الهدف رقم 30

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد السلام هلالي
    أديب وقاص
    • 09-11-2012
    • 426

    الهدف رقم 30

    الهدف رقم ...
    قبل أن يفتح النهار عيونه، كان أحمد قد أخذ موقعه على سطح إحدى العمارات بالشارع المفضي إلى الميدان، تماما كما حدد له في التعليمات. قنينة ماء، علبة طعام، راديو الخدمة، أربع رصاصات و بندقية قنص مزودة بمنظار.
    الوضع هادئ، الشارع يلعق جروحه تحت أضواء ساترة. و حدها دوريات الشرطة تتسيد المكان.
    الساعات التي تفصله عن بدء المهمة فرصة لأخذ قسط من الراحة و الاسترخاء. جلس على الأرض، أسند ظهره إلى الحائط القصير المطل على الشارع. مد رجليه، أغمض عينيه يعيد شريط التعليمات كما تلقفه من رئيسه : '' أربع رصاصات أربع جماجم! لا أريد رصاصة ضائعة ! اجعلوني أفتخر بكم !
    الرأس القلب، الرقبة ! هؤلاء أعداؤكم و أعداء الوطن. إن تمكنوا منكم فلن يرحموكم و لا أولادكم و نساؤكم، فلتفوزوا بهم قبل أن يفعلوا.
    كانت الكلمات تخرج من فمه سريعة قوية كالرصاص، مصحوبة بضربات قبضته على الطاولة فتبعث الحماس في نفوس أفراد "القوة الخاصة"، و يتدفق الأدرينالين في العروق.
    - أربع رصاصات فقط! ما هذا البخل؟ أسرها إلى زميله فأجابه بأنها احتياطات أمنية، فهم لا يثقون في المجندين الجدد، و يخشون تمردهم لذلك لا يكثرون من الذخيرة.
    احتضن بندقيته و ركب إغفاءة أخذته إلى حدود العاشرة صباحا، ليستفيق على صوت اللاسلكي يطلب منه تأكيد وجوده في الموقع و استعداده.
    "تمام "
    عدل وضعه، تمطى، تثاءب، فرك عينيه، تناول قنينة الماء، أخذ جرعة ثم رش و جهه يبغي إزالة بقايا النعاس.
    استدار في مكانه، أطل بحذر على الشارع الذي بدأ يتململ، بعدما انسحبت منه جميع عناصر الشرطة.
    مرت ساعات الانتظار بطيئة. أذان صلاة الجمعة يعلن اقتراب وقت الذروة. الراديو يأمره بالجاهزية.
    تناول واحدة من رصاصاته، وضعها برفق و انسياب في خزان البندقية و كأنه يستمتع باللحظة. خالطته نشوة ممزوجة بارتباك و هو الذي لم يجرب سلاحه من قبل إلا على رؤوس و قلوب خشبية. تذكر النقط العالية التي كان يحصدها في اختبارات الرماية بمعهد الشرطة. تفوقه في التداريب و إعجاب رؤسائه. تضاعفت نشوته، تراجع ارتباكه وداعبت ابتسامة ثقة شفتيه.
    مع انقضاء الصلاة ، أصبح الشارع أكثر ازدحاما، أفواج بشرية تتدفق نحو الميدان. الهتافات تتعالى أكثر فأكثر، حتى تستحيل هديرا يصم الآذان. لا ينافسه إلا أزيز الرصاص و دوي قنابل الغاز القادم من جهة الميدان.
    "
    الهدف رقم 25 يدخل مجالك الآن"
    " عُلم"
    في جيب سترته صور جميع المستهدفين، لكنه لا يحتاجها، فقد حفظ ملامحهم عن ظهر قلب. وخزن كل المعلومات المتعلقة بهم.
