أشرعة المستحيل...
الكلّ من حوْلي يتساءلون عن السرّ في تعلـّقي بالحـياة، عن إصراري على مواصلة العيش وتمسّكي بكلّ أسباب البقاء.
يرمقني البعض بأعين الشّفقة والرّأفة ،و يحدجني البعض الآخر بأعين الإدانة والاستنكار.
ينكرون عليّ مشاركتي زوجي كليتيه ،والأوْلى برأيهم أن أنسحب من حياته، أمنحه فرصة إنجاب طفل يحمل اسمه، وأقيله معاناة طالت في سباق لا ينتهي مع أساليب العلاج والتطبّب .
هم يعرفون يقينا أنّني سأموت إن لم يهبني أحدهم كلية،يعرفون أنّ وجودي متعلّق بكلمة تنتشلني من بين أنياب الموت .
يوم تقدّم لخطبتي، كنت لازلت تلميذة تتعثّر خطاي خجلا كلّما دعت مواعيد التّلاقيح التحاقنا بقاعة التمريض في المعهد .أطأطئ متوارية خلف صمتي وأنا ألحظ اهتمامه بجدائلي المنسدلة خلفي، وتطلّعه إلى قوامي .كان الكلام يفرّ إلى داخلي، فلا أجد صوتي لأردّ على دعاباته الجريئة، وتفرّ دمائي فزعا ويده تقبض على ذراعي، وتشكّ الإبرة جلدي، فأحسّ الوخزة في قلبي، وينتشر الجمر على وجنتيّ، وتعبث برأسي بوادر الدّوار، فأتراجع إلى الخلف راصدة ابتسامته الّتي طالما أرّقت طفولتي.
اجتمع رأي أهلي على أن الفرصة قد لا تتاح أخرى فلم أناقش الأمر ، ولم أتمرّد على قرارهم انقطاعي عن الدّراسة .
أثبتت تصرّفاته مع الزّمن، أن اختياره إنّما كان لتلك القطـّة المغمضة فيّ، فلم يصدّني ذلك عن الاستمرار.
بارك الجميع وثاقنا، ورأوْا فينا مثالا لنواة عائلة ناجحة ...
فلماذا يرشقوننا بأعين الاستنكار إذن ؟
ولماذا لا يتركوننا في حال سبيلنا الآن ؟
قد يكون الذي تتجاوبت أصداؤه بأخيلتي، مجرّد شكوك،عشّشت وتنامت . لعلّهم لا يهتمّون لأمرنا ولا يتابعون أخبارنا، غير أنّني من الحبّة أبني قبّة .
ما كنت أحتاج لجهد كبير لأتسلّل إلى أدمغتهم،وأعرف ما تهْجس به أفكارهم :
"كيف لشابّ مثله أن يدفن شبابه معها..؟
من أين له بكلّ هذه الطـّاقة على الاحتمال.. ؟
لولا أنها عديمة الإحساس، ما قبلت على نفسها أن تقضي عليه، وتربط مصيرها المظلم بمصيره.
ماذا تريد منه أكثر ممّا أخذت ؟
كيف ترضى أن تقتطع من سنوات عمره لتضيفها إلى عمرها ؟
ثمّ ما جدوى أن يهبها إحدى كليتيه إن كانت ستبقى عقيما في كلّ الحالات ؟
همهمات تخترق سمعي في البدْء كانت، ثمّ تحوّلت إلى وشوشات ومن ثمّ أخذت شكلها وما عادت تتنكّر .يتعمّد البعض أن يخز بها مشاعري منتظرا أن أردّ الفعل بشكل ما ،أثور،أو أسلّم نفسي للغياب .
إلاّ أنّني تصنّعت الغباء وتظاهرت بعدم الاكتراث رغم أنّ النّار تلتهم ريش أجنحتي .
مرّت السّنوات الثّلاث الأولى لزواجنا رتيبة. لم يكن يتحدّث في موضوع الإنجاب، على العكس، كان يحاول تشتيت تفكيري كلّما تطرّقت إليه، وكلّما عرض لنا الحديث عن الأطفال، شغلني بشكل ما، وجرّني إلى موضوع آخر غير مبدٍ أيّ اهتمام.
