عين واحدة /قصة هدير الجميلي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • هدير الجميلي
    صرخة العراق
    • 22-05-2009
    • 1276

    عين واحدة /قصة هدير الجميلي

    عين واحدة

    جلس في نفس المكان الصديق ,على حافة شباك غرفته,يرقب معه شروق شمس تأخرت عن موعدها,يفرك عينيه ويناجي خيوطها الأولى المتهادية من خلف الأفق برقة ودفء,هاهي كعروس زادها النوم ألقاً وجمالاً,شعور جميل ملأ قلبه غبطة وسرورا..
    شدو عصفورين يتمازحان يصدح في أرجاء الحديقة الهادئة,لفت انتباهه عشهما الصغير في مكان متين على شجرة السدر,لاحظ أيضاً صغيريهما يحضن كلاهما الآخر ,يتلقفان الهواء بمناقيرهما كأنهما ينتظران وجبة الإفطارالتي تاخر الوالدان في إحضارها ,يتمنى لو يحلق في الفضاء بأجنحتها ...على الرصيف امرأة ترافقها طفلة تضم لها لعبتها ,تتعثر ثم تنهض مسرعة لتكمل الطريق مع أمها..ليته مثلها فهولا يحمل على صدره سوى ذكريات مؤلمة .
    قلب الغرفة وخزانة ملابسه رأساً على عقب في صباح أول يوم دراسي ,باحثاً عن جوربه التائه,ارتدى قميصه الأبيض وعيناه تبحثان عن بنطلون الجنز ,يرتديه ثم يدس يقدميه في حذائه المضطرب بسرعة
    صرخ في وجهه:هيا يا ساجد ..أيها الكسول ..لقد تأخرنا عن المدرسة ,والدي أعد الفطور لنا ,بينما يتناولان الطعام يتضاحكان ببراءة مغمسة بتفاؤل يرى هذه السنة أفضل من سابقتها ..
    يجر حقيبته الثقيلة المتخمة بالكثير من الكتب ,ورأسه ما زال مثقلا بمعلومات وأرقام السنة الماضية ,أوقات كثيرة ضاعت بين أقدام ترحال عائلته المستمر من محافظة إلى أخرى ,جراء نزوحهم للنجاة بمستقبل أطفالهم من براثن الحرب وبطشها المتلاعب بكثير من أماكن الذكريات ..
    حان الوقت ليواجه خوفه ويغلبه..يستطيع أن يقاوم وينجح..تتعاظم نفسه أمام أحلامه ,قلبه الصغير صار أكبرمن الخوف..
    نظر الوالد إلى ساعته في قلق ..يتذكر تبعثر مشاعره خوفا حين ودعهما إلى المدرسة,في مثل هذه الساعة مع أول يوم دراسي قبل سنة..الوقت يمر بطيئاً ,قلبه ينتفض بدقاته المزمجرة يكاد يقفز خارج القفص ..أقدام صغيرة تقترب منه ,يضمه بقوة ,طمأنه :تفاءل يا والدي كهذا الصباح وانظر إلى الجانب المشرق من الحياة ..بضع كلمات أدخلت السرور لقلب الوالد وأشعرته بالراحة ..
    تلقفت أيديهم سندويشتين يسدان بهما جوعيهما وبضع دراهم ترنان في راحتيهما ,وكأنهما ملوك الأرض.
    يغذان بخطى صغيرة نحو المدرسة ,تسبقهما الشمس إليها وكأنها تستعجلهما ..اقترب موعد قرع الجرس ,يتحرك باضطراب وعينه على أخيه الذي يتبعه مداعبا حصى الأرض بأقدامه,أمواج من الخيالات تعصف برأسه تصارع أفكاره وتعود إلى مجرى الحياة..تشرق الشمس مرة واحدة باليوم,هذا ماكان يردده كلما شعر بالتوتر ..
    خلف باب المدرسة طريق طويل لا ينتهي ..يحاول العبور من بين طلاب المدرسة وأصوات تدافعهم تعيد لذكرياته قصف الطائرات لمدرسته في السنة الماضية ,كان كل همه يومها حماية أخيه من الرعب والعنف الحاصلان,الرؤوس تدحرجت في كل مكان وكأنها قطع لعبة البولنج,الأشلاء تناثرت في الأرجاء وكأنها عهن نُفش على يد محترف,نقشت بعضها على الجدران رسوماً تذكارية وأوسمة بأسماء الأطفال المتفوقين ,ومنها ما علق على كتب ودفاتر لم تبرد حروفها بعد..
    كان الطلبة قد اعتادوا منادته ب(عين أخيه)لشدة حرصه عليه وتعلقه به..السخرية تطفو على ملامحهم الباهتة وتحرك ألسنتهم المنفلتة ببراءة ,لايخلو الأمر من غيرة متوارية,كونه لايترك لهم إلا ما بعد المرتبة الأولى دائما,لكنه اضطر للتنازل عن إحدى عينيه حين غافلتها شظية رعناء وهو يحاول إنقاذ أخيه ,كان عليه أن يرد الجميل للذين التقطوه من دمار بيته الذي قضى على كل عائلته ,وبعد أن رزق والداه الجديدان بساجد أحب أن يحافظ عليه ويهتم به ,ليرد لهما الجميل,فهل تكفي تلك العين؟
    تتعبه الأسئلة ويحار في الإجابة عليها لكن ما يسعده أن له رفيقا وصديقا تبتل شفتيه بابتسامة ..ويرطب أوقاته بنظرات المحبة ..
    شيء ما زلزل أركان الصف ,سقط سقطة مدوية ,ثم قام منتفضا يبحلق بنظرات خاوية ليجد نفسه وحيداً عاجزاً عن التفسير ..المكان يعمه الخراب ,تتجمد الدموع في عينيه ..تلاحق أنفاسه يبدد صمت المكان ,يبحث في الركام ,يصرخ ,ينادي لكن ما من مجيب ..يركض خلف صدى صوته حتى يتلاشى...
    بحثت عنك في عيون الناس
    في أوجه القمر
    في موج البحر
    فوجدتك بين خافقي أقرب من كل الذين أبحث فيهم
    ياموطني الحبيب...


