أشرعة المستحيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أم عفاف
    غرس الله
    • 08-07-2012
    • 447

    أشرعة المستحيل



    أشرعة المستحيل...



    الكلّ من حوْلي يتساءلون عن السرّ في تعلـّقي بالحـياة، عن إصراري على مواصلة العيش وتمسّكي بكلّ أسباب البقاء.
    يرمقني البعض بأعين الشّفقة والرّأفة ،و يحدجني البعض الآخر بأعين الإدانة والاستنكار.
    ينكرون عليّ مشاركتي زوجي كليتيه ،والأوْلى برأيهم أن أنسحب من حياته، أمنحه فرصة إنجاب طفل يحمل اسمه، وأقيله معاناة طالت في سباق لا ينتهي مع أساليب العلاج والتطبّب .
    هم يعرفون يقينا أنّني سأموت إن لم يهبني أحدهم كلية،يعرفون أنّ وجودي متعلّق بكلمة تنتشلني من بين أنياب الموت .
    يوم تقدّم لخطبتي، كنت لازلت تلميذة تتعثّر خطاي خجلا كلّما دعت مواعيد التّلاقيح التحاقنا بقاعة التمريض في المعهد .أطأطئ متوارية خلف صمتي وأنا ألحظ اهتمامه بجدائلي المنسدلة خلفي، وتطلّعه إلى قوامي .كان الكلام يفرّ إلى داخلي، فلا أجد صوتي لأردّ على دعاباته الجريئة، وتفرّ دمائي فزعا ويده تقبض على ذراعي، وتشكّ الإبرة جلدي، فأحسّ الوخزة في قلبي، وينتشر الجمر على وجنتيّ، وتعبث برأسي بوادر الدّوار، فأتراجع إلى الخلف راصدة ابتسامته الّتي طالما أرّقت طفولتي.
    اجتمع رأي أهلي على أن الفرصة قد لا تتاح أخرى فلم أناقش الأمر ، ولم أتمرّد على قرارهم انقطاعي عن الدّراسة .
    أثبتت تصرّفاته مع الزّمن، أن اختياره إنّما كان لتلك القطـّة المغمضة فيّ، فلم يصدّني ذلك عن الاستمرار.
    بارك الجميع وثاقنا، ورأوْا فينا مثالا لنواة عائلة ناجحة ...
    فلماذا يرشقوننا بأعين الاستنكار إذن ؟
    ولماذا لا يتركوننا في حال سبيلنا الآن ؟
    قد يكون الذي تتجاوبت أصداؤه بأخيلتي، مجرّد شكوك،عشّشت وتنامت . لعلّهم لا يهتمّون لأمرنا ولا يتابعون أخبارنا، غير أنّني من الحبّة أبني قبّة .
    ما كنت أحتاج لجهد كبير لأتسلّل إلى أدمغتهم،وأعرف ما تهْجس به أفكارهم :
    "كيف لشابّ مثله أن يدفن شبابه معها..؟
    من أين له بكلّ هذه الطـّاقة على الاحتمال.. ؟
    لولا أنها عديمة الإحساس، ما قبلت على نفسها أن تقضي عليه، وتربط مصيرها المظلم بمصيره.
    ماذا تريد منه أكثر ممّا أخذت ؟
    كيف ترضى أن تقتطع من سنوات عمره لتضيفها إلى عمرها ؟
    ثمّ ما جدوى أن يهبها إحدى كليتيه إن كانت ستبقى عقيما في كلّ الحالات ؟
    همهمات تخترق سمعي في البدْء كانت، ثمّ تحوّلت إلى وشوشات ومن ثمّ أخذت شكلها وما عادت تتنكّر .يتعمّد البعض أن يخز بها مشاعري منتظرا أن أردّ الفعل بشكل ما ،أثور،أو أسلّم نفسي للغياب .
    إلاّ أنّني تصنّعت الغباء وتظاهرت بعدم الاكتراث رغم أنّ النّار تلتهم ريش أجنحتي .
    مرّت السّنوات الثّلاث الأولى لزواجنا رتيبة. لم يكن يتحدّث في موضوع الإنجاب، على العكس، كان يحاول تشتيت تفكيري كلّما تطرّقت إليه، وكلّما عرض لنا الحديث عن الأطفال، شغلني بشكل ما، وجرّني إلى موضوع آخر غير مبدٍ أيّ اهتمام.
    ولم تخْفَ دهشتي أمام لامبالاته.
    ورغم الغموض الذي كان يكتنف إطراقته لم أتوجّس وأقبلت على الحياة بذراعين مفتوحتين.
    تجاهلت أسئلتهم وإلحاحهم اللـّجوج من أجل معرفة من المسؤول عن عدم الإنجاب.تركتهم لجحيم فضولهم وأعلنت الصّيام .حاولوا إثارتي مرّات ثمّ ما لبثوا أن استسلموا لصمتي على مضض.
    حاذاني ذات مساء ،سحب من يدي جهاز التحكّم ،داس على الزّرّ لإطفائها ثمّ قال بصوت سحيق علاه الصّدأ: " حان الوقت لتذهبي إلى الطـّبيب...يكفي الوقت الذي ضاع ."
    كاد يفلت منّي لساني ،كدت أصرخ:
    " وهل ذهبت أنت إلى الطّبيب لتجزم بأن العيب فيّ أنا ؟"
    وكأنّما قرأ أفكاري، هزّ رأسه، أضرم في صدري حريقا من الارتياب ومضى إلى الفراش...ولم أنم ليلتها.
    لابدّ أن يكون ذهب، وإلاّ فمن أين له بكلّ هذا الوثوق؟
    العيب فيّ لمحالة...
    لكن لماذا يأخذ القرارات بمفرده ؟
    ولماذا ينتظر خمس سنوات كاملة ؟
    لم أمانع، وذهبت صاغرة، لتبدأ رحلة عذابي...
    مع أوّل وصفة انقلب حالي وتعكـّرت صحّتي وانهرت كصرْح قوّضه دمار مباغت .تورّمت أطرافي،وغزت تربة بشرتي كدمات رمادية ،وانطفأ بريق عيني ّ . كلّ ما في، صار نسخة مشوّهة منّي.وفقدت سجيّتي ...أصوات جنائزية رتيبة تؤبّن خيوط الأمل الواهية في روحي ...كوابيس ضبابية تراود إغفاءاتي المتقطّعة، أصحو في كلّ مرّة على تصدّعات جديدة تغزو جسدي العليل .خلل باطني ّ شامل،حالة إعياء تشلّ عضلاتي وتهدّ ركبي.
    أعرف أنّه يتعمّد كسر المرايا بالبيت، ليجمع الشّظايا ويلقيَ بها وهو في طريقه إلى العمل. أعرف أيضا أنه ينبش في حقيبتي متحقّقا ممّا إذا كنت قد اشتريت واحدة وأنا في طريقي لوحدة التصفية الاصطناعية .
    وهل كنت أجد الجرأة التي أقف بها على أحد الباعة وأقتنيَ مرآة ؟
    ماذا كان البائع سيقول في نفسه؟
    لم يمنع ذلك أن أرى قبحي... كنت أراه في أعين المارّين بي، في نفورهم، في شّفقتهم، وفي الاستنكار الناّبت على أهدابهم.
    وكان يحاول التماسك عند مواجهتي ،يجتهد كي لا ألاحظ تهرّبه من النظر إلى عينيّ.
    وماذا كان بيدي أن أفعل ؟هل كنت أستطيع أن أردّ الزّمن إلى الوراء لأستثير حبـّتيْ الكرز اللّتين توقفتا على النّموّ منذ طفولتي المبكّرة ؟هل كان بإمكاني أن أوقظهما من سبات استمرّ أكثر من عشرين سنة ؟
    لم أكفّ عن عقص شعري بنفس الطريقة التي يحبّ، أي نعم،ولم أتوقّف عن رشّ العطر الذي كان يحبّ، ولا غادرت مكاني في الفراش، لكن من أين سأجيء بشوق يدفع بي إليه ؟ وكيف سأبعث الرّوح في جسد بارد ؟
    تآلفْت مع الألم ،أرخيِت أشْرعتي لأمواجه تعـْبث بخلايا جسدي، وتحاملت على وهني لأفرض وجودي في مملكة أحاول أن أكون أهلا لها ،لم تغب الأكلات التي عهدها عن المائدة رغم أنّها محرّمة عليّ.لم تتغيّر مواعيد مغادرته البيت وأوبته إليه.
    لاشيء تغيّر في عاداتنا عدا توقفنا عن زيارات الأهل والخروج للتسوّق معا،مع ذلك كان يرافقني بسفراتي المتكرّرة حريصا على ملازمتي في الباخرة، يجالسني ساعات في القاعة التي تشهد الرّحلة الطّويلة لدمائي المفعمة بالسّموم لتعود إليّ بعد "الفلترة" نقيّة بطبيعة الورد. يقرأ لي النّكت والطّرائف ويبتزّ منّي ابتسامات واهنة .
    حين أخبرني الطّبيب أن إمكانيّة الحمل واردة في أوّل زياراتي له، سرتْ إلى دمي حفنة ضوء أنارت ما بين أضْلعي واتّسع صدري بحجم حنيني لاحتضان مولود يزرع الفرح في أرجاء البيت.لم يكن يراودني شكّ بكلامه :" إنها بعض المنشّطات ستحفّز المبيضيْن على الاجتهاد والانتظام في الإباضة لا غير "
    ها هو نفس الطبيب يصرخ:" كيف يمكن أن تكون هذه حالتك ولا تتفطنين للأمر؟ كليتاك متوقّفتان عن النموّ منذ الطّفولة، كيف لا تشْتكين من شيْء ؟"
    يقف زوجي صامتا كالجدار وأشهق بلا صوت ولا أحرى إجابة .
    هل كان أحد في العائلة يعلم بذلك ولم يخبرني ؟ هل كانت أمّي على بيّنة من الأمر وأخفته عنّي حتّى لا تحمل وزري عمرا كاملا ؟ لماذا تفعل بي ذلك ؟ ولماذا لم ترصد أجهزتي إنذارات تشي بخطورة الوضع ؟
    حملت مصيبتي وأسئلة كثيرة تتزاحم على غير هدى في ذهني، وقفلت أجترّ خيْبتي.
    ماذا يجب أن أفعل الآن ؟هل سيتخلّى عنـّي ؟ألن يضيق البيْت الذي احتواني بحرا بعلّتي ويلفظني كما النّواة ؟ ألن .......؟
    الخطوات التي تفصل بيننا ترامت كثْبان رمالٍ، الشّمس ما عاد يصلني دفؤها، كل عضو مفصول عن الآخر في جسدي الواهن، أصوات غريبة تستحثّني لأقتلع كتل الخطى من جليد ذاكرتي.أبحث عن مكان أدفن فيه آلامي فلا يتراءى لي غير امتداد الصّحراء يتلألأ سرابها هازئا.
    أبْكيني بلا صوت، بلا دموع، وترتجف أطرافي كوريقة خريفية ترْقص رقْصتها الأخيرة ،أختلج والغصّة في حلْقي وتقترب منّي أنفاسه متسارعة ،تسري إلى جسدي حرارته ،يحتويني، يعتصر جذعي قائلا:" ابكي ، لا تصمتي هكذا .....لن تموتي، لن أتركك تفعلين.ستعيشين مع "الدّيال" سيكون كلّ شيء على ما يرام حبيبتي ،لا حاجة لي بأطفال ،أنا أريدك أنت،لست الأولى ولا حالتك هي الوحيدة."
    ها قد استنفذت كل حظّي من الحياة مع التّصفية الاصطناعية وما عادت تلك الآلات قادرة على مماطلة الموت. ما العمل إذن ؟
    أمّي تجاهلت الأمر، لا بل رفضت، قالت أنّها تخاف من العمليّات .وإخوتي لا يمتلكون القرار، فمنْ منْ زوجاتهم أو أزواجهنّ سيرضى أن يُنتقص من جسده عضو ؟من منهم سيتنازل لي عن قطعة من جسده .