ولم تخْفَ دهشتي أمام لامبالاته.
ورغم الغموض الذي كان يكتنف إطراقته لم أتوجّس وأقبلت على الحياة بذراعين مفتوحتين.
تجاهلت أسئلتهم وإلحاحهم اللـّجوج من أجل معرفة من المسؤول عن عدم الإنجاب.تركتهم لجحيم فضولهم وأعلنت الصّيام .حاولوا إثارتي مرّات ثمّ ما لبثوا أن استسلموا لصمتي على مضض.
حاذاني ذات مساء ،سحب من يدي جهاز التحكّم ،داس على الزّرّ لإطفائها ثمّ قال بصوت سحيق علاه الصّدأ: " حان الوقت لتذهبي إلى الطـّبيب...يكفي الوقت الذي ضاع ."
كاد يفلت منّي لساني ،كدت أصرخ:
" وهل ذهبت أنت إلى الطّبيب لتجزم بأن العيب فيّ أنا ؟"
وكأنّما قرأ أفكاري، هزّ رأسه، أضرم في صدري حريقا من الارتياب ومضى إلى الفراش...ولم أنم ليلتها.
لابدّ أن يكون ذهب، وإلاّ فمن أين له بكلّ هذا الوثوق؟
العيب فيّ لمحالة...
لكن لماذا يأخذ القرارات بمفرده ؟
ولماذا ينتظر خمس سنوات كاملة ؟
لم أمانع، وذهبت صاغرة، لتبدأ رحلة عذابي...
مع أوّل وصفة انقلب حالي وتعكـّرت صحّتي وانهرت كصرْح قوّضه دمار مباغت .تورّمت أطرافي،وغزت تربة بشرتي كدمات رمادية ،وانطفأ بريق عيني ّ . كلّ ما في، صار نسخة مشوّهة منّي.وفقدت سجيّتي ...أصوات جنائزية رتيبة تؤبّن خيوط الأمل الواهية في روحي ...كوابيس ضبابية تراود إغفاءاتي المتقطّعة، أصحو في كلّ مرّة على تصدّعات جديدة تغزو جسدي العليل .خلل باطني ّ شامل،حالة إعياء تشلّ عضلاتي وتهدّ ركبي.
أعرف أنّه يتعمّد كسر المرايا بالبيت، ليجمع الشّظايا ويلقيَ بها وهو في طريقه إلى العمل. أعرف أيضا أنه ينبش في حقيبتي متحقّقا ممّا إذا كنت قد اشتريت واحدة وأنا في طريقي لوحدة التصفية الاصطناعية .
وهل كنت أجد الجرأة التي أقف بها على أحد الباعة وأقتنيَ مرآة ؟
ماذا كان البائع سيقول في نفسه؟
لم يمنع ذلك أن أرى قبحي... كنت أراه في أعين المارّين بي، في نفورهم، في شّفقتهم، وفي الاستنكار الناّبت على أهدابهم.
وكان يحاول التماسك عند مواجهتي ،يجتهد كي لا ألاحظ تهرّبه من النظر إلى عينيّ.
وماذا كان بيدي أن أفعل ؟هل كنت أستطيع أن أردّ الزّمن إلى الوراء لأستثير حبـّتيْ الكرز اللّتين توقفتا على النّموّ منذ طفولتي المبكّرة ؟هل كان بإمكاني أن أوقظهما من سبات استمرّ أكثر من عشرين سنة ؟
لم أكفّ عن عقص شعري بنفس الطريقة التي يحبّ، أي نعم،ولم أتوقّف عن رشّ العطر الذي كان يحبّ، ولا غادرت مكاني في الفراش، لكن من أين سأجيء بشوق يدفع بي إليه ؟ وكيف سأبعث الرّوح في جسد بارد ؟
تآلفْت مع الألم ،أرخيِت أشْرعتي لأمواجه تعـْبث بخلايا جسدي، وتحاملت على وهني لأفرض وجودي في مملكة أحاول أن أكون أهلا لها ،لم تغب الأكلات التي عهدها عن المائدة رغم أنّها محرّمة عليّ.لم تتغيّر مواعيد مغادرته البيت وأوبته إليه.