    "الهدف رقم 25، محمود، طالب بكلية الطب، متفوق في دراسته، حديث العهد بالانضمام إلى الجماعة لكنه متحمس و مندفع إلى درجة التهور. نشيط في الجامعة، و له تأثير كبير على زملائه"
    يستظهر المعلومات، و هو يمسح بعينيه الشارع طولا و عرضا. يجده في وقت وجيز، يعلم مركز العمليات أنه استلمه. بدأت اللعبة فعليا الآن.
    قصر قامة محمود و الازدحام الشديد، يشوشان عليه. يظهر تارة و يختفي أخرى، فلا تكاد تبدو منه إلا يمناه الملوحة في الهواء، ما بين قبضة عزم و شارة نصر.
    يصوب أحمد بندقيته، يتحفز، يتذكر التعليمات:" لا أريد رصاصة ضائعة" يتريث، يقترب أحد الشباب من محمود، يرفعه على كتفيه... ها هو الآن أمامه على طبق من ذهب.
    منظار البندقية، يجعل وجه الهدف قريبا جدا منه، تقع العين على العين. يتذكر نصائح زملائه باجتناب النظر في عين الهدف.
    يحس بحرارته ترتفع، جسده يكاد يشتعل تحت و طأة وهج الشمس و ثقل البذلة العسكرية. قلبه يخفق بقوة، تتسارع أنفاسه.
    " ماذا هل سقطت في الفخ؟؟"
    يجاهد لاستعادة السيطرة على الموقف ، يسترجع أمجاده في التداريب و تفوقه حتى على القدامى من زملائه. يتنفس بعمق. العرق المنسكب بغزارة من جبينه، يجعل الصورة ضبابية. يغمض عينيه بقوة لاعتصار الدموع المترقرقة.
    الهدف يدنو من نهاية الشارع، الضغط يزداد، تضاعفه و شوشة الجهاز: "أطلق! ماذا تنتظر؟؟"
    يستجمع قواه، يلم شتات ذهنه.
    لا يمكن أن أخسر اختباري الأول، هذه درجتي الأولى على سلم المجد. كتفي ما تزال فارغة، هذه فرصتي...
    يقترب أصبعه من الزناد، يلامسه برفق،ترتعش يده.
    صوت جديد و بنبرة أقوى يصل عبر الجهاز: " المجند رقم 30 أنت تخالف الضوابط العسكرية و تعرض نفسك لعقوبات قاسية! أطلق! !"
    ثوان تفصل الهدف عن الخروج من مجاله. ينتفض. يعض على شفتيه. يضغط بكامل قوته.
    لا يتحرك الزناد.
    رصاصتان كانتا ترقبان الوضع عن كثب، تغادران بندقيتهما على عجل لتدارك الموقف.
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد السلام هلالي; الساعة 09-03-2014, 14:26.
    كلمتك تعمر بعدك دهرا، فاحرص أن تكون صدقتك الجارية
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الزميل القدير
    عبد السلام الهلالي
    نص رائع
    مدهش
    فيه حنكة
    حبكة
    دراما
    أدرنالين
    وفيه ومضة نهاية جميلة وذكية
    لم تذكر مكانا ولا بلدا ولاجماعة وهذا منتهى الإبداع الذكائي برأيي لأنك ستعطي المجال للجميع أن يأول النص حسب الجغرافية التي يريدها وهذا ما أحاول دائما أن أقوله فهي ليست رؤية تهويمية أو تعويمية بل هي رؤية أدبية وطرح بطريقة أدبية لا تخل بأحد ولا بلد وتعطي المجال لكل القراء أن يضعها في المكان الذي يراه مناسبا له.
    أجدت عزيزي
    نص يستحق ألف ذهبية
    محبتي وكل الورد لك سعيدة بك وبنصك

