الحمد لله على نعمة النسيان
الحواس، كما هو معلوم هي أوّل وسائلنا لإدراك العالم الحسّي من حولنا ، ومن خلالها نتفاعل ونتأثرونعرف ما يجب علينا معرفته لنتصرف على ضوء تلك المعرفة .إلاّ أن حمّى تكاثر أعبائنا وتزايد الضغوطات الحياتية علينا وتراكم طبقات العادة و"الرّوتين" تولّد أحيانا في داخلنا شعورا مضنيا بقصور كفاءة أداء الوسائل الحسّية عندنا حين تهمل أسماعنا قدرا كبيرا ممّا يقال لنا وتكتفي أبصارنا بأدنى ما يمكن من تفاصيل الصور التي تتراءى لنا ، بل هناك شرائط بطمّ طميمها من الصور تحضر وتغيب عن إدراكها ..ممّا يجعل فهمنا ناقصا وردود أفعالنا غيرمناسبة ولا تتلاءم ولا تتفاعل مع الواقع. وتتكررمع بعض هذه الحالات وقائع ما يسمى بـ:"سوء التفاهم"..وقائع يتضخّم شعورنا بها عند إنعزالناعنها وإستقلالنا بذواتنا..وقد يعذبنا هذا القصور كما يعذبنا أيضا خمول الذاكرة التي غالبا ما نستنجد بها في اوقات نحتاج فيها إلى دعمها ومؤازرتها فلا نجد ما نتشبّث به ونغرق في بحر النسيان ...ويدفعنا النقص إلى الحلم بشيء قريب من الكمال ، أو بتلك القدرات الخارقة التي تعمل من خلالها حواسنا وذاكرتنا في حالة إستنفارقصوى ، وحين تعيدنا أقدامنا إلى الأرض التي نقف عليها نتذكّر حدودنا، فنكظم ذلك الحلم ..وننسى..ولكن يا ترى ماذا سيحصل لو كان لدينا مثل تلك القدرات الخارقة حقّا ؟ـ هل ترى تكون حياتنا أفضل ؟..
أعتقد أن العديد من الناس قد سق لهم مثلي أن قرؤوا أو سمعوا "ولو في فترات متباعدة" روايات عديدة وقصص مختلفة عن أشخاص قد تميّزوا بقدرات خارقة وقوى خارجة عن المألوف لما خضعت له إمكانياتنا الإنسانية المعروفة من حدود قادتهم حتى الى التنبؤ بما سيجري في قادم الأيام . وما يهمنا أكثر في هذا الخصوص هو التعامل الخاص لهؤلاء مع الذاكرة والحواس مثل قدرة الأمريكي"إدغار كايس"منذ بلوغه سن التاسعة على حفظ أي كتاب عن ظهر قلب بمجرد إلقاء نظرة خاطفة عليه ووضعه تحت رأسه عند النوم .
وفي هذا الاطار سبق لي أن إطلعت منذ سنين خلت على نصّ قصير في إحدى المجلات العربية يتحدث عن "السينيسيجيا"وهي حسب النص حالة نادرة تنسحب على عدد ضئيل من البشر لا تفرق أمخاخهم بين الحواس المختلفة ..فهم حين يطّلعون على كتاب أو مقال ما، لا يكتفون بقراءة الكلمات وإنّما يشعرون بطعم ونكهة لها في ألسنتهم ويشمون لها رائحة ولربّما بوخز لها في جلودهم ، ولا يتوقفون عند معانقة الموسيقى بالسماع فقط بل يرون لها رسما ويعرفون فيها لونا . فهم حين ينظرون الى شيء ما تصل إشارات إلى كل مراكز الحواس في المخ ، لا الى مركز الإبصار وحده..إنّه بحق تعاملخاص وعجيب مع الحواس يختلف عن تعامل بقية عباد الله " ولله في خلقه شؤون" .