لاشيء تغيّر في عاداتنا عدا توقفنا عن زيارات الأهل والخروج للتسوّق معا،مع ذلك كان يرافقني بسفراتي المتكرّرة حريصا على ملازمتي في الباخرة، يجالسني ساعات في القاعة التي تشهد الرّحلة الطّويلة لدمائي المفعمة بالسّموم لتعود إليّ بعد "الفلترة" نقيّة بطبيعة الورد. يقرأ لي النّكت والطّرائف ويبتزّ منّي ابتسامات واهنة .
حين أخبرني الطّبيب أن إمكانيّة الحمل واردة في أوّل زياراتي له، سرتْ إلى دمي حفنة ضوء أنارت ما بين أضْلعي واتّسع صدري بحجم حنيني لاحتضان مولود يزرع الفرح في أرجاء البيت.لم يكن يراودني شكّ بكلامه :" إنها بعض المنشّطات ستحفّز المبيضيْن على الاجتهاد والانتظام في الإباضة لا غير "
ها هو نفس الطبيب يصرخ:" كيف يمكن أن تكون هذه حالتك ولا تتفطنين للأمر؟ كليتاك متوقّفتان عن النموّ منذ الطّفولة، كيف لا تشْتكين من شيْء ؟"
يقف زوجي صامتا كالجدار وأشهق بلا صوت ولا أحرى إجابة .
هل كان أحد في العائلة يعلم بذلك ولم يخبرني ؟ هل كانت أمّي على بيّنة من الأمر وأخفته عنّي حتّى لا تحمل وزري عمرا كاملا ؟ لماذا تفعل بي ذلك ؟ ولماذا لم ترصد أجهزتي إنذارات تشي بخطورة الوضع ؟
حملت مصيبتي وأسئلة كثيرة تتزاحم على غير هدى في ذهني، وقفلت أجترّ خيْبتي.
ماذا يجب أن أفعل الآن ؟هل سيتخلّى عنـّي ؟ألن يضيق البيْت الذي احتواني بحرا بعلّتي ويلفظني كما النّواة ؟ ألن .......؟
الخطوات التي تفصل بيننا ترامت كثْبان رمالٍ، الشّمس ما عاد يصلني دفؤها، كل عضو مفصول عن الآخر في جسدي الواهن، أصوات غريبة تستحثّني لأقتلع كتل الخطى من جليد ذاكرتي.أبحث عن مكان أدفن فيه آلامي فلا يتراءى لي غير امتداد الصّحراء يتلألأ سرابها هازئا.
أبْكيني بلا صوت، بلا دموع، وترتجف أطرافي كوريقة خريفية ترْقص رقْصتها الأخيرة ،أختلج والغصّة في حلْقي وتقترب منّي أنفاسه متسارعة ،تسري إلى جسدي حرارته ،يحتويني، يعتصر جذعي قائلا:" ابكي ، لا تصمتي هكذا .....لن تموتي، لن أتركك تفعلين.ستعيشين مع "الدّيال" سيكون كلّ شيء على ما يرام حبيبتي ،لا حاجة لي بأطفال ،أنا أريدك أنت،لست الأولى ولا حالتك هي الوحيدة."
ها قد استنفذت كل حظّي من الحياة مع التّصفية الاصطناعية وما عادت تلك الآلات قادرة على مماطلة الموت. ما العمل إذن ؟
أمّي تجاهلت الأمر، لا بل رفضت، قالت أنّها تخاف من العمليّات .وإخوتي لا يمتلكون القرار، فمنْ منْ زوجاتهم أو أزواجهنّ سيرضى أن يُنتقص من جسده عضو ؟من منهم سيتنازل لي عن قطعة من جسده .
أعود إلى ذاتي فلا ألوم أحدا، وتضيق بي الدّنيا، فأدفن وجهي في صدره، وتغسلني الدّموع فأجهش وأرفع رأسي للالتقاط أنفاسي فإذا الوسادة وحدها تحضن آهاتي وإذا هو يقف مع النافذة وسحب من الأفكار تحول بيننا.
