزق:
                        -
                        لامكان هنا لأبناءالخادمات .
                        غضبت
                        ،وأمسكت بقلم رصاص جعلته مدية طعنت بها الناظر،فنظر لي هازئا دون أن ينزف .
                        خرجت من المدرسة مسرعا،ونظرات التلاميذ تتابعني متألمة.
                        وفي اليوم الرابع،نظرت أمي إلي وجه أختي الذابل،وقالت باكية :
                        - أجرة
                        الطبيب غالية،وإذا وجدنا أجرة الطبيب،فمن أين لنا بثمن الدواء؟!
                        كانت أختي زهرة يافعة في بستان أخضرملئ بالورود،وكان وجهها أبيض مستديرا مختلطا بحمرة خجلة،وكانت حينما تنظرإلي نهديها الصغيرين خلففستان أصفرممزق تغني بصوت عذب أغنية حزينة،وكانت تشاركها العصافيرالغناء .
                        وتطلعنا إلي أختي فصار وجهها أصفر ممتقعا. صرخت أمي صرخة مفزعة انطفأت لها أنوارالمنزل . وجاء أهل القرية وحملوا أختي في نعش خشبي،وذهبوا بها إلي أرض نائية،وأهالوا عليها التراب،ونبت فوق التراب زهرأحمر .
                        وفي اليوم الخامس،تطلعنا إلي السماء،فوجدنا طائرة صغيرة تحلق بعيدا،فهتفنا :
                        - ياطائرة أحضري لنا الغائب .. ولم تسمع الطائرة نداءنا،وتحولت غرابا أسود نعق بصوت قمئ،وأمسك لتوه بفأرصغير؛فتذكرنا الجوع،ورجعنا إلي البيت،وقلنا لأمي :
                        - نريد طعام .
                        نظرت أمي متجهمة،وأشاحت بيديها ثم أشارت إلي أواني فارغة،وذهبت إلي غرفتها وأغلقت خلفها الباب،وسمعنا نحيبا،وبتنا دون عشاء مثل ليال ماضية .
                        وفي اليوم السادس،انطلقت الزغاريد في القرية،فسألت أمي :
                        - ما
                        الخبر؟
                        لم تكترث أمي،وألححت عليها فأجابت ممتعضة :
                        - زينب
                        بنت احمد المنجد ستتزوج.
                        طرقت كلماتها صدري،وأدركت أن الحياة لاتستحق،وتذكرت زينب،وتذكرتوجهها الندي،وفمها الأحمر،وعينيها الخضراوين،وتذكرت حديثها " أحبك،ولن أتزوج أحداغيرك "
                        انطلق صوتي يائسا :
                        - ومن ستتزوج؟
                        أجابتني :
                        - ابن
                        رجل غني عنده بيت كبير،وتلفزيون وطبق دش وأجهزة كثيرة .
                        وجدت نفسي أمسك سكينا أذبح بها شخصا مجهولا دائما ما يتربصبي .
                        وفي اليوم السابع،سألت أمي جارتنا :
                        - ألم
                        تسمع أخبارا جديدة في التلفزيون .
                        ثرثرت جارتنا كعادتها،وكانت مكتنزةيطفح لحمهامن تحت الثياب،وأجابت:
                        - الحرب دائرة والموتى كثيرون.
                        تضايقت أمي،وأردفت جارتنا :
                        - قلبي
                        معك،فالغائب عزيزعلينا .
                        وجمت
                        أمي،وأغلقت الباب،ونظرت إلي نفسها في المرآة،فوجدت شعرها صار لونه أبيض . وفي اليوم الثامن،جلست أمي القرفصاء علي أريكتها الملاصقة لباب المنزل،وأحنت وجهها إلي الأمام،وطقطقت بمسبحة في يدها،منتظرة تحقيق نبوءة العرافة عند غروب الشمس. وبعينين واهنتين فقدتا كثيرامن نورهما أخذت تبحث عنا، ثم قالت بصوت واهن ضعيف :
                        - انتظرا الغائب عندغروب الشمس .
                        اقتربت منها وأخذتها في حضني،وتذكرت وجوها كثيرة رأيناها نبحث فيها عنه مع كل قطار قادم جريا وراء خبر أو إشاعة دون فائدة . ومكثت في حضنها طويلا حتى غربت الشمس وغابت بعيدا..
                        وما عاد
                        الغائب.
                        23/01/2013


