طائر يفتش عن العش ( إلى اللذين غابوا وننتظر أن يعودوا...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حارس الصغير
    أديب وكاتب
    • 13-01-2013
    • 681

    طائر يفتش عن العش ( إلى اللذين غابوا وننتظر أن يعودوا...

    هذا النص مهدى لمن غابوا وافتقدناهم.. نتوسم أن يعودوا قريبا.
    [gdwl]بسم الله الرحمن الرحيم

    (طائر يفتش عن العش)

    ======
    صعد الممشى الترابي المتعرج بين حقول القمح والأشجار، قاصدا البيت المنزوي بعيدا عن بقية البيوت، وجد نفسه أمام الباب بعد أنهكه السفر.. سنوات من الترحال كالطيور المهاجرة، ولا وطن يأخذه في حضنه، ويخفف عنه ألم وحدته.
    عليه الآن أن يطرق الباب الذي تدثر خلفه طويلا، وأمضى سنوات عمره صغيرا، يجري ويلعب أمامه بالساعات، يكوم التراب، ويبني بيوتا من الطين.
    خلف الباب امرأة عجوز عيناها ضيقتان تختبئان وراء رماد التجاعيد، ترتدي جلبابا أسود ضافيا، وتغطي شعرها الأبيض بطرحة سوداء. تبتسم لما تراه، فيقرص جنبها، فيرتج جسدها النحيل، وتقهقه عاليا: بس يا واد!
    على الديوان المبلط بالطين يتمدد رجل كهل حليق الشعر، فاردا ساقيه ينام عليه دون فراش، ويضع تحت رأسه كومة قش، وأسفل منه منشاره والبلطة اللذان يقطع بهما الأشجار.
    المرأة تحرك النار في الكانون، فتناديه، فيندفع إليها جاريا. تغرف له في الصحن المملوء بالشربة قطعة لحم صغيرة، يذهب بها إلى الركن القريب من الديوان، ويمضغها في فمه بصعوبة كأنها قطعة خشب، فيزمجر معترضا: أنت بتضحك عليّ.
    يغمغم الرجل بضيق، يتوسل إليه أن يكفَ عن الاعتراض.
    يأخذه الرجل معه في الصباح الباكر، فتزفه شقشقات العصافير، التي تحلق بين الأشجار، ترفرف تحاول أن تثبت في العش المعلق على الأغصان، وهي تغني.
    حاول الرجل دائما أن يعلمه قطع الخشب، فيمسك بالمنشار، فترتعش يداه ويسقط منه، ويولي دبره عازما ألا يعود، فيسمع الصوت من خلفه هادرا: مش ح ترتاح إلا هنا.
    تقدم ورفع يديه عاليا ليطرق الباب النافذ من فتحاته المستديرة أشعة الشمس إلى داخل البيت كأنها حبال طويلة من نور، وذرات كرمال بيضاء تتدافع وراء بعضها وتتكاثف، يحاول دائما أن يمسك بها، فلا تقبض أصابعه إلا على بطن كفه.
    طرق الباب ثلاث طرقات، وأرخى السمع أن يأتيه الصوت من خلف الباب: مين؟
    ظلَ الباب ساكنا، فعاود الطرق دون أن يشفي ظمأه صوت لأي أحد.
    زمّ شفتيه من الحزن، وأزاح الباب، فانفتح صريرا، والظلمة تمتد رطبة الرائحة عبر الصالة والحجرتين.
    دخل إلى البيت بجدرانه المطلية بالجير الأبيض،
    فتش عن المرأة العجوز والرجل الكهل، فكان الزير القائم في الركن لم يتحرك من مكانه.
    اتجه إليه وأمسك بالكوب المربوط حول عنقه من أعلى. أزاح الغطاء عن فتحة الزير، فرأى الماء يلمع كضوء يزيح الظلام.
    غرف بالكوب الماء، وارتشف منه فوجده طازجا كأنه مملوء لتوه، طعمه أحلى من العسل.
    جال ببصرة للمرة الثانية يفتش عن المرأة والرجل، فوقعت عيناه على الديوان، والمنشار ممدا عليه.
    اندفع نحوه، وحمله بين أحضانه، وسار به إلى الحجرة التي كانت تسميها العجوز "الحاصل"، دخل إليها، فلمح صرة ملابسها، ارتمى عليها يشم رائحة المسك فيها، فأحس بالراحة لأول مرة منذ سنوات.

    17/11/2014[/gdwl]
    التعديل الأخير تم بواسطة حارس الصغير; الساعة 18-11-2014, 20:46.
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    نص رائع مرفرف الجناح
    منسابة لغته
    في طراوة عشب مندى

    مبارك لك هذا الجمال

    sigpic

    تعليق

    • وفاء الدوسري
      عضو الملتقى
      • 04-09-2008
      • 6136

      #3
      قلم أكثر من رائع ..
      رسمت فأتقنت
      دمت مبدعا
      كل الود

      تعليق

      • زينب المرزوقي
        أديبة وكاتبة
        • 31-07-2014
        • 30

        #4
        ما أطيَبَه و ما أَمَرَّه مِن عِناق ..
        فحين نلتقي و الذكريات القصِيَّة وَجهًا لِوَجه , لا ندري أَنَحضنها أوّلاً أم نستسمحها على الغِياب ..

