لص .. مع سبق الإصرار !

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    لص .. مع سبق الإصرار !

    لص مع سبق الإصرار !

    :" عندي امتحان ، و ليس من وقت أمامي ؛ لأستقل أخرى .. ممكن أقعد جانبك ؟".
    ما تصورت حين غادرت الميكروباص ؛ رحمة بهذا الشاب
    الذي توجه إليّ راجيا ،
    أن تقبض علىّ يد قوية ، و هي تصرخ :" حرامي .. أليس حراما عليك ؟ هات ما سرقت ".
    كانت المرة الأولى في عمري ، التي استخدمت فيها نفوذي و معارفي ، في إنهاء مهمة ما ؛ فحين اختنقت من الزحام ، و أنا أطالع الرقم الذي أعطيت ، محددا كم من وقت علىّ أن أنتظر دوري .. هنا أسرعت بالمغادرة ، قاصدا قصر الثقافة المواجه للبنك تماما .
    كان لا بد من إيداع المبلغ ، حتى يتمكن ابني الصغير ، من دفع إيجار شقته الشهري بالقاهرة ، و بالتالي لا تكون عودته متعسرة ، في أي وقت شاء .
    اقتحمت قصر الثقافة ، و أنا لا أعول على شيء ؛ فكثيرا ما يكون صديقي مدير القصر خارج المبني ، إما في خط سير رسمي ، أو في منزله لم يزل ، و خاصة و نحن مازلنا في ساعات النهار الأولى .
    كانت مفاجأة كبيرة أن وجدته في مكتبه ، و بشرى طيبة في كل الأحوال ، حتى و إن أحجمت عن مكاشفته بالسبب الحقيقي الذي أتي بي .

    لم يستهلك الأمر أكثر من ربع الساعة ، غادرت بعدها منتفشا ، ممتلئ الثقة ، في نفسي و أصدقائي و الوطن ، الذي أعشق بمناسبة أو بدونها ، و على أن أطير امتناني لتلك السيدة التي رافقتني إلي البنك ، و المدير الصديق ، ثم أتوجه عائدا إلي منزلي .
    كانت الميكروباص في حالة امتلاء ، فجلست على المقعد الخلفي للسائق ، ملاصقا للباب ، في انتظار راكبين لا أكثر .
    صعد جلباب وهو يطير حنقه و زهقه على الركاب ، و يسوط الجالسين أمامه بكلمات شديدة القسوة ، و بلا مناسبة ، سوى أنهما يضعان على فخذيهما مفروشات ، طغت على حقه قليلا في أن يكون براحته ، يتنفس ملء رئتيه و وركيه ، ثم عبرت سيدة بصعوبة ، و تحت نيران لسانه ، أوقعت النافذة الزجاجية ، و دار لغط و بعض وجع ، حتى أعاد السائق النافذة إلي موضعها .. في تلك اللحظة صعد الشاب مديد القامة ، بوجه مخطوف ، و طالبني بسعة ما ، حتى يتمكن من إدراك امتحانه ، فما كان مني ، و زهقا من تلك الحال ، أن غادرت السيارة ، دون تفكير في ظنون الناس ، و نظراتهم الداعرة !

    لا أخفي سرا ، أني فكرت بتسديد لكمات لوجهه الشره ، لكن نظرة واحدة إلي رواد مقهى المحطة ، كانت كفيلة بلجمي تماما ، إلي حد الاختناق ، و ربما كان خوف من أن ألصق بنفسي تهمة أدري أني بريء منها ؛ حتى و إن عثروا على الضائع في جيوبي .
    هطل العرق غزيرا ، تاهت أنفاسي ، و أنا أتخلص من الجاكت ، ناثرا كل ما معي من مال و أوراق أمام اللمة .. كل هذا يتم ، و بلا أي أثر على وجوه المتحلقين ، كأنني أتعرض لكمين من نوع غامض ، حتى أبصرت وجها مألوفا بين جموعهم ، يزيحهم بعيدا ، و يقف بين ما بقى مني و بين الرجل : أنت عارف .. أنت واقف قدام من يارجل ؟ ".
    عادت أنفاسي للانتظام ، والوجوه إلي الألفة ، و الاعتذار عن كل ما فعلت في هياجي ، أقعدوني على كرسي ، و أتوا بكوبي ماء و شاي ، بينما الرجل ما يزال على يقينه الغريب و العجيب ، يتزحزح إلي الخلف خوفا من التفافهم حولي .

