عجّلْ عجّلْ يا برهـُوم
هو قفصي المطبق.. وقلبك المشروخ، وهمك بمصيري حتى آخر لحظة.. هو دعاؤك بالتسهيل، ولا أدري.. أكان من أجلي أم لأجل برهوم، أم تيسيرا لروحك الخفيفة التي لم ألحظها وهى تنسل عبر الجسد المرمري الممدد كترنيمة ملائكية.. بل كذبتُني وأنكرتُ رغم قناعتي بأنه الحضن الأخير، والقبلة الأخيرة.. وثقتي بأن كنت على الدوام الحصان الرامح والسارح في ملكوت الله دون ضجر..
اهتمتك همومي وتخوفت، واكترثت بالبسيط منها قبل المفجع.. أتعبتك غربتي.. أعرف.. ألعنها مليون لعنة.. وأتمناها في كل صلاة...! أبعدتني عنك طويلا ، وكانت الإرهاصات الأولى لموتك الأخير.. ونداؤك عبر الهاتف يأتيني بعيداً.. بعيداً.. ودعاؤك القريب مني جداً كوسادة.. أستشعره في أحلك الظروف.. وأسودها..
معا مغتربان.. أنهض وعبر النافذة أصوب ناظري تجاه الشارع العريض الذي يعج بالأفارقة والزنوج.. وبالهنود السمر.. أبحث بينهم عن قسمات وجهك.. أو تجاعيد مثل تجاعيدك.. أو لحى تشبه لحيتك الثلجية.. بينما القانون الذي ارتضيته واخترته بإرادتي يحرم ويجرم تطويل اللحى للمغتربين.. ولا سبيل لدي غير الوسادة.. دعاؤك المتخم بالابتهال، والمثخن بالفقد.. أرسمك.. أتهيأ بهيئتك وأضع رأسي بين جوانحك.. أجهش في صدرك الواسع العريض كدنيا جديدة خلقها الله لتوها فجأة.. رغم نحافتك إثر المرض..
أضغط بفكي لأكتم البكاء.. ودون إرادة أشعر لسعة خطين ساخنين مرا بخدي؛ إذ بدمعك المنفلت يرسم أنهارا تعوضني برودة الأيام هاهنا.. أمرغ وجهي في جلبابك، وأشتم من خلاله رائحة البلاد الطيبة.. أتلمسك.. أمرر يدي في كل مكان.. يؤلمك مكان الجراحة القديمة التي حضرتها معك تحت إصرار متعمد.. استغربته الممرضات وتحفظ عليه الطبيب المختص.. نصحني بالخروج قبل البدء في إجراء العملية.. لكن وعدته بأن أظل متماسكا وأن أكون صخرا أصم حتى النهاية، وبدأت أردد بعض من آيات الذكر الحكيم، والأدعية والأذكار التي كنت أسمعك ترددها حينما تمرض أمي.. نصفك الآخر.. التي ما إن وقعت ذات يوم فريسة للمرض ولزمت الفراش حتى أسمعك وأنت جالسٌ إلى جوارها تردد، وتسمعنا جميعا قولك الباكي "إن ماتت أمكم ستأكلنا الكلاب".. أمي.. همك الأول والأخير، وبمجرد أن مر المشرط المعقم على جسدك مخلفاً وراءه جداول وخطوط بيضاء ثم حمراء، سرعان ما استحالت إلى شقوق دامية.. إلا وشعرت بغثيان ودوار ضرب جزيئاتي..
لمحني الطبيب وأشار إلى إحداهن بإخراجي، وفي نظراته خليطٌ بين العتاب واللوم، ومزيجٌ من الاعتذار والأسف.. رددته في سري.. ولم يكن موجها له.. بل إليك؛ فلم أستطع التحمل معك.. وأنا الصحيح المعافى.. دون مشرط.. دون جداول أو خطوط..
أخرجوني.. بل خرجت.. !
أفرغت تمزقي وأحشائي بكثير من الآاااااه، وسماوات من العويل..
أخرجوني.. بل خرجت.. !