كما يتميز المحسوبون على تلك الحالة أو الظاهرة بذاكرة "فوتوغرافية"قويّة ، فهم يستطيعون تذكر عدد من خمسين رقم بعد سنوات من إلقاء نظرة عابرة عليه . ومن أشهر من عرفوا بـ:السينيسيجيون نسبة إلى " السينيسيجيا" روســي شغلت حالته العلماء والباحثين في النصف الأول من القرن العشرين ، وهو صحفي ترك مهنة الصحافة في سبيل إبهار جماهير السيرك الروسي الذي التحق للعمل به بقدراته الخارقة في تذكر أيّ شيء يكتب له على ورقة بعد القاء نظرة عابرة عليه ، بل كان في امكانه ان وقعت عيناه على صفحة من كتاب أو مجلة حتى وإن كانت مقلوبة أن يعيد تلاوتها من الذاكرة دون أيّة أخطاء...
إنّ الحديث عن هذه القدرات والحلم بإمتلاكها يعيدنا دائما إلى ذينك السؤالين الذين طرحناهما آنفا: ماذا يحصل لو كانت لنا بحق مثل تلك القدرات الخارقة ؟ ـ وهل يا ترى تكون حياتنا أفضل بها ؟ . صحيح قد ترتفع إمكانياتنا الإدراكية إلى أعلى مستوى لها ، وتتراكم تجاربناالمعرفية بطريقة أوسع وأسرع وأشمل ، ونقطع أشواطا أكثر في إخضاع الطبيعة والزمن ، ونعيش وقتها سنة ثلاثة آلاف عام ألفين وأربعة عشر ..غير إنّي لا اعتقد حياتنا وقتها ستكون أفضل ، فقد يعوّض غياب النسيان " تعملق" الأحزان وتراكمها . فحياة الإنسان لم تكن في يوم من الأيام مثالية ، هادئة ومستقرّة، بل هي تاريخ طويل من الهزات والإهتزازات والصدمات والنكسات في كواليس الصراع على البقاء أو فرض إرادة "الأنا" وما الفرح وما الشعور بالسعادة إلاّ لحظات قصيرة عابرة نقتنصها من حين لآخر قنصا حتّى تزيّن وتمرّر ما إسودّ وتغير ممّا إدلهمّ في حياتنا ولو إلى حين . وقد أنعم الله علينا سبحانه وتعالى بنعمة النسيان لننجو بأنفسنا وأحلامنا وآمالنا وطاقاتنا وتطلعاتنا في حبّ الحياة ، ونخفض أكثر ما يمكن من حدّة الألام والحزن والخوف ممّا قد يكون آت ...
إنّ في محدودية تعاملنا مع حواسنا حكمة لا يدرك كنهها إلاّ المطرودين من فردوسها . فماذا يحدث للإنسان لو كان يستقبل بتلك الطريقة "السينيسيجية"ذلك الكم الهائل الذي لا تخلو منه خطاباتنا اليومية ونقاشاتنا الحماسية وتدخلاتنا العشوائية وصراعاتنا السياسية من كلمات بذيئة جارحة ومن إبداعات مختارة في فنون السباب والشتم والتجريـح
والتصانيف المختلفة في القتال والتقاتل اللفظي المميت ، ولنضع في الإعتبار أنّه لا يسمع المتلقّي الكلمات النّابية فقط بل يتذوّق طعمها ةيشم رائحتها الكريهة ويحسّ بحدّة ألمها وبفضاعة وخزها في بدنه ويرى لها رسما ولونا ....يا الله .
لذلك لا يلفنا الإستغراب حين نعلم أن معظم الأشخاص إن لم يكن جميعهم ممن حباهم الله بتلك القدرات الإستثنائية الخارقة عاشوا حياة قصيرة مشحونة باضطرابات نفسية من كل شكل ونوع، ولم يعمّروا طويلا ، لذلك والحالة تلك لا يسعنا إلاّ أن نقول : الحمد لله على قدراتنا غير الخارقة ، ... والحمد لله أوّلا وأخيرا على نعمة النسيان ....
