استيقظ خالد على صوت القذائف التي تلقى على الحي المجاور للحي الذي يقطن فيه ، قطع صوت الواقع المرير حلما جميلا راوده بوطن ، يستظل بسمائه و يحتمي بأرضه ..
كان صوت قلبه هادرا من هول صوت آخر قذيفة ، لم ينم جيدا بسبب أصوات الاشتباكات طوال الليل .. كما أن الأرق زاره كالعادة ، فالليل دائما مثقل بهموم النهار ، كان يفكر بكيفية الوصول إلى عمله في هذه الأيام العصيبة .. لم يكن خائفا على نفسه ، فالخوف هاجر من قلوب الجميع ، و لم يعد هناك في تلك الحياة ما نتمسك به ، لكنه شعور يومي بالتوتر لا مفر منه ، لا سيما و انه مضطر للتوقف عند أربعة حواجز للتفتيش كل صباح ، و تنزيل البضاعة التي يقوم بنقلها ، و توزيعها على المحلات التجارية ، مع أن الجنود على الحواجز ، حفظوا شكله تماما ، لكن قادتهم كما يبدو ... فقدوا الثقة حتى في أهلهم و المقربين منهم .
لم يعد راتبه يكفيه مع ارتفاع الأسعار ، و هبوط العملة الوطنية .. كما أن الشركة التي يعمل كموزع فيها ، تشارف على الإفلاس في ظل تلك الظروف القاسية التي تمر بالبلاد .
تناول فنجان قهوته ، و طرد الأفكار و الهموم من رأسه ، كي يتماسك و يتحرك ... و انطلق نحو عمله .
مر من أول حاجز ، و أنزل البضاعة ليفتشوها كالعادة ، ثم أعادها ، و سار مسافة لا تتجاوز المائة متر ليقف عند الحاجز الثاني ، لينزل البضاعة من جديد ، مع أنهم رأوه ينزلها بأم أعينهم قبل لحظات في الحاجز السابق !!! ،
كظم خالد غيظه ، و تابع طريقه مرغما ، ليوزع باقي البضائع ... فلا مفر من تلك الخسائر التي باتت أمرا مفروضا شبه يومي .
كانت الحواجز أكثر من كل يوم اليوم ، فمساحات الأمان تتقلص كلما زاد الطغيان !
و رغم الصداع و الإرهاق ، تابع خالد مشواره اليومي الصعب بين المحلات التجارية في عدة مناطق متباعدة .
و عند الحاجز السابع اليوم .... بدا بأنه أصعب حاجز ، فهم يفتشون بدقة ، و بطريقة مزعجة ، و خوف مبالغ فيه .
توقف متململا قلقا منتظرا دوره في التفتيش ، لتمر فجأة سيارة مسرعة ، تتجاوز الحاجز ليبدأ إطلاق النار العشوائي و من كل الجهات , انبطح داخل سيارته ، بينما عم الهلع في الشارع كله ، و بدأ إطلاق قذائف من مدفع قريب أيضا .
لم يعرف خالد ماذا يفعل ... فلو بقي في مكانه قد تصيبه قذيفة ... و لو تابع طريقه قد يصاب بعشرات الطلقات النارية المتناثرة .
فكر بأسرته الصغيرة الضعيفة ، و الإناث الثلاث اللواتي يعيلهن ..
شعر بان رأسه يدور ... و كأنه في متاهات كابوس مزعج .
لم يكن خائفا على نفسه ، فالخوف ولى من قلبه منذ زمن .. لكنه شعر ببعض الخوف على زوجته و ابنتيه من بعده ...
فكر بأمه التي تخاف عليه كثيرا .. كيف سيكون موقفها لو أصابه مكروه ?
فكر بالموت ... قال في نفسه : هل أنا مستعد للموت حقا ...? .
و هل سأعتبر شهيدا لو مت في مثل هذا الموقف ? !!!
تزاحمت الأفكار لدرجة لم يعد قادرا على استيعاب ما يجري ، و وجد نفسه دون شعور ، ينهض ليدور المفتاح ، و يقود سيارته عائدا للخلف
...
أصيبت سيارته بطلقتين أو ثلاث ، لكنه استمر في القيادة ، و انطلق مسرعا حاملا روحه على كتفه ...
شعر بقوة مفاجئة ، و إصرار غريب ، و مضى متحاملا على مخاوفه ...
كان يخاطب نفسه قائلا : لا تتوقف ... لا تنظر للخلف .. عجلات الأمل لا تتوقف و لا يمكن أن ننتظرها ، و إلا سبقتنا
...
لا تخف ... حتى الموت لم يعد خوفا ... لست من يحمي عائلتك .. لست من يرزقهم ... أنت مجرد عبد سخره الله و لن يتركهم من بعدك ...
لكن حاول أن تبقى لأنهم يحبونك ... لكي تبقى البسمة على وجوههم ...
سار في الطريق دون توقف ، و مضى مدافعا عن الحياة
...
لم يعد خالد في ذلك اليوم ...و لا اليوم التالي ، و لا الذي بعده .... لم يعرف أحد مصيره ، و أين هو ..
لكنه لم يمت ...
أمه كانت مصرة بأنه ما يزال حيا .. و البسمة لم تفارق وجه ابنتيه ، و زوجته ... انتظروه جميعا ، لكنهم لم ييأسوا ... لم يبكوا ...
كان هناك شيء ما ... يخبرهم بأنه ما يزال حيا في مكان ما ... يكافح للبقاء ... يفكر بهم ... و سيعود يوما ما ... نعم سيعود عندما تزول تلك الحواجز و يعود النور من رحلته بين تلال الظلام و الخوف .