                        هذا نص للزميل القدير
                        وغربت شمس اليوم الثامن
                        حارس الصغير
                        نص يحكي قصة العوز والبؤس الذي يعيشه الكثير من الناس
                        نص مؤلم وفيه حبكة وشجن
                        ناقشناه في الغرفة الصوتية وكانت أمسية رائعة
                        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                        تعليق

                        • عائده محمد نادر
                          عضو الملتقى
                          • 18-10-2008
                          • 12843

                          #13
                          ظـــــلّ مشــــــوّه..!
                          فتحت عينيّ هذا الصّباح على عنكبوت بسقف الحجرة ، تعمل بهمّة ونشاط على نصب شراكها لحشرة صغيرة تعيسة الحظّ، لوهلة .. خيّل لي أنّها تنظر صوبي.. ومن ثمّ تشرع تخاطبني ..
                          أيّ امرأة أنتِ..! أ وَلم تدركي طوال عشرين عاماً أنّ الحياة ظلّت تنصب لك شراكها. وأنت كحشرة كبيرة تقفزين من شرك إلى آخر..! أيّ متعة تلك الّتي تجدينها في القيام بدور الضّحية ؟
                          -
                          أنا لست على مايرام .. تمتمتُ بيني وبين نفسي.
                          Ôكأيّ زوجة ريفيّة تبدأ يومها عند الغبش بمكنسة تجوب بها أروقة ودهاليز المنزل ، التقطتُ مكنستي وذهبت اُربت بها على كتف التّراب في محاولة لإيقاظه ، ودفعته برفق إلى الخارج، ليمارس هوايته المعتادة في الالتصاق بأحذية وملابس وأجساد المارة .. لكنّه يعود دائماً ليتمدّد بكسل في هذه الأروقة والدّهاليز ..
                          كلّما تأمّلت حركة وسكون هذا التّراب الّذي يحتلّ منزلي وينكّد معيشتي ، أستدرك كيف أنّه من الصّعب إلقاء القبض على مشاعر البشر والتّحكّم في ومضاتها وسكناتها ، أو حتّى مجرد إصدار الأحكام بشأنها .. أولسنا من تراب !؟
                          بالسّرعة المعتادة تمرّ المكنسة ذهاباً وإياباً في أرجاء المنزل . تعود بعدها لتستلقي خلف الباب كحارس كسول في مكانها المعتاد..وأذهب أنا صوب الفناء الخلفيّ للدّار فألقي تحيّتي الصّباحية المعتادة على الدّجاج والأغنام ، وفي طريقي أربت على جذع شجرة الزّيتون .. لماذا أفعل ذلك ؟
                          هل أحاول إيقاظها أم كسرها؟ (ألواح الخشب لا تكسر، وحدها الأرواح قابلة للكسر).
                          يبدو كلّ شيء من حولي في حركة دؤوبة ماعداي .. اخترت الرّتابة أم هي من اختارني!؟ بالواقع لا أعلم.. فكلّ شيء بداخلي ثابت ، ثبات أهرامات الفراعنة.. و الزمن وحده يزحف على جسدي من الخارج ،عابثاً بأنوثتي الرّابضة خلف حطام السّنين ، صانعاً نتوءات شحميّة في عدّة مواضع حسّاسة ؛ وأخرى ليست ذات أهميّة قياساً بنظرة الرّجل.!
                          كلّ شيء أقوم به هنا، أفعله على وجه الاعتياد، وبطريقة آلية .. مثلما يحدث كلّ شيء في هذه القرية على وجه الاعتياد و برتابة مملّة ..
                          الأحداث الخارقة للعادة التي تنتشر في سماء قريتنا بقدر السرعة نفسها التي تنتشر بها رائحة (اللّحمة ) الّتي تشوى أوّل جمعة من كلّ شهر في بيت الشّيخ ..
                          حدثان إضافيّان لجمعة الشّيخ .. ميلاد أحدهم أو وفاة آخر ..
                          Ôبعض العادات حين يصادف تكرارها لامرأة مثلي ، يمكن عدّها نوعاً من أنواع التّرف. ولكنّها لاتحدث إلّا في خيالي.
                          Ôكلّما أمالت الشّمس رأسها خلف ذاك التّل أرسلت بصري في مداه إلى سفح الواديّ حيث تلوح من هناك خيالات رجال آيبين متوشّحين معاولهم .وذاك خياله. خيال الرّجل الّذي لا أفتأ أسأل نفسي كم عاما مضى وأنا برفقته أحاول جاهدة أن أعلّم ذاكرتي التقاط بعض ملامحه ، وأدرّب مسامات جلدي على إلقاء القبض على بعض أنفاسه الشّاردة حين يجود بها ، وأحنّط ملابسي كلما حظيت بشيء من عطره أو عرقه ..
                          كم عاما مضى وأنا أرتّب صباحاتي وأعيد صياغة أبجديّاتها بما تمليه عليّ اللّحظة ؟ وأدير ظهري لمساءاتي كلّما ألّحت عليّ بسؤال الحاجة .
                          كم عاما مضى منذ أنطفأت قناديل مسائي، وعلّقت رغباتي على مشجب الأمل حتّى بليت !؟ فبتّ أعرض عنها كلّما صادف أن أشيح بصري صوبها ..

