[align=center]إرتجافة العصافير[/align]
[align=center]ولما كبُرت عصافيرى ، نفضُت الزغب عنها ، طرحْ الريش وغطى جسدها ، حلمت بموسم الحصاد والراحة ، قلت بأن الهدوء مقبلٌ، وفتحت ذراعي لاحتضانها .
هاجمتنى العاصفة وراحت ترجنى رجا .
وهنت أجنحتي وتساقط ريشها ، فراحت العصافير تنقر فى جسدي ، و تغرس مخالبها وكأنها تحولت إلى غربان ٍ .. تنهش وتلتهم قطع اللحم ِ التى مزقتها بأنيابها الحادة ولا تدرى بأنيني المكتوم .
رحت إلى الشط لأروح عن نفسي السقيمة ، فقد أصبحت الأحمال ثقيلة تثقل كاهلي وتقصم ظهري . كان مفروضا على أن أحملها بمفردي بعدما أكلت قطة الجيران المتوحشة كل الأرغفة ولم تبق لنا كسرة واحدة تسد الرمق . كنت أدارى آلمي فلم أملك سوى الحب والحنان . وماذا يفعلان فى مواجهة الرياح وجوع العصافير ؟.
جلسنا على الشط ، كانت الشمس تفرش ثوبها تغطى به الأرض .
ولا من نقطة ضوء.
تظل العصافير ، ترتجف فى الجو وهى على البر وتضيع فى البحر وفى البلاد البعيدة .
لم تعد أجنحتي التى كانت بالأمس طويلة قادرة على حملها ولم ينفك قيد الريش عنى فقد أصبح قويا وصلبا تضيق حلقاته كلما كبروا تضيق حول عنقي وتضيق حتى تكاد أن تخنقني .
أظل على الشط وحلقي ناشفا لا يبلل ريقي شيئا ولا يرطب جسدي سوى الدعوات بأن تتحقق أحلامهم المجهضة التي تموت وتسقط من بين أيديهم فى الطريق وما من مغيث .
أبكى للذين هاجروا وتركوني مدثرة بوشاح الحزن والألم ثكلى .. أرتشف كؤوس مرارة الفراق حتى الثمالة ولا مغيث و أحترق . فلا فرق عندي بين سفر الأجساد وسفر الموت فكلاهما عندي انتزاع لروحي ومن يدرى موعد اللقيا .
كان موتى يتجدد كل لحظة خوفا أن تطير باقي العصافير وتتركني وحيدة على الشط .
فقد كان شبح موتى متجسدا فى نظراتهم الحادة التى تكاد أن تخترق كبد السماء تتخطى حدود الأمل وتفترش أحلاما وردية .
كانت أجسادهم تصطدم بصخور الفضاء الملتهبة فيسقطون مغشيا عليهم فوق الأرض الجامدة كلما رفرفوا وطاروا قليلا لم تستطع أجنحتهم القوية أن تتحدى دوامات الرياح المعاكسة فى كل اتجاه .
فى الوقت الذي كنت ابحث فيه عن مفاتيح السماء نظرت إلي البحر فكان هو الوحيد القادر على احتوائي .
حين دخلوه نزلت خلفهم، أدهس طرقاته، أغتسل فيه، أفضى إليه بشكواي .
كنت أنظر إلى المدى البعيد أراهم في محاذاتي أستريح وكأن السماء تفتح لي أبوابها على مصراعيها تمد إليّ ذراعيها تتلقفني تضمني إليها أطير وأحلق في الفضاء الفسيحْ وأنا مشدودة إليهم بكل جوارحي أحتضن أحلامهم الملتهبة كالجمر بصدري .
أتذكر كلمات أمي يزداد ضياعي فى خوفهم الكامن فى أعماق أعماقهم وهم لا يشعرون بانفطار قلبي خوفا عليهم وهم يصارعون الأمواج العالية
حين يقفزون عليها ويعتدلون يقذف البحر بأمواجه العنيدة فتطويهم بداخلها يفلفصون ويخرجون يفتحون أيديهم المطبقة فلا يجدون سوى الرمال وقواقع البحر الميتة ينتفضون فأنتفض لرعشاتهم وأجفف عرقهم بكلماتي الدافئة .
أتتبع خطواتهم على الرمال الساخنة التى تشوى أجسادهم الفتية وأقدامهم الحافية ينخلع قلبى لعثراتهم وأخاف عليهم السقوط في الحفر فأضيع .
أغمض عيني كي لا أراهم وهم يبتعدون أهرب إلى الفراغ ألوذ به أحتويه ويحتوينى يمزقنى بلا رحمة.
حين يعودون مقررين الرحيل ، تتمزق روحي وتعود تتخبط ما بين السفر والموت تتناثر أشلاء كبدى نقاطا متبعثرة على الخريطة .
ينشطر قلبي نصفين يضيُع نصفه فى البحر والأخر يفر منى إلى البلاد البعيدة .
تميد الأرض وتضطرب تحت أقدامى ترتجف أوصالى وتهتز السماء فتسيل دموعى وأتوه حين أرى الشمس تنتحر فى عمق البحر أحاول اللحاق بها ولكننى أتذكر أن بالبيت عصفورا ما زال صغيراً
ينتظرني أهرب إليه أحتمى به أجده منزويا فى الركن القصى متكوماً داخل أجنحته القصيرة التي لا تكفى لتغطية جسده الضئيل أضمه إليّ أحتضنه وننظر سويا من الفتحة الضيقة إلى الطريق الطويل.[/align]
[align=center]ولما كبُرت عصافيرى ، نفضُت الزغب عنها ، طرحْ الريش وغطى جسدها ، حلمت بموسم الحصاد والراحة ، قلت بأن الهدوء مقبلٌ، وفتحت ذراعي لاحتضانها .
