فى اليوم الذي لا يكتب خلاله قصيده ملتهبة , يعيش ساعاته تائها زائغ البصر , مرتبكا قلقا , ومرتجفا , يدير المذياع من جهة الى اخرى لعله يقترب من أمل يراوده بمحاكاة انسان عربي فى أحلامه الواسعة اتساع الوطن العربى كله …
هذا هو "محمود" النحيل الجسم , الضيق الصدر والعينين , الذي يحترق مع الكلمة وبالكلمة , فيعشقها وتعشقه , ويحولها الى حبيبه تقطع وتوصل او يسافر اليها ومعها فى وطن غير مسموح التحرك داخله الا بالدبابة او الهوية او الاعتقال بسبب الدفاع عن القضية من خلال قصيدة شعرية
وذات يوم من أيام "محمود" الشعرية وقف يتأمل ديوانه الشعري بعد ان انتهت طباعته , يقلب صفحاته ويستعيد كل كلمه من كلماته , باحثا داخل ذاته الوطنية , عن أمل ينير الطريق من خلال قصائده الشعرية , أو إضاءة تعكس الحقيقة فتوقظ النيام فى الذات القومية داخل الدائرة العربية ..
- كان عاشقا بمعنى الكلمة , يعشق الوطن فى عيون فلسطينية , حسناء تداعب حلمه الشاعري من خلال تركيبة متينة تجعل المرأة فى ظله الغنى وطنا , وتجعل من الوطن إمرأة هى فى حقيقتها خريطة جغرافية تحتوي على كل المدن والقرى , بكل العادات والقيم , وبما تحتويه من ملابسات تفصيليه
- رومانسي هو , حاد , وعصبي , ومتقزز من كل شىء حوله … حلمه الاكبر خارج حدود الوطن المحتل مرتين : مرة فى النكبة واخرى مع النكسة.
- ومع انه لا يمارس سوى الحب والعشق بالكلمة احيانا وبالمرأة احيانا اخرى , شعروا بخطورته , فأمسكوا به وصادروا جسده , ووضعوه داخل زنزانة محكمة الاقفال , متهم بحب الوطن القضية , وحبه للمرأة الوطن .. وصادروا معه كل قصائده الشعرية , وكل حب يملأ قلبه ..
- وكان الرحيل الاول من وطنه الاصلي الذي لم يهاجر منه الا اليه ..
- وأصبح محمود داخل الدائرة العربية الحلم بالنسبة الى فلسطيني مثله فتح عينيه على الدنيا فلم يجد أمامه سوى بعض العصابات الصهيونية المرتزقة المسلحة تحتل مدينته وتحكم عليه بممارسة الاحلام دون التفاعل معها او السفر بها خارج ذاته وحدوده .
ـ وحمل "محمود" كل هذه الهموم الى الدائرة العربية يخبرهم انه وأخوانه فى الوطن المحتل يأملون فى الوحدة العربية أن تعيد لهم كرامتهم وحريتهم التى أهدرت ووجد فى استقبال ابناء وطنه وأمته بعض العزاء , لكن هذا وذاك لم يصل الى درجة الحلم الذي كان يتوقع رؤيته فى الدائرة العربية الواسعة ..
- وأصيب "محمود" بالاحباط وخيبة الامل , وخفت حدة العشق المتحفز للثأر من مغتصبيه داخله فى ابتعاده عن الوطن المغتصب , وهفت نفسه ترجو حبا فى داخل نفسه الحزينة المتأجة بنار الوجد والشوق والصدق لكنه لم يجد .
- وأصبح الدخول فى الدائرة التى عاش طوال حياته يحلم بها أمرا احباطيا بالنسبة الى عقله وقلبه وكيانه الوطني والقومي كله , لان الواقع الذي اصطدم به لم يصل الى مستوى الحلم الذي عايشه عن الدائرة وبعيدا عنها , كما انه لم يكن فى مستوى عزيمته للدرجة التى تشعره بالتعويض الانساني عن البعد الوطنى …!
- الى متى …؟ ؟ والى أين ..؟؟كان السؤال يتكرر كل يوم فى عقله الباطن , ولم يجد له اجابة شافية , فكل الاشياء حوله تتراجع وتنهزم ولا يكاد يجد التفسير الصحي المناسب لهذا كله لان المقومات الانسانية والمادية داخل الدائرة تشير ولا تزال الى امكانية التقدم لا التراجع المفجع الحزين ..