وجاءت سريعة.. بل أسرع مما تخيلت.. تأشيرة غربتي.. تذكرة موتك.. حجزتها بيدي لأقتلني.. وأقتلك.. وصدى دمعك يتردد في بئري كحجر ألقوه في غيابات جب سحيق.. نداءات تتكاثر وتتناسل عبر الآماد.. ويتدحرج توالدها في الآفاق البعيدة:
"يوسف.. يوسف.. ارجع يا يوسف.. لعن الله الغربة وطالبيها.. عشنا غلابة وسنموت بلا درهمٍ.. أن نموت فقراء خير من أن نموت غرباء.. عد يا بن ظهري.. عد يا يوووووسف"..
نداؤك المجنح يتسابق مع الأفق، ورفيق الغربة الذي لم أكن أعرفه من قبل ينتظرني بكلمة إشفاق أرميها على مسمعه؛ أو أهون عليه سرعة النبضات في أول اصطدام له بالغربة.. لمحته ينظر من نافذة الطائرة المستديرة.. وقوافل من السنين المنهكة ارتسمت على وجهه، حاولت أن أشتت ذهنه قليلا.. بعيدا عمن خلفهم عند سلم الطائرة، وتركهم لحين أن يأذن الله له بالرحوع : "هوّن عليك".. قلتها وكأنه لم يسمعني.. عدت وكررتها.. نظر إليّ وبين شفتيه ابتسامة حزن سرعان ما استحالت لبكاء هزني.. أعادني بها لهيئته وهو جالس القرفصاء على مصطبة الدار يئن وينتحب.. وثلة من أصدقائي من حوله يواسونه، ويربتون على كتفه الذي أكل منه الثلج وشرب، نظرته من خلال الزجاج الخلفي للسيارة التي أقلتني إلى المطار، وإحساس جارف بالموت يتعارك مع دقات قلبي المقرح..
قبل أن يمر العام الأول كنت قد رأيتك آلاف المرات في نعاسي، وصحوي، أنهض من فراشي وأحكي لصديقي الحانق طول الوقت على قراره؛ يواسيني مرة ويسكت مرات.. وما مني سوي الصبر على نفسي، والتكيف برغمي على بلاد الثلج والنار، لكن دون ترتيب.. أنظر إلى أحلامي المشتتة، أسلسلها تباعا، وحرصي على العودة كما ينبغي يفرض نفسه بلا أدنى حيطة، أقبض راتبي.. أرسله لك.. وبالكاد أبقي على مصرفي الشهري من الطعام والسجائر، وكروت شحن أحرص عليها لمحادثتك، وحبيبتي الحمورابية، ألف الأسواق وبين الملبوسات و (التلفيعات) أختار لك واحدة، ولها أبحث عن حلم بين الرفوف، تأتيني ضحكتها عبر الجوال كسماء تكشفت وصفت في نهار شتائي معتم؛ توصيني بالحرص على كل مليم وكل درهم.. ينتفخ حلمي، وأعدها بالرجوع ويدها بيدي.. وبيننا "برهوم"؛ الذي لطالما حلمت به معكِ.. وحلمنا به سويا.. وسريعا تتكشف السماء أكثر وأكثر، وتمطرني بوابل من الهقهقات السمرائية، الممتلئة بماء دجلة، وسواد النيل والفرات.
تذكر يوم أن أشبكت خنصرك بخنصري.. كنت في عمر "برهوم" المنتظر.. خاصمتني... لالالا.. ادعيت الخصام.. وسألتني وطلبت مني أن أردد وراءك بلهجة عتاب وتأنيب:
"أمك طابخة إيه؟.. فأرد : حمامة..
فتعيد: متكلمنيش غير يوم القيامة".
وتضغط على إصبعينا بحركة دورانية.. ثم تفكهما.. وذلك وسط تهليل شقيقاتي الصغريات، وضحك أمي.. إلا أن خنصرك الغليظ - وقتها - مازلت أستشعر قوته وأحس بضغطته حتى اللحظة.. أذكره وتلكزني ذاكرتي بمشهد وداعك وصدرك النحيف، أبكي ويشتد نحيبي.. ألهث وراء ذكراك.. هل نسترجع بعضها؟
معك كنت على حافة البحيرة.. تسابقني بالصنارة.. كنت في عمر "برهوم" المنتظر.. وبفطرتي وعفوية الأطفال اعتقدت أنني الأحرف والأشطر عندما لمحت السمك يتردد على صنارتي.. لكن بفطرتك ونزعتك الأبوية كنت تضع صنارتك بالماء خالية من "الطُعم" كي لا تخذلني وتكسر خاطري.. ومن حلاوة روحك، كنت تبتسم وتضحك ساخراً من حظك مع الأسماك.. وما أن تخرج لي واحدة حتى أرى أساريرك منفرجة ومبتهلة بـ "جدع يا يوسف.. شاطر شاطر"..
