لماذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية أم أننا خارج التاريخ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرؤوف النويهى
    أديب وكاتب
    • 12-10-2007
    • 2218

    #16
    نظراً لدسامة مقالة الأستاذ الجليل محمد شهيد ،أعطيت لنفسى الحق فى نشرها كاملةً ،فلعلها تؤتى ثمارها فة إثراء الحوار .
    _________________________________
    من أنا ومن أكون؟

    في محاولة منه للإجابة عن السؤال الأبدي: من أنا ومن أكون؟ استهل عباس محمود العقاد سيرته الذاتية في كتابه « أنا » بمقولة للكاتب الأمريكي « وندل هولمز » يعرف من خلالها ماهية الانسان -كل انسان بلا استثناء : « ان الانسان- كما يقول هولمز- إنما هو ثلاثة أشخاص في صورة واحدة. الإنسان كما خلقه الله…والإنسان كما يراه الناس…والإنسان كما يرى هو نفسه… »

    وانطلاقا من هذا التعريف الموجز والمركب للإنسان يجيب العقاد عن السؤال الافتراضي بقوله: « فمن من هؤلاء الأشخاص الثلاثة هو المقصود بعباس العقاد؟.. ومن قال أنني أعرف هؤلاء الأشخاص الثلاثة معرفة تحقيق أو معرفة تقريب؟… » ثم يضيف العقاد متسائلا من جديد: « من قال إني اعرف عباس العقاد كما خلقه الله؟ ومن قال إني أعرف عباس العقاد كما يعرفه الناس؟ ومن قال إني أعرف عباس العقاد كما أراه، وأنا لا أراه على حال واحدة كل يوم؟ »

    فإذا صار السؤال صعبا و معقدا فإن الجواب عنه بات أصعب و أعقد.

    ولعل كل واحد منا- مهما بلغ إدراكه بالأمور المحيطة به، ومهما ازدادت معرفته و علت مواهبه – فإنه قد يعجز عن إيجاد جواب كاف شاف لمثل هذا السؤال : « من أنا ومن أكون؟ »

    ومن أصدق ما يمكن أن أجيب به عن نفس هذا السؤال في حق شخصي هو: لا أدري!

    ولي في ذلك القدوة الكبرى ليس في العقاد وحده، بل وفي كبار العظماء من بني البشر الذين لم يضيقوا بذلك ذرعا ولم يجدوا حرجا في إصدار الجواب ب "لا أدري" عند التساؤل أو السؤال.

    وعلى سبيل الذكر لا الحصر، أضرب ثلاثة أمثلة على ذلك: واحد لنبي وآخر لعالم لأختم بثالث لشاعر.

    اما المثال الاول فهو مذكور في القرآن الكريم عند قوله عز وجل على لسان النبي محمد عليه الصلاة والسلام : « وما أدري ما يفعل بي ولا بكم » (الاحقاف: ٩). ذلك و أن لهذه الآية سبب نزول ترويه كتب التفاسير عن ابن عباس : لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء ، فقصها على أصحابه ، فاستبشروا بذلك ، ورأوا فيها فرجا مما هم فيه من أذى المشركين . ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك ، فقالوا : يا رسول الله ، متى نهاجر إلى الأرض التي رأيت ؟ فسكت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأنزل الله تعالى : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) يعني لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أو لا ؟ ثم قال : « إنما هو شيء رأيته في منامي ما أتبع إلا ما يوحى إلي

    وإذا كان هذا هو جواب من لا ينطق عن الهوى ولا يتكلم الا بوحي يوحى، فما بال سواه؟

    أما المثال الثاني فأذكر فيه قصة شهيرة رويت عن الامام مالك، صاحب المذهب المالكي.