    سوف يظن الطيب ، أنهم رفاق طريق .. هكذا فكرت ، فطاردته قائلا : ليس أنا يا طيب ، ابحث عن مالك إن كان فعلا مسروقا " .
    لكنه على ما أعتقد ، و ما رأيت غير مقتنع ، و يبدو أنه سرق في مكان آخر ، و أني كنت فريسة لفريسة .
    ساعدني الجميع في ركوب سيارة أخرى ، بل و طاردني أحدهم بكوب الشاي الذي خلفته .
    تحركت السيارة ، ودمي هناك في المكان ، يبكي المشهد الغريب ، و هو يسائل مارة غير مرئيين : إلي هذا الحد تبدو على وجهي أمارات اللصوصية ؟" .
    حين ترجلت في محطتي ، كان مجرد إحساس أنه يتبعني لم يزل ، و بنظرة غصبت عليها عيني ، كان بالفعل خلفي .
    توقفت لأنهي الأمر ، و ليس بداخلي ذرة شر ، أو نزوع إلي تجديد ما سبق ، فعرفت أنه محض محتال ، يبحث عن ضحية ، حين أخبرني أنه يسكن في الطرف الجنوبي للبلدة ، و الطريق الذي ركبها لم تكن لتصل به هناك .
    مع ذلك لم يتراجع ، بل أنه بكى في مسكنة و ذلة ، مما حيرني أكثر ، و الطريق قصيرة ، و مجرد مكالمة بسيطة قد يكون فيها أحد الأولاد ضحية هذا المعتوه الطيب .
    لم أجد بدا من إنهاء الأمر ؛ فإصراره على مرافقتي إلي بيتي ، لن يمر بسلام ، لا عليه و لا على من سيتعرض له ، من الجيران أو الأولاد .. و عليه توقفت أمام حانوت جزار ، و كأنني أستنجد بمن فيه : " أتعرفونني ؟ ".
    : " نعم أستاذ .. عزَّ المعرفة ".
    : " هذا المعتوه الطيب يتهمني بسرقته ... ما رأيكم ؟ ".
    و لم أتوقف .
    عند منعطف الطريق حانت مني التفاتة ، أو أرغمت نفسي عليها ؛ فلم أره ، و لا رأيت نفسي إلا كائنا غريبا عني تماما ، يعارك حصى الطريق ، وعلى استعداد لالتهام أول كائن يقف أمام وجهه ، ثم فجأة أسقط في نوبة من ضحك هستيري ، عدت بها حيث تركته هناك على عتبة القصاب .
    أخافني أني لم أجده ، فبادرت صاحب الحانوت :" أين الرجل الذي تركته هنا ؟ ".
    بعدم اكتراث وهو يكسر بساطوره عظاما :" أي رجل يا أستاذ ؟ ".
    : " الرجل الطيب الذي كان معي حين مررت بك ؟ ".
    : " أنا لم أرك اليوم إلا الآن .. تعال أستاذ ربما هناك خطأ ".
    : " يا معلم .. تركت هنا رجلا ، و قلت لك اتهمني بسرقة ، وتركته لكم ".
    : " ربما لم تتركه هنا .. تذكر جيدا ؛ فالبلد تزدحم بالجزارين ، اهدأ و تذكر ".
    غامت الرؤية في عيني . فشلت في مزيد من الثبات ، تراجعت خطوات ، و أنا تائه تماما : أي عبث فعلت بنفسي .
    و أغلقت فمي ، أغلقت حتى ذاكرتي ، خوفا من ضياع هيبتي : أنا آسف .. ربما أنت صادق ".
    لكنني حين كنت أنقل وجهتي للعودة ، لمحت شبحا هناك في البعيد ، يكمن كقط بري ، و يحاصرني بنظرات مكر ثاقبة ، فالتويت ناكرا ما رأيت ، و لا أدري كيف حملتني قدماي إلي مسكني !
    sigpic
  • علي الاسدي
    أديب وكاتب
    • 02-01-2014
    • 33

    #2
    جميل جدا سلمت الانامل

    تعليق

    • ريما ريماوي
      عضو الملتقى
      • 07-05-2011
      • 8501

      #3
      اعتقدها قصة حقيقية حدثت...
      وكيف انتهى هذا المحتال هل سكت؟
      تسلم .. تحيتي وتقديري.