    أعود إلى ذاتي فلا ألوم أحدا، وتضيق بي الدّنيا، فأدفن وجهي في صدره، وتغسلني الدّموع فأجهش وأرفع رأسي للالتقاط أنفاسي فإذا الوسادة وحدها تحضن آهاتي وإذا هو يقف مع النافذة وسحب من الأفكار تحول بيننا.


    لم يزد تصوّري عن المرأة كونها شرّ لابدّ منه،لذلك ترسّخ الاعتقاد لديّ بأنّ الحكيم هو من يتّقي مكرها قبل الوقوع في شباكها .
    كانت أمّي مصدر نغص دائم لوالدي.لم يجمع بينهما ودّ أبدا، هي دائمة الشّكوى والتذمّر. وهو دائم التقريع والشّتم .كان البيت ساحة وغاء دائمة .وكنت وإخوتي الثمانية أسلحة متناوبة بينهما.
    لم أتوقّع حياة مختلفة، ولم أشأ لأبنائي أن ينشؤوا على نحو ما نشأنا .
    لم تعنني المرأة الّتي اخترت إلاّ من حيث أنها ستكون عجينة طيّعة.وأنها لن تلويَ العصا في يدي يوما ،أو تهدّدني بفلذات كبدي .
    تحسّبا تطوّعت لأكون ضمن فريق صحّي يعمل على عيّنة تخوض تجربة مصل جديد يعطّل خصوبة الرّجل خمس سنوات كاملة.قطعت كلّ المراحل بعزيمة الواثق من الانتصار، حسبت وقتها أنّني نجوت من سطوة الأنثى وغيّها.
    كيف لم أتردّد ؟ كيف لم تراودني فكرة أن تكون زوجتي مخلوقا لطيفا قادرا على منحي مساحات مترامية من السّلام ؟
    حين تحملني الذّكرى إلى ذلك الحدث الغريب تملؤني الدّهشة وتطرق مطارق الأسئلة العصيّة رأسي في عنف.
    مضت السّنوات الخمس شديدة الوطأة على فؤادي. تمالكت نفسي كي لا أفشي سرّي في لحظة ضعف عارض.
    الفراش مرشوش بالإبر، وعيناي فتيلتان تتراقصان على إيقاع الوجع بداخلي،وهي مخلوق ضعيف تتلمّس الفضاء بحثا عن كائن كان يسكنني فيها.
    أين سأرسو وأيّ مرفإ سيسع أحزاني ؟
    أأكون بلا قرار؟
    تتعالى الأصوات من حولي :
    "هذه مقادير الله ..."
    "ماذا تستطيع أن تفعل لها ؟"
    " مازلْت في مقتبل العمر..."
    "لا تحرم نفْسك من أجلها ..."
    "عائلتها أولى بها الآن ..."
    "العمر لا ينتظر..."
    هل أملك أن أدير لها ظهري؟
    وهل تملك هي أن تستمرّ بدوني ؟
    أيّ خطإ ارتكب القدر ليجمع بين مصيرينا ؟
    كنت أراها بعد حصص "الدّيال" بلا حراك كخرقة ألقت بها هدأة العاصفة، فلا أصدّق أنها الفراشة نفسها الـّتي كانت تتنقل في زوايا البيت، تعطّره بأنفاسها ،ترشّ فيه ألوانها ،وتترك بكل شبر منه أثار لمساتها.
    تماما كما رأيتها بعد زواجنا فلم أصدّق أنها ذلك الكائن الذي ملئت منه توجّسا .وقرأت له ألف حساب.
    ربّما كان يجدر أن أصمّ أذنيّ عن كل النّداءات الّتي تتقاذفني :رجاؤها فيّ..، سعي الأهل لجرّي بعيدا عن هاجس يحفّزني لقرار جريء أكبر من أيّ عقل..، رغبة شديدة في الاختفاء عبْر غيْمة بلا هويّة ،أوْ موْجة تسافر إلى جزْر بلا مدّ.
    ما كنت في حجم أيّ قرار لو لم يكن ذلك الحدث الأسود في ذاكرتي،
    وما كنت لأعرف الحدّ الفاصل بين الوجود والعدم، وأنا أقف تلك اللّحظات المهمّة جدّا في عمر شخص يتهدّده الموت لولا رغبة كامنة في ترك أثر مروري في هذه الحياة .
    أن تكون سببا في وجود إنسان آخر، شعور لم يسبق لي معرفته لذلك ليس في متناولي وصفه، وأقوى منه تلك الرّغبة الجامحة في ملء الثقوب التي تعتري الوجدان بامتلاكه.
    أعرف جيّدا قمّة ذلك الشّعور الّذي سيطر عليّ وأنا أقف في مفترق الطّرق، أختار بين المضيّ والرّجوع.أعرف جيّدا منتهى آلامها وهي تنأى في واد سحيق من الصّمت .
    لم تكن تتوقــّع أن أخذلها .ولم يكن من السّهل أن أقامر بحياتنا معا .
    لم أر الكون إلا من خلال كوّة تعيدني إلى سنوات العقم، تيّارات عاتية تدفعني لانتشال ذاتي من العدم. .
    رائع جدّا أن تهب مخلوقا الحياة، رائع جدّا أن تماهي الخالق في روعة الخلق.
    فلماذا لا أحظى بفرصة كيْ أكون أبا ؟
    طالما تكهّنت بأنّ العدالة الإلهية ستقتصّ ممّا فعلت بنفسي قبل الزّواج .
    لذلك غلب على ظنّي اليقين بأنّني سأظلّ فردا إلى آخر أيام حياتي.
    ولولا كريّات الأمل تسري عبر أضيق شراييني لتراود أشرعة المستحيل ،لكنت فريسة سائغة لمواقف جدباء .
    احتجت إلى كثير من الشّجاعة لأتّخذ قرارا غاية في القسوة.
    "أنا حامل " همست بها ثمّ سحبت يدي لتضعها على بطنها وحفنة من اللؤلؤ تتراقص جذلا في عينيها .
    "أنا حامل " لم يعد أمرا مستحيلا، ولا عادت ركلات الجنين تداعب أطراف يدي خيالا توحي به قصص الأفلام والمسلسلات . .
    "أنا حامل " حقيقة عمرها شهقة غيّرت مسار النجوم وشحنت الكون بإشراقة حجبت عنّي الرؤية لحظات.
    ما عاد في صدري متّسع لفرح قادم، ما عاد باستطاعة أنفاسي أن تواكب فيض التّيار الذي يسري عنيفا في وجداني.
    هانت كل ّ العذابات التي التهمت عمري السّابق.تقلّص الماضي ليصير بحجم إعصار عابر .رمّمت العبارة كل التصدّعات والانهيارات التي أصابت أعمدة الروح في زمن الأحزان .
    "أنا حامل ..." صرخة كونية تعانق المستحيل، تذلّله ليصير طيّعا في يد امرأة وهبتها مضغة بحجم ما تسع قبضتي، ووهبتني حياة ملائكيّة...
    كلّ الأطبّاء اعتبروا نقل كلّيتي إليها مجازفة قد تكلّفني حياتنا معا، غير أنّهم لا يملكون بديلا آخر والوقت سيف مشهر بوجوهنا .
    أذهلهم تفاعلها الإيجابي بعد العمليّة، أدهشهم انسجام خلايانا وتحسّن وضعها الصّحي المطّرد واعتبروا ذلك أمرا نادرا بين غير الأشقّاء.
    أتساءل مرّات من أين تأتي بكلّ الطّاقة لنسج خيوط الفرح وإسدالها على شبابيك الدّار وجدرانها ؟
    من أين لها بتلك الحيويّة لتصنع في كل يوم وجها جديدا تقابلني به عند الباب وتودّعني بوجه آخر يسيل عذوبة ؟
    من أين تأتي بكل تلك الأسرار في تغيير نكهات الأطعمة التي تعدّ لي،حتى لا أجد ألذّ منها طعما ولا أطيب منها رائحة ؟
    من أيّ خليط استطاعت أن تنشر روائح البخور التي يضوع شذاها في أركان البيت، لتدغدغ شعورا كامنا بالانتشاء كلّما أ ُبـْت إليه ؟
    من أين تأتي بكلّ ذلك السّحر الذي يفتنني ويجعلني لا أرى الوجود جميلا إلاّ من خلال عينيها، ولا أجد الكون ربيعا، إلاّ مع ابتسامتها.
    كنت أحسبها تراود حلما مستحيلا وهي تؤكّد لي أنها ستعيد إلي بعضا ممّا أخذت منّي. كنت أسمعها معتبرا كلامها مجرّد عزف ممتع تقف المتعة فيه مع نهاية الكلام.
    لم أصدّق أنها قادرة على تحويل تلك الأنغام إلى حدث شبه مستحيل.
    التعديل الأخير تم بواسطة أم عفاف; الساعة 08-03-2014, 18:51.
  • ريما ريماوي
    عضو الملتقى
    • 07-05-2011
    • 8501