لم يزد تصوّري عن المرأة كونها شرّ لابدّ منه،لذلك ترسّخ الاعتقاد لديّ بأنّ الحكيم هو من يتّقي مكرها قبل الوقوع في شباكها .
كانت أمّي مصدر نغص دائم لوالدي.لم يجمع بينهما ودّ أبدا، هي دائمة الشّكوى والتذمّر. وهو دائم التقريع والشّتم .كان البيت ساحة وغاء دائمة .وكنت وإخوتي الثمانية أسلحة متناوبة بينهما.
لم أتوقّع حياة مختلفة، ولم أشأ لأبنائي أن ينشؤوا على نحو ما نشأنا .
لم تعنني المرأة الّتي اخترت إلاّ من حيث أنها ستكون عجينة طيّعة.وأنها لن تلويَ العصا في يدي يوما ،أو تهدّدني بفلذات كبدي .
تحسّبا تطوّعت لأكون ضمن فريق صحّي يعمل على عيّنة تخوض تجربة مصل جديد يعطّل خصوبة الرّجل خمس سنوات كاملة.قطعت كلّ المراحل بعزيمة الواثق من الانتصار، حسبت وقتها أنّني نجوت من سطوة الأنثى وغيّها.
كيف لم أتردّد ؟ كيف لم تراودني فكرة أن تكون زوجتي مخلوقا لطيفا قادرا على منحي مساحات مترامية من السّلام ؟
حين تحملني الذّكرى إلى ذلك الحدث الغريب تملؤني الدّهشة وتطرق مطارق الأسئلة العصيّة رأسي في عنف.
مضت السّنوات الخمس شديدة الوطأة على فؤادي. تمالكت نفسي كي لا أفشي سرّي في لحظة ضعف عارض.
الفراش مرشوش بالإبر، وعيناي فتيلتان تتراقصان على إيقاع الوجع بداخلي،وهي مخلوق ضعيف تتلمّس الفضاء بحثا عن كائن كان يسكنني فيها.
أين سأرسو وأيّ مرفإ سيسع أحزاني ؟
أأكون بلا قرار؟
تتعالى الأصوات من حولي :
"هذه مقادير الله ..."
"ماذا تستطيع أن تفعل لها ؟"
" مازلْت في مقتبل العمر..."
"لا تحرم نفْسك من أجلها ..."
"عائلتها أولى بها الآن ..."
"العمر لا ينتظر..."
هل أملك أن أدير لها ظهري؟
وهل تملك هي أن تستمرّ بدوني ؟
أيّ خطإ ارتكب القدر ليجمع بين مصيرينا ؟
كنت أراها بعد حصص "الدّيال" بلا حراك كخرقة ألقت بها هدأة العاصفة، فلا أصدّق أنها الفراشة نفسها الـّتي كانت تتنقل في زوايا البيت، تعطّره بأنفاسها ،ترشّ فيه ألوانها ،وتترك بكل شبر منه أثار لمساتها.
تماما كما رأيتها بعد زواجنا فلم أصدّق أنها ذلك الكائن الذي ملئت منه توجّسا .وقرأت له ألف حساب.
ربّما كان يجدر أن أصمّ أذنيّ عن كل النّداءات الّتي تتقاذفني :رجاؤها فيّ..، سعي الأهل لجرّي بعيدا عن هاجس يحفّزني لقرار جريء أكبر من أيّ عقل..، رغبة شديدة في الاختفاء عبْر غيْمة بلا هويّة ،أوْ موْجة تسافر إلى جزْر بلا مدّ.
ما كنت في حجم أيّ قرار لو لم يكن ذلك الحدث الأسود في ذاكرتي،
وما كنت لأعرف الحدّ الفاصل بين الوجود والعدم، وأنا أقف تلك اللّحظات المهمّة جدّا في عمر شخص يتهدّده الموت لولا رغبة كامنة في ترك أثر مروري في هذه الحياة .
أن تكون سببا في وجود إنسان آخر، شعور لم يسبق لي معرفته لذلك ليس في متناولي وصفه، وأقوى منه تلك الرّغبة الجامحة في ملء الثقوب التي تعتري الوجدان بامتلاكه.