وحينما أخبرتك بأن عاودت المغصة اللعينة تضرب مصراني، وتضيق على معدتي راحتها، فإذ بك تطيح بالصنارتين وتتحسس جبيني وبطني.. تحملني سريعا إلى غرفة الثلج.. تصر المجروش منه في قميصك الذي خلعته سريعاً ووقفت عرضة للريح وبخار الثلج البارد.. عاري الجسد.. رأيتك مرصوص العضلات.. تقاسيم صدرك المفتولة تمنيتها في ذات اليوم.. وتذكرتها يوم لسعني دمعك، قبل مغادرتي للمطار.. وأنا في حضنك أتحسس نحافتك وجرحك القديم..
أرجوك.. سامحني في القادمة.. سأذكرها دون حياء.. ليس لك.. ولا لي.. سأذكرها لـ "برهوم" المنتظر.. ولك أن تصدقني، أو يصدقني هو إن أراد له الله المجيئ.. انخفضت الحرارة وقاربت المغصة على الإنتهاء.. حملتني إلى المرحاض المبني من بقايا القوراب القديمة، ودمعك مازل بريقه يشق ليل غرفتي وغربتي إلى الآن.. وضعتني.. وانتظرت حتى أنتهي، ولم تأمن غير يدك لتتأكد من نظافتي.. أنت فقط.. هي عادتك ولم تبدلها إلا حينما كبرتُ وشب عودي.. كنت تنظفني بماء البحيرة، دون قرف أو نفور.. أتعلم.. مازلت إلى الآن استشعر لمساتك بين أفخاذي.. بل وكلما أحسستها تمنيت لو يعود عمري إلى ربعه..
ها أنا الآن.. أتركها لك يا برهوم.. لا تستحي منها.. ولا تخجل.. فأرجوك عجّل بالوصول.. عجل يا ولدي.. فقد اشتقت جدك.. واشتقت لأن أراه في حناني معك.. وأراني في فطرتك وعفويتك.. عجّل عجّل يا برهوم.. فمازال "الطُعم" في صنارتي ينتظرك.. وصنارته الفارغة في انتظاري..
اهتمتك همومي وتخوفت، واكترثت بالبسيط منها قبل المفجع.. أتعبتك غربتي.. أعرف.. ألعنها مليون لعنة.. وأتمناها في كل صلاة...! أبعدتني عنك طويلا ، وكانت الإرهاصات الأولى لموتك الأخير.. ونداؤك عبر الهاتف يأتيني بعيداً.. بعيداً.. ودعاؤك القريب مني جداً كوسادة.. أستشعره في أحلك الظروف.. وأسودها..
معا مغتربان.. أنهض وعبر النافذة أصوب ناظري تجاه الشارع العريض الذي يعج بالأفارقة والزنوج.. وبالهنود السمر.. أبحث بينهم عن قسمات وجهك.. أو تجاعيد مثل تجاعيدك.. أو لحى تشبه لحيتك الثلجية.. بينما القانون الذي ارتضيته واخترته بإرادتي يحرم ويجرم تطويل اللحى للمغتربين.. ولا سبيل لدي غير الوسادة.. دعاؤك المتخم بالابتهال، والمثخن بالفقد.. أرسمك.. أتهيأ بهيئتك وأضع رأسي بين جوانحك.. أجهش في صدرك الواسع العريض كدنيا جديدة خلقها الله لتوها فجأة.. رغم نحافتك إثر المرض..
