شريفة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مجدي السماك
    أديب وقاص
    • 23-10-2007
    • 600

    شريفة

    شريفة

    بقلم: مجدي السماك
    كان عبد الجبار العائد إلى بيته يمدّ خطواته ويوسعها قدر المستطاع.. ليلحق بصينية البسبوسة التي وعدته بها أمس زوجته شريفة.. ليلتهمها ساخنة. وكانت ذراعه اليمنى تلتف بسهولة حول بطيخة ضخمة غاصت في شحم خاصرته.. اشتراها لأنه كان قد وعد بها زوجته قبل يومين.. فبدا بطنه من بعيد كأنه شخص بكرشين عظيمين.
    بالكاد وصل عبد الجبار إلى الزقاق المؤدي الى باب بيته.. حتى توقف قليلا.. ونزّل البطيخة على الأرض، وراح كما اعتاد أن يفعل كل يوم ينهر الأولاد الصغار، الذين يلعبون كرة القدم أمام باب البيت.. ويزجرهم بسلسلة طويلة من الشتائم القبيحة التي اعتادوا عليها.. ومع هذا كان لها وقع جميل في نفوسهم.. يطربون لها.. كأنها مواويل شعبية.

    تناول عبد الجبار بطيخته، ودخل إلى بيته حتى صار في صحن المنزل.. فلمح على الفور قفا ومؤخرة شخص يقفز بخفة ومهارة عالية من نافذة المطبخ.. ويهرب إلى الخارج. ففار دم عبد الجبار.. واحتقن وجهه وامتقع حتى صار بلون اليود. فزمجر.. وراح يشتم النسوان الخائنات.. وتهته بكلمات غاضبات وبرطم بجمل قصيرة بعضها مفهوم وبعضها غير مفهوم.. ثم نزّل البطيخة.
    طار عبد الجبار بجسده الفارع إلى المطبخ.. وبسرعة البرق خطف أكبر سكين.. واتجه هاجما كالوحش الضاري إلى غرفة النوم.. فوجد زوجته شريفة في فستانها القصير الخمري الذي بالكاد يصل إلى منتصف فخذيها.. جالسة فوق مقعدها تصفف شعرها المبلول أمام المرآة الطويلة.. وقد عبقت الغرفة برائحة عطرها الجميل الفائح المختلط بأنوثتها الفائرة. فمجرد أن رأته زوجته حتى راحت تدّلعه وتتغنج في حبور.. وراحت ضحكاتها تفور في فمها وتفرقع.. وتتناثر هنا وهناك لتملأ كل أرجاء الغرفة برنين عذب لا يفتر.
    بلا أي سؤال أو كلام هوى عبد الجبار على زوجته بالسكين.. غرز النصل كله في جسدها الطري المعطر.. فتقوست على الكرسي وتمايلت وهي تئن.. ثم أسقطها جرحها على السجادة فتحول أنينها الموجع الى شهيق ساخنمعذَب.. وكان دمها ما يزال يسيل بغزارة ويتدفق. ثم مدّ عبد الجبار يده الغليظة.. انتزع السكين من قلبها النازف.. وخرج إلى صحن البيت لا يدري كيف و لا أين يخفي الجثة. وظل هكذا ساكنا للحظات يملأ قلبه الخوف ويجمده، وكان السكين لا يزال منكسا في يده تتقاطر من حده الدماء.. لتصنع بقعا حمراء مستديرة على بلاط المنزل.
    في هذه الأثناء.. فتح باب البيت واحد من الأطفال الذين يلعبون الكرة أمام باب البيت. حدّق عبد الجبار إلى الطفل في هلع شديد.. ولشدة ذعره لم يستطع أن ينطق بحرف، مع أن فمه كان مفتوحا. وظلت عيناه مصوبتان نحو الطفل.. تلاحقه وهو يلتقط كرة قدم سقطت لتوها في صحن المنزل.. ثم والصبي يتجه بها مسرعا نحو المطبخ ويقذفها إلى الخارج.. وينط فوق الطاولة الموضوع عليها الأواني.. ومن ثم على الفور راح يقفز بمنتهى الخفة والمهارة من نافذة المطبخ.. ويهرب إلى الخارج.. كأنه عفريت من الجن.
    فبراير 2014
    Magdi_samak@yahoo.com

    عرفت شيئا وغابت عنك اشياء
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    #2
    أعاد الطفل الصغير الرجل الكبير لوعيه..أدرك فداحة الفعل ، و جنون التصرف ، و خيبة التوقع البليد..
    تحطمت البطيخة فكان لون الدم.
    مودتي

    تعليق

    • محمد سلطان
      أديب وكاتب
      • 18-01-2009
      • 4442

      #3
      وها قد عاد معي أستاذي الجميل خفيف الروح والقلم.. صاحب أروع النصوص المعلمة

      أهلا بك أخي مجدي ومرحبا.. على أمل عدم المغادرة أو التغيب ثانية..