كان صوت قلبه هادرا من هول صوت آخر قذيفة ، لم ينم جيدا بسبب أصوات الاشتباكات طوال الليل .. كما أن الأرق زاره كالعادة ، فالليل دائما مثقل بهموم النهار ، كان يفكر بكيفية الوصول إلى عمله في هذه الأيام العصيبة .. لم يكن خائفا على نفسه ، فالخوف هاجر من قلوب الجميع ، و لم يعد هناك في تلك الحياة ما نتمسك به ، لكنه شعور يومي بالتوتر لا مفر منه ، لا سيما و انه مضطر للتوقف عند أربعة حواجز للتفتيش كل صباح ، و تنزيل البضاعة التي يقوم بنقلها ، و توزيعها على المحلات التجارية ، مع أن الجنود على الحواجز ، حفظوا شكله تماما ، لكن قادتهم كما يبدو ... فقدوا الثقة حتى في أهلهم و المقربين منهم .
لم يعد راتبه يكفيه مع ارتفاع الأسعار ، و هبوط العملة الوطنية .. كما أن الشركة التي يعمل كموزع فيها ، تشارف على الإفلاس في ظل تلك الظروف القاسية التي تمر بالبلاد .
تناول فنجان قهوته ، و طرد الأفكار و الهموم من رأسه ، كي يتماسك و يتحرك ... و انطلق نحو عمله .
مر من أول حاجز ، و أنزل البضاعة ليفتشوها كالعادة ، ثم أعادها ، و سار مسافة لا تتجاوز المائة متر ليقف عند الحاجز الثاني ، لينزل البضاعة من جديد ، مع أنهم رأوه ينزلها بأم أعينهم قبل لحظات في الحاجز السابق !!! ،
كظم خالد غيظه ، و تابع طريقه مرغما ، ليوزع باقي البضائع ... فلا مفر من تلك الخسائر التي باتت أمرا مفروضا شبه يومي .
كانت الحواجز أكثر من كل يوم اليوم ، فمساحات الأمان تتقلص كلما زاد الطغيان !
و رغم الصداع و الإرهاق ، تابع خالد مشواره اليومي الصعب بين المحلات التجارية في عدة مناطق متباعدة .
و عند الحاجز السابع اليوم .... بدا بأنه أصعب حاجز ، فهم يفتشون بدقة ، و بطريقة مزعجة ، و خوف مبالغ فيه .
توقف متململا قلقا منتظرا دوره في التفتيش ، لتمر فجأة سيارة مسرعة ، تتجاوز الحاجز ليبدأ إطلاق النار العشوائي و من كل الجهات , انبطح داخل سيارته ، بينما عم الهلع في الشارع كله ، و بدأ إطلاق قذائف من مدفع قريب أيضا .
لم يعرف خالد ماذا يفعل ... فلو بقي في مكانه قد تصيبه قذيفة ... و لو تابع طريقه قد يصاب بعشرات الطلقات النارية المتناثرة .
فكر بأسرته الصغيرة الضعيفة ، و الإناث الثلاث اللواتي يعيلهن ..
شعر بان رأسه يدور ... و كأنه في متاهات كابوس مزعج .
لم يكن خائفا على نفسه ، فالخوف ولى من قلبه منذ زمن .. لكنه شعر ببعض الخوف على زوجته و ابنتيه من بعده ...
فكر بأمه التي تخاف عليه كثيرا .. كيف سيكون موقفها لو أصابه مكروه ?
فكر بالموت ... قال في نفسه : هل أنا مستعد للموت حقا ...? .
و هل سأعتبر شهيدا لو مت في مثل هذا الموقف ? !!!
تزاحمت الأفكار لدرجة لم يعد قادرا على استيعاب ما يجري ، و وجد نفسه دون شعور ، ينهض ليدور المفتاح ، و يقود سيارته عائدا للخلف
...
أصيبت سيارته بطلقتين أو ثلاث ، لكنه استمر في القيادة ، و انطلق مسرعا حاملا روحه على كتفه ...
شعر بقوة مفاجئة ، و إصرار غريب ، و مضى متحاملا على مخاوفه ...
كان يخاطب نفسه قائلا : لا تتوقف ... لا تنظر للخلف .. عجلات الأمل لا تتوقف و لا يمكن أن ننتظرها ، و إلا سبقتنا
...
لا تخف ... حتى الموت لم يعد خوفا ... لست من يحمي عائلتك .. لست من يرزقهم ... أنت مجرد عبد سخره الله و لن يتركهم من بعدك ...
لكن حاول أن تبقى لأنهم يحبونك ... لكي تبقى البسمة على وجوههم ...
سار في الطريق دون توقف ، و مضى مدافعا عن الحياة
...
لم يعد خالد في ذلك اليوم ...و لا اليوم التالي ، و لا الذي بعده .... لم يعرف أحد مصيره ، و أين هو ..
لكنه لم يمت ...
أمه كانت مصرة بأنه ما يزال حيا .. و البسمة لم تفارق وجه ابنتيه ، و زوجته ... انتظروه جميعا ، لكنهم لم ييأسوا ... لم يبكوا ...
كان هناك شيء ما ... يخبرهم بأنه ما يزال حيا في مكان ما ... يكافح للبقاء ... يفكر بهم ... و سيعود يوما ما ... نعم سيعود عندما تزول تلك الحواجز و يعود النور من رحلته بين تلال الظلام و الخوف .
تعليق