    #2
    وااااااو انحبست أنفاسي حقا وأنا أقراك...
    والحمد لله أن النهاية سعيدة.. سعدت بهذه التضحية..
    والإخلاص المتناهي...

    شكرا لك على الإمتاع الأستاذة الكبيرة أم عفاف..

    أطالبك أن تعودي لاسمك الحقيقي لتعرفي به...

    تستحقين أن تتألقي نجمة فريدة في عالم الأدب..

    تحيتي وتقديري.


    أنين ناي
    يبث الحنين لأصله
    غصن مورّق صغير.

    تعليق

    • عائده محمد نادر
      عضو الملتقى
      • 18-10-2008
      • 12843

      #3
      الزميلة القديرة
      أم عفاف
      صالحة غرس الله
      ماذا اقول لك عن السرد
      أنت ساردة ولاشك يجب أن نؤشر على سردها ونضع أمامه خمسين مليون نجمة
      نص رائع وبالرغم من طوله وكنت أتمنى أن تعصرينه أكثر لكني لم اشعر بالملل مطلقا ربما لني مغرمة بالنصوص ولا أجد نفسي إلا معها لكني فعلا تمنيت الضغط
      لي يقين أنك روائية وإن لم تجربي فاقول لك أنت ستكتبين أروع الروايات لأن أنفاسك طويلة وحين تسترسلين فلاشيء يوقف استرسالك ولهذا ستنجحين بالرواية وستخلبين الألباب صدقا
      نص يستحق الذهبية وتاجها
      جميل جدا سيدتي
      محبتي وباقت ورد
      الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

      تعليق

      • بسباس عبدالرزاق
        أديب وكاتب
        • 01-09-2012
        • 2008

        #4
        نص رائع لايرتكبه إلا كبار السرد

        جميل على طول الخط
        رحلة جميلة، أنا من محبي القصص الطويلة خاصة إن كانت مفعمة الأحاسيس و الرومانسية و ذلك الشجن الدفين في النص

        و النص أخذ لبي حقيقة، أعرف شخصا، يفوق الستين و رايته باكيا على قبر زوجته التي لم تكن تنجب و عاش معها أكثر من أربعين عاما دون أي محاولة للزواج عليها أو تطليقها، و كاد يضربها عندما عرضت عليه امرأة تخطبها له.

        هناك رجال كثير، و هناك نساء كثير، فلنكتب عنهم و ننصف هذا المجتمع أحيانا.

        قصة بثت جرعة كبيرة من الأمل برئتي فشكرا لمتعة القراءة

        تقديري و احتراماتي أستاذة أم عفاف
        التعديل الأخير تم بواسطة بسباس عبدالرزاق; الساعة 08-03-2014, 19:42.
        السؤال مصباح عنيد
        لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

        تعليق

        • أم عفاف
          غرس الله
          • 08-07-2012
          • 447

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
          وااااااو انحبست أنفاسي حقا وأنا أقراك...
          والحمد لله أن النهاية سعيدة.. سعدت بهذه التضحية..
          والإخلاص المتناهي...

          شكرا لك على الإمتاع الأستاذة الكبيرة أم عفاف..

          أطالبك أن تعودي لاسمك الحقيقي لتعرفي به...

          تستحقين أن تتألقي نجمة فريدة في عالم الأدب..

          تحيتي وتقديري.
          ريما العزيز ة
          مجرّد دخولك النّص عرس يغريني بالحضور السّريع
          ها أنّني أجيء ولي شرف أنّك تفكّين خيوطه
          رأيك أيضا يحملني إلى عالم جميل من الغبطة
          كطفلة أخذوها إلى فسحة عيد
          جعل الله كلّ أيّمك عيد
          كلّ الودّ وعلبة شوكولا تليق بحضورك

          تعليق

          • أم عفاف
            غرس الله
            • 08-07-2012
            • 447

            #6
            مشاركة مكرّرة
            التعديل الأخير تم بواسطة أم عفاف; الساعة 08-03-2014, 19:14.

            تعليق

            • أحمدخيرى
              الكوستر
              • 24-05-2012
              • 794

              #7
              الاخت الكريمة " ام عفاف "
              قصتك لا تحتاج رد عادى او " مجرد مجاملة عابرة "
              فـ ما رآيك فى محاولة نقدية او تحليلية لـ قصتك هذه بدلا من المشاركات المعتادة
              فى إنتظار ردك

              تحياتى .
              التعديل الأخير تم بواسطة أحمدخيرى; الساعة 08-03-2014, 19:03.
              https://www.facebook.com/TheCoster

              تعليق

              • أم عفاف
                غرس الله
                • 08-07-2012
                • 447

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
                الزميلة القديرة
                أم عفاف
                صالحة غرس الله
                ماذا اقول لك عن السرد
                أنت ساردة ولاشك يجب أن نؤشر على سردها ونضع أمامه خمسين مليون نجمة
                نص رائع وبالرغم من طوله وكنت أتمنى أن تعصرينه أكثر لكني لم اشعر بالملل مطلقا ربما لني مغرمة بالنصوص ولا أجد نفسي إلا معها لكني فعلا تمنيت الضغط
                لي يقين أنك روائية وإن لم تجربي فاقول لك أنت ستكتبين أروع الروايات لأن أنفاسك طويلة وحين تسترسلين فلاشيء يوقف استرسالك ولهذا ستنجحين بالرواية وستخلبين الألباب صدقا
                نص يستحق الذهبية وتاجها
                جميل جدا سيدتي
                محبتي وباقت ورد
                العزيزة عائدة
                كم أعجبني أنّك دعوتني باسمي فهلاّ ساعدتني أيتها العزيزة في ضمّ الحسابين إلى بعض
                كما سرّني كثيرا رأيك وأنت أميرة الكتابة في المنتدى
                مع أخذي بعين الاعتبار نصيحتك التي أرى أنها في محلّها
                فقط أحبّ التّذكير بأنّ الخطّ حجمه كبير وامتدّ على مساحة
                ختاما ألف شكر على دخولك نصّي المتواضع وعلى وقفتك الإيجابية جدّا
                لك مودّتي الخالصة ومحبّتي

                تعليق

                • أم عفاف
                  غرس الله
                  • 08-07-2012
                  • 447

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة بسباس عبدالرزاق مشاهدة المشاركة
                  نص رائع لايرتكبه إلا كبار السرد

                  جميل على طول الخط
                  رحلة جميلة، أنا من محبي القصص الطويلة خاصة إن كانت مفعمة الأحاسيس و الرومانسية و ذلك الشجن الدفين في النص

                  و النص أخذ لبي حقيقة، أعرف شخصا، يفوق الستين و رايته باكيا على قبر زوجته التي لم تكن تنجب و عاش معها أكثر من أربعين عاما دون أي محاولة للزواج عليها أو تطليقها، و كاد يضربها عندما عرضت عليه امرأة تخطبها له.

