مرتكزات الكتابة الأدبية الراقية (مقالة).

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    #16
    المشاركة الأصلية بواسطة حسين يعقوب الحمداني مشاهدة المشاركة
    تحيه طيبة أستاذ حسين ليشوري موضوع رائع متنوع التعليم والتوجيه كما أنكم بذلتم مجهودا كبيرا، جميل في إيصال الفكرة لنا و المقال الرائع ولابد من التحيه والتقدير للأستاذ حسين.
    و لك تحيتي وتقديري أخي الكريم الأستاذ حسين يعقوب الحمداني.
    أشكر لك تنويهك الطيب بموضوعي المتواضع حقيقة و ليس اعداء.
    هي خواطر عن الكتابة و فنياتها أحببت إشراك القراء فيها، إن الشرك أو الاشتراك أو الاشتراكية في الأفكار القيمة مما يزيد في تعميقها عند حاملها قبل غيره ثم لعله يصيب أجرا إن هو أخلص في إيصالها إلى غيره بصدق و هذا ما أسعى إليه في كتاباتي كلها و أسأل الله الكريم أن يأجرني عليها، آمين.
    تحيتي وتقديري أخي.

    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

    تعليق

    • حسين ليشوري
      طويلب علم، مستشار أدبي.
      • 06-12-2008
      • 8016

      #17
      3. التصوير الدقيق.



      الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، و الصلاة والسلام على معلم العرب فصاروا أساتيذ الأمم.
      نواصل، بحول الله وقوته و توفيقه، حديثنا عن الكتابة الراقية و فنياتها، و نحاول في هذه المشاركة المتواضعة التعرض للعنصر الثالث و هو:


      3. التصوير الدقيق :

      يرتبط هذا العنصر ارتباطا عضويا بالعنصرين السابقين، التفكير العميق و التعبير الأنيق، إذ لولا التفكير العميق قبل الكتابة و أثناءها و بعدها في الموضوع الذي نريد الكتابة فيه ثم الحرص على إجادة التعبير بحيث يشد القارئ إلى الكتابة لما حصل التصوير الدقيق.

      و التصوير هو النقل الأمين للصورة الذهنية الداخلية الكامنة في نفس الكاتب أو هو الوصف الأمين للمشهد الخراجي الذي نود التحدث عنه ونعته بأمانة و صدق و دقة، و كلما نقلنا الدقائق كلما جاءت الصورة صادقة وأقرب ما تكون من المشهد لأن التصوير الدقيق هو محاولة إشراك المتلقي فيما نريد إيصاله إليه، فالتصوير أولا وأخيرا ما هو إلا وصف لمشهد خارجي أو تعبير عن صورة ذهنية داخلية مَخْفية في الذهن نستخرجها بالكلمات والعبارات و الجمل والفقر و النصوص الطويلة أو القصيرة، و قد يكون النص كلمة واحدة في ظاهره و لكنه، في باطنه، عبارة كاملة أو جملة مفيدة يحسن السكون عليها بتقدير المحذوف من الكلمات و المستتر منها.

      التصوير الأدبي عموما رسمٌ بالكلمات كما أن الرسم التشكيلي كتابة بالألوان، أليس الرسم التشكيلي إنما هو مجموعة من النقاط والخطوط تُرْقَم على لوحة لتعطي صورة أو مشهدا فنيا كامنا في ذهن الرسام أو حاضرا في الطبيعة مُعْجِبا
      لمشاهده ؟ بلىا
      هو كذلك، و كذلك الكتابة الفنية إنما هي رسم بالكلمات و العبارات و الجمل لصورة ذهنية كامنة في ذهن الكاتب أو هي حاضرة في الطبيعة.

      وكما أن التصوير التشكيلي يعتمد أساسا على دقة الملاحظة فيرسم تفاصيل المشهد المرغوب في رسمه أو خطوطه العريضة المعبرة الموحية، فكذلك التصوير بالكلمات، وكلما تمكن الكاتب من أدواته التعبيرية كما تتناولها البلاغة العربية التي تحدثنا عنها في العنصر السابق، التعبير الأنيق، إزدادت قدراته التصويرية.

      و للحصول على هذه القدرة يجب أولا التعرف على أسسها المشروحة في كتب البلاغة العربية ثم، ثانيا، توسيع المعرفة النظرية من خلال مطالعة الكتب المخصصة لهذا الشأن، و ثالثا، الممارسة العملية لهواية الكتابة الفنية، فالممارسة تكسب الإتقان كما يقال أو "المران يكسب الإتقان" كما أقول،
      ومن سار على الدّرب وصل و ما ابْتُغِي أمرٌ إلا حصل.