أضغط بفكي لأكتم البكاء.. ودون إرادة أشعر لسعة خطين ساخنين مرا بخدي؛ إذ بدمعك المنفلت يرسم أنهارا تعوضني برودة الأيام هاهنا.. أمرغ وجهي في جلبابك، وأشتم من خلاله رائحة البلاد الطيبة.. أتلمسك.. أمرر يدي في كل مكان.. يؤلمك مكان الجراحة القديمة التي حضرتها معك تحت إصرار متعمد.. استغربته الممرضات وتحفظ عليه الطبيب المختص.. نصحني بالخروج قبل البدء في إجراء العملية.. لكن وعدته بأن أظل متماسكا وأن أكون صخرا أصم حتى النهاية، وبدأت أردد بعض من آيات الذكر الحكيم، والأدعية والأذكار التي كنت أسمعك ترددها حينما تمرض أمي.. نصفك الآخر.. التي ما إن وقعت ذات يوم فريسة للمرض ولزمت الفراش حتى أسمعك وأنت جالسٌ إلى جوارها تردد، وتسمعنا جميعا قولك الباكي "إن ماتت أمكم ستأكلنا الكلاب".. أمي.. همك الأول والأخير، وبمجرد أن مر المشرط المعقم على جسدك مخلفاً وراءه جداول وخطوط بيضاء ثم حمراء، سرعان ما استحالت إلى شقوق دامية.. إلا وشعرت بغثيان ودوار ضرب جزيئاتي..
لمحني الطبيب وأشار إلى إحداهن بإخراجي، وفي نظراته خليطٌ بين العتاب واللوم، ومزيجٌ من الاعتذار والأسف.. رددته في سري.. ولم يكن موجها له.. بل إليك؛ فلم أستطع التحمل معك.. وأنا الصحيح المعافى.. دون مشرط.. دون جداول أو خطوط..
أخرجوني.. بل خرجت.. !
أفرغت تمزقي وأحشائي بكثير من الآاااااه، وسماوات من العويل..
أخرجوني.. بل خرجت.. !
وجاءت سريعة.. بل أسرع مما تخيلت.. تأشيرة غربتي.. تذكرة موتك.. حجزتها بيدي لأقتلني.. وأقتلك.. وصدى دمعك يتردد في بئري كحجر ألقوه في غيابات جب سحيق.. نداءات تتكاثر وتتناسل عبر الآماد.. ويتدحرج توالدها في الآفاق البعيدة:
"يوسف.. يوسف.. ارجع يا يوسف.. لعن الله الغربة وطالبيها.. عشنا غلابة وسنموت بلا درهمٍ.. أن نموت فقراء خير من أن نموت غرباء.. عد يا بن ظهري.. عد يا يوووووسف"..
نداؤك المجنح يتسابق مع الأفق، ورفيق الغربة الذي لم أكن أعرفه من قبل ينتظرني بكلمة إشفاق أرميها على مسمعه؛ أو أهون عليه سرعة النبضات في أول اصطدام له بالغربة.. لمحته ينظر من نافذة الطائرة المستديرة.. وقوافل من السنين المنهكة ارتسمت على وجهه، حاولت أن أشتت ذهنه قليلا.. بعيدا عمن خلفهم عند سلم الطائرة، وتركهم لحين أن يأذن الله له بالرحوع : "هوّن عليك".. قلتها وكأنه لم يسمعني.. عدت وكررتها.. نظر إليّ وبين شفتيه ابتسامة حزن سرعان ما استحالت لبكاء هزني.. أعادني بها لهيئته وهو جالس القرفصاء على مصطبة الدار يئن وينتحب.. وثلة من أصدقائي من حوله يواسونه، ويربتون على كتفه الذي أكل منه الثلج وشرب، نظرته من خلال الزجاج الخلفي للسيارة التي أقلتني إلى المطار، وإحساس جارف بالموت يتعارك مع دقات قلبي المقرح..
قبل أن يمر العام الأول كنت قد رأيتك آلاف المرات في نعاسي، وصحوي، أنهض من فراشي وأحكي لصديقي الحانق طول الوقت على قراره؛ يواسيني مرة ويسكت مرات.. وما مني سوي الصبر على نفسي، والتكيف برغمي على بلاد الثلج والنار، لكن دون ترتيب.. أنظر إلى أحلامي المشتتة، أسلسلها تباعا، وحرصي على العودة كما ينبغي يفرض نفسه بلا أدنى حيطة، أقبض راتبي.. أرسله لك.. وبالكاد أبقي على مصرفي الشهري من الطعام والسجائر، وكروت شحن أحرص عليها لمحادثتك، وحبيبتي الحمورابية، ألف الأسواق وبين الملبوسات و (التلفيعات) أختار لك واحدة، ولها أبحث عن حلم بين الرفوف، تأتيني ضحكتها عبر الجوال كسماء تكشفت وصفت في نهار شتائي معتم؛ توصيني بالحرص على كل مليم وكل درهم.. ينتفخ حلمي، وأعدها بالرجوع ويدها بيدي.. وبيننا "برهوم"؛ الذي لطالما حلمت به معكِ.. وحلمنا به سويا.. وسريعا تتكشف السماء أكثر وأكثر، وتمطرني بوابل من الهقهقات السمرائية، الممتلئة بماء دجلة، وسواد النيل والفرات.
