حواجز !!!!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد الدمشقي
    أديب وكاتب
    • 31-01-2014
    • 673

    حواجز !!!!

    استيقظ خالد على صوت القذائف التي تلقى على الحي المجاور للحي الذي يقطن فيه ، قطع صوت الواقع المرير حلما جميلا راوده بوطن ، يستظل بسمائه و يحتمي بأرضه ..
    كان صوت قلبه هادرا من هول صوت آخر قذيفة ، لم ينم جيدا بسبب أصوات الاشتباكات طوال الليل .. كما أن الأرق زاره كالعادة ، فالليل دائما مثقل بهموم النهار ، كان يفكر بكيفية الوصول إلى عمله في هذه الأيام العصيبة .. لم يكن خائفا على نفسه ، فالخوف هاجر من قلوب الجميع ، و لم يعد هناك في تلك الحياة ما نتمسك به ، لكنه شعور يومي بالتوتر لا مفر منه ، لا سيما و انه مضطر للتوقف عند أربعة حواجز للتفتيش كل صباح ، و تنزيل البضاعة التي يقوم بنقلها ، و توزيعها على المحلات التجارية ، مع أن الجنود على الحواجز ، حفظوا شكله تماما ، لكن قادتهم كما يبدو ... فقدوا الثقة حتى في أهلهم و المقربين منهم .

    لم يعد راتبه يكفيه مع ارتفاع الأسعار ، و هبوط العملة الوطنية .. كما أن الشركة التي يعمل كموزع فيها ، تشارف على الإفلاس في ظل تلك الظروف القاسية التي تمر بالبلاد .

    تناول فنجان قهوته ، و طرد الأفكار و الهموم من رأسه ، كي يتماسك و يتحرك ... و انطلق نحو عمله .

    مر من أول حاجز ، و أنزل البضاعة ليفتشوها كالعادة ، ثم أعادها ، و سار مسافة لا تتجاوز المائة متر ليقف عند الحاجز الثاني ، لينزل البضاعة من جديد ، مع أنهم رأوه ينزلها بأم أعينهم قبل لحظات في الحاجز السابق !!! ،

    كظم خالد غيظه ، و تابع طريقه مرغما ، ليوزع باقي البضائع ... فلا مفر من تلك الخسائر التي باتت أمرا مفروضا شبه يومي .

    كانت الحواجز أكثر من كل يوم اليوم ، فمساحات الأمان تتقلص كلما زاد الطغيان !

    و رغم الصداع و الإرهاق ، تابع خالد مشواره اليومي الصعب بين المحلات التجارية في عدة مناطق متباعدة .

    و عند الحاجز السابع اليوم .... بدا بأنه أصعب حاجز ، فهم يفتشون بدقة ، و بطريقة مزعجة ، و خوف مبالغ فيه .

    توقف متململا قلقا منتظرا دوره في التفتيش ، لتمر فجأة سيارة مسرعة ، تتجاوز الحاجز ليبدأ إطلاق النار العشوائي و من كل الجهات , انبطح داخل سيارته ، بينما عم الهلع في الشارع كله ، و بدأ إطلاق قذائف من مدفع قريب أيضا .

    لم يعرف خالد ماذا يفعل ... فلو بقي في مكانه قد تصيبه قذيفة ... و لو تابع طريقه قد يصاب بعشرات الطلقات النارية المتناثرة .

    فكر بأسرته الصغيرة الضعيفة ، و الإناث الثلاث اللواتي يعيلهن ..

    شعر بان رأسه يدور ... و كأنه في متاهات كابوس مزعج .

    لم يكن خائفا على نفسه ، فالخوف ولى من قلبه منذ زمن .. لكنه شعر ببعض الخوف على زوجته و ابنتيه من بعده ...

    فكر بأمه التي تخاف عليه كثيرا .. كيف سيكون موقفها لو أصابه مكروه ?


    فكر بالموت ... قال في نفسه : هل أنا مستعد للموت حقا ...? .


    و هل سأعتبر شهيدا لو مت في مثل هذا الموقف ? !!!


    تزاحمت الأفكار لدرجة لم يعد قادرا على استيعاب ما يجري ، و وجد نفسه دون شعور ، ينهض ليدور المفتاح ، و يقود سيارته عائدا للخلف

    ...

    أصيبت سيارته بطلقتين أو ثلاث ، لكنه استمر في القيادة ، و انطلق مسرعا حاملا روحه على كتفه ...

    شعر بقوة مفاجئة ، و إصرار غريب ، و مضى متحاملا على مخاوفه ...

    كان يخاطب نفسه قائلا : لا تتوقف ... لا تنظر للخلف .. عجلات الأمل لا تتوقف و لا يمكن أن ننتظرها ، و إلا سبقتنا
    ...

    لا تخف ... حتى الموت لم يعد خوفا ... لست من يحمي عائلتك .. لست من يرزقهم ... أنت مجرد عبد سخره الله و لن يتركهم من بعدك ...