      أنين ناي
      يبث الحنين لأصله
      غصن مورّق صغير.

      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        آه ياربيعي
        لا تقل جنت عائده
        نص جميل وتخيلتك أنت
        لم أسقط النص عليك مطلقا لكني تخيلت ملامحك
        تخيلت الموقف
        وجنونك وأنت تخبر صاحب القصابة عن هذا النصاب المعتوه
        طار كوب الشاي وراءك وضحكت لأني أحسست بطعم الشاي المر
        تخيلتك تجلس على الكرسي وتتلفت حولك تبحث عن معين ينتشلك هاهاها
        ياربي جن جنوني
        منذ أول أمس وأنا مجنونة ربيع
        كنت أكتب نصا والأخبار تقتلني فكتبت آخر
        نص لا يشبهني أبدا أردته هروبا من وجعي
        وجاءني هذا الجميل ليكمل ( الحسبة ) هاهاها
        ياربي
        سعيدة بك ربيع لأنك بسمتي دائما
        هل تكفي الغاردينيا لك
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • ربيع عقب الباب
          مستشار أدبي
          طائر النورس
          • 29-07-2008
          • 25792

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة علي الاسدي مشاهدة المشاركة
          جميل جدا سلمت الانامل
          أسعدني مرورك أخي و أستاذي على
          شكرا لك كثيرا

          محبتي
          sigpic

          تعليق

          • إيمان الدرع
            نائب ملتقى القصة
            • 09-02-2010
            • 3576

            #6
            مازلت أتعلّم منك أستاذ ربيع
            كيف تتحاور الأوجاع !!
            كيف تنفصم الملامح وتتشظى ..وتتداخل...وتلتف حول ذاتها لاغترابها
            أقرأ في حروفك أنات المقهورين، البسطاء
            ودروب المخاتلين...المستغلين الكامنين لهم
            عن مسكين، قليل الحيلة ... يعتصره الفقر...وتأمين لقمة العيش
            وعن قسوة القلب المتحجر...المائت النبض...الفاقد للقيم ...
            نصّ قويّ يدعو للتأمل...
            سلمتْ يداك أديبنا الكبير
            احترامي، وتقديري لك.

            تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

            تعليق

            • ربيع عقب الباب
              مستشار أدبي
              طائر النورس
              • 29-07-2008
              • 25792

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
              اعتقدها قصة حقيقية حدثت...
              وكيف انتهى هذا المحتال هل سكت؟
              تسلم .. تحيتي وتقديري.
              دوما تشدك الحياة أستاذة ريما
              رأيتك هنا أمام بيتك و معك بعض النسوة
              و الحكايات تدور في رحى النهار
              و ربما على عجنة الظلام .. و البيوتات مواقد القص
              حتى لو لم نرد !

              شكرا لمرورك الطيب

              تقديري و احترامي
              sigpic

              تعليق

              • ربيع عقب الباب
                مستشار أدبي
                طائر النورس
                • 29-07-2008
                • 25792

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
                آه ياربيعي
                لا تقل جنت عائده
                نص جميل وتخيلتك أنت
                لم أسقط النص عليك مطلقا لكني تخيلت ملامحك
                تخيلت الموقف
                وجنونك وأنت تخبر صاحب القصابة عن هذا النصاب المعتوه
                طار كوب الشاي وراءك وضحكت لأني أحسست بطعم الشاي المر
                تخيلتك تجلس على الكرسي وتتلفت حولك تبحث عن معين ينتشلك هاهاها
                ياربي جن جنوني
                منذ أول أمس وأنا مجنونة ربيع
                كنت أكتب نصا والأخبار تقتلني فكتبت آخر
                نص لا يشبهني أبدا أردته هروبا من وجعي
                وجاءني هذا الجميل ليكمل ( الحسبة ) هاهاها
                ياربي
                سعيدة بك ربيع لأنك بسمتي دائما
                هل تكفي الغاردينيا لك
                شكرا كثيرا أستاذة عائدة
                سرني مرورك على هذه الحالة
                و على ثنائك على ما كتبت
                لك كل الود و الاحترام
                كوني بألف خير
                sigpic

                تعليق

                • احمد علي عولقي
                  أديب وكاتب
                  • 04-05-2011
                  • 45

                  #9

                  الحياة في حاضرنا كميدان الحرب لا احد يهتم بمن يسقط وإنما لمن يستمر في الصمود 0

                  الأحلام أحيانا تعبير ما في دواخل النفس 0
                  نص جميل يستحق الغوص في خباياه للكشف عن اغواره
                  تحياتي
                  .