                          لمَ أحاولُ جاهدةً حصر تلك الأعوام ؟ هو عمر و كفى. عمر منذ أن اقتناني ذاك الرّجل كما لو كنت زينة إلى منزله .. الفرق الوحيد أنّي كنت كائنا حيّا يتحرّك ولا ينكفّ يذكّره بعجزه الحقيقيّ، الّذي لا يستطيع أيّ رجل احتماله. ذاك الكائن الّذي أتى به ذات مساء تحت كومة ملابس و مساحيق باتت اليوم أسوء كوابيسه ، وأيّ كابوس أسوء من اقتران عجز رجل بأنوثة امرأة تفتّحت للتّو..
                          - ظلّت أمّي توسوس لي قائلة:
                          "ظلّ رجل ولا ظلّ جدار" . فوجدت نفسي ذاك المساء أومئ برأسي لأبي بالقبول، رأيته حينها مثل قشة في بحيرة مبهمة الحدود ، فمنّيت نفسي بالنّجاة قبل الأفول . هاربة كنت من شبحان ظلّا يطاردانني ردحاً من العمر ؛ شبح العنوسة الذي رأيته يلقي القبض على أختي ، وشبح آخر كان ينقضّ علينا جميعاً بين الفينة و الأخرى ، هو شبح العوز والفاقة .
                          كانت أمنيتي أن أغادر دارنا إلى أيّ مكان لا يهمّ أين.. فأيّ مكان على وجه البسيطة لن يكون أكثر سوء من تلك الهوة السّحيقة.
                          لم أكن أدرك أنّني كنت تمام كما أخبرتني تلك العنكبوت هذا الصّباح؛ أقفز من شرك إلى آخر، بوعي أو بدونه ، أيّ لذّة تلك الّتي أجدها في القيام بدور الضّحية ! مازلت أتساءل..
                          حين كفّ عن محاولاته وخرج من هذا الباب تاركاً أيّاه مفتوحاً لشيطان الشّكّ ، الّذي دلف يغرس خنجره في خاصرة منزلي . و يستدعى ذويه و أبناء عمومته فظلّوا يعزفون ألحانهم و يمارسون الرّقص فوق ذاك الرّأس الأقرع في غفلة منّي ..
                          كنت معرّجة ما بين السّقف والعنكبوت ، المكنسة والتّراب ، جذع شجرة الزّيتون ولحمة الشّيخ ، صوت أمّي والحرائق الّتي يشعلها أبي كلّما نفذ عتاده من لفافات التّبغ ، الحائط والظّلّ ، عجز زوجي ونظرات الشّكّ والارتياب ، مشجب الأمل الّذي ينوء بثقل رغباتي وشبح مستجد تلوح بعض ملامحه في الأفق ..
                          معرجة ما بيني وبيني حيث لا سماء ، ولا بحر ، ولا بر ، ولا أفق في مداي .. وفي رحلة البحث عن بعضي فقدت نصفي الآخر .. وعدت من رحلتي خاوية ؛ جسدا بلا روح بات من السّهل أن تطاله أنامل العابثين ..
                          الشّكّ وحده قصم ظهر صبري الّذي لم يتمخض سوى عن صقيع يجوب أعماقي ، ولم يفرّخ غير أحزان جرّها ذيل ثوبي ذات مساء وأنا عائدة إلى مسقط رأس وجعي وخيباتي ..
                          - لماذا..؟ سألت أمّي
                          - فأجابت دموعي بفصاحتها المعتادة . وبقيت أنا ألوك عاميّتي بتمتمة يتردّد صداها في أعماقي حتّى اللّحظة :
                          عدت لأنّي لم أجد الجدار والظّلّ الموعود . كلّ ما وجدته هناك : ظلّاً مشوّهاً.



