هدية و رسالة شكر أقدمها لحبيبي و أستاذي ربيع عقب الباب الذي كثيرا ما ساعدني و شرفني برؤيته الثاقبة
و ليس لي إلا أن أنحني تواضعا و أنا أقبل يدا يتشرف الشرفاء بتقبيلها
شكرا دائما استاذي
*************
تانغو بحري
*************
يجلس في مؤخرة القارب، يحتضن حقيبة عتيقة و بالية. قائدهم يصرخ بوجههم: سنجتاز هذه العاصفة. تملكه الخوف؛ و لكن الماضي محيط من صور يجذبك بقوة نحو القاع. تقاذفته الأسئلة و الحيرة: أيمكن لـ "حياة" أن تنتظرني؟
غريب أمر الحب دائما .. يحضر و بقوة، في كل المواقف الخطيرة، يهاجم العقول عندما تكون في منعرج خطير.
حياة هي كل ما تبقى له في هذا الوطن، هي التراب الذي ما تزال رائحته عالقة بثيابه، هي الوحيدة التي تجعله يرفض الموت في البحر، فيتمسك بالقارب جيدا، و يجدف بأيد متجمدة في البحر، يقاوم الألم و البرد، و هو يهمس: سأعود حبيبتي، ستكونين لي وحدي، سيكون مهرك مائة ألف يورو، بل سيكون مهرك حريتك من قبضة والدك. ترتطم موجة بالقارب فيترنح، و كأنها رقصة تانغو غاضبة يؤديها البحر. يشدد من قبضته بالقارب و كأنه يعظ . تتلاعب العاصفة بهم و بقلوبهم. أحيانا يومض البرق فتتراءى لهم أمواج ضخمة، و كأن البحر يرسم تضاريسه الموحشة. تعزف الريح لحن الموت بقوة، و تزيد من ارتباكاته و خوفه، كيف يمكن أن أغادر الدنيا دون أن أحقق أمنية حياة، سأزور قرطبة، و أشبيلية و غرناطة، سأرسل كل الصور لها..و ستكون أجمل الصور صورة عرسنا.
همس بداخله بكل ذلك ، و هو يتشبث بخشب القارب المتآكل. تساءل مجددا كيف لوطن أن يرمي بأبنائه نحو المجهول؟ هل ضاق بنا ؟ هل كنا رقما إضافيا، أم ورما يجب التخلص منه ؟ صوت الرعد يزلزل في قلوبهم، و قلبه يشتعل بالحب : إنه الحب.. وحده قادر على قهر البحار و العاصفة، هو نفسه العاصفة ؛ فلابد للريح أن تتصالح معه : ما الذي أتى بك إلى هنا ؟
رمق الشخص الذي بجانبه بنظرة لا مبالاة ؛ بسبب سؤاله المفاجئ، و لكنه واصل أسئلته: يا صديقي لا بد من الجنون لنقاوم جنون البحر، و لابد من العبث لنكون بحارة حقيقيين.
:نحن مجرد هاربين من الموت البطيء نحو موت عاجل .
:الموت (و هو يضحك بصوت عال) .. هل تخاف الموت؟
: و أنت ؟
:لا أريد أن أفكر حتى في الأمر، فقط أندفع نحو الحياة حتى لا يرهقني أمره.
: إذن أنت تردم الخوف باندفاعك يا صديقي.
:الجمال حاضر دائما، هنا أيضا جمال لا يمكنك أن تراه ببيتك، لو مت اليوم سيكون الموت محاطا بالجمال و تلك أمنية قديمة. فكيف أتعب نفسي بالموت ، و أفوت متعة هذا المنظر الرهيب ؟، إنه البحر يا صديقي عندما يحب اللعب، و كأنه طفل يلهو بباخرة.
:ونحن لعبة البحر، هدية من الوطن.
: لماذا تحب قتل الجمال؟
لاذ بصمته، و عزف الآخر عن مواصلة الحديث، بعد إيقانه أنه لن يصل معه نحو أمل يرجى. شدد البحر من قبضته، و تراخت يده الهزيلة، كاد يسقط لولا صورة أبرقت بها الذاكرة على وجه السرعة، فتمسك بخيوط الأمل، و هو يضغط بكل قوة الحلم الذي يضطرب بداخله. يعلو جنون العاصفة، يتلاعب بالقارب، يسخر من الركاب .