      و كما سبقت لي الإشارة إليه في عنصر "التعبير الأنيق" أقول:"
      هذه صياغة أولية لما أريد التحدث فيه و من المحتمل جدا أنني أعود إليها بالتصحيح و التنقيح والإضافة كلما عَنَّ جديدٌ أو اقتضتْ الضرورة ذلك إمعانا في التحرير و إتقانا للتحبير، و للحديث بقية إن شاء الله تعالى، قراءة ممتعة ومفيدة.".
      sigpic
      (رسم نور الدين محساس)
      (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

      "القلم المعاند"
      (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
      "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
      و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

      تعليق

      • أيمن نايلي
        أديب وكاتب
        • 05-09-2014
        • 90

        #18
        بورك فيك أستاذ
        أَيــْـــــــــمَـــــن

        تعليق

        • حسين ليشوري
          طويلب علم، مستشار أدبي.
          • 06-12-2008
          • 8016

          #19
          المشاركة الأصلية بواسطة أيمن نايلي مشاهدة المشاركة
          بورك فيك أستاذ
          و بوربك فيك أخي أيمن، صحيت !
          sigpic
          (رسم نور الدين محساس)
          (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

          "القلم المعاند"
          (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
          "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
          و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

          تعليق

          • حنان عبد الله
            طالبة علم
            • 28-02-2014
            • 685

            #20
            أولا سيدي الفاضل لكم جزيل الشكر لما تقدمونه للغة الأم.
            بارك الله مسعاكم وزادكم من فضله وعلمه وجعل كل ما تخطونه في موازين حسناتكم .
            لقد آتاكم الله فن البلاغةو أناقة التعبير ما شاء الله
            أردت أن استوضح أمرا؛ هو كما أسلفتم سابقا إن التعبير الأنيق يمكن أن يكتسب بالمطالعة أو كما قلتم (المران يكسب الإتقان) ومما لا شك فيه أن العلم بالتعلم لكن ألا تظن أن للموهبة دور كبير في هذا المجال ،والدراسة النظرية أو المطالعة انما هي صقل لهذه الموهبة الربانية والتي تكون هي الأساس تقريبا لإخراج كتابة كاملة متكاملة بكل مرتكزاتها التي سبق وذكرتموها أعلاه ،
            ومع الموهبة هناك أيضا الهواية وعشق اللغة .
            فبدون مدارس ولا كليات _طبعا لا بد من التعليم الإبتدائي _نسطيع أن نكتب وبمهارة ونكتسب أيضا زادا لغويا لا بأس به وهذا بالقراءة والإطلاع وأعرف في ذلك أمثلة لم تدخل يوما معاهد عليا لكنها تحسنت بل إبدعت في كتاباتها .
            لذلك سيدي الفاضل ألستم معي أن الموهبة هي الأساس، ثم إذا اكتشفنا هذه الموهبة نحبها ونهواها ،
            ثم تكون مراسا ومهارة بالتدريب؟
            آدم الله لكم الإبداع والأدب الراقي
            وفي حفظ الله دمتم

            تعليق

            • حسين ليشوري
              طويلب علم، مستشار أدبي.
              • 06-12-2008
              • 8016

              #21
              المشاركة الأصلية كتبت من طرف "حنان عبد الله" قالت:

              - أولا سيدي الفاضل لكم جزيل الشكر لما تقدمونه للغة الأم.
              و قلت: و لك الشكر كذلك أختي الكريمة حنان عبد الله، ما أنا إلا طويلب علم ضئيل أحبَّ العربية منذ صغره ثم صرفته عنها الصوارف لكنها تجري في عروقي مجرى الدم، أسأل الله أن يجعلها فيَّ صافة نقية خالية من الشوائب و الجراثيم، اللهم آمين ؛

              - بارك الله مسعاكم وزادكم من فضله وعلمه وجعل كل ما تخطونه في موازين حسناتكم ؛ لقد آتاكم الله فن البلاغة و أناقة التعبير ما شاء الله
              - اللهم آمين وأعطاكِ مثل ما دعوتِ به لي وزيادة، ما عندي إلا القليل القليل مما عند أساتيذنا الأجلاء لكنني أسعى دائما إلى تطوير نفسي وتنمية قدراتي بالقراءة اليومية في مجالات كثيرة ؛

              -أردت أن استوضح أمرا؛ هو كما أسلفتم سابقا إن التعبير الأنيق يمكن أن يكتسب بالمطالعة أو كما قلتم (المران يكسب الإتقان) ومما لا شك فيه أن العلم بالتعلم لكن ألا تظن أن للموهبة دورا كبيرا في هذا المجال، والدراسة النظرية أو المطالعة انما هي صقل لهذه الموهبة الربانية والتي تكون هي الأساس تقريبا لإخراج كتابة كاملة متكاملة بكل مرتكزاتها التي سبق وذكرتموها أعلاه، ومع الموهبة هناك أيضا الهواية وعشق اللغة. فبدون مدارس ولا كليات - طبعا لا بد من التعليم الإبتدائي - نسطيع أن نكتب وبمهارة ونكتسب أيضا زادا لغويا لا بأس به وهذا بالقراءة والإطلاع وأعرف في ذلك أمثلة لم تدخل يوما معاهد عليا لكنها تحسنت بل إبدعت في كتاباتها. لذلك سيدي الفاضل ألستم معي أن الموهبة هي الأساس، ثم إذا اكتشفنا هذه الموهبة نحبها ونهواها، ثم تكون مراسا ومهارة بالتدريب ؟