    فلقد قال عبد الرحمن بن مهدي شيخ الإمام أحمد : كنا ذات يوم عند الإمام مالك فجاءه رجل وقف في مجلس علمه وكان الناس يتزاحمون ويتضاربون على مجلس الإمام مالك فجاءه رجل ووقف على مجلس علمه، والإمام بين طلابه، قال الرجل: يا أبا عبد الله ! قال: نعم، قال: لقد جئتك من مسيرة ستة أشهر, لقد حملني أهل بلدي مسألة لأسألك فيها فقال الإمام مالك : سل، فسأله الرجل عن مسألته -ولم تذكر الرواية تلك المسألة- فنظر الإمام مالك بعد ما انتهى السائل من سؤاله وقال: لا أدري، لا أحسن جواب مسألتك، فذهل الرجل وقال: أتيتك مسيرة ستة أشهر وأهل بلدي ينتظرونني وأنت تقول: لا أحسن جوابك مسألتك، ماذا أقول للناس إذا ما رجعت إليهم؟ فقال مالك : قل لهم: قال مالك بن أنس : لا أحسن الجواب.

    اما ما يمكنني ان استخلصه من خلال هذا الحدث التاريخي فمفاده ان جواب الامام بلا ادري لم يكن ناتجاً عن تواضع عالم جليل فقط (ولو ان التواضع من شيم العلماء) بقدر ما فتئ معبراً عن استحالة وجود جواب كاف شاف مُحيطٍ بجميع جوانب السؤال المطروح. فلو كان عند الامام جواب لأجاب. الا ان قدره ومكانته لم تمنعاه من الامتناع عن الجواب ولو بحضور حشد من الطلبة والعلماء.

    وإذا علمنا بأن خير البشر هم الأنبياء ثم يليهم في الخيرة العلماء، وان الخيرة هاته لم تمنع نبياً ولا عالماً من أن يجيبا بلا أدري عند سؤال من يقلهما قدراً و علماً، فانه من باب أولى ان لا أجد لنفسي جوابا اوفى واغنى من لا ادري خاصة عندما يكون السؤال المطروح على الذات: » من أنا ومن أكون؟ »

    الشئ الذي يجرني الى المثال الثالث

    في مقطع بعنوان « صراع وعراك » يحكي الشاعر اللبناني ايليا ابو ماضي ضمن قصيدته الرائعة « طلاسم » معاناته مع الذات – التي من طبعها الا تستقر لها حال بل هي كل يوم في شأن – اثر مجموعة من التساؤلات الفرضية والتي لم يجد للاجابة عنها سوى عبارة « لست ادري »

    يقول ايليا أبو ماضي

    صراع وعراك:

    إنّني أشهد في نفسي صراعا وعراكا

    وأرى ذاتي شيطانا وأحيانا ملاكا

    هل أنا شخصان يأبى هذا مع ذاك اشتراكا

    أم تراني واهما فيما أراه؟

    لست أدري!

    كلّ يوم لي شأن ، كلّ حين لي شعور


    هل أنا اليوم أنا منذ ليال وشهور

    أم أنا عند غروب الشمس غيري في البكور


    كلّما ساءلت نفسي جاوبتني:

    لست أدري!


    فاذا كان جواب هؤلاء جميعا هو لاأدري, فانني لست بأعلم ولا أدرى بمن أكون أو قد لاأكون. فاللغز يبقى عالقا في انتظار توفر الحل الابدي. ومن أجل طي صفحة الذات أختم حديث النفس لهذه الليلة بهاته الكلمات :

    اذا سئلت عني

    خذ الجواب مني

    وأجب سائلك عني:


    أني حقا لست أدري


    تعليق

    • محمد شهيد
      أديب وكاتب
      • 24-01-2015
      • 4295

      #17
      تحية مجددة لكل من الاستاذ الفاضل عبد الرؤوف النويهي و المستشار المهذب الهويمل ابو فهد
      التحية لكل السيدات و السادة المتتبعين لموضوع عميق و شيق مثل هذا الذي عرضه على اذهاننا أخونا النويهي،

      الحقيقة لا أجد كلاما أعبر لك به عن امتناني لكرمك بنقلك هنا لموضوعي حول "الأنا"؛ ثقة أعتز بها كل الاعتزاز.