    معابد الأسرار
    معابد الأسرار لم تعنها ساقاها المتعبتان تسلق الرابية العظيمة خلف سلسلة جبال الظلام، تجر خلفها جثة كاهن المعبد خازن الأسرار وحاميها الأمين المقتول غيلة، بعد أن وجدته خلف المعبد ينزف دمه من تجويف صدره الفارغ من القلب. تهاوت منهكة على الأحراش النارية، تنغرس بجسمها شظايا سنابل عجفت من سنين قحط أصابت زرع الممالك والمدن بكل أصقاع
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • عبد السلام هلالي
      أديب وقاص
      • 09-11-2012
      • 426

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
      الزميل القدير
      عبد السلام الهلالي
      نص رائع
      مدهش
      فيه حنكة
      حبكة
      دراما
      أدرنالين
      وفيه ومضة نهاية جميلة وذكية
      لم تذكر مكانا ولا بلدا ولاجماعة وهذا منتهى الإبداع الذكائي برأيي لأنك ستعطي المجال للجميع أن يأول النص حسب الجغرافية التي يريدها وهذا ما أحاول دائما أن أقوله فهي ليست رؤية تهويمية أو تعويمية بل هي رؤية أدبية وطرح بطريقة أدبية لا تخل بأحد ولا بلد وتعطي المجال لكل القراء أن يضعها في المكان الذي يراه مناسبا له.
      أجدت عزيزي
      نص يستحق ألف ذهبية
      محبتي وكل الورد لك سعيدة بك وبنصك
      معابد الأسرار
      http://almolltaqa.com/vb/showthread....F-%E4%C7%CF%D1
      الكريمة عائدة محمد نادر،
      سعيد ان تكوني أول من يصافح هذا النص، و سعيد أكثر ان لا قيت فيه ما يرضي ذائقتك.
      شاكر لك هذا التفاعل القيم، و المداخلة المثرية.
      تحيتي و تقديري
      كلمتك تعمر بعدك دهرا، فاحرص أن تكون صدقتك الجارية

      تعليق

      • بسباس عبدالرزاق
        أديب وكاتب
        • 01-09-2012
        • 2008

        #4
        لن أزيد عن الأستاذة عائدة حرفا واحدا إلا أغرقني حرفك بالإبداع أخي عبدالسلام
        للذهب للذهب

        محبتي و تقديري
        السؤال مصباح عنيد
        لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

        تعليق

        • أحمدخيرى
          الكوستر
          • 24-05-2012
          • 794

          #5
          رائعة . رائعة .. رائعة ..
          انسيابية جميلة فى السرد .. تمكن من الادوات .. وصف صورة مدهشة لواقع مرير ، وصراع بين " الاوامر العسكرية ، والضميـر الانسانى "
          لتأتى رصاصات " النيران الصديقة " لتنهى حياة " ضمير حر " وحياة الهدف " 30 " فى غلقة ولا افضل .

          استاذ " عبد السلام الهلالى "
          لك قلم يغار منه .. ولكنها غيرة حميدة " تدفعنا لـ نتباري للافضل يا صديقى "

          تقبل مرورى المتواضع
          https://www.facebook.com/TheCoster

          تعليق

          • محمود عودة
            أديب وكاتب
            • 04-12-2013
            • 398

            #6
            روعة القصة تبدو في تمكن الكاتب الرائع الذي استطاع بألق قلمه ان يضع وصمة عار على المسئولين في كل مكان وليس وطن بعينه بل كل الأوطان في قتل الحريات المنيرة بين الشباب المتفوق وذلك لتجهيل الأمة طمعا في بقاءهم على رأس السلطة وقد كان ذكاء الكاتب في اظهار صراع الضمير مع مطلبات الأوامر السلطوية
            تستحق الذهب حقا
            تحياتي لابداعك
            التعديل الأخير تم بواسطة محمود عودة; الساعة 08-03-2014, 06:50.

            تعليق

            • ريما ريماوي
              عضو الملتقى
              • 07-05-2011
              • 8501

              #7
              روعة كعادتك، كاتبنا المبدع...
              تستحق الذهبية وبجدارة...
              تحيتي وتقديري.


              أنين ناي
              يبث الحنين لأصله
              غصن مورّق صغير.