              - أنا معك تماما فيما ذهبتِ إليه من حديث عن الموهبة و التَّعلم و قد ناقشت هذين الموضوعين في مشاركاتي في قصتي القصيرة جدا "
              الكَتْبُوبُ" و تحدثت عن الموهبة و الّتعلم و هما وجهان متلاصقان في عملية الكتابة الإبداعية الحقيقية، لكن اسمحي لي بسؤال سريع : ما هي الموهبة ؟ أليست هي الميل النفسي إلى شيء ما تهواه النفس ؟ بلىا هي كذلك، و كيف يأتي هذا الميل ؟ يأتي الميل بتحبيب الأبوين والأساتيذ و الموجهين لنا منذ الصغر، فإذا وُجِّهْنا إلى القراءة، قراءة الكتابات الجميلة التي يَسْهُلُ علينا فهمُها أو سُهِّل علينا فهمها بالشرح المُوضِّح أحببناها ثم نريد تقليدها و هكذا نكتشف الموهبة ثم نصقلها بالقراءة الجيدة و المران و الأخطاء و النقد الصادق والصحيح لتلك الأخطاء و هكذا نصير كتابا و أدباء يشار إلينا بالبنان كما يقال ؛ فالموهبة المكتشفة في الصغر أو الكبر ثم القراءة الجيدة ثم النقد الصحيح عوامل ثلاثة في صناعة الكاتب الصحيح و ليس المخربش الكسيح كما سبق لي قوله في مقالتي "رسالة الأديب بين الكاتب الصحيح و المخربش الكسيح" و لاحظي قولي "صناعة الكاتب" أي أن الكاتب يُصنع صناعة كي يبدع و لا تنزل عليه الكتابة من السماء لأن السماء لا تمطر لا ذهبا ولا فضة ولا كتابة ولا أدبا، إنما هذه الأشياء تكتسب بالسعي الحثيث باتخاذ أسبابها فإنما العلم بالتَّعلم و الحلم بالتَّحلم و ... الأدب بالتَّأدب و الكَتْب بالتَّكَتُّب و هذه من عندي وردت على ذهني من "السماء" (؟!!!) الآن فقط و لم أرجع فيها إلى معجم في اللغة العربية و سأتأكد، إن شاء الله تعالى، منها في أحد المعاجم الموثوقة عندي.

              -آدم الله لكم الإبداع والأدب الراقي وفي حفظ الله دمتم.
              -
              وأدام الله عليك نعمه ظاهرة وباطنة و حفظك الله تعالى ورعاك أختي الكريمة.


              تحيتي وتقديري و شكري و دمتِ على التواصل البناء الذي يغني ولا يلغي.

              sigpic
              (رسم نور الدين محساس)
              (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

              "القلم المعاند"
              (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
              "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
              و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

              تعليق

              • ســعيد مصــبح الـغــافـري
                أديب وشاعر
                • 08-10-2014
                • 122

                #22
                الأستاذ الأديب أبانا الروحي / حسين ليشوري
                تحية محبة واحترام وتوقير
                شرفني غاية الشرف وأسعد روحي أن مررت هنا وفي نفسي أحمد الله كثيرا على هذه الصدفة الجميلة التي ساقتني إلى هذه الفيوض الليشورية الراقية التي مكثت وسأظل ماكثا عندها مستمتعا بجمالها ومستفيدا مما أفاضت به فيوضها الهادفة .. فبورك القلم وله ولصاحبه دعوات صادقة بدوام الصحة والعافية وطول العمر
                حبي وتقديري لك أستاذي الغالي حسين ليشوري
                دمت على ألق

                أنا حريَّتي فإن سرقوها
                تسقطِ الأرضُ كلُّها والسماءُ
                ما احترفتُ النِّفاقَ يوماً وشعري
                ما اشتراهُ الملوكُ والأمراءُ
                كلُّ حرفٍ كتبتهُ كانَ سيفاً
                عربيّاً يشعُّ منهُ الضياءُ

                تعليق

                • حسين ليشوري
                  طويلب علم، مستشار أدبي.
                  • 06-12-2008
                  • 8016

                  #23
                  4. التحرير الوثيق.


                  الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، و الصلاة والسلام على معلم العرب فصاروا أساتيذ الأمم.
                  نواصل، بحول الله وقوته و توفيقه، حديثنا عن الكتابة الراقية و فنياتها، و نحاول في هذه المشاركة المتواضعة التعرض للعنصر الرابع و هو:



                  4. التحرير الوثيق:

                  التحرير المقصود بهذا العنوان الفرعي هو الكتابة ذاتها بحيث يصير ما كنا نفكر فيه في أذهنانا مجسدا على الورق أو على أي حامل للكتابة، شاشة الحاسوب مثلا، هو التجسيد الورقي المادي للحضور الذهني المعنوي، و إن وصف التحرير بالوثيق أو بالوثاقة لتمييزه عن أخيه غير الوثيق، فإن الوصف بالوثيق يقتضي مفهوم المخالفة له، فما هما هذان النوعان من التحرير ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في حلقتنا هذه إن شاء الله تعالى.

                  التحرير نوعان: وثيق وغير وثيق، فأما الوثيق منهما فهو المتوثَّق منه أي المُتَحَقَّقُ منه أي المتأكد منه من حيث الصحة اللغوية بمختلف جوانبها نحويا و صرفيا و دلاليا و الصحة المعرفية ومن حيث الموافقة للمخطط الموضوع ابتداء على الورق أو الموجود في الذهن لأن التحرير لا يكون عشوايا و لكنه يتبع مخططا ذهنيا أو خطة متصورة في الذهن أو مكتوبة على الورق، هذه إحدى تقنيات الكتابة الأدبية الراقية و إلا جاءت كتابتنا أو تعبيرنا غير وثيق و هو عكس الأول تماما بحيث يكتب الكاتب حسب هوى قلمه أو توارد أفكاره و هو نوع من الكتابة الحرة و قد تكون أجمل من الكتابة المخطط لها قبلا لأننا نترك لخيالنا أو لأفكرانا العنان لتأتي حسب ورودها في الذهن، أما الكتابة الوثيقة فهي الكتابة التي تتبع مخططا أو خطة ما كما سبقت الإشارة إليه آنفا.

