أخرج من البيت؛ فأتحاشى الاحتكاك بالفروع المدببة للتين الشوكي التي تكبر بجوار حائط منزلنا.. كان قد زرعها أبي .. وكنت أحب الخضار،الأرض تدب فيها الحياة
لكن شجيرة التين شرعت تنمو أكثر وتمد السيقان والوريقات الشوكية أرضا وسماءا كل يوم
كانت أمي تتضايق منها.. حتى أنا رغم حبي لثمارها الصيفي صرت انزعج من تشابكات أغصانها عن يمين وشمال..
فتتاخم بيتنا .. صار فناء دارنا أضيق .. ما تفتأ الأشواك تفلق كرتي بين الحين والحين وصار لنا جدار طويل من أشواك التين
انزعجُ من قطف ثمارها الشوكي ..يجرح يديًّ ..أجلس عند عشية النهار بعد يومٍ كان قد بدأ باكرًا.. ألتقط دبابيسه الناتئة من كفيَّ
غير أن والدي يحبها.. "الأولاد الاشقياء ما كانوا ليقتربون من بيتنا ..وحتى اللصوص"
لكن أمي تتذمر ..عند كل صيف أو هبوب تقذف رياح الجنوب رؤوس الأشواك نحونا .. وصرنا نتذمر معها
"لا تحضروا التين الشوكي للبيت" هكذا يعلو صوت أمي كل مرة يجلب فيها أبي التين في أحواض لجلبه لاحقا للسوق
كانت عادته في موسم التين كل عام .. تلح .. فيفكر أبي أن يقطعها في العام الأخير لترضى أمي
لكن الحياة لا تدوم على حال بل تدور.. بقيت شجيرة التين وتوفي أبي.. وأحبت أمي فيما بعد الإبقاء على الشجيرة التي لطالما تذمرتْ منها
تنادي همسًا كلما تمر بالقرب منها "اتركوها إنها من ذكراه"
كأن الشجرة تخبرها في كل مرة أنه كان موجودا هنا..
.. آثارهم التي لم تكن لتروقنا تتحول إلى جمال حين يتوارون إلى خيالات وأشباح بعيدة المدى..
حتى أنا ما عدت أتذمر من شجيرة أبي حبًا لأبي بالرغم من بغضي للشجيرة
سنوات وضعفت أمي ..ولم تعد تخرج للبستان كل صباح وأمسية
صارت تقول: اقتلعوها إن شئتم . وما شئنا اقتلاع شجيرة أبي لتحيا ذكرى أبي
بهتت أمي بًعيد وفاة والدي.. ذوت رويدا .. ضعف بصرها وصارت تمشي على ثلاثة ثم أربعة
أخيرا لم تعد تمشي .. وفي نهاية الأمر حملناها على أكتافنا بغزير الدمع .. صارت ترقد بجانب أبي
أطمئننا على مرقدها بجواره وعدنا
راقبت شجيرة التين الشوكي مليًا عند عودتي بإجلال وصمت
ثم أعتنيت بها ... كان لا بد من تقليم فروعها الممتدة في الاتجاهات؛ فلا تعيق سيرنا
حملت مقص التقليم .. وأنا ألاحق غصن تعثرت لأهوي فأغوص وسط أشواك التين الكثيفة .. تردد صدى صراخي.. جاءوا منجدين
كانت الشجيرة قد نالت مني .. لم أقدر على فتح عينيّ وسط صراخهم .. حملوني ..
اليومين التاليين كانا عصيبين.. بالكاد تمالكت نفسي لكي لا أصرخ من ألمي وأوجاعي
"هل أقسم ألَّا آكل التين في حياتي أبدا؟!"
بعد أن شفيت حملت فأسًا ذا ذراع طويلة وتوجهت إلى ناحية البيت بإصرار .. "ضقت ذرعا بهذه" ..نزعت عواطفي ..آن الآوان لأتحلى بشجاعتي أو قسوتي لست أدري ..
واقتلعتُ شجيرة التين
صار الفناء براحًا كبير.. بنيت فيه منزلا لأتزوج ..وتركت بيتنا لأخي الصغير
فيما بعد انجبتُ طفل وطفلة ..
