قصة قصيرة
الحجة والمفتاح
بعد ليلة هوجاء عاصفة بالانفجاريات ملبدة بالغيوم وهدير أمطار
الرصاص ، لم يغمض له جفن مع زوجته عبثا يحاولان تهدئة روع
أطفالهما ، مع أول تهتك لستائر ظلام ليل مليء بالبرق والرعود ،
لملم أجزاء جسده المبعثر ومفاصله المرتعشة تسلل من بيته في غفوة
من زوجته وأولاده مستغلا لحظات هدوء نسبي ومزيف ليتفقد متجره
الكائن في سوق مخيم اليرموك للاجئين في دمشق ، وقف أمام المحل
مذهولا وبعيون زائغة نظر للأقمشة وقد تحولت رمادا يتخلله شذرات
النيران والدخان ، غاص بجسده المتهالك في أكوام الرماد يفتش عما
سلم من جحيم اللهيب اغرورقت عيناه بالدموع وهو يحاول كتم أنفاسه
لتجنب رائحة الرماد وقطران الأقمشة غير عابئ بلسعات النيران وحطام
الجدران والأبواب وانقبض قلبه لصورة والده المحترقة ، غزت شفتاه
ابتسامة شاحبة عندما وجد صورة جده سليمة رغم سريان النيران في ظهر
بروازها الخشبي واتسعت ابتسامته لاكتشافه لفافة قماش سليمة ملصقة في
ظهر برواز الصورة التقطها بغبطة قبل التهامها وخفق قلبه بعنف للورقة
الصفراء القديمة والمفتاح النحاسي يشوه صفاره بعض الصدأ ، توهجت
ذاكرته بكلمات والده وهو يتحدث عن الحجة والمفتاح ووعده له عندما
تكبر ويصلب عودك سأدلك على مكانهما ولكن المنية أدركته قبل إرشاده
وكان مازال صغيرا .
استمر نبش ذاكرته بعد وفاة والده كيف شمرت والدته عن ذراعيها وباشرت
عملها في المتجر وقفة رجال لتحوله إلى غرفة معيشة نهارا فلا تتركه إلا
للنوم ليلا في بيت المخيم وفي الصباح يذهب إلى المدرسة ثم يعود إلى المتجر
حتى انهي المرحلة الثانوية حيث لحقت والدته بوالده فقام بتوزيع وقته بين المحل
والدراسة الجامعية ثم تزوج ابنة عمه وأنجب ثلاثة أطفال ، عادت الدموع
تسح من مقلتيه وهو يتذكر آخر كلمات والدته ، سامحني يا ولدي لقد أشقيتك
معي وأتمنى أن أرى أولادك قبل منيتي ، في هذه اللحظة سألها عن
عن الحجة والمفتاح اللذان لم يفتأ والده يتحدث عنهما فقالت بحسرة ،
مفتاح بيتنا في القرية وحجة ملكيته ثم أردفت مع حشرجة آخر نفس
فتش عنهما في المحل بين أوراق والدك .
جمع شظايا جسده المبعثر بين الهم والحسرة وعاد إلى بيته متأبطا
بقايا الصورة محاولا تفادي زخات إمطار الرصاص المتساقطة والمتناثرة
بأعجوبة وصل بيته ليحتضن زوجته وأولاده المرتعشين رعبا ، همهمت
زوجته بضرورة الرحيل إلى مكان أكثر أمنا .
صرخ بأعلى صوته لن تقبل بنا دولة مجاورة فنحن فلسطينيين ثم لن أغادر
المخيم إلا إلى بيتا في فلسطين ، وضم الحجة والمفتاح إلى صدره
محمود عوده
•
الحجة والمفتاح
بعد ليلة هوجاء عاصفة بالانفجاريات ملبدة بالغيوم وهدير أمطار
الرصاص ، لم يغمض له جفن مع زوجته عبثا يحاولان تهدئة روع
أطفالهما ، مع أول تهتك لستائر ظلام ليل مليء بالبرق والرعود ،
لملم أجزاء جسده المبعثر ومفاصله المرتعشة تسلل من بيته في غفوة
من زوجته وأولاده مستغلا لحظات هدوء نسبي ومزيف ليتفقد متجره
الكائن في سوق مخيم اليرموك للاجئين في دمشق ، وقف أمام المحل
مذهولا وبعيون زائغة نظر للأقمشة وقد تحولت رمادا يتخلله شذرات
النيران والدخان ، غاص بجسده المتهالك في أكوام الرماد يفتش عما
سلم من جحيم اللهيب اغرورقت عيناه بالدموع وهو يحاول كتم أنفاسه
لتجنب رائحة الرماد وقطران الأقمشة غير عابئ بلسعات النيران وحطام
الجدران والأبواب وانقبض قلبه لصورة والده المحترقة ، غزت شفتاه
ابتسامة شاحبة عندما وجد صورة جده سليمة رغم سريان النيران في ظهر
بروازها الخشبي واتسعت ابتسامته لاكتشافه لفافة قماش سليمة ملصقة في
ظهر برواز الصورة التقطها بغبطة قبل التهامها وخفق قلبه بعنف للورقة
الصفراء القديمة والمفتاح النحاسي يشوه صفاره بعض الصدأ ، توهجت
ذاكرته بكلمات والده وهو يتحدث عن الحجة والمفتاح ووعده له عندما
تكبر ويصلب عودك سأدلك على مكانهما ولكن المنية أدركته قبل إرشاده
وكان مازال صغيرا .
استمر نبش ذاكرته بعد وفاة والده كيف شمرت والدته عن ذراعيها وباشرت
عملها في المتجر وقفة رجال لتحوله إلى غرفة معيشة نهارا فلا تتركه إلا
للنوم ليلا في بيت المخيم وفي الصباح يذهب إلى المدرسة ثم يعود إلى المتجر
حتى انهي المرحلة الثانوية حيث لحقت والدته بوالده فقام بتوزيع وقته بين المحل
والدراسة الجامعية ثم تزوج ابنة عمه وأنجب ثلاثة أطفال ، عادت الدموع
تسح من مقلتيه وهو يتذكر آخر كلمات والدته ، سامحني يا ولدي لقد أشقيتك
معي وأتمنى أن أرى أولادك قبل منيتي ، في هذه اللحظة سألها عن
عن الحجة والمفتاح اللذان لم يفتأ والده يتحدث عنهما فقالت بحسرة ،
مفتاح بيتنا في القرية وحجة ملكيته ثم أردفت مع حشرجة آخر نفس
فتش عنهما في المحل بين أوراق والدك .
جمع شظايا جسده المبعثر بين الهم والحسرة وعاد إلى بيته متأبطا
بقايا الصورة محاولا تفادي زخات إمطار الرصاص المتساقطة والمتناثرة
بأعجوبة وصل بيته ليحتضن زوجته وأولاده المرتعشين رعبا ، همهمت
زوجته بضرورة الرحيل إلى مكان أكثر أمنا .
صرخ بأعلى صوته لن تقبل بنا دولة مجاورة فنحن فلسطينيين ثم لن أغادر
المخيم إلا إلى بيتا في فلسطين ، وضم الحجة والمفتاح إلى صدره
محمود عوده
•
تعليق