على أوتار الجرح/رشيد شرشاف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • رشيد شرشاف
    أديب وكاتب
    • 24-06-2015
    • 246

    على أوتار الجرح/رشيد شرشاف

    على أوتار الجرح / رشيد شرشاف
    وحين رأيتك جالسة وحيدة في تلك المقهى،واضعة
    رجلا على رجل،ملابسك أنيقة كالعادة،ومحفظتك
    الجلدية معلقة على الكرسي،ووجهك الطفولي الجميل
    المختبئ تحت المساحيق يتحدى الجالسين أمامك
    بجرأة سافرة ، تذكرتك فخفق القلب بسرعة دون
    وعي منه وٱرتعش و سرى في جسدي حزن عتيق.
    كنت حينها واقفا أمام متجر الملابس أتابع إبني الصغير
    ذو الخمس سنوات و زوجتي الحنون التي تحاول أن تلبسه
    ملابس جديدة وهو يتمنع،تربث على رأسه و تلاطفه
    و تتسع إبتسامتها كلما إلتقت نظراتها بنظراتي.
    ينبوع حب يسري بيننا وإطمئنان و سعادة تلف قلبينا
    و ألفة و قناعة تثبت أقدامنا . أكان هذا صعبا عليك ؟
    هل صعب حقا أن تكوني أما ؟
    تذكرين أيام خطوبتنا عند أول شجار بيننا ، كان الجو ربيعيا و كنا نتمشى
    الهوينى وكنا نبني الآمال نرصفها ،ونستبق الأيام
    و نطلبها .حدثتك عن طفولتي و عن أشيائي التي أحبها
    و عن أفكاري و طموحاتي.كنت فرحا بقربك و بعشقك.
    و رأيتك تبتسمين و عيناك تتسعتان و تتغنجان . لم
    أعرف لم إلتفت يساري و رأيت ذلك الشاب الراكب
    السيارة الرياضية يحاورك خلسة و يغازلك و أنا
    كالأحمق أعبر عن مشاعري تجاهك و أعبر و أعبر
    و أعبر.
    جرح قلبي كان بليغا لكنني سامحتك . غرتني دموعك
    الطفولية وقلت : غلطة لن تتكرر .ما زلت صغيرة على
    الحب .الحب أخذ و عطاء .الحب لا يقدر بثمن .
    صحتِ : أريد أن أعيش حياة رغدة .أن أعيش شبابي .
    أن أرى ما لم تره عين و ما لم تسمع عنه أذن.
    أنتَ بعيد كل البعد عن هذا.الحب ليس مشاعر و تضحيات فقط.
    صدمتني أقوالك و قلت : لا بد أن يأتي يوم تشعرين فيه
    بالخطإ وتتغيرين. لكنك لم تتغيري.
    و تركتك و قلبي يئن من شدة الوجع .أرتجف كعصفور
    صغير في يوم ممطر ،رمته الرياح في ركن قصي، ليس
    بينه وبين باب الرحمة إلا ما قدر الله.وقفت مشدوها.
    كلماتك أدخلتني في عالم آخر لم أعلم يوما بوجوده .
    أ تراني أنا المخطئ ؟ هل زمن الحب العفيف قد ولى و فات ؟
    هل بناء عش الزوجية يتم لبنة لبنة و جدارا جدارا ،
    أم يظهر فجأة كقصور ألف ليلة و ليلة ؟
    حيرني صدك و تعاليك؛ لكن باب الرحمة فُتح و ظهرت
    شريكة عمري .قالت : أنتَ ونيسي و سندي .أهب
    عمري كله لك .أنتَ نور عيني وسراجيَ المنير أينما ذهبت.
    إنتشلتني من براثن حبك و علمتني كيف يكون الحب .
    الآن ها أنت أمامي .خلف زجاج نافذة المقهى أرى عيناك
    الزجاجيتين تتراقصان في محجريهما.تنظران هنا و هناك
    و تبتسمان .إبتسامات بالجملة لكنهما لا يستقران أبدا.
    عمّ تبحثين؟ عن المال؟ عن الحب؟ أبدا لن تجديه.
    يديك النحيلتان على الطاولة ترتعشان.أنا أعلم ذلك.
    وراء هذه العيون قلب يرتعش.كبد يئن.روح تتأوه.
    ضعي الأقراط في أذنيك، و زيني عنقك بسلاسل الذهب،
    لكن خاتم الحب لن يدخل أصبعك .
    إبتسمت مساحيق وجهك للنادل فأتى مبتسما.سألته
    عن شيء ما فهز رأسه بعلامة الإيجاب وذهب مسرعا.
    الموائد منتشرة أمامك، و مرة بعد مرة وشوشات
    و همسات وضحكات مكتومة تخترق أذناك ،والعيون
    تسترق النظرات و تختبئ وراء زيف التحضر .كل شيء مزيف.
    الكلام بحساب والضحك بحساب والنظر بحساب
    حتى الهواء المكيف بحساب.
    يعود النادل بعد قليل .يقدم لك طعامك الفاخر،ويهمس
    في أذنك ألاّ حبيب حضر.تنكسر نظراتك ،وتلألأ دموعك
    فتسيل خيطا رفيعا على كتلة المساحيق.
    تنظرين خارج زجاج النافذة لتهربي من واقعك الأليم.
    تري عالما غير العالم الذي أنت فيه .
    تلتقي نظراتنا .أشيح بوجهي عنك ،و أحتضن بعيني زوجتي.
    تخترق أذني صيحات إبني الصغير فرحا.
    يجري أمامنا سعيدا.فاتحا ذراعيه معانقا الريح.
    أتظاهر بمحاولة الإمساك به فيفر فأضحك أنا ملء أذناي.
    أتوجه إليه و أرفعه عاليا و أضعه بين كتفي .
    أمسك ساقه بيدي اليمنى ويد زوجتي بيدي اليسرى.
    نسير معا بخطوات رشيقة و قوية تهز الدنيا و ما فيها...
    التعديل الأخير تم بواسطة رشيد شرشاف; الساعة 26-07-2015, 20:48.
    كن ابن من شئت واكتسب أدباً يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ فليس يغني الحسيب نسبته بلا لسانٍ له ولا أدب إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي
  • رشيد شرشاف
    أديب وكاتب
    • 24-06-2015
    • 246