                  و قد عُرف في تاريخ الأدب العربي القديم ما يسمى بالحوليات أي القصائد التي تنظم ثم تراجع المرة بعد المرة حتى تتقن صياغتها في حول أي عام، و كذلك الكتابة، فإننا نستجمع أفكارنا في أذهاننا أو نخطها على الورق أو على أي حامل ثم نراجعها المرة بعد المرة بإعادة تنظيمها أو إعادة صياغتها جزئيا أو كليا.

                  توجد طريقة عجيبة في تنظيم الكتابة "العلمية" أو "الأدبية" و هي أن نسجل على ورقة موضوعا ما يشغل بالنا أو يُقتَرح علينا، الفكرة العامة أو العنوان، ثم نشرع في كتابة ما يرد على أذهاننا من أفكار عنه سواء التي قرأناها فيه أو التي نريد معالجتها في موضوعنا المبحوث، و من المعمول به في مثل هذه الكتابات أن نسجل خمس عشرة(15) فكرة أو عنصرا ثم نرتب هذه الخمس عشرة فكرة في ثلاث مجموعات تحتوي كل مجموعة خمس (5) عناصر تتشابه من حيث موضوعها الخاص، ثم نرتب هذه العناصر داخل كل مجموعة حسب أهميتها أو تقاربها حتى تكون متسلسلة ثم نشرع في تحرير ما نريد قوله إما من أذهاننا و إما بعد البحث و التنقيب في المصادر والمراجع التي تناولت هذا الموضوع إما مباشرة أو غير مباشرة، و هنا يكمن الفرق بين "المصدر" و "المرجع"، للتأكد من المعلومات التي نريد نقلها إلى المتلقين، و حتى في الكتابة الأدبية الصرفة فإن القصة أو الرواية أو المسرحية أو أي شكل من أشكال الكتابة الأدبية إنما تتبع خطة ما محكمة أو غير محكمة، فيُحَّدد الموضوع، و الشخصيات، و الأحداث، و الظروف المكانية و الزمانية، ثم تأتي الحبكة أو الصياغة الأدبية أو التحرير وثيقا كان أو غيرَ وثيق نسبيا.

                  بهذه الطريقة نضمن قسطا محترما من "الوَثَقِيَّة"، إن صح هذا المصدر الصناعي المخترع الآن فقط، لأننا سنكتب حسب خطة محكمة أي موثوق فيها و هذه الطريقة تعطينا، نحن، قسطا من الثقة في أنفسنا لمواصلة الكتابة بأمان واطمئنان، و على أية حال لن تكون الخطة نهائية أو مكتملة تماما لأننا في كل مرة نعيد قراءتها إلا وأعدنا النظر فيها إن كليا فجزئيا إلى أن يحصل الرضا التام و ما هو بحاصل أبدا عند الكتاب الحقيقيين، و إن الحكم على الشيء جزء من تصوره كما يقال في علم الأصول، أصول الفقه.

                  إن التحرير الوثيق إنما هو تحرير يتبع خطة و هذه الخطة تكون قابلة للتغير تحبيرا و تخييرا و هذا ما سنحاول، إن شاء الله تعالى، تناوله في العناصر التالية: التحبير الرشيق و التخيير النسيق و التغيير الرفيق، و قراءة ممتعة ومفيدة وإلى اللقاء مع تكرار التنبيه السابق :"
                  هذه صياغة أولية لما أريد التحدث فيه و من المحتمل جدا أنني أعود إليها بالتصحيح و التنقيح والإضافة كلما عَنَّ جديدٌ أو اقتضتْ الضرورة ذلك إمعانا في التحرير و إتقانا للتحبير" عملا بما أوردته هنا من ملاحظة فنِّيَّة، و للحديث، إن شاء الله تعالى، بقِيِّة.
                  sigpic
                  (رسم نور الدين محساس)
                  (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                  "القلم المعاند"
                  (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                  "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                  و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                  تعليق

                  • حسين ليشوري
                    طويلب علم، مستشار أدبي.
                    • 06-12-2008
                    • 8016