        مورِقٌ هذا الحرف يا حارس ,
        لك الشكر مددًا ...
        التعديل الأخير تم بواسطة زينب المرزوقي; الساعة 18-11-2014, 22:36.

        تعليق

        • محمود عودة
          أديب وكاتب
          • 04-12-2013
          • 398

          #5
          نص مميز بالرقة والعذوبة في السرد والرسم الرائعة للصور القصية وجاءت الحبكة الرائعة مهما طال الغياب فرائحة المسك تبقى في المكان الأصل وهذه الرائحة تعطيك دائما الأمل
          مودتي

          تعليق

          • حارس الصغير
            أديب وكاتب
            • 13-01-2013
            • 681

            #6
            نص رائع مرفرف الجناح
            منسابة لغته
            في طراوة عشب مندى

            مبارك لك هذا الجمال

            ................
            استاذي المبدع الرائع ربيع عق الباب
            اتذكر في زمان مضى حين كان يسأل الأستاذ سؤالا، فأرفع يدي مترددا
            فأجيب بعد ذلك على السؤال، فيطربني الأستاذ بالإشادة
            أعود شامخا رأسي أظل أحكي لأمي
            هذا هو إحساسي الأن
            أن تنال إشادة
            ومن أستاذي ربيع الأدب
            فوالله إنه أكبر وسام على الصدر.
            تحيتي لك بقدر ما يسع القلب من حب وامتنان

            تعليق

            • حارس الصغير
              أديب وكاتب
              • 13-01-2013
              • 681

              #7
              قلم أكثر من رائع ..
              رسمت فأتقنت
              دمت مبدعا
              كل الود

              الرائعة المبدعة
              الشاعرة الروائية وفاء عرب
              كل الورد لروحك الجميلة
              تحيتي

              تعليق

              • محمد الشرادي
                أديب وكاتب
                • 24-04-2013
                • 651

                #8
                أهلا اخي حارس.
                نص مائز بنوستالجيا مفعمة بالعواطف النبيلة، لعل الحنين يهز من غابوا فيعوداو إلى أوكارهم التي صارت بدونهم موحشة.
                تحياتي أيها الجميل.
                التعديل الأخير تم بواسطة محمد الشرادي; الساعة 25-11-2014, 22:35.

                تعليق

                • فوزي سليم بيترو
                  مستشار أدبي
                  • 03-06-2009
                  • 10949

                  #9
                  وصف بديع لأحاسيس إنسان لم تغب عنه صورة من أحب .
                  والوصف أن أكثر ابداعا حين رسم مشهد المكان .
                  لم يذهب عطشه في الغربة إلا حين رفع غطاء الزير وشرب
                  من الماء الذي احتفظ به العجوزان كي يشرب منه الطائر العائد إلى عشه .
                  أحسنت أخي حارس . نص يحرض على الحب ، الوطن والأهل .
                  تحياتي
                  فوزي بيترو

                  تعليق

                  • حارس الصغير
                    أديب وكاتب
                    • 13-01-2013
                    • 681

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة زينب المرزوقي مشاهدة المشاركة
                    ما أطيَبَه و ما أَمَرَّه مِن عِناق ..
                    فحين نلتقي و الذكريات القصِيَّة وَجهًا لِوَجه , لا ندري أَنَحضنها أوّلاً أم نستسمحها على الغِياب ..

                    مورِقٌ هذا الحرف يا حارس ,
                    لك الشكر مددًا ...
                    الاستاذة زينب المرزوقي
                    شكرا لبهاء حضورك وطيب كلماتك
                    باقات ورود لروحك الجميلة
                    تحيتي

                    تعليق

                    • عائده محمد نادر
                      عضو الملتقى
                      • 18-10-2008
                      • 12843

                      #11
                      نعرف رأي بك ومنذ قرأت لك أول نص
                      لم أنسى حتى اليوم كم أحببت نصك والغياب
                      ويراودني السؤال الدائم
                      لم الغياب هو الحاضر والقاسم المشترك بيننا جميعا كأمة؟
                      ولا أنسى أن أقول لك ياحارس لك ملكة وحضور وموهبة
                      لك احساس كبير تعرف كيف توجهه مع أني أريد أم أذكرك أن اقرأ دائما لأنك ستجد أفاقا جديدة
                      محبتي
                      الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                      تعليق

                      • محمد فطومي
                        رئيس ملتقى فرعي
                        • 05-06-2010
                        • 2433

                        #12
                        أهدى حارس هذا النص للغائبين عن الملتقى في ذلك الوقت ودعاهم للعودة، وأراه جديرا بالقراءة لأنّه نصّ ممتع للغاية.
                        تضافر فيه سحر الجُملة القرويّة الواضحة وصدق الإحساس وروعة الوصف.
                        نناشدك من خلاله أيضا أن تعود حارس.
                        كن بخير ودمت متألّقا.
                        مدوّنة

                        فلكُ القصّة القصيرة

                        تعليق

                        يعمل...
                        X