الحواس، كما هو معلوم هي أوّل وسائلنا لإدراك العالم الحسّي من حولنا ، ومن خلالها نتفاعل ونتأثرونعرف ما يجب علينا معرفته لنتصرف على ضوء تلك المعرفة .إلاّ أن حمّى تكاثر أعبائنا وتزايد الضغوطات الحياتية علينا وتراكم طبقات العادة و"الرّوتين" تولّد أحيانا في داخلنا شعورا مضنيا بقصور كفاءة أداء الوسائل الحسّية عندنا حين تهمل أسماعنا قدرا كبيرا ممّا يقال لنا وتكتفي أبصارنا بأدنى ما يمكن من تفاصيل الصور التي تتراءى لنا ، بل هناك شرائط بطمّ طميمها من الصور تحضر وتغيب عن إدراكها ..ممّا يجعل فهمنا ناقصا وردود أفعالنا غيرمناسبة ولا تتلاءم ولا تتفاعل مع الواقع. وتتكررمع بعض هذه الحالات وقائع ما يسمى بـ:"سوء التفاهم"..وقائع يتضخّم شعورنا بها عند إنعزالناعنها وإستقلالنا بذواتنا..وقد يعذبنا هذا القصور كما يعذبنا أيضا خمول الذاكرة التي غالبا ما نستنجد بها في اوقات نحتاج فيها إلى دعمها ومؤازرتها فلا نجد ما نتشبّث به ونغرق في بحر النسيان ...ويدفعنا النقص إلى الحلم بشيء قريب من الكمال ، أو بتلك القدرات الخارقة التي تعمل من خلالها حواسنا وذاكرتنا في حالة إستنفارقصوى ، وحين تعيدنا أقدامنا إلى الأرض التي نقف عليها نتذكّر حدودنا، فنكظم ذلك الحلم ..وننسى..ولكن يا ترى ماذا سيحصل لو كان لدينا مثل تلك القدرات الخارقة حقّا ؟ـ هل ترى تكون حياتنا أفضل ؟..
أعتقد أن العديد من الناس قد سق لهم مثلي أن قرؤوا أو سمعوا "ولو في فترات متباعدة" روايات عديدة وقصص مختلفة عن أشخاص قد تميّزوا بقدرات خارقة وقوى خارجة عن المألوف لما خضعت له إمكانياتنا الإنسانية المعروفة من حدود قادتهم حتى الى التنبؤ بما سيجري في قادم الأيام . وما يهمنا أكثر في هذا الخصوص هو التعامل الخاص لهؤلاء مع الذاكرة والحواس مثل قدرة الأمريكي"إدغار كايس"منذ بلوغه سن التاسعة على حفظ أي كتاب عن ظهر قلب بمجرد إلقاء نظرة خاطفة عليه ووضعه تحت رأسه عند النوم .
وفي هذا الاطار سبق لي أن إطلعت منذ سنين خلت على نصّ قصير في إحدى المجلات العربية يتحدث عن "السينيسيجيا"وهي حسب النص حالة نادرة تنسحب على عدد ضئيل من البشر لا تفرق أمخاخهم بين الحواس المختلفة ..فهم حين يطّلعون على كتاب أو مقال ما، لا يكتفون بقراءة الكلمات وإنّما يشعرون بطعم ونكهة لها في ألسنتهم ويشمون لها رائحة ولربّما بوخز لها في جلودهم ، ولا يتوقفون عند معانقة الموسيقى بالسماع فقط بل يرون لها رسما ويعرفون فيها لونا . فهم حين ينظرون الى شيء ما تصل إشارات إلى كل مراكز الحواس في المخ ، لا الى مركز الإبصار وحده..إنّه بحق تعاملخاص وعجيب مع الحواس يختلف عن تعامل بقية عباد الله " ولله في خلقه شؤون" .