يزحف القارب مثل فريسة تريد التخلص من الموت. أحيانا يتسلق موجة عالية، هي أعلى من كل الأحلام المهربة. قال في نفسه : سيكتب غدا في الجريدة : جثث مجهولة كونت عصابة؛ كانت تنوي تهريب بضعة أحلام ممنوعة. سيمر الناس على العنوان ، و كأنهم بصدد قطع الطريق ، قد يتوقفون عنده بحكم العادة، و سيتسلى بعض الفضوليين بالقصة، وحدها حياة ستبكي. أفكار خطيرة جالت برأسه ، و الريح تعبث بالباخرة القزم. بعد تفاوض بين الوطن والبحر و العاصفة والمجهول.
وقف الموج بقامة معتدلة، و هو يصدر قرار الندوة : حوريات البحر عاطلة عن العمل ؛ لذا ستوكل بمهمة تنظيف قعر البحر لهم . نظر الجميع خلفهم، و هم يرون سراب وطن يئن، و أرضا مجهولة ترفضهم، بحرا غاضبا جدا، و نساء بزعانف ترقصن لهم. وحده كان يريد أن يعود، و الذي بجانبه كان يغني، يردد نحيبا أغنية بحر الطوفان . بلهجة جزائرية، و صوته يغيب بين أنياب البحر و ضجيج العاصفة:
في البحر ظهروا شي لوحات .. مرفوعين فوق الموجات
ثمة عرفت حبيبي مات.. ارحموا يا رحمن
تناثرت أوراق أبحاثه، على وجه البحر. البحر قاريء جيد، تتعاطف معه المياه، و الريح تعود عن قرارها. لا يزال متمسكا بحطام القارب، يرفض الموت، مجدولا بالأمل كان . تهدأ العاصفة، و يعود للبحر صوابه. غرناطة تتوهج في ضوء الشمس، مفارقة عجيبة هي تلك التي يكتبها التاريخ. جد فتح الأندلس، و حفيد يهرب نحو مجد ضائع . حراس الشواطئ، يتلقفونه ، يحررون محضرا: هذا آخر شخص نعثر عليه، ثم أقفلوا كيس الجثة.
و ليس لي إلا أن أنحني تواضعا و أنا أقبل يدا يتشرف الشرفاء بتقبيلها
شكرا دائما استاذي
*************
تانغو بحري
*************
يجلس في مؤخرة القارب، يحتضن حقيبة عتيقة و بالية. قائدهم يصرخ بوجههم: سنجتاز هذه العاصفة. تملكه الخوف؛ و لكن الماضي محيط من صور يجذبك بقوة نحو القاع. تقاذفته الأسئلة و الحيرة: أيمكن لـ "حياة" أن تنتظرني؟
غريب أمر الحب دائما .. يحضر و بقوة، في كل المواقف الخطيرة، يهاجم العقول عندما تكون في منعرج خطير.
حياة هي كل ما تبقى له في هذا الوطن، هي التراب الذي ما تزال رائحته عالقة بثيابه، هي الوحيدة التي تجعله يرفض الموت في البحر، فيتمسك بالقارب جيدا، و يجدف بأيد متجمدة في البحر، يقاوم الألم و البرد، و هو يهمس: سأعود حبيبتي، ستكونين لي وحدي، سيكون مهرك مائة ألف يورو، بل سيكون مهرك حريتك من قبضة والدك. ترتطم موجة بالقارب فيترنح، و كأنها رقصة تانغو غاضبة يؤديها البحر. يشدد من قبضته بالقارب و كأنه يعظ . تتلاعب العاصفة بهم و بقلوبهم. أحيانا يومض البرق فتتراءى لهم أمواج ضخمة، و كأن البحر يرسم تضاريسه الموحشة. تعزف الريح لحن الموت بقوة، و تزيد من ارتباكاته و خوفه، كيف يمكن أن أغادر الدنيا دون أن أحقق أمنية حياة، سأزور قرطبة، و أشبيلية و غرناطة، سأرسل كل الصور لها..و ستكون أجمل الصور صورة عرسنا.