      من النصوص التي قرأتها بإعجاب واستمتاع شديدين..

      دمت كبيرا بقلمك.. رفيعا بأدبك.. متفردا ومتميزا بأسلوبك

      مودتى وكل التحية
      صفحتي على فيس بوك
      https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

      تعليق

      • بسباس عبدالرزاق
        أديب وكاتب
        • 01-09-2012
        • 2008

        #4
        سوء الظن و الشك هو بداية التوجه نحو الجريمة، و قد حصل فعلا هنا.

        لو انتظر قليلا كان سيعيد له عقله قفز الفراش فوق نافذة بيته


        جميل ما قرأت هنا

        رسالة موجه للجميع، قبل المبادرة بأي عمل جراء الشك، لابد من التحقق، و ترك الشك لليقين هو أفضل دائما


        كعادتك تحمل بين جنبيك روحا جميلة

        محبتي أستاذ مجدي السماك
        السؤال مصباح عنيد
        لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

        تعليق

        • إيمان الدرع
          نائب ملتقى القصة
          • 09-02-2010
          • 3576

          #5
          فرحة بوجودك أيها الأديب المبدع: مجدي السماك
          فنصوصك تهدينا ...متعة القراءة، والاستكشاف، وروح الجمال...
          نصّ مشوّق، يرصد حالة الشك القاتل..
          وانعكاسها على من ابتلي به...
          ومن تسرّع في حكمه، ولم يُعمِل عقله فيما يرى...ويفسّر ظلماً...
          والثمن فادح جداً، ومؤسف...
          سلمت يداك...حيااااااااااااااااااك.

          تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

          تعليق

          • ريما ريماوي
            عضو الملتقى
            • 07-05-2011
            • 8501

            #6
            وجعني قلبي وانا اقرا احداث هذا النص المتلاحقة...
            ان بعض الظن إثم... وفي حالتنا هنا جريمة قتل..

            أعجبني النص الجميل .. رشحته للذهبية بجدارة...

            تحيتي وتقديري.


            أنين ناي
            يبث الحنين لأصله
            غصن مورّق صغير.

            تعليق

            • عائده محمد نادر
              عضو الملتقى
              • 18-10-2008
              • 12843

              #7
              الزميل القدير
              مجدي السماك
              مشتاقة لنصوصك والله ولوجودك بيننا
              أسعدني كثيرا أنك هنا
              اشتقنا أن نقرا تلك السخرية الموجعة حين تريد أن تسلط الضوء على نقطة
              وكم أحسست بثقل الفجيعة وأين سيذهب من تأنيب الضمير
              جاء على بالي أسال نفسي كم قتيلة بلا ذنب؟
              لم نتعجل دائما ونصحو بعد أن يكون الأوان قد فات
              وجدت العنوان ثقيل على مسامعي ربما نافذة أو كرة أو أي شيء تشاء
              سعيدة بك جدا
              كل الورد وشتائله العطرة لروحك الفياضة
              الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

              تعليق

              • عاشقة الادب
                أديب وكاتب
                • 16-11-2013
                • 240

                #8
                روعة ما قرات رغم مايحمله النص من مرارة
                سررت اني قرأت لكاتب كبير الكل هنا شهد بابداعه
                اول قرأة لي الشرف

                تعليق

                • محمود عودة
                  أديب وكاتب
                  • 04-12-2013
                  • 398

                  #9
                  نص في منتهى الروعة قوة في السرد ومتعة وتشويق وحبكة قوية وفيها حكمة رائعة وكم من امرأة اهدر دمها ظلما وايضا كم رجل شرد او قتل ظلما نتيجة للشك المقيت
                  تذكرت وانا أقرأ نصك الرائع نصيحة من رجل حكيم اذا غضبت لأي سبب ابدأ بالعد حتى الرقم عشرة ثم ابدأ التصرف ولو فعل هذا الرجل البدين لما قتل زوجته
                  الشريفة
                  مودتي وتحياتي لابداعك

                  تعليق

                  يعمل...
                  X