                    #24
                    المشاركة الأصلية بواسطة ســعيد مصــبح الـغــافـري مشاهدة المشاركة
                    الأستاذ الأديب أبانا الروحي / حسين ليشوري
                    تحية محبة واحترام وتوقير
                    شرفني غاية الشرف وأسعد روحي أن مررت هنا وفي نفسي أحمد الله كثيرا على هذه الصدفة الجميلة التي ساقتني إلى هذه الفيوض الليشورية الراقية التي مكثت وسأظل ماكثا عندها مستمتعا بجمالها ومستفيدا مما أفاضت به فيوضها الهادفة .. فبورك القلم وله ولصاحبه دعوات صادقة بدوام الصحة والعافية وطول العمر
                    حبي وتقديري لك أستاذي الغالي حسين ليشوري
                    دمت على ألق
                    أهلا بك أخي سعيد و سهلا و مرحبا و أسعدك الله كما أسعدتني بكلامك الطيب.
                    لا يسعني إلا أن أُؤَمِّن على دعائك الطيب و نحن في هذا اليوم المبارك، الجمعة، عسى أن يصيبنا منه حظ و لك مثل ما دعوت به لي، جزاك الله عني خيرا، آمين.
                    ثم أما بعد، أنا من الذين يؤمنون بالشرك، أو الإشراك، في المعرفة المفيدة، جعلنا الله من المشركين في الخير المشاركين لإخواننا فيه، الشاكرين لله تعالى على نعمه الظاهرة والباطنة، و في ذلك فليتنافس المتنافسون.
                    هي قطرات من خَطَرات الذهن أحببت نشرها عساها تلقى مستفيدا فيُحسِّن من كتابته و بهذا أكون قد أسهمت في صناعة كاتب فصيح أو أديب صحيح وإن كنت أنا غيرهما و الدال على الخير كفاعله، جعلنا الله من الدالين على الخير إن لم نكن من فاعليه، و الكتابة يا أخي العزيز صناعة تتقن بعد اكتشاف الموهبة الكامنة في النفس، و قد مارست الكتابة بمختلف أنواعها (الأدبية، العلمية، الإدارية) لعقود، فكيف أضِن بخبرتي هذه على الناس و إن كانت مقارنة بخبرة غيري متواضعة وضئيلة ؟ و مع هذا أجدني حزينا على من يقرأ هذه الخواطر ولا يشارك فيها برأي أو نقد أو تصويب أو حتى تخطئة، والله المستعان.
                    أشكر لك أخي الكريم سعيد حضورك الجميل و كلامك النبيل في حق هذا "
                    الكَتْبُوبُ" الضئيل.
                    تحيتي و تقديري.

                    sigpic
                    (رسم نور الدين محساس)
                    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                    "القلم المعاند"
                    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                    تعليق

                    • حسين ليشوري
                      طويلب علم، مستشار أدبي.
                      • 06-12-2008
                      • 8016

                      #25
                      ثلاثية النجاح بإذن الله تعالى.

                      ثلاثيّة النّجاح بإذن الله تعالى:

                      - من سار على الدَّرب بجدٍّ وصـــل،
                      - و من ألحَّ في طرْق الباب دخــل،

                      - و مـا ابْتُغِي أمرٌ بحرص إلا حصل
                      .


                      (حسين ليشوري).

                      sigpic
                      (رسم نور الدين محساس)
                      (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                      "القلم المعاند"
                      (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                      "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                      و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                      تعليق

                      • حسين ليشوري
                        طويلب علم، مستشار أدبي.
                        • 06-12-2008
                        • 8016

                        #26
                        "إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، و إنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ، و من يتحرَّ الخيرَ يُعطَهْ، و من يتَّقِ الشرَّ يُوَقَّه".
                        الراوي: أبو الدرداء و أبو هريرة ؛ المحدث: الألباني - المصدر:صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2328، خلاصة حكم المحدث: حسن.
                        (عن موقع: "الدُّرر السَّنِيَّة" http://www.dorar.net)
                        sigpic
                        (رسم نور الدين محساس)
                        (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                        "القلم المعاند"
                        (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                        "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                        و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                        تعليق

                        • حسين ليشوري
                          طويلب علم، مستشار أدبي.
                          • 06-12-2008
                          • 8016

                          #27
                          قسمة عقليَّة رياضيَّة صارمة (الشُّخوص و النُّصوص).

                          قسمة عقليَّة رياضيَّة صارمة (الشُّخوص و النُّصوص).

                          sigpic
                          (رسم نور الدين محساس)
                          (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                          "القلم المعاند"
                          (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                          "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                          و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                          تعليق

                          • حسين ليشوري
                            طويلب علم، مستشار أدبي.
                            • 06-12-2008
                            • 8016

                            #28
                            5. التحبير الرشيق .



                            الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، و الصلاة والسلام على معلم العرب فصاروا أساتيذ الأمم.


                            نستأنف، بحول الله وقوته و توفيقه، حديثنا عن الكتابة الراقية و فنياتها، و قد توقفنا فترة قصدا لنعطي فرصة لمن أراد الاستفسار عما سلف من حديث كي يستفسر، لكن، يبدو أن الناس قد وجدوا ما عُرض عليهم مفهوما جليا فلا يحتاج إلى استفسار أو توضيح، و هذا من فضل الله تعالى علينا نشكره لله سبحانه مستزيدينه من الفضل، فمن شكر فإنما يشكر لنفسه و لكن أكثر الناس لا يشكرون، و نحاول في هذه المشاركة المتواضعة التعرض للعنصر الخامس و هو:


                            5. التحبير الرشيق:

                            التَّحبير من الفعل حبَّر المضاعف الفاء، فاء فعل، هو التّجويد و التّحسين في الكتابة أو الحديث أو الشِّعر، و في موضوعنا هنا هو بذل الجهد في تحسين العبارات و تجويدها من حيث بنيتها الجزئية، الجمل، و من حيث بنيتها الكلية، النص كله، لتؤدي دورين مهمين من أدوار الكتابة و هما إحداث المتعة للبصر و إحداثها للفكر لأن الكتابة إذا جاءت مشوهة من حيث الصياغة، التحرير، و مشوشة من حيث التركيب، التعبير، أحدثت "صدمة" مزعجة عند المتلقي الذَّوَّاقة البصير فيعزف عنها و يصد وكان المرجو أن يُقْبل عليها مستحسنا تعابيرها مستمطرا معانيها.