                          وجدان الشّاذلي
                          26/10/2013 م

                          هذا نص للزميل القدير
                          وجدان الشاذلي
                          ظل مشوه
                          نص يحكي قصة أزلية وجدلية المرأة والزواج
                          طرح النص بشكل سلي وجذاب وفيه حبكة ولغة جميلة
                          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                          تعليق

                          • عائده محمد نادر
                            عضو الملتقى
                            • 18-10-2008
                            • 12843

                            #14
                            الرهان
                            كتمت خوفي وترددي ، وأبقيت هلعي الشديد في داخلي ، وأنا أرقب علامات خوفها ، وارتياعها وهي ترتسم على ذلك الوجه الوديع ، كانت صديقتي ،، وكلهم يقولون أنها رائعة ،، وأنا أغار منها كثيرا ، يمضني شعور كبير أنها الأقوى والأفضل ، حين يعقدون تلك المقارنات التي طالما يقومون بها ، دون أن يبالوا ماذا يكون موقفي حيالها ، وأنا اسمعهم يرددون باقتناع أنها الأجمل والأقوى والأشد ذكاء ، والأكثر هدوءا ، والأقرب مدعاة للثقة والإطمئنان ، وتلك الصيغ الكثيرة للمفاضلة بيننا نحن الصديقتين .
                            تحاول أن تخفي خوفها الشديد ،، وهي تجرّني على الأرض جرا ، بهدوء وتتصارع في داخل نفسها قوتان كبيرتان ، دون أن تجد ميلا إلى تفضيل واحدة على الأخرى ، وأنا أراقب ذلك الصراع ،، الذي تحاول صديقتي أن تخفيه ، ولكني ألاحظه على محياها الهادئ بوضوح ...
                            تتمنى أن ابكي ، أن يتعالى صوتي، طالبة منها التوقف عند هذا الحد ، فأنني قد تألمت حقيقة لا جدال فيها ، حين ترى ألمي، تقرر التوقف عن سحب جسدي على الأرض ،، والإكتفاء بتلك اللحظات العنيفة ،، من النزال القائم بيننا والذي تنتظره بقية الصديقات بشوق..
                            لكن الارتياح المؤقت ،،الذي يبدو على ملامحها المعبّرة ، سرعان ما يتلاشى ،،حين تنطلق ضحكتي مجلجلة ، طاردة منها كل توقع بالانتصار
                            تواصل سحبي على الأرض ، تحاول أن تبدي عنفا غير موجود ،، في شخصيتها الرزينة الهادئة ، وأنا امنّي النفس إن تنتصر إرادتي أخيرا ،، وان أتمكن من قهرها ، والفوز عليها لتحكم الحاضرات المترقبات ،، إنني كنت الفائزة عليها وللمرة الأولى في الحياة ، ولا أظن انه ستكون هناك ،، محاولات أخرى للفوز.
                            تعود إلى سحبي على الأرض ، متمنية أن ينطلق لي صوت يدل على الألم ونفاذ الصبر ، ولكني ما أن أرى تلك الرغبة واضحة ،،على ملامح وجهها الأبي ، حتى تنطلق ضحكتي مجلجلة ،،منتصرة على آلام جسدي الكثيرة ، وعلى جراحه الآخذة بالازدياد..
                            كانت تعاملني بحميمية لم أعهدها من غيرها من الناس ، أبوها المنعم الكريم يحضر لها من كل شيء اثنين اثنين ، ويطلب منها أن تكون رفيقة بي ،، أنا اليتيمة المحرومة من حنان الأم وعطف الأب ، والذي يتولى الإحسان ألي أشخاص كرماء...
