قال لي : اتبعني..
و تبعته .
لم أكن مخدرا. لا و لم أكن على موعد معه.
ما الذي جعلني أقوم بذلك ؟ ما الذي جعلني أنجذب إليه كفراشة ؟
منظره يثير الإعجاب ، و شكله يمنح الثقة ، و في كلامه بحة محببة تمسك بتلابيب الإرادة ، تشكلها كبفما شاءت.
رجل أربعيني ، بلحية مشذبة بيضاء ، و رأس مزين بعمامة صفراء محططة بالابيض، تنفلت منها شعيرات ثلجية. يرتدي جلبابا صوفيا أخضر ، تحته قميص برتقالي، و ينتعل بلغة صفراء مزينة الحواشي بخنجر..يمشي بخطو وئيد لكنه ثابت.
قال لي : اتبعني.
و تبعته.
كان كلامه حازما ، و أمره صارما ، رغم أنه بدا ناعما.
لم أكن مخدرا ، لا و لا كنت منوما.
كان يطوق عنقه بعقد من لبان ، و يحمل في يده اليمنى مبخرة تتضوع عطرا غير منفر..و بيده اليسرى عصا لا يتوكأ عليها ، بل يتخذها وسيلة للهش.
قال لي : اتبعني. كانت حادة و دقيقة و مقتضبة.
و تبعته .
لم أكن منوما ، لا و لا فاقد السيطرة على إرادتي.
كان فارع الطول ، ذا وجه مدور و ثغره مفترا عن ابتسامة حلوة و ساحرة. أهنا سر الجاذبية ؟
اقترب مني ، و قال لي : اتبعني ، لم يكن أمرا هامسا.
و تبعته . بإرادتي ، و رغبتي. كنت كمن كان على موعد معه. بل كنت راغبا في أن أجد من يقول لي : اتبعني ، فأتبعه. كنت أبحث عن من يقودني في اتجاه آخر ، يخرجني من سأمي ، من يضخ دما جديدا في شراييني ، من يجدد نسائم حياتي.
كان يحمل تحت إبطه خرقة بيضاء ، لم أنتبه لها إلا بعد أن خطوت معه بضع خطوات. مطوية بعناية ، نظيفة وناصعة ، لا شية فيها ، تسر الناظرين.
قلت له : ما هاته ؟
نظر إلي بعينين صارمتين ، و لم ينبس بجواب. لما رأى إصراري ، قال لي : هي لباسك الأخير.
لم أكن نائما لأستيقظ ، لم أكن أحلم لأقول كابوسا ، كنت مستيقظا تمام الاستيقاظ ، واعيا كل الوعي، فارتجفت ، سرى في نفسي الخوف. و تذكرت أشياء ، فقررت التراجع.
قلت له : أ مهلني..
قال : لا وقت لدي. مشاغيلي كثيرة ، و النداءات عديدة ، و لست وحدك في هذا العالم . و أعقب ، اتبعني. حادة و صارمة.
و وجدتني أعاند ، أقاوم.
لكن إرادتي لم تكن من حديد.
تعليق