هاجمتنى العاصفة وراحت ترجنى رجا .
وهنت أجنحتي وتساقط ريشها ، فراحت العصافير تنقر فى جسدي ، و تغرس مخالبها وكأنها تحولت إلى غربان ٍ .. تنهش وتلتهم قطع اللحم ِ التى مزقتها بأنيابها الحادة ولا تدرى بأنيني المكتوم .
رحت إلى الشط لأروح عن نفسي السقيمة ، فقد أصبحت الأحمال ثقيلة تثقل كاهلي وتقصم ظهري . كان مفروضا على أن أحملها بمفردي بعدما أكلت قطة الجيران المتوحشة كل الأرغفة ولم تبق لنا كسرة واحدة تسد الرمق . كنت أدارى آلمي فلم أملك سوى الحب والحنان . وماذا يفعلان فى مواجهة الرياح وجوع العصافير ؟.
جلسنا على الشط ، كانت الشمس تفرش ثوبها تغطى به الأرض .
ولا من نقطة ضوء.
تظل العصافير ، ترتجف فى الجو وهى على البر وتضيع فى البحر وفى البلاد البعيدة .
لم تعد أجنحتي التى كانت بالأمس طويلة قادرة على حملها ولم ينفك قيد الريش عنى فقد أصبح قويا وصلبا تضيق حلقاته كلما كبروا تضيق حول عنقي وتضيق حتى تكاد أن تخنقني .
أظل على الشط وحلقي ناشفا لا يبلل ريقي شيئا ولا يرطب جسدي سوى الدعوات بأن تتحقق أحلامهم المجهضة التي تموت وتسقط من بين أيديهم فى الطريق وما من مغيث .
أبكى للذين هاجروا وتركوني مدثرة بوشاح الحزن والألم ثكلى .. أرتشف كؤوس مرارة الفراق حتى الثمالة ولا مغيث و أحترق . فلا فرق عندي بين سفر الأجساد وسفر الموت فكلاهما عندي انتزاع لروحي ومن يدرى موعد اللقيا .
كان موتى يتجدد كل لحظة خوفا أن تطير باقي العصافير وتتركني وحيدة على الشط .
فقد كان شبح موتى متجسدا فى نظراتهم الحادة التى تكاد أن تخترق كبد السماء تتخطى حدود الأمل وتفترش أحلاما وردية .
كانت أجسادهم تصطدم بصخور الفضاء الملتهبة فيسقطون مغشيا عليهم فوق الأرض الجامدة كلما رفرفوا وطاروا قليلا لم تستطع أجنحتهم القوية أن تتحدى دوامات الرياح المعاكسة فى كل اتجاه .
فى الوقت الذي كنت ابحث فيه عن مفاتيح السماء نظرت إلي البحر فكان هو الوحيد القادر على احتوائي .
حين دخلوه نزلت خلفهم، أدهس طرقاته، أغتسل فيه، أفضى إليه بشكواي .
كنت أنظر إلى المدى البعيد أراهم في محاذاتي أستريح وكأن السماء تفتح لي أبوابها على مصراعيها تمد إليّ ذراعيها تتلقفني تضمني إليها أطير وأحلق في الفضاء الفسيحْ وأنا مشدودة إليهم بكل جوارحي أحتضن أحلامهم الملتهبة كالجمر بصدري .
أتذكر كلمات أمي يزداد ضياعي فى خوفهم الكامن فى أعماق أعماقهم وهم لا يشعرون بانفطار قلبي خوفا عليهم وهم يصارعون الأمواج العالية
حين يقفزون عليها ويعتدلون يقذف البحر بأمواجه العنيدة فتطويهم بداخلها يفلفصون ويخرجون يفتحون أيديهم المطبقة فلا يجدون سوى الرمال وقواقع البحر الميتة ينتفضون فأنتفض لرعشاتهم وأجفف عرقهم بكلماتي الدافئة .
أتتبع خطواتهم على الرمال الساخنة التى تشوى أجسادهم الفتية وأقدامهم الحافية ينخلع قلبى لعثراتهم وأخاف عليهم السقوط في الحفر فأضيع .
أغمض عيني كي لا أراهم وهم يبتعدون أهرب إلى الفراغ ألوذ به أحتويه ويحتوينى يمزقنى بلا رحمة.
حين يعودون مقررين الرحيل ، تتمزق روحي وتعود تتخبط ما بين السفر والموت تتناثر أشلاء كبدى نقاطا متبعثرة على الخريطة .
ينشطر قلبي نصفين يضيُع نصفه فى البحر والأخر يفر منى إلى البلاد البعيدة .
تميد الأرض وتضطرب تحت أقدامى ترتجف أوصالى وتهتز السماء فتسيل دموعى وأتوه حين أرى الشمس تنتحر فى عمق البحر أحاول اللحاق بها ولكننى أتذكر أن بالبيت عصفورا ما زال صغيراً
ينتظرني أهرب إليه أحتمى به أجده منزويا فى الركن القصى متكوماً داخل أجنحته القصيرة التي لا تكفى لتغطية جسده الضئيل أضمه إليّ أحتضنه وننظر سويا من الفتحة الضيقة إلى الطريق الطويل.[/align]
تعليق