                  هناك رجال كثير، و هناك نساء كثير، فلنكتب عنهم و ننصف هذا المجتمع أحيانا.

                  قصة بثت جرعة كبيرة من المل برئتي فشكرا لمتعة القراءة

                  تقديري و احتراماتي أستاذة أم عفاف
                  أخي بسباس عبدالرّزّاق
                  حقيقة أكبر فيك مبادرتك بالدّخول إلى نصّ قد يبدو من طوله منفرا
                  أكبر فيك تحضّرك وإنسانيّتك بلجوئك إلى الخاص لدرء شبهة
                  جميل منك ذلك
                  وكن على يقين أنّني سأحمل لك ذلك الجميل
                  وإن اختلفت معك
                  أحببت أن أعرف ماذا تقصد بمل فأنا لم أتوصّل إلى المعنى بإمكانيّاتي المتواضعة
                  سرّني كثيرا أنّ النّصّ أعجبك
                  كن بألف خير
                  مودّة

                  تعليق

                  • بسباس عبدالرزاق
                    أديب وكاتب
                    • 01-09-2012
                    • 2008

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة أم عفاف مشاهدة المشاركة
                    أخي بسباس عبدالرّزّاق
                    حقيقة أكبر فيك مبادرتك بالدّخول إلى نصّ قد يبدو من طوله منفرا
                    أكبر فيك تحضّرك وإنسانيّتك بلجوئك إلى الخاص لدرء شبهة
                    جميل منك ذلك
                    وكن على يقين أنّني سأحمل لك ذلك الجميل
                    وإن اختلفت معك
                    أحببت أن أعرف ماذا تقصد بمل فأنا لم أتوصّل إلى المعنى بإمكانيّاتي المتواضعة
                    سرّني كثيرا أنّ النّصّ أعجبك
                    كن بألف خير
                    مودّة
                    أستاذتي القديرة أم عفاف

                    يبدو انني نسيت تعديل الكلمة رغم نيتي للذهاب لتعديلها
                    المل: هي الأمل و عذرا لتقصيري على التعديل-الآن عدلتها-

                    تقديري و جل احترامي
                    السؤال مصباح عنيد
                    لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                    تعليق

                    • أم عفاف
                      غرس الله
                      • 08-07-2012
                      • 447

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة أحمدخيرى مشاهدة المشاركة
                      الاخت الكريمة " ام عفاف "
                      قصتك لا تحتاج رد عادى او " مجرد مجاملة عابرة "
                      فـ ما رآيك فى محاولة نقدية او تحليلية لـ قصتك هذه بدلا من المشاركات المعتادة
                      فى إنتظار ردك

                      تحياتى .
                      أخي أحمد خيري
                      وهل يحتاج ذلك إلى استئذان ؟
                      على الرّحب والسّعة وأكون جدّ ممتنّة
                      المجاملة والتّنويه والمدح لن يفيد في شيء ولن يزحزح كاتبا عن موضعه الّذي هو فيه
                      إنّما النّقد والتّوجيه والتّحليل هو ما يفيد
                      لن يفيد في القصّة التي تناولتها الدّراسة النّقديّة ربّما لأنّها أخذت شكلها النّهائي
                      ولكنّه سيفيد في التجربة إجمالا .أقصد التّجربة الأدبيّة .
                      وستبقى التّوجيهات دواة لكتابة القادم من النّصوص
                      وعليه شكرا سلفا وإليك نصّي أدخله المشرحة
                      وأهد إليّ عيوبه رعاك الله وحفظك
                      تقديري لهذا الدّخول المميّز
                      كلّ الودّ
                      التعديل الأخير تم بواسطة أم عفاف; الساعة 08-03-2014, 20:06.

                      تعليق

                      • أحمدخيرى
                        الكوستر
                        • 24-05-2012
                        • 794

                        #12
                        السيدة الفاضلة " ام عفاف "
                        بداية اسمحى لى ان اشكرك على متعة القراءة ..
                        وأجدنى هنا لـ اعترف كذلك " انى طالبت او استئذنت فى نقد قصتك هذه " لانى اجد فيها سببا لوجودك هنا ، وطرحها فى هذا التوقيت ..
                        انت بـ قصتك هذه " تريدين ان ترسلى رسالة ما تقولى فيها " هكذا تكون لغة القص .
                        هى رسالة تحدى ، وانا أحب هذه اللغة بالمناسبة ..
                        حقا انا استمتع بـ الفترة التى اقضيها فى الملتقى " برغم انى احصـرها دائما فى شهر او شهرين واتركه ثم اعود ثانية ، والسبب إيضا " انى مندمج مع منتدى آخر ، واقسامه السياسية " حيث المعارك والسبابات والايقاف والحظر اليومي للاعضاء والاداريين هو سيد الموقف مما يجعلنى افقد مهاراتى الكتابية مع الوقت فـ اعود إلى هذا الملتقى " والحمد لله ان به اقلام تستفز روح الكاتب وتجعله يخرج اجمل ما فيه "
                        نعود إلى قصتك اختاه " وآراك متآثرة نوعا بـ ادب فيكتور هوجو " حيث الدراما السوداء " تسيطر على جميع الانحاء ، حتى ييأس المرء من الامل نفسه " ثم تاتى المفاجأت مع الخاتمة " وتتحول إلى خواتم سعيدة "

                        اخترت لغة عاطفية صرفة " نعشقها نحن العرب .. والكتاب والادباء اكثـر من غيرهم " ربما لانهم أكثـر حساسية " وهى لغة الالم ..او المعاناة او المآساة " وعندما يآتى هذا التناول فى سياق ادبى باذخ السرد والوصف " مع تمكن من الحبكة والتسلسل " فـ لابد ان تلمس القصة شغاف القلوب ..
                        العنوان " اشرعة المستحيل "
                        يبدو كـ عنوان غيـر متناسق بالمرة " بل ومبهم ومتناقض "
                        فـ الشراع يعنى الامل ، الحرية ، الحلم ، الحياة كلها " يرمز لها الشراع الذي " يسير المراكب ، والحياة كلها "
                        بينما المستحيل " يعنى الضياع او الفراغ واليآس والظلام
                        فجمعهما فى معنى واحد " كان غريبا علي " حتى جاء ذكرهما فى القصة فى جملة عابرة "
                        صنعت تنويرا كامل للمعنى ..
                        وكذلك وضحت القصة ككل " انه لربما كان هناك املا سيحتوى يوما هذا اليآس او الضياع "
                        وقد كان كما جاء فى الخاتمة ..
                        نأتى لـ نقاط القوة والجمال فى القصة " بالعامية المصرية وبالبلدى " بطمعك فى قصتك قبل ما اكرهك فيها "
                        ونقاط القوة اهمها " الخلفية الشعرية لك كـ اديبة " انا لم اقرأ لك شعرا او خاطرة " ولكن اكاد ان اجزم انك شاعرة " فـ تنسيق النص وإيجاد المعانى والمرادفات التى تضفى عليه " لا يمكن لكاتب قصصى عادى ان يفعلها اللهم " المتخصصون فى اللغة العربية او الشعراء فقط "
                        الكاتب العادى يستغل الحبكة " أكثـر ليغطى على ضعفه فى الحصيلة اللغوية والمفردات المتشابهة "
                        ثم كان عامل السرد " وهنا كان انسيابا وناعما وسلسا جدا " بمعنى انه لا يقفز ، ولا يضجر "
                        فى القصص الطويلة يقع الكاتب فى اخطاء القفز " فيهرول من قصته ويقتطع من الحدث " فتحدث فجوة تسقط المتلقى فى استنتاجات " حول سبب هذه الفجوة " وغالبا ما تسقط الحبكة
                        او يستمر الكاتب فى السرد الرتيب " فيضجر القارىء ، ويترك القصة من منتصفها ، وربما يقسم الايقرأ لـ هذا القلم ثانية "
                        هنا أنت إجتزت كلاهما بـ حرفية رائعة " تحسب لك وتحسدين عليها " فلم نجد القفزات ، ولم نضجر من القراءة بل استمتعنا بها ..
                        نآتى للجمل التى صنعت من القصة تحفة راقية ، وانا اخترت منها التشبيهات التى راقتنى مثل :.
                        أطأطئ متوارية خلف صمتي وأنا ألحظ اهتمامه بجدائلي المنسدلة خلفي، وتطلّعه إلى قوامي .كان الكلام يفرّ إلى داخلي، فلا أجد صوتي لأردّ على دعاباته الجريئة، وتفرّ دمائي فزعا ويده تقبض على ذراعي، وتشكّ الإبرة جلدي، فأحسّ الوخزة في قلبي، وينتشر الجمر على وجنتيّ، وتعبث برأسي بوادر الدّوار
                        رائعة جدا فى هذا التوصيف لحالة القطة المغمضة " والولد المعجبانى اللي بيحب القطط "

                        جميل جدا ان ارى الكاتب يصف " إحساس المراهقة فى جمل موجزة .. فهنا كان الوصف الجسدى " بشكل بسيط وبدون ايحاءات وفى الصورة الشعبية المعروفة والمحببة كـ جدائل الشعر والقوام الممشوق ، واحاسيس الحب الاول لدى المراهقات المرتبطة بالخجل " كانت فى أجمل صورها مع جملة وينتشر الجمر على وجنتى " إلم اقل انك شاعرة !!