                            تحاول أن تخفي عنها ،، شعورا بالقلق والهزيمة ، هي المخلوقة الرقيقة ، التي لم تعتد على العنف ، كان كلامها خافتا ،، يكاد لا يسمع من رقته ، والناس ما فتئوا يقارنون بيني وبينها ، وأنها أفضل مني في جميع الصفات ، وأنني محرومة ولكني لم أعد بذلك الحرمان ،، لأنني تمتعت بفضلهم ، وإكرامها هي ، تعرض علي المشتريات ،، التي جلبها أبوها المنعم ،، وتقترح أن أختار أنا أولا ، لم أجدها ناقمة علي ،، أو مظهرة لي شعورا بالتفضل ، تعاود محاولة سحبي على الأرض ، ينهكني الألم الجسدي المتضاعف ، ولكن شعوري المتزايد أنني ، يمكن أن أحقق الانتصار عليها هذه المرة ، يخفف عني الألم المستعر ، الذي أخذت أجزاء جسدي تئن منه..
                            تسيل الدماء من جروح جسدي ،، وحين تلمحها يبدو على ملامحها الرقيقة معالم الندم ،، حين ألمح ذلك الإحساس تنطلق ضحكتي عالية ، لوأد كل شعور بالألم داخل نفسي..
                            خمسة فتيات يلعبن، مع بعضهن البعض كل مرة ، فكرن هذه المرة بلعبة جديدة مغايرة ، تحمل إلى نفوسهن المتعبة الملولة بعض التوهج الجميل..
                            تسحبني على الأرض محاولة ،، أن تطرد ذلك الشعور الذي يمضها ،أنها تنتهك كرامة إنسان ، لم توجه لي يوما كلمة جارحة ،، أو تسبب خدشا بالكرامة ، عاملتني وكأنني أخت لها وقد حرمت هي من الأخوات..
                            تتزايد جراح جسدي ، أحاول أن اصرخ ملتمسة منها ،،أن تكف عن سحبي على الأرض ، ولكن خشيتي من الانهزام أمامها ككل مرة ، يمنحني قوة على الإصرار ، بأنها لن تر هذا اليوم هزيمتي ، وأنني يمكن أن أحقق عليها بعض الانتصار
                            كل مرة يقارنون بيننا ، تكون هي الأجمل والأقوى والأفضل ،،/ وأنا المسكينة اليتيمة ، التي توفي أبواها ، ووجدت لها أبوين بديلين وأختا حنونة..
                            خمسة فتيات يلعبن كل يوم ، فكرن أن يأتين بلعبة جديدة ، من تستطيع أن تتغلب على الأخرى، وتجعلها تنتحب تكون المنتصرة...
                            كانت الأقوى دائما والأكثر مروءة والأجمل ، وكل مرة يقارنون بيننا تكون الأحسن ، وأنا اليتيمة الفقيرة التي منحها الله أبوين محبين عطوفين..
                            تكبر الفرحة بنفسي ، وتنطلق الضحكة مجلجلة، أنني قد حققت الانتصار عليها ،المرة الوحيدة في الحياة
                            تحاول أن تعود إلى سحبي من جديد على الأرض ، ولكنها تتوقف ثم تقول
                            - لا أستطيع الاستمرار ، كوني أنت الفائزة


                            نص للزميلة القدير
                            صبيحة شبر
                            الرهان
                            جميل وفيه حبكة وقوة
                            صراع يدخلك صراع داخلي
                            ومضة النهاية جاءت جميلة

                            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                            تعليق

                            • عائده محمد نادر
                              عضو الملتقى
                              • 18-10-2008
                              • 12843