تذكر يوم أن أشبكت خنصرك بخنصري.. كنت في عمر "برهوم" المنتظر.. خاصمتني... لالالا.. ادعيت الخصام.. وسألتني وطلبت مني أن أردد وراءك بلهجة عتاب وتأنيب:
"أمك طابخة إيه؟.. فأرد : حمامة..
فتعيد: متكلمنيش غير يوم القيامة".
وتضغط على إصبعينا بحركة دورانية.. ثم تفكهما.. وذلك وسط تهليل شقيقاتي الصغريات، وضحك أمي.. إلا أن خنصرك الغليظ - وقتها - مازلت أستشعر قوته وأحس بضغطته حتى اللحظة.. أذكره وتلكزني ذاكرتي بمشهد وداعك وصدرك النحيف، أبكي ويشتد نحيبي.. ألهث وراء ذكراك.. هل نسترجع بعضها؟
معك كنت على حافة البحيرة.. تسابقني بالصنارة.. كنت في عمر "برهوم" المنتظر.. وبفطرتي وعفوية الأطفال اعتقدت أنني الأحرف والأشطر عندما لمحت السمك يتردد على صنارتي.. لكن بفطرتك ونزعتك الأبوية كنت تضع صنارتك بالماء خالية من "الطُعم" كي لا تخذلني وتكسر خاطري.. ومن حلاوة روحك، كنت تبتسم وتضحك ساخراً من حظك مع الأسماك.. وما أن تخرج لي واحدة حتى أرى أساريرك منفرجة ومبتهلة بـ "جدع يا يوسف.. شاطر شاطر"..
وحينما أخبرتك بأن عاودت المغصة اللعينة تضرب مصراني، وتضيق على معدتي راحتها، فإذ بك تطيح بالصنارتين وتتحسس جبيني وبطني.. تحملني سريعا إلى غرفة الثلج.. تصر المجروش منه في قميصك الذي خلعته سريعاً ووقفت عرضة للريح وبخار الثلج البارد.. عاري الجسد.. رأيتك مرصوص العضلات.. تقاسيم صدرك المفتولة تمنيتها في ذات اليوم.. وتذكرتها يوم لسعني دمعك، قبل مغادرتي للمطار.. وأنا في حضنك أتحسس نحافتك وجرحك القديم..
أرجوك.. سامحني في القادمة.. سأذكرها دون حياء.. ليس لك.. ولا لي.. سأذكرها لـ "برهوم" المنتظر.. ولك أن تصدقني، أو يصدقني هو إن أراد له الله المجيئ.. انخفضت الحرارة وقاربت المغصة على الإنتهاء.. حملتني إلى المرحاض المبني من بقايا القوراب القديمة، ودمعك مازل بريقه يشق ليل غرفتي وغربتي إلى الآن.. وضعتني.. وانتظرت حتى أنتهي، ولم تأمن غير يدك لتتأكد من نظافتي.. أنت فقط.. هي عادتك ولم تبدلها إلا حينما كبرتُ وشب عودي.. كنت تنظفني بماء البحيرة، دون قرف أو نفور.. أتعلم.. مازلت إلى الآن استشعر لمساتك بين أفخاذي.. بل وكلما أحسستها تمنيت لو يعود عمري إلى ربعه..
ها أنا الآن.. أتركها لك يا برهوم.. لا تستحي منها.. ولا تخجل.. فأرجوك عجّل بالوصول.. عجل يا ولدي.. فقد اشتقت جدك.. واشتقت لأن أراه في حناني معك.. وأراني في فطرتك وعفويتك.. عجّل عجّل يا برهوم.. فمازال "الطُعم" في صنارتي ينتظرك.. وصنارته الفارغة في انتظاري..
تعليق