                        الحرفية التشبيهية كانت متجلية فى هذه الجملة "
                        قال بصوت سحيق علاه الصّدأ:
                        فهى تعبر عن مدى الخوف التى شعرت به " من لهجته فـ كانه صوت لوحش اسطورى .. ياتى من جب عميق ..
                        دائما عندما نكتب قصص فانتازية ، ونصف الشيطان مثلا " نقول صوت سحيق او صوت عميق او رنان ياتى من خلف الظلام من او يم عميق او بئر سحيق وهكذا ..
                        الغرض من استخدام الجملة كان " وصف حالة الخوف عندها .. وصعوبة الحديث لديه ..
                        ولكن اللغة جعلتها مفرودة ، وتصلح لكل شىء

                        فى جمل ولا اروع " كانتض هاتين الرائعتين :.

                        أعرف أنّه يتعمّد كسر المرايا بالبيت، ليجمع الشّظايا ويلقيَ بها وهو في طريقه إلى العمل
                        . أعرف أيضا أنه ينبش في حقيبتي متحقّقا ممّا إذا كنت قد اشتريت واحدة وأنا في طريقي
                        "

                        ولا املك الا ان اقول رائعة " وبالمناسبة " سـ اقتبس شىء من هذه الجمل .. فى كتاباتى المستقبلية او المعنى منهما " فلم تصادفنى من قبل "

                        الشراع او الاشرعة " جائت فى مناسبتين " الاولى
                        تآلفْت مع الألم ،أرخيِت أشْرعتي لأمواجه تعـْبث بخلايا جسدي،
                        والثانية " ولولا كريّات الأمل تسري عبر أضيق شراييني لتراود أشرعة المستحيل ،لكنت فريسة سائغة لمواقف جدباء .

                        وكلاهما جاءت فى مناسبة مختلفة
                        فـ الاولى تشبيه لـ هذه المسكينة وكانها مركب عجوز بالية " فقدت الامل فى مواجهة امواج البحر الهائج "

                        والثانية كما سبق وقلت كانت مفتاح التنوير بالنسبة لى .

                        جملتان فى هذا العمل لم تروقا لى " واسمح لى فـ انا من الطراز القديم الذى لا يحب الخلط بين الابداع وتخطى بعض الخطوط التى اعتبرها حمراء " على نفسي طبعا ولا افرضها على أحد " فلكل منا وجهة نظره "
                        وهما "أيّ خطإ ارتكب القدر ليجمع بين مصيرينا " وارى فى هذه الجملة عتابا غيـر محمود بالمرة " فـ القدر عند بعض المفسرين هو الخالق . " ولا عتاب على الخالق حتى ولو فى اطار ادبى او ابداعى " او هكذا انا افعل فى كتاباتى ولا افرضه عليك .

                        اما الثانية " رائع جدّا أن تهب مخلوقا الحياة، رائع جدّا أن تماهي الخالق في روعة الخلق.


                        التشبيه هنا فلسفى بحت " وهو تعبير وجودى اقتبسه كل فلاسفة الوجودية .. من بعضهم البعض ولا احد يدرى من اول من وضع هذا التعبير الوجودي " وكثير من الكتاب يستخدمونه " ولكنه يصنع بلبلة .. ويصنع إتهامات ، ويصنع تكفير كذلك " إذا ما قرأه أحد محدودى الثقافة او متصيدى الجمل " وربما يسقط العمل كله " لـ مجرد تشبيه يمكن التغاضى عنه .

                        يتبع

                        .....
                        التعديل الأخير تم بواسطة أحمدخيرى; الساعة 09-03-2014, 01:57.
                        https://www.facebook.com/TheCoster

                        تعليق

                        • أحمدخيرى
                          الكوستر
                          • 24-05-2012
                          • 794

                          #13
                          نأتى لـ الملاحظات السلبية فى القصة :

                          بداية كانت أكثر من رائعة فـ هى تعبر عن حاضرها ، وهى فى حالة المرض " والجميع ينظرون اليها بين مشفق ، وغيـر ذلك " ثم كانت قفزة راقية ، وسلسة إلى الفلاش باك وكيف التقيا ، ثم عودة إلى فيض الاسئلة ..
                          وهنا سـ اقتبس " جملة " لـ صديقى الاديب الراقى " حارس الصغيـر "
                          فى وصف هذا الفيض من الاسئلة التى تدور فى نفس الفلك وهى عبارة " عن ديالوج داخلى " يكرر نفسه .
                          لن اقول أنى اصبت بالملل " ولكن كان يمكن الاستعاضة عنها " بـ حوار موظف حتى ولو مع النفس " بدون علامات استفهام "
                          كثترة الاستفهامات فى القصة " عندما يكون السرد " بـ لسان الراوي " تخرجها من حالتها القصصية لـ تتحول إلى صفحة مذكرات ..
                          وصفحة المذكرات " لاتحسب للكاتب " لانها تعبر عن نفسه " هكذا يراها المتلقى .
                          فكأنك تصنعين كتابا مفتوحا " يجعل القارىء يتعايش معك انت لا مع القصة "
                          انا رصدت قرابة الـ 30 علامة استفهام
                          اى 30 سؤال " ما بين حوار مع النفس او فى الديالوج الموظف "
                          وهنا يجب ان نختار التكثيف او الاختزال " حتى لا نشوه العمل بـ كثرة الاسئلة المتلاحقة "
                          صحيح ان جمال السرد والحبكة ، والحصيلة اللغوية " صنعوا تحفة رائعة ، ولكن كثـرة الاستفهامات شوهت جزء كبيـر منها " كان يمكن ان تكون متكاملة "

                          ناتى للملاحظة الاخيـرة وانا اعتب عليك فيها " اعتبرينى آخا واقبل عتابى هذا "
                          كان هناك استعراض واضح للجمل " استخدام المعانى فى مرادفات مختلفة يفيد العمل جدا ، ويضره فى نفس الوقت
                          " انا حامل " تكررت فى 4 جمل " كل واحدة تفيد بمعنى الاخري ، وهى توصيف الفرحة الطاغية ، بـ استخدام معانى مكررة على سبيل الترادف لا التشابه ..
                          وهذا نوع من الاستعراض " السهل الممتنع "
                          بمعنى انا اكتب جملة ومعناها ومعنى معناها ومعنى معنى معناها " هكذا قراتها " ربما لا يكون هذا المقصد " والمعنى فى بطن وعقل الكاتب "
                          ولكن تكرارها على هذه الوتيرة يفيد " الرواية والمسرحية " اكثـر من القصة القصيرة .
                          السيدة الفاضلة " ام عفاف "

                          هناك اسماء تدفعنى لدخول هذا المنتدى حقا
                          اسماء احب القراءة لها سواء اتفقت او اختلفت معها
                          مثل الاستاذ ربيع ، وعائدة ، ونجاح عيسي ، وحسن لختام ، وبسباس عبد الرزاق وآمانى مهدية وفكري النقاد وحارس الصغير و فوزى بيترو وكان هناك قلم اتمنى ان اقرا له ثانية هو فتحى اسماعيل وآخرين
                          واخيرا انضم إلى هذه الاقلام الراقية الجميلة كلا من حضرتك والاخ عبد السلام الهلالى

                          فهنيئا لـ هذا المكان بوجودكم فيه ..