              تعليق

              • عبد السلام هلالي
                أديب وقاص
                • 09-11-2012
                • 426

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة بسباس عبدالرزاق مشاهدة المشاركة
                لن أزيد عن الأستاذة عائدة حرفا واحدا إلا أغرقني حرفك بالإبداع أخي عبدالسلام
                للذهب للذهب
                محبتي و تقديري
                أخي عبد الرزاق ،
                مجرد مرورك على حروفي المتواضعة مسرة.
                شكرا على طيب الكلم و التشجيع.
                تحيتي و تقديري
                كلمتك تعمر بعدك دهرا، فاحرص أن تكون صدقتك الجارية

                تعليق

                • عبد السلام هلالي
                  أديب وقاص
                  • 09-11-2012
                  • 426

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة أحمدخيرى مشاهدة المشاركة
                  رائعة . رائعة .. رائعة ..
                  انسيابية جميلة فى السرد .. تمكن من الادوات .. وصف صورة مدهشة لواقع مرير ، وصراع بين " الاوامر العسكرية ، والضميـر الانسانى "
                  لتأتى رصاصات " النيران الصديقة " لتنهى حياة " ضمير حر " وحياة الهدف " 30 " فى غلقة ولا افضل .

                  استاذ " عبد السلام الهلالى "
                  لك قلم يغار منه .. ولكنها غيرة حميدة " تدفعنا لـ نتباري للافضل يا صديقى "

                  تقبل مرورى المتواضع
                  أخي الكريم أحمد خيري،
                  أنتم اهل الفضل و السبق،
                  أحيي هذا الحضور الطيب، حسن ثنائكم، و تشجيعكم.
                  و سعيد أن تجدوا هنا ما يرق ذائقتكم.
                  تحيتي و تقديري.
                  كلمتك تعمر بعدك دهرا، فاحرص أن تكون صدقتك الجارية

                  تعليق

                  • بثينة غمّام
                    أديبة وكاتبة
                    • 02-03-2014
                    • 29

                    #10
                    قصة جميلة جدا فيها كل تقنيات القصة القصيرة من حبكة و تكثيف و نهاية مباغته زد على أسلوبها الجميل و بعديها النقدي و الإنساني . بالتوفيق.

                    تعليق

                    • أم عفاف
                      غرس الله
                      • 08-07-2012
                      • 447

                      #11
                      الأخ عبد اللسلام هلالي
                      حتّى أنّني استغربت أن تكون له المقدرة على النّوم
                      إذا كنت نجحت في شحن القارئ بكل تلك الانفعالات و بذلك التّوتّر الّذي يوقف الأنفاس فذلك أنّك كاتب تمسك بزمام السّرد تطوّع اللغة وتقودها بسلاسة عارف متمرّس .
                      شكرا على متعة القراءة ز
                      رصاصتان كانتا ترقبان الوضع عن كثب، تغادران بندقيتهما على عجل لتستقرا في الجمجمتين.
                      حقّا !هل يمكن ذلك ؟إصابة شخصين في مكانين مختلفين من نفس البندقيّة في نفس الوقت .
                      أو أنّك تقصد :
                      رصاصتان كانتا ترقبان الوضع عن كثب، تغادران على عجل لتستقرا في الجمجمتين. ونبتعد بذلك عن طرح السّؤال العلمي .
                      دمت بخير ومودّة

                      تعليق

                      • حسن لختام
                        أديب وكاتب
                        • 26-08-2011
                        • 2603

