وأدوا القدود الحلبيّة
طرقات خفيفة على الباب، وقف قبالتها بأدب جم : لقد نفدت مياه الزير من الورشة، نريد شربة ماء بارد يا خالة، اليوم حار!! ناولته زجاجة ماء تراجع بأدب جمّ، في اليوم التالي طرقات على الباب: اعتذر للازعاج ،أيمكنني أن أتوضأ، نفد الماء، ابتسمت مرحّبة "في أقصى الحديقة يوجد دورة مياه" بسطت له سجادة صلاة باتجاه القبلة :"لن أضايقك، استطيع الصلاة على تراب العمارة!! : وتحرمني الأجر؟؟
نظر إليها باحترام، أقام الصلاة، أذهلها في تكبيراته وخشوعه كأنّه في ملكوت آخر، مناجاته لربّ العالمين تغسله بدمع الخشوع، أبكاها خشوعه، رجته: بني،سانتظرك يوميا لصلاتي الظهر والعصر، نشأت بينهما ألفة، يسألها عن أولادها، فتشير إلى صورهم التي تملأ الجدران:استشهد الأوسط وهجّرتهم الحرب الأهليّة اللبنانيّة، وأصبحوا ذكرى، لمَ نخوض غمار حروب لا جدوى منها؟" تعدّ له كوب شاي مع ساندويتش أو قطعة بسكويت، وتستأنس بشدو القدود الحلبية ومواويله التي يغنيها للوطن وللأهل والحبيبة، أخبرها أنّه ترك حلب هربا من الحرب التي لم يقتنع بجدواها وخبّأ شهادته الجامعية حتى تعود الحياة لوطنه الذي يئن من جراح الفتن.
ودّعها يوما: رغم قسوة الحرب أحبّ قضاء شهر رمضان الفضيل بين أهلي، لكنّي سأعود بعد العيد، إلى اللقاء يا أمي" دمعت عيناها وانتظرته، ومرت الشهور ولم يعد، وفي يوم سمعت صوتا يترنم بالقدود الحلبية استدعته وسألته عن أيمن الحلبي ردّ بشجن: أعرفه إنّه هناك وله حكاية: كعادته يسرع إلى الجامع قبل الأذان، حان الوقت وانتظر النداء لكنّه لم يسمعه، دخل غرفة المؤذن وجده مضرجا بدمائه، وأدرك بتقواه أن لا شيء يعيق صوت الحق فاعتلى المئذنة وأذّن للصلاة، سمعته جماعة تكفيريّة، اعتقلوه وكفّروه بتهمة "التغنّي بالآذان وعذبوه حتى يعترف أن ما فعله كفرا، ولم يحتمل سطوة التعذيب واعترف بما أرادوه للخلاص من تعذيبهم ولأنّه لا يريد أن يحرق قلب أمّه وحبيبته وعائلته التي عرفت بالتقوى والصلاح، لكنّهم قتلوه بعد اعترافه أنّ التغني بالأذان كفر بناء على طلبهم".
علّقت صورته على غربة جدرانها، وردّت بصوت حزين لا تطرقوا بابي لن أعد احتمل وأد القدود الحلبية، سأرسل لكم الماء يوميّا صدقة عن روح أيمن، وجدراني لم تعد تتسع لصور المعذبين في الأرض ولضحايا الحروب والفتن التي زلزلت كياننا.
تعليق