    هدير الجميلي(هدير نزف النواعير)
  • مصطفى الصالح
    لمسة شفق
    • 08-12-2009
    • 6443

    #2
    رائعة ومتقنة جدا
    نفس الهم الذي نعيشه في بلادنا العربية كلها بلا استثناء
    لغة قوية
    وسرد متين
    أبدعت

    كل التقدير
    [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

    ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
    لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

    رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

    حديث الشمس
    مصطفى الصالح[/align]

    تعليق

    • هدير الجميلي
      صرخة العراق
      • 22-05-2009
      • 1276

      #3
      أستاذ مصطفى الصالح هو شرف لي تواجدك بين ثنايا كلماتي
      وشهادة منك بأني أصبحت استحق أن أكون أديبة

      كل التقدير لحضورك الرائع
      بحثت عنك في عيون الناس
      في أوجه القمر
      في موج البحر
      فوجدتك بين خافقي أقرب من كل الذين أبحث فيهم
      ياموطني الحبيب...


      هدير الجميلي(هدير نزف النواعير)

      تعليق

      • الفرحان بوعزة
        أديب وكاتب
        • 01-10-2010
        • 409

        #4
        قرأت نصا أدبيا متميزا جمع بين جودة السرد والحكي الشيق المبني على خطاطة سردية محكمة ،نص جميل تعيش من فوضى الحياة وما يعتريها من وضعيات وحالات مختلفة ومتنوعة ،فعن طريق الترصد والتتبع استطاعت الساردة أن تقتنص الحالات المؤثرة في النفس والذاكرة/نفسية الطفل /نفسية الأب / نفسية الأم / نفسية الطلاب /...حالات تتأرجح بين التفاؤل والخوف والرعب ، بين التأثير الخارجي والتأثر النفسي والاجتماعي /..حالات متوازية مع وضعية الشوارع ،والمدرسة ،والطائرات ،والقنابل ...في ظل هذا الجو المفعم بالأمل والتحدي والإصرارعلى البقاء نجد الساردة كيفت المأساة المرتقبة فجعلتها معتادة ومألوفة لدي الناس والمجتمع ..فرغم سقوط سقف المدرسة ،وموت الأطفال الأبرياء في كل وقت فإن الحياة تستمر ..
        نص جميل بلغته وصياغته وأسلوبه الشيق رغم ما يحمل من مآسي إنسانية تقع في كل ساعة ودقيقة ،في غياب الضمير الدولي العالمي وصمته ..فكأنهم يقولون : الحياة لنا والموت لكم ..
        جميل ما كتبت وأبدعت الأخت المبدعة المتألقة هدير ..
        تقديري واحترامي ..

        تعليق

        • هدير الجميلي
          صرخة العراق
          • 22-05-2009
          • 1276

          #5
          الفرحان بو عزة رفع الله قدريك
          شكراً لتحليل والمديح والتعليق الرائع الذي يعزز ثقتي بنفسي
          لا عدمنا وجودك أيها الأديب الطيب
          التعديل الأخير تم بواسطة هدير الجميلي; الساعة 29-08-2015, 16:58.
          بحثت عنك في عيون الناس
          في أوجه القمر
          في موج البحر
          فوجدتك بين خافقي أقرب من كل الذين أبحث فيهم
          ياموطني الحبيب...


          هدير الجميلي(هدير نزف النواعير)

          تعليق

          يعمل...
          X