كما يتميز المحسوبون على تلك الحالة أو الظاهرة بذاكرة "فوتوغرافية"قويّة ، فهم يستطيعون تذكر عدد من خمسين رقم بعد سنوات من إلقاء نظرة عابرة عليه . ومن أشهر من عرفوا بـ:السينيسيجيون نسبة إلى " السينيسيجيا" روســي شغلت حالته العلماء والباحثين في النصف الأول من القرن العشرين ، وهو صحفي ترك مهنة الصحافة في سبيل إبهار جماهير السيرك الروسي الذي التحق للعمل به بقدراته الخارقة في تذكر أيّ شيء يكتب له على ورقة بعد القاء نظرة عابرة عليه ، بل كان في امكانه ان وقعت عيناه على صفحة من كتاب أو مجلة حتى وإن كانت مقلوبة أن يعيد تلاوتها من الذاكرة دون أيّة أخطاء...
إنّ الحديث عن هذه القدرات والحلم بإمتلاكها يعيدنا دائما إلى ذينك السؤالين الذين طرحناهما آنفا: ماذا يحصل لو كانت لنا بحق مثل تلك القدرات الخارقة ؟ ـ وهل يا ترى تكون حياتنا أفضل بها ؟ . صحيح قد ترتفع إمكانياتنا الإدراكية إلى أعلى مستوى لها ، وتتراكم تجاربناالمعرفية بطريقة أوسع وأسرع وأشمل ، ونقطع أشواطا أكثر في إخضاع الطبيعة والزمن ، ونعيش وقتها سنة ثلاثة آلاف عام ألفين وأربعة عشر ..غير إنّي لا اعتقد حياتنا وقتها ستكون أفضل ، فقد يعوّض غياب النسيان " تعملق" الأحزان وتراكمها . فحياة الإنسان لم تكن في يوم من الأيام مثالية ، هادئة ومستقرّة، بل هي تاريخ طويل من الهزات والإهتزازات والصدمات والنكسات في كواليس الصراع على البقاء أو فرض إرادة "الأنا" وما الفرح وما الشعور بالسعادة إلاّ لحظات قصيرة عابرة نقتنصها من حين لآخر قنصا حتّى تزيّن وتمرّر ما إسودّ وتغير ممّا إدلهمّ في حياتنا ولو إلى حين . وقد أنعم الله علينا سبحانه وتعالى بنعمة النسيان لننجو بأنفسنا وأحلامنا وآمالنا وطاقاتنا وتطلعاتنا في حبّ الحياة ، ونخفض أكثر ما يمكن من حدّة الألام والحزن والخوف ممّا قد يكون آت ...
إنّ في محدودية تعاملنا مع حواسنا حكمة لا يدرك كنهها إلاّ المطرودين من فردوسها . فماذا يحدث للإنسان لو كان يستقبل بتلك الطريقة "السينيسيجية"ذلك الكم الهائل الذي لا تخلو منه خطاباتنا اليومية ونقاشاتنا الحماسية وتدخلاتنا العشوائية وصراعاتنا السياسية من كلمات بذيئة جارحة ومن إبداعات مختارة في فنون السباب والشتم والتجريـح
والتصانيف المختلفة في القتال والتقاتل اللفظي المميت ، ولنضع في الإعتبار أنّه لا يسمع المتلقّي الكلمات النّابية فقط بل يتذوّق طعمها ةيشم رائحتها الكريهة ويحسّ بحدّة ألمها وبفضاعة وخزها في بدنه ويرى لها رسما ولونا ....يا الله .
لذلك لا يلفنا الإستغراب حين نعلم أن معظم الأشخاص إن لم يكن جميعهم ممن حباهم الله بتلك القدرات الإستثنائية الخارقة عاشوا حياة قصيرة مشحونة باضطرابات نفسية من كل شكل ونوع، ولم يعمّروا طويلا ، لذلك والحالة تلك لا يسعنا إلاّ أن نقول : الحمد لله على قدراتنا غير الخارقة ، ... والحمد لله أوّلا وأخيرا على نعمة النسيان ....
تعليق