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة عبد السلام هلالي مشاهدة المشاركة
                        الهدف رقم ...
                        قبل أن يفتح النهار عيونه، كان أحمد قد أخذ موقعه على سطح إحدى العمارات بالشارع المفضي إلى الميدان، تماما كما حدد له في التعليمات. قنينة ماء، علبة طعام، راديو الخدمة، أربع رصاصات و بندقية قنص مزودة بمنظار.
                        الوضع هادئ، الشارع يلعق جروحه تحت أضواء ساترة. و حدها دوريات الشرطة تتسيد المكان.
                        الساعات التي تفصله عن بدء المهمة فرصة لأخذ قسط من الراحة و الاسترخاء. جلس على الأرض، أسند ظهره إلى الحائط القصير المطل على الشارع. مد رجليه، أغمض عينيه يعيد شريط التعليمات كما تلقفه من رئيسه : '' أربع رصاصات أربع جماجم! لا أريد رصاصة ضائعة ! اجعلوني أفتخر بكم !
                        الرأس القلب، الرقبة ! هؤلاء أعداؤكم و أعداء الوطن. إن تمكنوا منكم فلن يرحموكم و لا أولادكم و نساؤكم، فلتفوزوا بهم قبل أن يفعلوا.
                        كانت الكلمات تخرج من فمه سريعة قوية كالرصاص، مصحوبة بضربات قبضته على الطاولة فتبعث الحماس في نفوس أفراد "القوة الخاصة"، و يتدفق الأدرينالين في العروق.
                        - أربع رصاصات فقط! ما هذا البخل؟ أسرها إلى زميله فأجابه بأنها احتياطات أمنية، فهم لا يثقون في المجندين الجدد، و يخشون تمردهم لذلك لا يكثرون من الذخيرة.
                        احتضن بندقيته و ركب إغفاءة أخذته إلى حدود العاشرة صباحا، ليستفيق على صوت اللاسلكي يطلب منه تأكيد وجوده في الموقع و استعداده.
                        "تمام "
                        عدل وضعه، تمطى، تثاءب، فرك عينيه، تناول قنينة الماء، أخذ جرعة ثم رش و جهه يبغي إزالة بقايا النعاس.
                        استدار في مكانه، أطل بحذر على الشارع الذي بدأ يتململ، بعدما انسحبت منه جميع عناصر الشرطة.
                        مرت ساعات الانتظار بطيئة. أذان صلاة الجمعة يعلن اقتراب وقت الذروة. الراديو يأمره بالجاهزية.
                        تناول واحدة من رصاصاته، وضعها برفق و انسياب في خزان البندقية و كأنه يستمتع باللحظة. خالطته نشوة ممزوجة بارتباك و هو الذي لم يجرب سلاحه من قبل إلا على رؤوس و قلوب خشبية. تذكر النقط العالية التي كان يحصدها في اختبارات الرماية بمعهد الشرطة. تفوقه في التداريب و إعجاب رؤسائه. تضاعفت نشوته، تراجع ارتباكه وداعبت ابتسامة ثقة شفتيه.
                        مع انقضاء الصلاة ، أصبح الشارع أكثر ازدحاما، أفواج بشرية تتدفق نحو الميدان. الهتافات تتعالى أكثر فأكثر، حتى تستحيل هديرا يصم الآذان. لا ينافسه إلا أزيز الرصاص و دوي قنابل الغاز القادم من جهة الميدان.
                        "
                        الهدف رقم 25 يدخل مجالك الآن"
                        " عُلم"
                        في جيب سترته صور جميع المستهدفين، لكنه لا يحتاجها، فقد حفظ ملامحهم عن ظهر قلب. وخزن كل المعلومات المتعلقة بهم.
                        "الهدف رقم 25، محمود، طالب بكلية الطب، متفوق في دراسته، حديث العهد بالانضمام إلى الجماعة لكنه متحمس و مندفع إلى درجة التهور. نشيط في الجامعة، و له تأثير كبير على زملائه"
                        يستظهر المعلومات، و هو يمسح بعينيه الشارع طولا و عرضا. يجده في وقت وجيز، يعلم مركز العمليات أنه استلمه. بدأت اللعبة فعليا الآن.
                        قصر قامة محمود و الازدحام الشديد، يشوشان عليه. يظهر تارة و يختفي أخرى، فلا تكاد تبدو منه إلا يمناه الملوحة في الهواء، ما بين قبضة عزم و شارة نصر.
                        يصوب أحمد بندقيته، يتحفز، يتذكر التعليمات:" لا أريد رصاصة ضائعة" يتريث، يقترب أحد الشباب من محمود، يرفعه على كتفيه... ها هو الآن أمامه على طبق من ذهب.
                        منظار البندقية، يجعل وجه الهدف قريبا جدا منه، تقع العين على العين. يتذكر نصائح زملائه باجتناب النظر في عين الهدف.
                        يحس بحرارته ترتفع، جسده يكاد يشتعل تحت و طأة وهج الشمس و ثقل البذلة العسكرية. قلبه يخفق بقوة، تتسارع أنفاسه.
                        " ماذا هل سقطت في الفخ؟؟"
                        يجاهد لاستعادة السيطرة على الموقف ، يسترجع أمجاده في التداريب و تفوقه حتى على القدامى من زملائه. يتنفس بعمق. العرق المنسكب بغزارة من جبينه، يجعل الصورة ضبابية. يغمض عينيه بقوة لاعتصار الدموع المترقرقة.
                        الهدف يدنو من نهاية الشارع، الضغط يزداد، تضاعفه و شوشة الجهاز: "أطلق! ماذا تنتظر؟؟"
                        يستجمع قواه، يلم شتات ذهنه.
                        لا يمكن أن أخسر اختباري الأول، هذه درجتي الأولى على سلم المجد. كتفي ما تزال فارغة، هذه فرصتي...
                        يقترب أصبعه من الزناد، يلامسه برفق،ترتعش يده.
                        صوت جديد و بنبرة أقوى يصل عبر الجهاز: " المجند رقم 30 أنت تخالف الضوابط العسكرية و تعرض نفسك لعقوبات قاسية! أطلق! !"
                        ثوان تفصل الهدف عن الخروج من مجاله. ينتفض. يعض على شفتيه. يضغط بكامل قوته.
                        لا يتحرك الزناد.
                        رصاصتان كانتا ترقبان الوضع عن كثب، تغادران بندقيتهما على عجل لتستقرا في الجمجمتين.
                        بنية سردية متقنة و محبوكة، إيقاع سريع في الحكي..ونهاية مفاجئة، ومذهلة
                        فعلا، كما قالت الأخت عائده، نص مدهش
                        دمت قناصا مبدعا
                        مودتي وتقديري، أخي العزيز هلالي