همس بداخله بكل ذلك ، و هو يتشبث بخشب القارب المتآكل. تساءل مجددا كيف لوطن أن يرمي بأبنائه نحو المجهول؟ هل ضاق بنا ؟ هل كنا رقما إضافيا، أم ورما يجب التخلص منه ؟ صوت الرعد يزلزل في قلوبهم، و قلبه يشتعل بالحب : إنه الحب.. وحده قادر على قهر البحار و العاصفة، هو نفسه العاصفة ؛ فلابد للريح أن تتصالح معه : ما الذي أتى بك إلى هنا ؟
رمق الشخص الذي بجانبه بنظرة لا مبالاة ؛ بسبب سؤاله المفاجئ، و لكنه واصل أسئلته: يا صديقي لا بد من الجنون لنقاوم جنون البحر، و لابد من العبث لنكون بحارة حقيقيين.
:نحن مجرد هاربين من الموت البطيء نحو موت عاجل .
:الموت (و هو يضحك بصوت عال) .. هل تخاف الموت؟
: و أنت ؟
:لا أريد أن أفكر حتى في الأمر، فقط أندفع نحو الحياة حتى لا يرهقني أمره.
: إذن أنت تردم الخوف باندفاعك يا صديقي.
:الجمال حاضر دائما، هنا أيضا جمال لا يمكنك أن تراه ببيتك، لو مت اليوم سيكون الموت محاطا بالجمال و تلك أمنية قديمة. فكيف أتعب نفسي بالموت ، و أفوت متعة هذا المنظر الرهيب ؟، إنه البحر يا صديقي عندما يحب اللعب، و كأنه طفل يلهو بباخرة.
:ونحن لعبة البحر، هدية من الوطن.
: لماذا تحب قتل الجمال؟
لاذ بصمته، و عزف الآخر عن مواصلة الحديث، بعد إيقانه أنه لن يصل معه نحو أمل يرجى. شدد البحر من قبضته، و تراخت يده الهزيلة، كاد يسقط لولا صورة أبرقت بها الذاكرة على وجه السرعة، فتمسك بخيوط الأمل، و هو يضغط بكل قوة الحلم الذي يضطرب بداخله. يعلو جنون العاصفة، يتلاعب بالقارب، يسخر من الركاب .
يزحف القارب مثل فريسة تريد التخلص من الموت. أحيانا يتسلق موجة عالية، هي أعلى من كل الأحلام المهربة. قال في نفسه : سيكتب غدا في الجريدة : جثث مجهولة كونت عصابة؛ كانت تنوي تهريب بضعة أحلام ممنوعة. سيمر الناس على العنوان ، و كأنهم بصدد قطع الطريق ، قد يتوقفون عنده بحكم العادة، و سيتسلى بعض الفضوليين بالقصة، وحدها حياة ستبكي. أفكار خطيرة جالت برأسه ، و الريح تعبث بالباخرة القزم. بعد تفاوض بين الوطن والبحر و العاصفة والمجهول.
وقف الموج بقامة معتدلة، و هو يصدر قرار الندوة : حوريات البحر عاطلة عن العمل ؛ لذا ستوكل بمهمة تنظيف قعر البحر لهم . نظر الجميع خلفهم، و هم يرون سراب وطن يئن، و أرضا مجهولة ترفضهم، بحرا غاضبا جدا، و نساء بزعانف ترقصن لهم. وحده كان يريد أن يعود، و الذي بجانبه كان يغني، يردد نحيبا أغنية بحر الطوفان . بلهجة جزائرية، و صوته يغيب بين أنياب البحر و ضجيج العاصفة:
في البحر ظهروا شي لوحات .. مرفوعين فوق الموجات
ثمة عرفت حبيبي مات.. ارحموا يا رحمن
تناثرت أوراق أبحاثه، على وجه البحر. البحر قاريء جيد، تتعاطف معه المياه، و الريح تعود عن قرارها. لا يزال متمسكا بحطام القارب، يرفض الموت، مجدولا بالأمل كان . تهدأ العاصفة، و يعود للبحر صوابه. غرناطة تتوهج في ضوء الشمس، مفارقة عجيبة هي تلك التي يكتبها التاريخ. جد فتح الأندلس، و حفيد يهرب نحو مجد ضائع . حراس الشواطئ، يتلقفونه ، يحررون محضرا: هذا آخر شخص نعثر عليه، ثم أقفلوا كيس الجثة.
تعليق