                          اعتذر على الاطالة

                          واتمنى الا اكون قد اثقلت عليك او ضايقتك بـ شىء من ملاحظاتى

                          اشكرك سيدتى ثانية على هذه الرائعة

                          وعلى سماحك لي بالدخول ومحاولة تحليلها او نقدها

                          تحياتى
                          التعديل الأخير تم بواسطة أحمدخيرى; الساعة 09-03-2014, 02:26.
                          https://www.facebook.com/TheCoster

                          تعليق

                          • أم عفاف
                            غرس الله
                            • 08-07-2012
                            • 447

                            #14

                            الحمد لله
                            تحيّة تليق بشخصكم الكريم
                            أخي أحمد ،أوّلا لابد أن أشكر لكم هذا الجهد المراد به البناء .
                            وإنّني لفي منتهى الاستعداد للتّفاعل الإيجابي البعيد كلّ البعد عن التّعصّب والعناد .
                            أوّلا ، على باب الإبداع نقف كلّنا سواء، وليس فينا من يقول هكذا يكون القصّ أو هكذا يجب أن تكونوا .
                            وإنّني أشهد وأعيد في كلّ مرّة بأنّ كلّ ما آتيه من فعل الكتابة هو نعمة ساقها الله إليّ، وشعوري: أنّني ولدت بأذن ذوّاقة لهذه اللغة السّاحرة .ما يعني أنّني إن كتبت شعرا أو نثرا فهي اللّغة كما تردني وكما نسجت تراكيبها سليقتي وانتقت مفرداتها ذائقتي .
                            وقد كتبت الشّعر فعلا ولي محاولات كثيرة فيه ولكن لأنّ اشتباه أن يكون الشّيطان هو من يوحي إلي بذلك القول فقد تركته ولكنّني لا أستطيع أن أكتب قصّا إلاّ بلغة شعريّة .
                            إذن ففكرة أنّني أدرج هذه القصّة لأستعرض قدراتي فلا .ووالله لم يراودني ذلك إطلاقا وقد سبق وذكّرت بأنّني صاحبة حساب سابق باسم صالحة غرس الله في الموقع ولي نصوص أخرى كما وأنّني نشرت عنوانا لفت بعض الأنظار (شياطين الإنس) .
                            ولكن الواقع أنّني لست ممّن يحبّون الظهور كثيرا في كلّ مرّة بعنوان. فليست العبرة بالإكثار ،أو الانتشار .
                            وحاليّا أعاني عدم وجود حافز قويّ للكتابة فأن أكتب وأكدّس العناوين على الّنت ليس بذي بال طالما أنّني استوفيت حقّي من التجربة ولابدّ أن أنتقل إلى تجربة أخرى أرقى ربّما تجعلني أطوي صفحة كلّ ما كتبت إلى غيره .
                            وهنا فقط تتّضح الرؤيا لي وحتّى لغيري بأنّني فعلا أبحث عن صقل التّجربة والتحقّق من صحّة المسار وبعده عن الشبهات.
                            هل تعتقد أنّني صاحبة تجربة مكتملة ونضج أدبي يجعلني أقف على منصّة السّؤال ؟
                            نعم أنا كذلك إذا كنت متعمّدة التّطاول مصرّة على التشبّث بآرائي وفيّة لجملي كما صاغتها الكتابة الأولى .
                            أنا يا سيّدي أحمل ثقافة جيل .
                            نعم قرأت لكل المفكّرين بكلّ الإيديوليجيّات التي روّجوا لها ،ما كان في شكل كتابات أدبيّة خاصّة ،ولم أنتم في يوم ما إلى حزب ولا إلى طائفة .أنا مسلمة ولا بديل لي عن إسلامي .وأؤمن في خضوع العبد الذّليل لكنّني أخطئ .
                            وأتعثّر وأتعلّم من أخطائي ,لم يكن ما كتبت بداية على ذلك النّحو إلاّ أنّ مراسلة من الأخ بسباس عبدالرّزّاق جعلتني أعدّل وأغيّر العبارة إلى ما هي عليه .ربّما بالنّسبة لي العبارة على ماكانت عليه أقلّ خطورة .
                            إطلاقا لا يمكن أن يكون المقصود جراءة على جعل المخلوق يرقى نحو الألوهيّة .ولا أن أنزل بالخالق جلّ شأنه إلى مرتبة أقلّ من علاه .
                            إنّما المقصود أن يأخذ المخلوق من صفات الخالق وما أبعد ذلك عن متناوله .لأنّ صفات الخالق كما نعلم مطلقة ومكتملة بلا نقص .
                            أمّا الإنسان فهو يأخذ من الصّفة طالبا أمرا هو غير مدركه .
                            الكمال صفة إلهيّة .وبعض الصّفات يطلب منّا الله أن نتّصف بها كالرّحمة والعفو والمغفرة .وهو الجبّار ويطلب منّا أن نبتعد عن التّجبّر .وحين تكلّمت عن صفة الخلق فكأنّما أتكلّم عن صفة كالوجود .الله خالق كل ّ شيء ،الله خالق الإنسان ليكون خليفته على الأرض .
                            والإنسان حين يكون سببا في وجود من يخلفه له صفة الخلق لكن شتّان بين السّبب الأوّل للخلق والوسيط .
                            ما أقصده سيّدي لا يتعدّى هذا المعنى ولو كان علم الكلام يفرض أن أبتعد عن الشبهة فسمعا وطاعة .
                            لكن لديّ ملاحظة .شخصيّا أتحرّج كثيرا من إطلاق صفة القديرة عليّ وأراها أخطر بكثير من كلامي ولا من معترض .
                            والحال أنها الصّفة التي تشبه صفة العلوّ والتكبّر والتجبّر التي تكون وبالا على الإنسان في حال الاتّصاف بها .
                            أعود إلى العبارة الثانية التي أشرت إليها .
                            وهي أيّ خطأ ارتكب القدر .....؟
                            هذا كلام ورد أيضا على لسان أحدهما ولأنّ النّهاية كانت على ذلك النّحو فإنّ هذالطّرح مفنّد بما يعني أن القدر لم يخطئ وإنّما هي التي أخطأت في تقديرها حيث كان الجمع بينهما آية أخرى على رحمة الخالق وعفوه وتجاوزه على الزّوج الّذي أخطأ بحقّ نفسه وبحق دينه بخضوعه لنصل يؤجّل الخلفة من قبل البناء وهذا ما يغامر بتعريض العقد للبطلان .
                            أضف إلى أنّه وهبهما خلفة مع صعوبة الأمر وندرته .
                            سيّدي أطلت كثيرا .أرجو أن يتّسع صدرك لما أكتب كما أرجو أن تتقبّلوا فائق الاحترام وأكيد أنّ لي عودة لمواصلة الرّدّ على ما أثرت من نقاط سلبيّة حتّى لا أثقل عليك أكثر الآن .



                            تعليق

                            • حسن لختام
                              أديب وكاتب
                              • 26-08-2011
                              • 2603

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة أم عفاف مشاهدة المشاركة


                              أشرعة المستحيل...