                            إن الاعتناء بما نكتب و الحرص على تجويده، تفكيرا و تعبيرا و تصويرا و تحريرا، ليخرج إلى الناس، القراء أو المستميعن أو المتلقين عموما، راقيا في صياغته رائقا في دلالته لأمران ضروريان إن أردنا أن نُوصَمَ بالكاتب اللبيب أو الأديب الأريب بحق إذ كيف يكون الكاتب كاتبا و هو لا يحسن صياغة أفكاره في قوالب صحيحة و كيف يريد الأديب أن يعد أديبا و هو لا يحرص على تجويد عباراته ؟ و لذا جاء في مرتكزات الكتابة الأدبية الراقية اشتراط "التحبير الرشيق" لأن الرشاقة مستحسنة في القوام فكيف لا تكون مستحسنة في الكلام ؟ هذه بديهية لا تحتاج إلى البرهنة عليها لأنها من المسلمات في فنون الكتابة الأدبية الجميلة.

                            لا يتم التحبير الرشيق إلا بمعاودة النظر المرة بعد المرة فيما كتبنا و تغيير ما يجب تغييره من الكلمات أو العبارات فيه حتى تأتي صافية راقية تسر ناظرها و تأسر قارئها فيواصل القراءة إلى آخر كلمة ثم يتمنى أن لو لم ينته الكلام استحسانا واستزادة ؛ أما معاودة النظر من أجل تصحيح الأخطاء بمختلف أنواعها: الإملائية، و النحوية، و الصياغية، فواجب أو فرض عين على الكاتب و الأديب و إلا ما عدُّ كاتبا أو أديبا من يهمل هذا الفرض حتى و إن ادعى هو أنه كاتب أو أديب زورا و بهتانا أو عده الناس كذلك غشا و خداعا.

                            كيف يدعي "كاتب" أنه كاتب و هو لا يحسن صياغة ما يريد التعبير عنه بسهولة و يسر و يأتي من الأخطاء ما لا يأتيه تلميذ في المدارس الجدية ؟ و بعض "الكُتَّاب" يظنون أن التعقيد أو الغموض من سمات الكاتب المتمكن، و هذا خطأ فادح و وهم فظيع، إذ ما فائدة كتابة إن لم يفهمها قارئها أو إن استغلقت عليه فوجدها كالطلسم الغامض ؟

                            قيل قديما:"إن الخطاب على قدر المُخاطَب" و هذا صحيح لأن الكلام إن جاء يفوق قدرات المخاطَب عجز عن فهمه و إدراك دلالاته و مراميه، لكن الكتابة، و هي ضرب من ضرورب الخطاب حتما، تختلف من حيث بساطتها ورقيها باختلاف المقصودين بها، لأننا لا نخاطب تلميذا في الابتدائي كما نخاطب طالبا في الجامعة أو أستاذا فيها، فلكل مستوى خطاب كما لكل مقام مقال و لكل حدث حديث، و نحن هنا نتحدث عن الكتابة الأدبية الراقية و ليس عن الكتابة الابتدائية الساذجة.

                            و من التحبير الرشيق الذي يفوت كثيرا من الكُتَّاب و يغفلون عنه أو يجهلونه كلية: شكل النص المعروض على القراء من حيث "هندسته المعمارية" أو شكله العام، بحيث تأتي فقراته متباينة عن بعضها متمايزة فيأتي النص مُضاءً بما يُتْرك بين الفقرات من فراغ أبيض، و هذه "حيلة" فنية تجعل النص بهيا من حيث بنيته الكلية، لأن النص "المدكوك" المضغوط منفِّرٌ حتى و إن كان يحمل في ثناياه النفائس والدرر.

                            إذن، التحبير الرشيق، من حيث صياغته الكتابية و هندسته "المعمارية" مرتكز أساسي من مركتزات الكتابة الأدبية الراقية، و من أراد أن يستحسن المتلقون كتابته فعليه أن يحسِّن منها و أن يجودها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإن عجز فالاستشارة لأجله مطلوبة و إلا جاء النقد الصحيح مُقوِّما و مصوبا.

                            هذا، و أعيد ما قلته سابقا
                            :"هذه صياغة أولية لما أريد التحدث فيه و من المحتمل جدا أنني أعود إليها بالتصحيح و التنقيح والإضافة كلما عَنَّ جديدٌ أو اقتضتْ الضرورة ذلك إمعانا في التحرير و إتقانا للتحبير" عملا بما أوردته هنا من ملاحظة فنِّيَّة، و للحديث، إن شاء الله تعالى، بقِيِّة، قراءة ممتعة و مفيدة و أنتظر نقدكم الكريم.
                            sigpic
                            (رسم نور الدين محساس)
                            (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                            "القلم المعاند"
                            (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                            "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                            و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                            تعليق

                            • حسين ليشوري
                              طويلب علم، مستشار أدبي.
                              • 06-12-2008
                              • 8016

                              #29
                              الأمل و العمل.


                              الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصّالحات.

                              ما يُعاب على "دروسي" (؟!!!) هذه أنها نظرية كثيرا و لم أتطرق فيها إلى التطبيق أو الأمثلة العملية إلا نادرا، و هذه الملاحظة وجيهة إلى حد كبير، و أنا قد تعمدت "التجريد" لأنني قصدت المقاربة النظرية الأولية ثم نعود، إن شاء الله تعالى، إلى شيء من الأمثلة أو الإحالة على المراجع أو المصادر التي سيجد فيها المهتمون بهذه المواضيع شيئا كثرا من "التطبيق" العملي.