                              #15
                              امرأة في فراشي


                              أشعر بوجود امرأةٍ أخرى تتمدد على سريرنا الزوجي ،تفصل يده عن خصري، وتبعد رأسي عن صدره،أشم رائحتها في آهاته، أمد يدي لتغوص بعشب صدره فتردعني.
                              هي أمراه تجلس على مائدتنا فيحلق معها،وبدل استيقاظي على قهوته الصباحية التي اعتدتها منذ أول صباح ملكي لامس وجهه وجهي بنار أنفاسه الدافئة ،أراهما معامن خلف الستارة ،أرمقهما على شرفة من لهفة لطالما ضمتنا، أراه يشبك أصابعه حول خصر الفنجان، أرى أصابعها تعانق أصابعه .
                              من هي تلك التي نزعتني من يديه؟ أنا التي جفاني النوم منذ اللحظة التي سحب وسادة ذراعه من تحت رأسي، منذ أن فتح أغلال وأقفال قلبه التي كانت تحيط بي بلهفة.
                              تغرد فيرور من جواله فيخطفه بلهفة، وتتراكض قدماه بعيداً عن عيني ،تصغي أذنيّ إلى همساته التي تصلني منها حروف متقطعة، كاوية، تدمي قلبي.
                              يعود من عمله ،فتنسيه قبلته لي ولطفل ما زال ينبض في طبقات رحمي، بل ينظر إليه بشرود فتطعنني نظراته .
                              أتراه الندم؟لطالما كان تواقاً لبلبلٍ مني يصدح في جنتنا الصغيرة،لأرنب يعبث راكضاً في فسحة دارنا.
                              ماذا حدث أتراها أنأته حتى عن أبوّته التي ظل يرتقب تشكلها مطلع كل شهر،أبعدته حتى عن غرفة وليدنا القادم، وكأنه بات يرتعد لحظة مروره بتماسها،هي أمراه.. أجزم بذلك.. منذ هجر فراشي إلى غرفة أخرى بعد أن ضاق السرير على ثلاثتنا.
                              وهناك في تلك الغرفة أخذت تتبعثر عشرات السجائر وفناجين القهوة، والتي استبدلاها فيما بعد بنبيذ الشهوة،هي أمراه تضمه وتغدق في عطائها حتي يتقزم حبي له.
                              هل أواجهه؟ هل أخبره أن حِسي الأنثوي الذي لا يخطئ قد أستشعر بقرنيه ذلك الخطر؟!قليل من الصبر..الصبر الذي أنفجر ككرةٍ ناريةٍ حرقت جسدي حين أخبرني بسفره إلى دمشق،بكت أنوثتي المضطهدة آنذاك.
                              أياماً أخرى معها ألا يكفيها ما سلبتني إياه؟! فما غدا حبيبي ولا زوجي بل ضيفي الغامض،سيعود بعد ثلاثة أيام,هكذا إذا ؟
                              يوماً ما راهنت على وفائه لي ،وها أنا أخسر الرهان ،يقبلني قبلة سريعة، فأتلمس شفاها على لمى شفتيه ،سيكونان معاً، في البولمان ترمي بثقل رأسها على كتفه، ويحيط جسدها بيديه، يهمس لها بكلماته الشعرية المفعمة بالحب فيطير بها لتحط على غيمة تخترق عباب الفرح،سيصنع لها قالباً من فرح، قهوة من سعادة ،طعاماً من لهفة.
                              ستصاب بالتخمة التي أصابتني ذات لحظة ،حين كان يلقمني الطعام من شفتيه كفراخ العصافير ،تراه سيحملها كما حملني ذات يوم طفلةً بين ذراعيه ويصعد بها على أدراج قاسيون فيورق وجهها خجلا أمام أعين الناس المفتوحة وتدفن وجهها في رقبته السمراء العارية؟ سيتحرر كعادته من قيوده بحضرة الحب
                              ينام جوالي عن سماع صوته،أمسك السماعة كي أطمئن عليه وحين أراه يلف جسدها كما لو كان جسدي،أرمي السماعة من يدي،في المساء يقطع جوالي صمته الجنائزي برسالة منه، أرمق الجوال بمرارة
                              ماذا يريد؟سيقول أنه بخير.
                              يبعث برسالة كي لا أهجي الحروف المختبئة في حديثه المبطن.
                              حبيبتي لقد وصلت أنا بخير.