    #2
    قراءة ممتعة أرجوها لكم
    مع تحياتي وتقديري
    كن ابن من شئت واكتسب أدباً يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ فليس يغني الحسيب نسبته بلا لسانٍ له ولا أدب إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي

    تعليق

    • بسمة الصيادي
      مشرفة ملتقى القصة
      • 09-02-2010
      • 3185

      #3
      هنيئا لم فهم المعنى الحقيقيّ للحب
      فامتلك مفاتيح السعادة
      قصة من صميم الواقع
      وآفة فككت روابط مجتمعنا
      استمتعت هنا.. أسلوب سلس ومغزى نبيل
      تحياتي لك
      في انتظار ..هدية من السماء!!

      تعليق

      • رشيد شرشاف
        أديب وكاتب
        • 24-06-2015
        • 246

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة بسمة الصيادي مشاهدة المشاركة
        هنيئا لم فهم المعنى الحقيقيّ للحب
        فامتلك مفاتيح السعادة
        قصة من صميم الواقع
        وآفة فككت روابط مجتمعنا
        استمتعت هنا.. أسلوب سلس ومغزى نبيل
        تحياتي لك
        شكرا أستاذة بسمة الصيادي على إستحسانك للقصة
        شكرا لحضورك الغالي .. تشرفت واسعدني روعة الحضور
        كن ابن من شئت واكتسب أدباً يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ فليس يغني الحسيب نسبته بلا لسانٍ له ولا أدب إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي

        تعليق

        • بسباس عبدالرزاق
          أديب وكاتب
          • 01-09-2012
          • 2008

          #5
          الله على جمال النص

          و البناء و الأسلوب و الطرح
          كل شئ كان في مكانه مرسوم بدقة

          و الأكثر هو ضحك الأطفال و يد امرأة تنتشلنا من تعب اليوميات المتعبة


          هو الحب نجده في أماكن لم نكن ندرك وجودها

          تقديري استاذي رشيد شرشاف
          السؤال مصباح عنيد
          لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

          تعليق

          • رشيد شرشاف
            أديب وكاتب
            • 24-06-2015
            • 246

            #6
            شكرا أستاذ بسباس عبد الرزاق على حضورك الكريم
            هذا دفع كبير والله
            ممتن لنقاء قلبك
            غابات مودة
            كن ابن من شئت واكتسب أدباً يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ فليس يغني الحسيب نسبته بلا لسانٍ له ولا أدب إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي

            تعليق

            • محمود عودة
              أديب وكاتب
              • 04-12-2013
              • 398

              #7
              نص متماسك وتصوير رائع لكن لي همسة بسيطة لأن الراوي هو نفسة الكاتب فكيف سمع همس النادل للخطيبة السابقة وهو يقف خلف زجاج المطعم
              كل التحية لبجمال ابداعك ..مودتي
              التعديل الأخير تم بواسطة محمود عودة; الساعة 28-09-2015, 18:56.

              تعليق

              • رشيد شرشاف
                أديب وكاتب
                • 24-06-2015
                • 246

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة محمود عودة مشاهدة المشاركة
                نص متماسك وتصوير رائع لكن لي همسة بسيطة لأن الراوي هو نفسة الكاتب فكيف سمع همس النادل للخطيبة السابقة وهو يقف خلف زجاج المطعم
                كل التحية لبجمال ابداعك ..مودتي
                في بعض الأحيان من حركة الشفايف نعلم ما يريد المتكلم قوله حتى دون سماعه
                شكرا أستاذ محمود عودة على الملاحظة الذكية
                تحياتي و تقديري.
                كن ابن من شئت واكتسب أدباً يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ فليس يغني الحسيب نسبته بلا لسانٍ له ولا أدب إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي

                تعليق

                يعمل...
                X