                              ليس كممارسة الكتابة المستمرة و سيلةً لاكتساب المهارات الكتابية حتى من غير أمثلة تطبيقة فالمران يكسب الإتقان كما أقوله دائما ثم إن التعلم بالخطأ و بملاحظات القراء النزهاء وسيلتان مضمونتان لتجويد الكتابة الأدبية بمختلف أنواعها و ميادينها و مقاصدها، الأدبية الإبداعية أو العلمية الموضوعية أو الإدارية الذاتية، كلها.

                              هذا و الأمل معقود على تفاعل القراء المهتمين منهم خاصة مع هذه "الدروس" عسانا نستفيد من تجارب بعضنا و نطور من قدراتنا، هذا الأمل و يبقى علينا العمل، لأن الأمل بلا عمل كالعمل بلا أمل كلاهما سلبي و غير مجد.

                              بالتوفيق إن شاء الله تعالى.

                              sigpic
                              (رسم نور الدين محساس)
                              (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                              "القلم المعاند"
                              (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                              "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                              و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                              تعليق

                              • حسين ليشوري
                                طويلب علم، مستشار أدبي.
                                • 06-12-2008
                                • 8016

                                #30
                                6. التخيير النسيق .



                                الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، و الصلاة والسلام على معلم العرب فصاروا أساتيذ الأمم.

                                نستأنف، بحول الله وقوته و توفيقه، حديثنا عن الكتابة الراقية و فنياتها، و قد توقفنا خمسة أيام منذ نشر الحلقة الماضية من مسلسل "مرتكزات الكتابة الأدبية الراقية" ، و نحاول في هذه المشاركة المتواضعة التعرض للعنصر السادس و هو:

                                6. التخيير النسيق:

                                من المعلوم بالضرورة عند المشتغلين بهَمِّ الكتابة الأدبية أنهم يحبون نشر كتاباتهم حتى يطلع عليها غيرهم، القراء، فيعجبون بهم و بكتاباتهم و هذا و إن كان مشروعا و بل مطلوبا من أي كاتب، إذ لولا الرغبة في إطلاع الناس على ما نكتب لماذا نكتب ؟ اللهم إلا ما كان من كتابة خاصة، مذكرات شخصية، يفرغ فيها كاتبها شحناته العاطفية و يبوح فيها لنفسه بما يجيش فيها من خواطر ومشاعر و ذكريات خاصة يكتمها عن غيره ولا يحب أن يطلع عليها غيره، و ليس حديثنا هنا عن هذا بل هو عن الكتابة الأدبية "العامة" أو "العمومية" و التي نحب أن يطلع عليها غيرنا.

                                الرغبة في إخراج ما يكتبه الكاتب إلى القراء تحقق لصاحبها تنفيسا عن نرجسية كامنة في نفسه هذا بصفة عامة لكن هذه الرغبة ليست الوحيدة في نفس الكاتب، فقد يكون ممن يريدون إشراك الآخرين في بعض الهموم الشخصية أو الجماعية الاجتماعية الإنسانية، و كما تحقق الكتابة إشباعا لنرجسية الكاتب الكامنة و تجعلهم يشاركونه همومه بمختلف أنواعها و أشكالها و درجاتها يجب عليه إن أراد تجنب النقد الجارح القاسي أو النقد المستهجِن أن يتخير لنصه ما يجعله متسقا مستقيما مترابطا ترابطا منطقيا سلسا تمسك العبارات و الفقرات بعضها في تناغم أخاذ يشد إليه القارئ شدا.

                                و هذا ما ألمعت إليه بعبارة "التخيير النسيق" فيختار الكاتب نسقا لمكتوبه وفق خطة أولية يضعها على الورق أو يستحضرها في ذهنه قبل الشروع في الكتابة، و هذه الخطة تساعده على ترتيب أفكاره و فقرات مقالته أو فصول كتابه، كما أن هذه الخطة ليست ثابتة جامدة لا تُغيَّر أو لا تتغير، لا، بل هي قابلة للتغيير و التحوير و هو الرجوع إلى الخطة لإعادة تنسيق ما يجب تنسيقه من جديد، وهكذا إلى حصول الرضى النسبي عن النص، أقول الرضى النسبي لأن الرضى الكلي لا يجوز عند من يرغب حقيقة في التطور و الارتقاء في الكتابة الأدبية إلى أن يصل إلى نص متكامل من حيث المبنى والمعنى كليهما، نص يحوز رضى القراء و يحظى بتقديرهم.

                                كتبت منذ يوم ردا في مناقشة جادة عن الكتابة و الكاتب مع كاتب جاد هو نفسه، جاء فيه:
                                المشاركة الأصلية بواسطة حسين ليشوري مشاهدة المشاركة
                                (...)و السؤال الذي يفرض نفسه علينا الآن هو: لماذا لا نكتب نصا خالدا ؟ ثم كيف نكتب نصا هذه صفته ؟

                                الإجابة في تقديري الشخصي الساذج هو أننا نكتب ليقال عنا "كُتَّابا" حتى و إن لم نكن كذلك، إننا نجد اهتمام الكاتب بنفسه أكثر بكثير من اهتمامه بنصه و كان يجب أن يكون العكس تماما، و الدليل ؟ أن الكاتب، وهو يكتب، ينظر ماذا سيقول عنه القراء أو الناس بدلا من أن ينظر إلى نصه ماذا سيقدم للناس شكلا و مضمونا، و هذه طريقة سيئة جدا أوصلتنا إلى ما نحن عليه من تخلف حقيقي و رداءة مستشرية و رياء كاذب و نفاق أدبي ظاهر.