وصارت تحوم في المراح أطياف أمي وأبي.
لكن شجيرة التين شرعت تنمو أكثر وتمد السيقان والوريقات الشوكية أرضا وسماءا كل يوم
كانت أمي تتضايق منها.. حتى أنا رغم حبي لثمارها الصيفي صرت انزعج من تشابكات أغصانها عن يمين وشمال..
فتتاخم بيتنا .. صار فناء دارنا أضيق .. ما تفتأ الأشواك تفلق كرتي بين الحين والحين وصار لنا جدار طويل من أشواك التين
انزعجُ من قطف ثمارها الشوكي ..يجرح يديًّ ..أجلس عند عشية النهار بعد يومٍ كان قد بدأ باكرًا.. ألتقط دبابيسه الناتئة من كفيَّ
غير أن والدي يحبها.. "الأولاد الاشقياء ما كانوا ليقتربون من بيتنا ..وحتى اللصوص"
لكن أمي تتذمر ..عند كل صيف أو هبوب تقذف رياح الجنوب رؤوس الأشواك نحونا .. وصرنا نتذمر معها
"لا تحضروا التين الشوكي للبيت" هكذا يعلو صوت أمي كل مرة يجلب فيها أبي التين في أحواض لجلبه لاحقا للسوق
كانت عادته في موسم التين كل عام .. تلح .. فيفكر أبي أن يقطعها في العام الأخير لترضى أمي
لكن الحياة لا تدوم على حال بل تدور.. بقيت شجيرة التين وتوفي أبي.. وأحبت أمي فيما بعد الإبقاء على الشجيرة التي لطالما تذمرتْ منها
تنادي همسًا كلما تمر بالقرب منها "اتركوها إنها من ذكراه"
كأن الشجرة تخبرها في كل مرة أنه كان موجودا هنا..
.. آثارهم التي لم تكن لتروقنا تتحول إلى جمال حين يتوارون إلى خيالات وأشباح بعيدة المدى..
حتى أنا ما عدت أتذمر من شجيرة أبي حبًا لأبي بالرغم من بغضي للشجيرة
سنوات وضعفت أمي ..ولم تعد تخرج للبستان كل صباح وأمسية
صارت تقول: اقتلعوها إن شئتم . وما شئنا اقتلاع شجيرة أبي لتحيا ذكرى أبي
بهتت أمي بًعيد وفاة والدي.. ذوت رويدا .. ضعف بصرها وصارت تمشي على ثلاثة ثم أربعة
أخيرا لم تعد تمشي .. وفي نهاية الأمر حملناها على أكتافنا بغزير الدمع .. صارت ترقد بجانب أبي
أطمئننا على مرقدها بجواره وعدنا
راقبت شجيرة التين الشوكي مليًا عند عودتي بإجلال وصمت
ثم أعتنيت بها ... كان لا بد من تقليم فروعها الممتدة في الاتجاهات؛ فلا تعيق سيرنا
حملت مقص التقليم .. وأنا ألاحق غصن تعثرت لأهوي فأغوص وسط أشواك التين الكثيفة .. تردد صدى صراخي.. جاءوا منجدين
كانت الشجيرة قد نالت مني .. لم أقدر على فتح عينيّ وسط صراخهم .. حملوني ..
اليومين التاليين كانا عصيبين.. بالكاد تمالكت نفسي لكي لا أصرخ من ألمي وأوجاعي
"هل أقسم ألَّا آكل التين في حياتي أبدا؟!"
بعد أن شفيت حملت فأسًا ذا ذراع طويلة وتوجهت إلى ناحية البيت بإصرار .. "ضقت ذرعا بهذه" ..نزعت عواطفي ..آن الآوان لأتحلى بشجاعتي أو قسوتي لست أدري ..
واقتلعتُ شجيرة التين
صار الفناء براحًا كبير.. بنيت فيه منزلا لأتزوج ..وتركت بيتنا لأخي الصغير
فيما بعد انجبتُ طفل وطفلة ..
وصارت تحوم في المراح أطياف أمي وأبي.
تعليق