                              أتراه هو من كتب لي هذه الكلمات الجافة أتراها يده التي أغرقتني برسائلها الملتهبة تضن عليّ بكلمة تدثرني أنا وصغيري في بعدي عنه؟.
                              معه حق ففي حضرة الأنوثة لا وقت لي..
                              ثلاثة أيام تتحول كل ثانية من ثوانيها لسنين، ترمي الدقائق ثقلها فوق روحي،تضيق عليَ الساعات بطرقاتها.
                              أبحث عن إلهام صديقتي كي أبثَّ لها حزني ،فتصمت للحظة وتقول لي: أنا في دمشق .
                              دمشق ؟!وماذا تفعلين هناك ؟لم تخبريني بأنك ستسافرين؟
                              - نعم ..إنه عمل مهم ،نتحدث لاحقا.
                              تغلق السماعة ،يالي من غبية ،لو أني أخبرتها أنَ هشاماً في دمشق ؟كنتُ قطعتُ الشك باليقين .
                              في الواحدة ليلاً يدور المفتاح في قفل الباب وتدور المرارة في روحي،يُفتح الباب و يُفتح معه باب القهر، موسيقى خطواته الليلية تتحول لضربات ثقيلة في أذني،يدخل غرفتي فأنزلق تحت اللحاف وأخفي قلبي عنه، يضع حقيبته على الأرض فتضغط على أنفاسي،يسحب الدرج ليخرج ثيابه الداخلية، فيسحب درج دموعي وتنفجر معها ألف غصة،يدخل الحمام، وعندما أسمع صوت شلال الماء ينهمر ليغسل ما تبقى من رائحتها ،تنهمر شلالات من حمم بركانية لتذيب ماتبقى من حطام جسدي.
                              أتسلل من الفراش وأخطو ببطء على رؤوس أصابعي ،أبحث عن جواله علني أمسكه متلبساً بالخيانةفلا أجده.
                              منذ متىيدخل الجوال إلى الحمام؟
                              أفتح حقيبة سفره فأصطدم بيدها وهي تعد له الحقيبة،أبحث بين ثيابه عن رصاصة تَدخل قلبي ،عن مدية تخترق صدري.
                              في الجيوب الجانبية،في سحاب مخفي تصطدم عيني بظرف ما ..تتجمد يدي،أقف للحظة ونظري متسمر بتلك الأوراق ،يا له من سافل..إنها تحاليل.. يحضر تحاليل الزواج معه ؟
                              أسحب الأوراق من الظرف ، من هي؟ لا أعلم لماذا خطر ببالي إلهام،أتراها إلهام حقا؟كيف لم يخطر ببالي ؟كيف لم التفت لأحاديثهما الجانبية ؟
                              إلهام ..سأصرخ بملء حقدي ووجعي أنكِ أقذر فتاة عرفتها،دخلت معي المنزل يوم زفافي، كنتِ أما لي قبل أن تكوني صديقة.
                              إلهام أكاد لا أصدق؟من أجلك فقط سأمزق قاموس الصداقة من حياتي .
                              ترتجف الورقة في يدي أتراها حقا تحاليل زواجكما المبارك! أفتح الورقة التي خُطّت بأرقام حمراء.
                              صوت زوجي يوقظني من صدمتي، أستدير بوجهي الباكي لأنظر في وجهه فأرى لوناً من مرضٍ في وجهه وبسمةً من يأسٍ في شفاهه الباهتة.
                              تتثبت عيناي بتلك الكدمات الزرقاء فوق أوردته النابضة وتتشبث روحي بسفينة رحيله عن دنيا لوعتي به ..
                              أركض إليه فتخونني قدمي وأسقط مغمياً عليّ لحظة احتضان ذراعيه لي.



                              هذا نص للرائعة
                              وسام دبليز
                              امرأة في فراشي
                              نص جميل بشكل
                              لن تنسوه لو قرأتموه
                              أنا شخصيا أحببته جدا لأنه مكتوب بطريق مدهشة
                              الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                              تعليق

                              يعمل...
                              X