                                ترى "الكاتب" يتسرع في نشر نصه قبل إنضاجه و قبل تصحيحه و قبل نقده نقدا أوليا، لأن الكاتب هو ناقد نفسه قبل أن ينقده غيره و لذا نجد كبار الكُتَّاب يحرصون على إتقان كتاباتهم وتجويدها مبنى ومعنى حتى تخرج إلى الناس في هيئة شبه كاملة، ولا كمال في الكتابة الأدبية، هذا مفهوم تماما، لأن الكاتب الذي يستشعر في نفسه الرضى عما كتب فقد حكم على نفسه بالفشل قبل أن يفشل حقيقة أو عمليا.

                                من علامات اهتمام الكاتب بما يكتب و ليس بنفسه أنه يحرص على نصه أكثر مما يحرص على سمعته هو ككاتب مع أن الحرص على النص يحمل في ذاته الحرص على النفس بينما الحرص على النفس وحده يفسد النص و يفسد السمعة في الوقت نفسه، أما مسألة رضى الناس، كل الناس، فهي مسألة خيالية لأن إرضاء الناس غاية لا تدرك كما قيل و يقال دائما و أبدا.

                                الخلاصة هي أنه يجب على الكاتب أن يضع نصب عينيه أنه يقدم شيئا جميلا للقراء، و تجميل الكتابة، و أسميته "التجويد" من الإجادة و الإتقان، مهمة صعبة و هو شغل متعب فعلا، كما يجب عليه ألا ينظر إلى نفسه وهو يكتب، بمعنى ألا ينظر إلى ما سيقوله عنه الناس، فإن قالوا خيرا حمد الله تعالى على توفيقه له و إن قالوا سوءا في فنية إخراج نصه شكلا و مضمونا فعليه أن يلوم نفسه هو و لا يلوم الناس، أما قالة السوء في الكاتب لأنه لا يوافق هوى فلان أو علان في مسألة لا صلة لها بالكتابة الأدبية فلا يُلتفت إليها ألبتة لأنها من نوازع النفس الأمارة بالسوء و من نوازغ الشيطان الرجيم نعوذ بالله تعالى منهما كليهما.

                                هذه قناعتي الشخصية أبديتها بكل صراحة وصدق إشراكا للقراء فيها، و لن يتم لنا كتابة نص "خالد" أبدا إن لم نعتن بما نكتب شكلا ومضمونا أو مبنى و معنى،

                                و الخلود المُتحدَّث عنه هنا هو الخلود النسبي طبعا المرهون ببعدنا البشري حتما، و لن يتم لنا هذا إن لم نحترم ما نكتب كما نحترم أنفسنا و كما يجب أن نحترم القارئ و هو المستهدف بما نكتب أساسا.

                                إن "التخيير النسيق" مرتبط عمليا بما سبقه من مرتكزات الكتابة الأدبية الراقية الخمسة و التي تحدثنا عنها قبلا و نعيدها هنا وهي:
                                المشاركة الأصلية بواسطة حسين ليشوري مشاهدة المشاركة
                                1. التفكير العميق؛ 2. التعبير الأنـيق؛ 3. التصوير الدقيق؛ 4. التحرير الوثيق؛ 5. التحبير الرشيق.

                                و إن الكاتب الجاد المتمرس ليقوم بهذه العمليات آليا ودون شعور منه أو تفكير مسبق، فالمران يكسب الإتقان كما أقوله دائما تحويرا للمقولة المشهورة "الممارسة تكسب الإتقان" و لذا كان على من يريد تجويد كتابته أن يكتب باستمرار و يوميا وكلما واتته الفرصة مع القراءة في فنون الكتابة فيضمن لنفسه هكذا شرطين من شروط الكتابة الراقية: المدارسة والممارسة، فالمدارسة تكون مع الأقران أو منفردة من خلال الكتب الجادة المخصصة لهذا الشأن و الممارسة اليومية ما استطاع إلى ذلك سبيلا، إن الموهبة الكتابية لا تكفي وحدها لصنع كاتب متمرس أو ممتاز بل يجب دعمها أو مساندتها بالقراءة للمتخصصين فيها أو لمن يجيدون الكتابة الفنية حقيقة و هذا ما سنتناوله بالبحث بعد الانتهاء من الحديث عن المرتكزات السبعة، إن شاء الله تعالى.

                                هذا وكما سبق لي قوله مرارا أكرر ملاحظتي: "
                                هذه صياغة أولية لما أريد التحدث فيه و من المحتمل جدا أنني أعود إليها بالتصحيح و التنقيح والإضافة كلما عَنَّ جديدٌ أو اقتضتْ الضرورة ذلك إمعانا في التحرير و إتقانا للتحبير" عملا بما أوردته هنا من ملاحظة فنِّيَّة، و للحديث، إن شاء الله تعالى، بقِيِّة، قراءة ممتعة و مفيدة و أنتظر نقدكم الكريم".
                                sigpic
                                (رسم نور الدين محساس)
                                (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                                "القلم المعاند"
                                (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                                "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                                و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                                تعليق

                                يعمل...
                                X