      أما بعد،

      فإضافة لما جاد به علينا السادة الأفاضل من أفكار حول الدور التاريخي و الحضاري للحكمة و الفلسفة العربية و المسلمة في النهوض بمجتمعات العالمين الغربي و العربي عبر العصور، فإنني أود، و باختصار شديد، أن أدرج هنا نموذجا حيا حديثا:

      في السنة الماضية، شاركت بمحاضرة ألقيتها أمام طلبة سلك الدكتوراه بجامعة كندية (تخصص سيميوطيقا) حيث أحضر رسالة الدكتوراه في العلم ذاته. و كان عنوان المحاضرة: "تحليل سيميوطيقي لشخصية الفيلسوف ابن رشد من خلال لوحة "three philosophers" للرسام الايطالي الشهير "جيورجيوني".

      دعوني فقط أخبركم على أن الحاضرين (و بمن فيهم مسؤولي الشعبة) لم يصدقوا بأن ابن رشد، و كما وفقني الله ان أبرزه بالبراهين الدامغة، كان له السبق ليس في شرح مفاهيم "أرسطو" فقط، بل و حتى في علم السيميوطيقا الذي لم تفقه لدوره أوربا و أمريكا الا في نهاية القرن التاسع عشر مع أعلام من طراز "Peirce" و Wittgenstein"

      و بعد ساعات من النقاش الساخن، و بعد عرضي لأبرز اللوحات الشهيرة لرسامي النهضة التي تجسد شخص ابن رشد (كما هو الحال في لوحة "رافاييل" المعروفة باسم "مدرسة اتينا")، أخذ المسؤولون عن الشعبة على عاتقهم تخصيص فقرة لتدريس فكر ابن رشد و تأثيره على علم السيميوطيقا...

      كان هذا مجرد مثال بسيط على تجاهل المفكرين الغربيين للدور الرئيسي الذي قام به أعلامنا في نحت أهم ركائز "نهضتهم" المزعومة. و بعيدا عن جدلية "تهافت الفلاسفة" و "تهافت تهافتهم"، علينا أن لا ننسى دور الاستعمار الاجنبي في طمس هويتنا الاسلامية و ذلك بتواطؤ حاقد جمع ثلة من مثقفيه بشرذمة من نخبنا الخائنة...و ما حال الجزائر و المغرب العربي منكم ببعيد.

      كل التقدير لجمعكم المحترم.
      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 22-06-2015, 13:43.

      تعليق

      • حسين ليشوري
        طويلب علم، مستشار أدبي.
        • 06-12-2008
        • 8016

        #18
        https://www.youtube.com/watch?v=voGuRbtIt94
        محاضرة الأستاذ الدكتور طه عبد الرحمن: الاشتغال بفقه الفلسفة ضرورة علمية، لا خيار فكري.

        sigpic
        (رسم نور الدين محساس)
        (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

        "القلم المعاند"
        (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
        "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
        و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

        تعليق

        • حسين ليشوري
          طويلب علم، مستشار أدبي.
          • 06-12-2008
          • 8016

          #19
          السلام على كل من مر من هنا فترك بصمة وعلى كل من سيمر قارئا أو معلقا أو متفلسفا ورحمة الله تعالى وبركاته.