                              الكلّ من حوْلي يتساءلون عن السرّ في تعلـّقي بالحـياة، عن إصراري على مواصلة العيش وتمسّكي بكلّ أسباب البقاء.
                              يرمقني البعض بأعين الشّفقة والرّأفة ،و يحدجني البعض الآخر بأعين الإدانة والاستنكار.
                              ينكرون عليّ مشاركتي زوجي كليتيه ،والأوْلى برأيهم أن أنسحب من حياته، أمنحه فرصة إنجاب طفل يحمل اسمه، وأقيله معاناة طالت في سباق لا ينتهي مع أساليب العلاج والتطبّب .
                              هم يعرفون يقينا أنّني سأموت إن لم يهبني أحدهم كلية،يعرفون أنّ وجودي متعلّق بكلمة تنتشلني من بين أنياب الموت .
                              يوم تقدّم لخطبتي، كنت لازلت تلميذة تتعثّر خطاي خجلا كلّما دعت مواعيد التّلاقيح التحاقنا بقاعة التمريض في المعهد .أطأطئ متوارية خلف صمتي وأنا ألحظ اهتمامه بجدائلي المنسدلة خلفي، وتطلّعه إلى قوامي .كان الكلام يفرّ إلى داخلي، فلا أجد صوتي لأردّ على دعاباته الجريئة، وتفرّ دمائي فزعا ويده تقبض على ذراعي، وتشكّ الإبرة جلدي، فأحسّ الوخزة في قلبي، وينتشر الجمر على وجنتيّ، وتعبث برأسي بوادر الدّوار، فأتراجع إلى الخلف راصدة ابتسامته الّتي طالما أرّقت طفولتي.
                              اجتمع رأي أهلي على أن الفرصة قد لا تتاح أخرى فلم أناقش الأمر ، ولم أتمرّد على قرارهم انقطاعي عن الدّراسة .
                              أثبتت تصرّفاته مع الزّمن، أن اختياره إنّما كان لتلك القطـّة المغمضة فيّ، فلم يصدّني ذلك عن الاستمرار.
                              بارك الجميع وثاقنا، ورأوْا فينا مثالا لنواة عائلة ناجحة ...
                              فلماذا يرشقوننا بأعين الاستنكار إذن ؟
                              ولماذا لا يتركوننا في حال سبيلنا الآن ؟
                              قد يكون الذي تتجاوبت أصداؤه بأخيلتي، مجرّد شكوك،عشّشت وتنامت . لعلّهم لا يهتمّون لأمرنا ولا يتابعون أخبارنا، غير أنّني من الحبّة أبني قبّة .
                              ما كنت أحتاج لجهد كبير لأتسلّل إلى أدمغتهم،وأعرف ما تهْجس به أفكارهم :
                              "كيف لشابّ مثله أن يدفن شبابه معها..؟
                              من أين له بكلّ هذه الطـّاقة على الاحتمال.. ؟
                              لولا أنها عديمة الإحساس، ما قبلت على نفسها أن تقضي عليه، وتربط مصيرها المظلم بمصيره.
                              ماذا تريد منه أكثر ممّا أخذت ؟
                              كيف ترضى أن تقتطع من سنوات عمره لتضيفها إلى عمرها ؟
                              ثمّ ما جدوى أن يهبها إحدى كليتيه إن كانت ستبقى عقيما في كلّ الحالات ؟
                              همهمات تخترق سمعي في البدْء كانت، ثمّ تحوّلت إلى وشوشات ومن ثمّ أخذت شكلها وما عادت تتنكّر .يتعمّد البعض أن يخز بها مشاعري منتظرا أن أردّ الفعل بشكل ما ،أثور،أو أسلّم نفسي للغياب .
                              إلاّ أنّني تصنّعت الغباء وتظاهرت بعدم الاكتراث رغم أنّ النّار تلتهم ريش أجنحتي .
                              مرّت السّنوات الثّلاث الأولى لزواجنا رتيبة. لم يكن يتحدّث في موضوع الإنجاب، على العكس، كان يحاول تشتيت تفكيري كلّما تطرّقت إليه، وكلّما عرض لنا الحديث عن الأطفال، شغلني بشكل ما، وجرّني إلى موضوع آخر غير مبدٍ أيّ اهتمام.
                              ولم تخْفَ دهشتي أمام لامبالاته.
                              ورغم الغموض الذي كان يكتنف إطراقته لم أتوجّس وأقبلت على الحياة بذراعين مفتوحتين.
                              تجاهلت أسئلتهم وإلحاحهم اللـّجوج من أجل معرفة من المسؤول عن عدم الإنجاب.تركتهم لجحيم فضولهم وأعلنت الصّيام .حاولوا إثارتي مرّات ثمّ ما لبثوا أن استسلموا لصمتي على مضض.
                              حاذاني ذات مساء ،سحب من يدي جهاز التحكّم ،داس على الزّرّ لإطفائها ثمّ قال بصوت سحيق علاه الصّدأ: " حان الوقت لتذهبي إلى الطـّبيب...يكفي الوقت الذي ضاع ."
                              كاد يفلت منّي لساني ،كدت أصرخ:
                              " وهل ذهبت أنت إلى الطّبيب لتجزم بأن العيب فيّ أنا ؟"
                              وكأنّما قرأ أفكاري، هزّ رأسه، أضرم في صدري حريقا من الارتياب ومضى إلى الفراش...ولم أنم ليلتها.
                              لابدّ أن يكون ذهب، وإلاّ فمن أين له بكلّ هذا الوثوق؟
                              العيب فيّ لمحالة...
                              لكن لماذا يأخذ القرارات بمفرده ؟
                              ولماذا ينتظر خمس سنوات كاملة ؟
                              لم أمانع، وذهبت صاغرة، لتبدأ رحلة عذابي...
                              مع أوّل وصفة انقلب حالي وتعكـّرت صحّتي وانهرت كصرْح قوّضه دمار مباغت .تورّمت أطرافي،وغزت تربة بشرتي كدمات رمادية ،وانطفأ بريق عيني ّ . كلّ ما في، صار نسخة مشوّهة منّي.وفقدت سجيّتي ...أصوات جنائزية رتيبة تؤبّن خيوط الأمل الواهية في روحي ...كوابيس ضبابية تراود إغفاءاتي المتقطّعة، أصحو في كلّ مرّة على تصدّعات جديدة تغزو جسدي العليل .خلل باطني ّ شامل،حالة إعياء تشلّ عضلاتي وتهدّ ركبي.
                              أعرف أنّه يتعمّد كسر المرايا بالبيت، ليجمع الشّظايا ويلقيَ بها وهو في طريقه إلى العمل. أعرف أيضا أنه ينبش في حقيبتي متحقّقا ممّا إذا كنت قد اشتريت واحدة وأنا في طريقي لوحدة التصفية الاصطناعية .
                              وهل كنت أجد الجرأة التي أقف بها على أحد الباعة وأقتنيَ مرآة ؟
                              ماذا كان البائع سيقول في نفسه؟
                              لم يمنع ذلك أن أرى قبحي... كنت أراه في أعين المارّين بي، في نفورهم، في شّفقتهم، وفي الاستنكار الناّبت على أهدابهم.
                              وكان يحاول التماسك عند مواجهتي ،يجتهد كي لا ألاحظ تهرّبه من النظر إلى عينيّ.
                              وماذا كان بيدي أن أفعل ؟هل كنت أستطيع أن أردّ الزّمن إلى الوراء لأستثير حبـّتيْ الكرز اللّتين توقفتا على النّموّ منذ طفولتي المبكّرة ؟هل كان بإمكاني أن أوقظهما من سبات استمرّ أكثر من عشرين سنة ؟
                              لم أكفّ عن عقص شعري بنفس الطريقة التي يحبّ، أي نعم،ولم أتوقّف عن رشّ العطر الذي كان يحبّ، ولا غادرت مكاني في الفراش، لكن من أين سأجيء بشوق يدفع بي إليه ؟ وكيف سأبعث الرّوح في جسد بارد ؟
                              تآلفْت مع الألم ،أرخيِت أشْرعتي لأمواجه تعـْبث بخلايا جسدي، وتحاملت على وهني لأفرض وجودي في مملكة أحاول أن أكون أهلا لها ،لم تغب الأكلات التي عهدها عن المائدة رغم أنّها محرّمة عليّ.لم تتغيّر مواعيد مغادرته البيت وأوبته إليه.
                              لاشيء تغيّر في عاداتنا عدا توقفنا عن زيارات الأهل والخروج للتسوّق معا،مع ذلك كان يرافقني بسفراتي المتكرّرة حريصا على ملازمتي في الباخرة، يجالسني ساعات في القاعة التي تشهد الرّحلة الطّويلة لدمائي المفعمة بالسّموم لتعود إليّ بعد "الفلترة" نقيّة بطبيعة الورد. يقرأ لي النّكت والطّرائف ويبتزّ منّي ابتسامات واهنة .
                              حين أخبرني الطّبيب أن إمكانيّة الحمل واردة في أوّل زياراتي له، سرتْ إلى دمي حفنة ضوء أنارت ما بين أضْلعي واتّسع صدري بحجم حنيني لاحتضان مولود يزرع الفرح في أرجاء البيت.لم يكن يراودني شكّ بكلامه :" إنها بعض المنشّطات ستحفّز المبيضيْن على الاجتهاد والانتظام في الإباضة لا غير "
                              ها هو نفس الطبيب يصرخ:" كيف يمكن أن تكون هذه حالتك ولا تتفطنين للأمر؟ كليتاك متوقّفتان عن النموّ منذ الطّفولة، كيف لا تشْتكين من شيْء ؟"
                              يقف زوجي صامتا كالجدار وأشهق بلا صوت ولا أحرى إجابة .
                              هل كان أحد في العائلة يعلم بذلك ولم يخبرني ؟ هل كانت أمّي على بيّنة من الأمر وأخفته عنّي حتّى لا تحمل وزري عمرا كاملا ؟ لماذا تفعل بي ذلك ؟ ولماذا لم ترصد أجهزتي إنذارات تشي بخطورة الوضع ؟
                              حملت مصيبتي وأسئلة كثيرة تتزاحم على غير هدى في ذهني، وقفلت أجترّ خيْبتي.
                              ماذا يجب أن أفعل الآن ؟هل سيتخلّى عنـّي ؟ألن يضيق البيْت الذي احتواني بحرا بعلّتي ويلفظني كما النّواة ؟ ألن .......؟
                              الخطوات التي تفصل بيننا ترامت كثْبان رمالٍ، الشّمس ما عاد يصلني دفؤها، كل عضو مفصول عن الآخر في جسدي الواهن، أصوات غريبة تستحثّني لأقتلع كتل الخطى من جليد ذاكرتي.أبحث عن مكان أدفن فيه آلامي فلا يتراءى لي غير امتداد الصّحراء يتلألأ سرابها هازئا.
                              أبْكيني بلا صوت، بلا دموع، وترتجف أطرافي كوريقة خريفية ترْقص رقْصتها الأخيرة ،أختلج والغصّة في حلْقي وتقترب منّي أنفاسه متسارعة ،تسري إلى جسدي حرارته ،يحتويني، يعتصر جذعي قائلا:" ابكي ، لا تصمتي هكذا .....لن تموتي، لن أتركك تفعلين.ستعيشين مع "الدّيال" سيكون كلّ شيء على ما يرام حبيبتي ،لا حاجة لي بأطفال ،أنا أريدك أنت،لست الأولى ولا حالتك هي الوحيدة."
                              ها قد استنفذت كل حظّي من الحياة مع التّصفية الاصطناعية وما عادت تلك الآلات قادرة على مماطلة الموت. ما العمل إذن ؟
                              أمّي تجاهلت الأمر، لا بل رفضت، قالت أنّها تخاف من العمليّات .وإخوتي لا يمتلكون القرار، فمنْ منْ زوجاتهم أو أزواجهنّ سيرضى أن يُنتقص من جسده عضو ؟من منهم سيتنازل لي عن قطعة من جسده .

                              أعود إلى ذاتي فلا ألوم أحدا، وتضيق بي الدّنيا، فأدفن وجهي في صدره، وتغسلني الدّموع فأجهش وأرفع رأسي للالتقاط أنفاسي فإذا الوسادة وحدها تحضن آهاتي وإذا هو يقف مع النافذة وسحب من الأفكار تحول بيننا.