    لكن حاول أن تبقى لأنهم يحبونك ... لكي تبقى البسمة على وجوههم ...
    سار في الطريق دون توقف ، و مضى مدافعا عن الحياة
    ...


    لم يعد خالد في ذلك اليوم ...و لا اليوم التالي ، و لا الذي بعده .... لم يعرف أحد مصيره ، و أين هو ..

    لكنه لم يمت ...

    أمه كانت مصرة بأنه ما يزال حيا .. و البسمة لم تفارق وجه ابنتيه ، و زوجته ... انتظروه جميعا ، لكنهم لم ييأسوا ... لم يبكوا ...

    كان هناك شيء ما ... يخبرهم بأنه ما يزال حيا في مكان ما ... يكافح للبقاء ... يفكر بهم ... و سيعود يوما ما ... نعم سيعود عندما تزول تلك الحواجز و يعود النور من رحلته بين تلال الظلام و الخوف .
    كلا إن معي ربي سيهدين
  • منار يوسف
    مستشار الساخر
    همس الأمواج
    • 03-12-2010
    • 4240

    #2
    نعم سيعود عندما تزول تلك الحواجز و يعود النور من رحلته بين تلال الظلام و الخوف
    هكذا تكون الحياة في زمن الحروب و الحواجز
    نعيش ما بين الترقب و الخوف .. الموت و الأمل
    كل المتناقضات تصطدم داخلنا
    تقتلنا و تحيينا ألف مرة
    قصة مؤثرة ..
    تحكي عن واقع مؤلم نراه و نعيشه
    لكن يبقى شيئا ما داخلنا أو حولنا يدفعنا لأن نحيا

    دمت مبدعا
    الأديب و الشاعر القدير
    محمد الدمشقي

    تعليق

    • عبد السلام هلالي
      أديب وقاص
      • 09-11-2012
      • 426

      #3
      التقاطة جميلة، لجانب بسيط من معاناة الانسانية في زمن الحرب أو الاحتلال.
      و نهاية جميلة، لا تقدم حلا و لا تجيب عن سؤال بقدر ما تدفع القارئ إلى إكمال المشوار و حده في عالم الخيال عله يلتقي بالبطل و يعيده إلى أهله، أو يجد له قبرا ليضع و ردا عليه.
      تحيتي أخي محمد.
      كلمتك تعمر بعدك دهرا، فاحرص أن تكون صدقتك الجارية

      تعليق

      • محمود عودة
        أديب وكاتب
        • 04-12-2013
        • 398

        #4
        نص رائع باسلوب سلس وشيق وضعت فيه القارىء امام حالة من حالات دمار الحروب بشتى انواعها ولكن اكثرها ايلاما بين الأخوة وراقتني جدا الحبكة التي تركت الباب مفتوحا امام المتلقي لتؤويله
        مودتي وتحياتي

        تعليق

        • عائده محمد نادر
          عضو الملتقى
          • 18-10-2008
          • 12843

          #5
          الزميل القدير محمد الدمشقي.. وكأني عشت هذا الموقف نفسه وربما عشناه كثيرا والأحداث تتشابه حد التلاصق.. نص موجع جدا وجميل أنك تركت نافذة الأمل مفتوحة لأنها أعطت النص بريقا وفسحة بعد كل هذا الإختناق.. سارشحه للذهبية وأتأمل المزيد والتكثيف كل الورد لك ولسورية الحبيبة
          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

          تعليق

          • نادية البريني
            أديب وكاتب
            • 20-09-2009
            • 2644

            #6
            القصّة جميلة هادئة أيّها المبدع
            تتحدّث عن معاناة الإنسانيّة وسط أتوّن الحروب
            القفلة جميلة فمن خلالها ننفتح على الآتي ولا ندرك كيف يكون شكله
            أرشّحها للذهبية بما تحمله من صدق وتلقائيّة
            دمت مبدعا

            تعليق

            • محمد الدمشقي
              أديب وكاتب
              • 31-01-2014
              • 673

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة منار يوسف مشاهدة المشاركة
              هكذا تكون الحياة في زمن الحروب و الحواجز
              نعيش ما بين الترقب و الخوف .. الموت و الأمل
              كل المتناقضات تصطدم داخلنا
              تقتلنا و تحيينا ألف مرة
              قصة مؤثرة ..
              تحكي عن واقع مؤلم نراه و نعيشه
              لكن يبقى شيئا ما داخلنا أو حولنا يدفعنا لأن نحيا

              دمت مبدعا
              الأديب و الشاعر القدير
              محمد الدمشقي
              قراءة جميلة و حضور أعتز به كثيرا
              شكرا يا راقية
              كلا إن معي ربي سيهدين

              تعليق

              • عبدالرحيم التدلاوي
                أديب وكاتب
                • 18-09-2010
                • 8473

                #8
                تصيور دقيق لواقع مؤلم.
                يبقى في غيابه إلى لحظة انبلاج فجر يوم جديد.
                هو الحياة التي توات قليلا لتستعيد أنفاسها.
                مودتي

                تعليق

                يعمل...
                X