          ثم أما بعد، يقال إن كل إنسان هو فيلسوف في نفسه بحسبه، فإن صح هذا الزعم فإنني أذكر مشروع بحث كنت أنوي القيام به عام 1984/1404 عن الإنسان وكان العنوان "الإنسان: أصله، دوره، مصيره"، وكنت وضعت الخطة وشرعت في القراءة وبعض الكتابة، وكان من ضمن الكتب التي انتهت إليَّ وقتها كتاب الطبيب الفرنسي الشهير "موريس بوكاي" (Maurice Bucaille) بعنوان "الإنسان، من أين أتى؟"(?L'homme, d'où vient-il)، فإن كان التساؤل هو بداية التفلسف فقد كنت مشروع فيلسوف في ذلكم العام، أليس كذلك؟ الإجابة قطعا أنني لم أكن ساعتها فيلسوفا ولا الآن أنا كذلك، بل هي محاولة بحث في الإنسان من وجهة نظر إسلامية لغرض دعوي بحت، ولم يكن لي غرض غير هذا، لسبب بسيط جدا هو أنني لا أومن بالفلسفة ولا التفلسف المودي [المؤدي] إلى الإفلاس وإيلام رءوس الناس بالثرثرة الشاغلة والبربرة الفارغة لأنني أعتقد جازما أن ما عندنا من مصادر صحيحة صريحة يغني عن كل تفلسف.

          وللطبيب الفرنسي، هو الآخر، الأستاذ "ألكسيس كاريل" (
          Alexis Carrel) كتاب فذ بعنوان "الإنسان، ذلك المجهول" (L'homme cet inconnu) حاول من خلاله الوصول إلى حقيقة "علمية" هي أن الإنسان كائن معقد وغامض وعميق بحيث لم تستطع العلوم بمختلف وسائلها الوصول إلى أغواره أو الكشف عن أسراره كلها، وقد حاول الأستاذ السوري الباحث "عادل العوا" مناقضة كتاب "ألكسيس كاريل" بكتابه "الإنسان ذلك المعلوم" برد حقيقة الإنسان إلى ما ثبت عنده من الحقائق "العلمية" [أنا الآن أكتب من الذاكرة المتعبة وليس تحت يدي مراجعي للتحقق مما أزعم هنا].

          طبعا، كل واحد ممن يهمه أمر هذا الإنسان ينطلق في بحثه أو في محاولة تفسلفه مما عنده من قناعات عن موضوعه، فالمسلم المؤمن بصحة مصادره الشرعية ينطلق منها، وأما غيره فينطلق مما عنده من "العلم" صحيحا كان ذلك العلم أم مزيفا أو فاسدا كما ينطلق الكتابي، اليهودي المتعصب أو الصليبي الضال، من كتبه المحرفة في اعتقاد المسلم، وينطلق الملحد من قناعاته الشخصية والتي هي عنده صحيحة "علمية" لا تقبل الشك أو التردد، وهكذا... فإن اُعْتُرِف لغير المسلم بحقه في بناء تفكيره على مصادره "المقدسة" عنده أو "الصحيحة" في رأيه، فلماذا لا يُعتَرف للمسلم بحقه في تأسيس فكره على مصادره هو أيضا؟ وهنا مربط الخير وليس مربط الخيل [مربط الفرس كما يقال لأننا لم نعد في عصر الفرس ولا عصر الفرسان والفروسية].

          هذه أسئلة أخرى أضيفها إلى ما سبق لي عرضه فعساها تكون بداية تفكير حقيقي عن هذا الإنسان، أو هذا الحيوان المتفلسف، لأن الإنسان هو الوحيد في عالم الحيوان الذي يهلك نفسه في التفلسف المؤدي إلى الإفلاس ووجع الراس.

          قراءة ممتعة بدون وجع راس.

          sigpic
          (رسم نور الدين محساس)
          (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

          "القلم المعاند"
          (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
          "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
          و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

          تعليق

          • الهويمل أبو فهد
            مستشار أدبي
            • 22-07-2011
            • 1475

            #20
            المشاركة الأصلية بواسطة حسين ليشوري مشاهدة المشاركة
            https://www.youtube.com/watch?v=voGuRbtIt94
            محاضرة الأستاذ الدكتور طه عبد الرحمن: الاشتغال بفقه الفلسفة ضرورة علمية، لا خيار فكري.