                        تعليق

                        • عبد السلام هلالي
                          أديب وقاص
                          • 09-11-2012
                          • 426

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة محمود عودة مشاهدة المشاركة
                          روعة القصة تبدو في تمكن الكاتب الرائع الذي استطاع بألق قلمه ان يضع وصمة عار على المسئولين في كل مكان وليس وطن بعينه بل كل الأوطان في قتل الحريات المنيرة بين الشباب المتفوق وذلك لتجهيل الأمة طمعا في بقاءهم على رأس السلطة وقد كان ذكاء الكاتب في اظهار صراع الضمير مع مطلبات الأوامر السلطوية
                          تستحق الذهب حقا
                          تحياتي لابداعك
                          شكرا لك اخي محمود عودة،
                          سرني مرورك و تفاعلك القيم، و يشرفني أن تجد هنا ما يروقك و يستحق تقديريك.
                          لك التحية و باقة ود.
                          كلمتك تعمر بعدك دهرا، فاحرص أن تكون صدقتك الجارية

                          تعليق

                          • عبد السلام هلالي
                            أديب وقاص
                            • 09-11-2012
                            • 426

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
                            روعة كعادتك، كاتبنا المبدع...
                            تستحق الذهبية وبجدارة...
                            تحيتي وتقديري.
                            الروعة في مشاركتكم متعة الحرف اختي ريما.
                            لك شكري و تقديري.
                            لا حرمك الله العافية.
                            كلمتك تعمر بعدك دهرا، فاحرص أن تكون صدقتك الجارية

                            تعليق

                            • عبدالرحيم التدلاوي
                              أديب وكاتب
                              • 18-09-2010
                              • 8473

                              #15
                              استمتعت بحرفية القص.
                              مودتي

                              تعليق

                              يعمل...
                              X