                              لم يزد تصوّري عن المرأة كونها شرّ لابدّ منه،لذلك ترسّخ الاعتقاد لديّ بأنّ الحكيم هو من يتّقي مكرها قبل الوقوع في شباكها .
                              كانت أمّي مصدر نغص دائم لوالدي.لم يجمع بينهما ودّ أبدا، هي دائمة الشّكوى والتذمّر. وهو دائم التقريع والشّتم .كان البيت ساحة وغاء دائمة .وكنت وإخوتي الثمانية أسلحة متناوبة بينهما.
                              لم أتوقّع حياة مختلفة، ولم أشأ لأبنائي أن ينشؤوا على نحو ما نشأنا .
                              لم تعنني المرأة الّتي اخترت إلاّ من حيث أنها ستكون عجينة طيّعة.وأنها لن تلويَ العصا في يدي يوما ،أو تهدّدني بفلذات كبدي .
                              تحسّبا تطوّعت لأكون ضمن فريق صحّي يعمل على عيّنة تخوض تجربة مصل جديد يعطّل خصوبة الرّجل خمس سنوات كاملة.قطعت كلّ المراحل بعزيمة الواثق من الانتصار، حسبت وقتها أنّني نجوت من سطوة الأنثى وغيّها.
                              كيف لم أتردّد ؟ كيف لم تراودني فكرة أن تكون زوجتي مخلوقا لطيفا قادرا على منحي مساحات مترامية من السّلام ؟
                              حين تحملني الذّكرى إلى ذلك الحدث الغريب تملؤني الدّهشة وتطرق مطارق الأسئلة العصيّة رأسي في عنف.
                              مضت السّنوات الخمس شديدة الوطأة على فؤادي. تمالكت نفسي كي لا أفشي سرّي في لحظة ضعف عارض.
                              الفراش مرشوش بالإبر، وعيناي فتيلتان تتراقصان على إيقاع الوجع بداخلي،وهي مخلوق ضعيف تتلمّس الفضاء بحثا عن كائن كان يسكنني فيها.
                              أين سأرسو وأيّ مرفإ سيسع أحزاني ؟
                              أأكون بلا قرار؟
                              تتعالى الأصوات من حولي :
                              "هذه مقادير الله ..."
                              "ماذا تستطيع أن تفعل لها ؟"
                              " مازلْت في مقتبل العمر..."
                              "لا تحرم نفْسك من أجلها ..."
                              "عائلتها أولى بها الآن ..."
                              "العمر لا ينتظر..."
                              هل أملك أن أدير لها ظهري؟
                              وهل تملك هي أن تستمرّ بدوني ؟
                              أيّ خطإ ارتكب القدر ليجمع بين مصيرينا ؟
                              كنت أراها بعد حصص "الدّيال" بلا حراك كخرقة ألقت بها هدأة العاصفة، فلا أصدّق أنها الفراشة نفسها الـّتي كانت تتنقل في زوايا البيت، تعطّره بأنفاسها ،ترشّ فيه ألوانها ،وتترك بكل شبر منه أثار لمساتها.
                              تماما كما رأيتها بعد زواجنا فلم أصدّق أنها ذلك الكائن الذي ملئت منه توجّسا .وقرأت له ألف حساب.
                              ربّما كان يجدر أن أصمّ أذنيّ عن كل النّداءات الّتي تتقاذفني :رجاؤها فيّ..، سعي الأهل لجرّي بعيدا عن هاجس يحفّزني لقرار جريء أكبر من أيّ عقل..، رغبة شديدة في الاختفاء عبْر غيْمة بلا هويّة ،أوْ موْجة تسافر إلى جزْر بلا مدّ.
                              ما كنت في حجم أيّ قرار لو لم يكن ذلك الحدث الأسود في ذاكرتي،
                              وما كنت لأعرف الحدّ الفاصل بين الوجود والعدم، وأنا أقف تلك اللّحظات المهمّة جدّا في عمر شخص يتهدّده الموت لولا رغبة كامنة في ترك أثر مروري في هذه الحياة .
                              أن تكون سببا في وجود إنسان آخر، شعور لم يسبق لي معرفته لذلك ليس في متناولي وصفه، وأقوى منه تلك الرّغبة الجامحة في ملء الثقوب التي تعتري الوجدان بامتلاكه.
                              أعرف جيّدا قمّة ذلك الشّعور الّذي سيطر عليّ وأنا أقف في مفترق الطّرق، أختار بين المضيّ والرّجوع.أعرف جيّدا منتهى آلامها وهي تنأى في واد سحيق من الصّمت .
                              لم تكن تتوقــّع أن أخذلها .ولم يكن من السّهل أن أقامر بحياتنا معا .
                              لم أر الكون إلا من خلال كوّة تعيدني إلى سنوات العقم، تيّارات عاتية تدفعني لانتشال ذاتي من العدم. .
                              رائع جدّا أن تهب مخلوقا الحياة، رائع جدّا أن تماهي الخالق في روعة الخلق.
                              فلماذا لا أحظى بفرصة كيْ أكون أبا ؟
                              طالما تكهّنت بأنّ العدالة الإلهية ستقتصّ ممّا فعلت بنفسي قبل الزّواج .
                              لذلك غلب على ظنّي اليقين بأنّني سأظلّ فردا إلى آخر أيام حياتي.
                              ولولا كريّات الأمل تسري عبر أضيق شراييني لتراود أشرعة المستحيل ،لكنت فريسة سائغة لمواقف جدباء .
                              احتجت إلى كثير من الشّجاعة لأتّخذ قرارا غاية في القسوة.
                              "أنا حامل " همست بها ثمّ سحبت يدي لتضعها على بطنها وحفنة من اللؤلؤ تتراقص جذلا في عينيها .
                              "أنا حامل " لم يعد أمرا مستحيلا، ولا عادت ركلات الجنين تداعب أطراف يدي خيالا توحي به قصص الأفلام والمسلسلات . .
                              "أنا حامل " حقيقة عمرها شهقة غيّرت مسار النجوم وشحنت الكون بإشراقة حجبت عنّي الرؤية لحظات.
                              ما عاد في صدري متّسع لفرح قادم، ما عاد باستطاعة أنفاسي أن تواكب فيض التّيار الذي يسري عنيفا في وجداني.
                              هانت كل ّ العذابات التي التهمت عمري السّابق.تقلّص الماضي ليصير بحجم إعصار عابر .رمّمت العبارة كل التصدّعات والانهيارات التي أصابت أعمدة الروح في زمن الأحزان .
                              "أنا حامل ..." صرخة كونية تعانق المستحيل، تذلّله ليصير طيّعا في يد امرأة وهبتها مضغة بحجم ما تسع قبضتي، ووهبتني حياة ملائكيّة...
                              كلّ الأطبّاء اعتبروا نقل كلّيتي إليها مجازفة قد تكلّفني حياتنا معا، غير أنّهم لا يملكون بديلا آخر والوقت سيف مشهر بوجوهنا .
                              أذهلهم تفاعلها الإيجابي بعد العمليّة، أدهشهم انسجام خلايانا وتحسّن وضعها الصّحي المطّرد واعتبروا ذلك أمرا نادرا بين غير الأشقّاء.
                              أتساءل مرّات من أين تأتي بكلّ الطّاقة لنسج خيوط الفرح وإسدالها على شبابيك الدّار وجدرانها ؟
                              من أين لها بتلك الحيويّة لتصنع في كل يوم وجها جديدا تقابلني به عند الباب وتودّعني بوجه آخر يسيل عذوبة ؟
                              من أين تأتي بكل تلك الأسرار في تغيير نكهات الأطعمة التي تعدّ لي،حتى لا أجد ألذّ منها طعما ولا أطيب منها رائحة ؟
                              من أيّ خليط استطاعت أن تنشر روائح البخور التي يضوع شذاها في أركان البيت، لتدغدغ شعورا كامنا بالانتشاء كلّما أ ُبـْت إليه ؟
                              من أين تأتي بكلّ ذلك السّحر الذي يفتنني ويجعلني لا أرى الوجود جميلا إلاّ من خلال عينيها، ولا أجد الكون ربيعا، إلاّ مع ابتسامتها.
                              كنت أحسبها تراود حلما مستحيلا وهي تؤكّد لي أنها ستعيد إلي بعضا ممّا أخذت منّي. كنت أسمعها معتبرا كلامها مجرّد عزف ممتع تقف المتعة فيه مع نهاية الكلام.
                              لم أصدّق أنها قادرة على تحويل تلك الأنغام إلى حدث شبه مستحيل.
                              قص ممتع، وشيّق..ولغة راقية وأنيقة، بالرغم من بعض الهنات اللغوية. لكن، بعد عبارة" وسحب من الأفكار تحول بيننا" تغيّر كل شىء، وتشتت شمل النص ..أصبحت لاأدري من يقوم بعملية السرد..هل هي الزوجة أم الزوج؟ ربما يرجع ذلك لقصور مني.هذا التداخل والتشابه بين ضمير المؤنث والمذكر، جعلني أفقد الخيط، ولاأنهي ،للأسف، قراءة النص
                              مودتي، أم عفاف

                              تعليق

                              يعمل...
                              X