أعرف جيّدا قمّة ذلك الشّعور الّذي سيطر عليّ وأنا أقف في مفترق الطّرق، أختار بين المضيّ والرّجوع.أعرف جيّدا منتهى آلامها وهي تنأى في واد سحيق من الصّمت .
لم تكن تتوقــّع أن أخذلها .ولم يكن من السّهل أن أقامر بحياتنا معا .
لم أر الكون إلا من خلال كوّة تعيدني إلى سنوات العقم، تيّارات عاتية تدفعني لانتشال ذاتي من العدم. .
رائع جدّا أن تهب مخلوقا الحياة، رائع جدّا أن تماهي الخالق في روعة الخلق.
فلماذا لا أحظى بفرصة كيْ أكون أبا ؟
طالما تكهّنت بأنّ العدالة الإلهية ستقتصّ ممّا فعلت بنفسي قبل الزّواج .
لذلك غلب على ظنّي اليقين بأنّني سأظلّ فردا إلى آخر أيام حياتي.
ولولا كريّات الأمل تسري عبر أضيق شراييني لتراود أشرعة المستحيل ،لكنت فريسة سائغة لمواقف جدباء .
احتجت إلى كثير من الشّجاعة لأتّخذ قرارا غاية في القسوة.
"أنا حامل " همست بها ثمّ سحبت يدي لتضعها على بطنها وحفنة من اللؤلؤ تتراقص جذلا في عينيها .
"أنا حامل " لم يعد أمرا مستحيلا، ولا عادت ركلات الجنين تداعب أطراف يدي خيالا توحي به قصص الأفلام والمسلسلات . .
"أنا حامل " حقيقة عمرها شهقة غيّرت مسار النجوم وشحنت الكون بإشراقة حجبت عنّي الرؤية لحظات.
ما عاد في صدري متّسع لفرح قادم، ما عاد باستطاعة أنفاسي أن تواكب فيض التّيار الذي يسري عنيفا في وجداني.
هانت كل ّ العذابات التي التهمت عمري السّابق.تقلّص الماضي ليصير بحجم إعصار عابر .رمّمت العبارة كل التصدّعات والانهيارات التي أصابت أعمدة الروح في زمن الأحزان .
"أنا حامل ..." صرخة كونية تعانق المستحيل، تذلّله ليصير طيّعا في يد امرأة وهبتها مضغة بحجم ما تسع قبضتي، ووهبتني حياة ملائكيّة...
كلّ الأطبّاء اعتبروا نقل كلّيتي إليها مجازفة قد تكلّفني حياتنا معا، غير أنّهم لا يملكون بديلا آخر والوقت سيف مشهر بوجوهنا .
أذهلهم تفاعلها الإيجابي بعد العمليّة، أدهشهم انسجام خلايانا وتحسّن وضعها الصّحي المطّرد واعتبروا ذلك أمرا نادرا بين غير الأشقّاء.
أتساءل مرّات من أين تأتي بكلّ الطّاقة لنسج خيوط الفرح وإسدالها على شبابيك الدّار وجدرانها ؟
من أين لها بتلك الحيويّة لتصنع في كل يوم وجها جديدا تقابلني به عند الباب وتودّعني بوجه آخر يسيل عذوبة ؟
من أين تأتي بكل تلك الأسرار في تغيير نكهات الأطعمة التي تعدّ لي،حتى لا أجد ألذّ منها طعما ولا أطيب منها رائحة ؟
من أيّ خليط استطاعت أن تنشر روائح البخور التي يضوع شذاها في أركان البيت، لتدغدغ شعورا كامنا بالانتشاء كلّما أ ُبـْت إليه ؟
من أين تأتي بكلّ ذلك السّحر الذي يفتنني ويجعلني لا أرى الوجود جميلا إلاّ من خلال عينيها، ولا أجد الكون ربيعا، إلاّ مع ابتسامتها.
كنت أحسبها تراود حلما مستحيلا وهي تؤكّد لي أنها ستعيد إلي بعضا ممّا أخذت منّي. كنت أسمعها معتبرا كلامها مجرّد عزف ممتع تقف المتعة فيه مع نهاية الكلام.
لم أصدّق أنها قادرة على تحويل تلك الأنغام إلى حدث شبه مستحيل.
تعليق