            الأستاذ الفاضل ليشوري

            بعد التحية، أشكرك كثيرا على اتاحتك لنا الاستماع لهذه المحاضرة القيّمة

            وهي لمحة عامة لمشروع واعد

            ومع أنها في مواضع قلقة بعض الشيء، ربما لأنها تلخيص أكثر منها عرضا واف، إلّا أنها واضحة وجديرة بالاهتمام. لدي ما صدر له في الموضوع. وسأعود إليهما بعد ما شرحه في هذه الحلقة

            شكرا لك مرة أخرى

            وتقبل الله منك طيبات أعمالك

            تعليق

            • عبدالرؤوف النويهى
              أديب وكاتب
              • 12-10-2007
              • 2218

              #21
              [align=justify]العقل العربى
              [/align]
              [align=justify]
              _
              "يمكن القول أن-العقل العربي-تحكمه النظـرة المعـيارية الى الأشـياء .والمقـصود بالنظرة المعيارية ذلك الاتجاه في التفكـير الذي يبحث للأشـياء عن مكانها و موقعها في منظـومة القيم التي يتخذها ذلك التفكيـر مرجعا له و مرتكـزا .
              وهذا في مقابل النظـرة الموضـوعية التي تبحـث في الأشيـاء ،عن مكوناتها الذاتـية ، وتحاول الكشف عماهو جوهـري فيها .
              ان النظـرة المعيارية نظـرة اختـزالية ، تختزل الشيءفي قيمته ، وبالتالي في المعنى الذي يضفـيه عليه الشخص-و المجتمع و الثقافة -صاحب تلك النظـرة .
              أما النظـرة الموضوعـية فهي نظرة تحلـيلية تركيبية :تحلل الشيء الى عناصـره الأساسية لتعيـد بناءه بشكليبرز ما هو جوهـري فيه .
              ولعل هذا نفسـه ما أبرزه النقـاد القدماء أمثال الجاحظ و الشهرسـتاني ممن تعرضـوا للمقارنة بين العرب و العجم في مجـال الفكر و الثقافة .
              يقـول الجاحظ في نص مشهـور:
              ...الا أن كل كلام للفرس و كل معنى للعجم فانما هو عن طول فكرة و عن اجتهاد و خلوة و مشاورة و معاونة وعن طول تفكـر ودرا سة الكتب ، وحكاية الثاني علم الأول و زيادة الثالث في علم الثاني حتى اجتمعت ثمار تلك الفكر عند آخـرهم ...
              وكل شيء عند العرب فانما هو بديـهة و ارتجال و كأنه الهـام ،وليس هناك معاناة ولا مكابدة ، ولا اجـالة فكر و لا استعانة ،وانما هو أن يصرف وهمه الى الكلام و الى رجز يوم الخصام ،أو حين يمتح على رأس بئر ، أو يحدو ببعـير ، أو عند المقارعة أو المناقلة أو عند صـراع أو في حرب ، فما هوالا أن يصرف وهمه الى جملة المذهب والى العمـود الذي يقصد ،فتأتيه المعاني ارسالا وتنثال الألفاظ انثيالا ......وليس هم كمن حفظ علم غيـره واحتذى على كـلام من كان قبلــه ..

              *ان الجاحظ الذي ساق ملاحظاته هذه في اطار الاشادة بالعرب و ردهجمات الشـعوبية ، ربما لم يكن منتبها الى أنهم يسلبهم القدرة على-التعقل- بمعنى الاستدلال و المحاكمة العقلية .ان -العقل العربي -حسب الجاحظ ،قوامه البداهة و الارتجال ،و هويريد بذلك سرعة -الفهم- و عدم التردد في اصدارالأحكـام .وهذامعـناه تحكم النظـرة المعيارية التي تؤسسها ردود أفعال آنـية .و ذلك في مقابل النظرة الموضوعـية التي قوامها -المعاناة و المكابدة و اجالة النظر -و التي يجعلها الجاحظ من خواص-العقل-عند العجـم من فـرس و يـونان .

              **من كتاب:نقد العقل العربي
              الدكتور محمد عابد الجابرى
              [/align][align=justify]
              [/align]

              تعليق

              يعمل...
              X