                  التعديل الأخير تم بواسطة احمد علي عولقي; الساعة 11-01-2014, 16:18.

                  تعليق

                  • ربيع عقب الباب
                    مستشار أدبي
                    طائر النورس
                    • 29-07-2008
                    • 25792

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
                    مازلت أتعلّم منك أستاذ ربيع
                    كيف تتحاور الأوجاع !!
                    كيف تنفصم الملامح وتتشظى ..وتتداخل...وتلتف حول ذاتها لاغترابها
                    أقرأ في حروفك أنات المقهورين، البسطاء
                    ودروب المخاتلين...المستغلين الكامنين لهم
                    عن مسكين، قليل الحيلة ... يعتصره الفقر...وتأمين لقمة العيش
                    وعن قسوة القلب المتحجر...المائت النبض...الفاقد للقيم ...
                    نصّ قويّ يدعو للتأمل...
                    سلمتْ يداك أديبنا الكبير
                    احترامي، وتقديري لك.
                    صباح الخير و السعادة أستاذة إيمان
                    مرورك كريم لحروفي التي ما كانت إلا لقاريء طيب
                    يرى فيها ما أردت له أن يصله
                    فماذا لو كان هذا القارئ إيمان الدرع الكاتبة و الاستاذة الكبيرة ؟

                    شكرا بملء كل هذا الحزن الذي يركب ظهور البلاد عامدا متعمدا

                    تحياتي و احترامي
                    sigpic

                    تعليق

                    • ربيع عقب الباب
                      مستشار أدبي
                      طائر النورس
                      • 29-07-2008
                      • 25792

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة وجدان الشاذلي
                      أستاذي ..
                      نص بديع .. بديعة هي التفاصيل
                      إنعطاف السرد ، المونولوج بديع كذلك ، والفكرة
                      هذا مايسمى بالإحترافية في السرد ..
                      شكرا أستاذي فهذا النص يكفي كدرس لليوم .. شكرا
                      شكرا لمرورك أيها الشاعر القاص
                      سرني ما نثرت هنا من ذوق و حس راق

                      محبتي
                      sigpic

                      تعليق

                      • محمد الشرادي
                        أديب وكاتب
                        • 24-04-2013
                        • 651

                        #12
                        ما اروع ان نقرأ لك أخي عقب الباب. قصصك ملهمة.
                        راقني النص كثيرا
                        تحياتي

                        تعليق

                        • ربيع عقب الباب
                          مستشار أدبي
                          طائر النورس
                          • 29-07-2008
                          • 25792

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة احمد علي عولقي مشاهدة المشاركة

                          الحياة في حاضرنا كميدان الحرب لا احد يهتم بمن يسقط وإنما لمن يستمر في الصمود 0

                          الأحلام أحيانا تعبير ما في دواخل النفس 0
                          نص جميل يستحق الغوص في خباياه للكشف عن اغواره
                          تحياتي
                          .

                          أستاذي أحمد
                          مرورك أسعدني كثيرا
                          لما حمل من رؤية ووجهة نظر خاصة تقترب و تبتعد من الحالة

                          خالص محبتي
                          sigpic

                          تعليق

                          • جلال داود
                            نائب ملتقى فنون النثر
                            • 06-02-2011
                            • 3893

                            #14
                            الأستاذ النحرير ربيع
                            تحايا وتقدير
                            إستمتعت حقا بهذه السياحة

                            دمتم

                            تعليق

                            • اماني مهدية الرغاي
                              عضو الملتقى
                              • 15-10-2012
                              • 610

                              #15
                              ياه يا اخي ربيع كل هذا الشر كامن في تلافيف النفس
                              البشرية كيف يستمرأ شخص ما شيئا ليس له وضميره
                              مستريح...لن اقول خير مما قاله اخواني التصفيحين
                              النص مبأر التشكيل بديع السرد
                              استمتعت حقا...فشكرا
                              مودتي والتقدير
                              اماني

                              تعليق

                              يعمل...
                              X