- انه الوحيد بين اقرانه من الشعراء والادباء الذي عاش التجربة الانسانية داخل الدائرة وبعيدا عنها , وكان المؤلم بالنسبة اليه ان البعد عن الدائرة مثل الوجود بداخلها لا فرق , سوى العذاب الداخلي الذي يقهر الابداع ويقوقعه لان العذاب بعيدا عن الدائرة سببه واضح وجلي ومعروف تخلفه ظروف الصدام مع العدو مباشرة أما العذاب داخل الدائرة فهو مر كالعلقم , بل أشد وأقسى لان سببه غير واضح …
- وأصبح "محمود" داخل الدائرة يمارس التكيف مع واقعها بعد أن شعر بعدم قدرته على تغيير هذا الواقع او تطويره ضمن لعبة الشك واليقين التى تحاصر "محمود" العاشق بكل قسوة قهرية لفنان شاعر يملك حساسية مرهفة وكانت ماساته
الرحيل المتواصل
كلما انشا لنفسه احبابا واصحابا وصنع معهم وطنه الذاتي يفقدهم مرة تلو الاخرى
- هذا الشاعر المرهف الاحاسيس تم ترحيله من عكا حبث الاهل والاقارب والاحباب وفي مصر وجد حضن الاستاذ / هيكل الذي وضعه جنبا الى جنب في مكتب مجاور لمكاتب / الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف ادريس في ظروف النكسة اعوام 1969- 1971م
ثم تركهم وانضم الى قافلة مبدعي وادباء الثورة الفلسطينيه في لبنان وهناك كون وطنا ثالثا من الزملاء والاصحاب وقسريا هجروه وهجرهم في العام 1982م
مرحلا الى تونس مع كافة دوائر منظمة التحرير الفلسطينيه
ولم يجد في تونس البعيده عن موطنه الاصلي ما يكفي من زاد لبناء وطن جديد فيها
فسافر الى فرنسا قبل اتفاق اوسلو ليعيش حلمه الوطني والقومي في اطار كوني عالمي
ورغم حاجته الشديده للعوده فضل ان يتاى بتفسه عن الخلاف والجدل حول مشروعية الوطن والدوله في ظل اتفاق اوسلو
عاش وحيدا
الوحده ذاتها عالمه وحياته
لكن العالم تغير
لم يعد عالمه
عالم الخطيئة والذبح المشروع
والخلاف المشروع
ليس عالمه
هكذا ترك العالم
هكذا كان ابن العالم وغريبا عن العالم
هكذا رحل محمود درويش
نسال له الرحمة والمغفره
هذا هو "محمود" النحيل الجسم , الضيق الصدر والعينين , الذي يحترق مع الكلمة وبالكلمة , فيعشقها وتعشقه , ويحولها الى حبيبه تقطع وتوصل او يسافر اليها ومعها فى وطن غير مسموح التحرك داخله الا بالدبابة او الهوية او الاعتقال بسبب الدفاع عن القضية من خلال قصيدة شعرية
وذات يوم من أيام "محمود" الشعرية وقف يتأمل ديوانه الشعري بعد ان انتهت طباعته , يقلب صفحاته ويستعيد كل كلمه من كلماته , باحثا داخل ذاته الوطنية , عن أمل ينير الطريق من خلال قصائده الشعرية , أو إضاءة تعكس الحقيقة فتوقظ النيام فى الذات القومية داخل الدائرة العربية ..
- كان عاشقا بمعنى الكلمة , يعشق الوطن فى عيون فلسطينية , حسناء تداعب حلمه الشاعري من خلال تركيبة متينة تجعل المرأة فى ظله الغنى وطنا , وتجعل من الوطن إمرأة هى فى حقيقتها خريطة جغرافية تحتوي على كل المدن والقرى , بكل العادات والقيم , وبما تحتويه من ملابسات تفصيليه
- رومانسي هو , حاد , وعصبي , ومتقزز من كل شىء حوله … حلمه الاكبر خارج حدود الوطن المحتل مرتين : مرة فى النكبة واخرى مع النكسة.
- ومع انه لا يمارس سوى الحب والعشق بالكلمة احيانا وبالمرأة احيانا اخرى , شعروا بخطورته , فأمسكوا به وصادروا جسده , ووضعوه داخل زنزانة محكمة الاقفال , متهم بحب الوطن القضية , وحبه للمرأة الوطن .. وصادروا معه كل قصائده الشعرية , وكل حب يملأ قلبه ..
- وكان الرحيل الاول من وطنه الاصلي الذي لم يهاجر منه الا اليه ..
- وأصبح محمود داخل الدائرة العربية الحلم بالنسبة الى فلسطيني مثله فتح عينيه على الدنيا فلم يجد أمامه سوى بعض العصابات الصهيونية المرتزقة المسلحة تحتل مدينته وتحكم عليه بممارسة الاحلام دون التفاعل معها او السفر بها خارج ذاته وحدوده .
ـ وحمل "محمود" كل هذه الهموم الى الدائرة العربية يخبرهم انه وأخوانه فى الوطن المحتل يأملون فى الوحدة العربية أن تعيد لهم كرامتهم وحريتهم التى أهدرت ووجد فى استقبال ابناء وطنه وأمته بعض العزاء , لكن هذا وذاك لم يصل الى درجة الحلم الذي كان يتوقع رؤيته فى الدائرة العربية الواسعة ..
- وأصيب "محمود" بالاحباط وخيبة الامل , وخفت حدة العشق المتحفز للثأر من مغتصبيه داخله فى ابتعاده عن الوطن المغتصب , وهفت نفسه ترجو حبا فى داخل نفسه الحزينة المتأجة بنار الوجد والشوق والصدق لكنه لم يجد .
- وأصبح الدخول فى الدائرة التى عاش طوال حياته يحلم بها أمرا احباطيا بالنسبة الى عقله وقلبه وكيانه الوطني والقومي كله , لان الواقع الذي اصطدم به لم يصل الى مستوى الحلم الذي عايشه عن الدائرة وبعيدا عنها , كما انه لم يكن فى مستوى عزيمته للدرجة التى تشعره بالتعويض الانساني عن البعد الوطنى …!
- الى متى …؟ ؟ والى أين ..؟؟كان السؤال يتكرر كل يوم فى عقله الباطن , ولم يجد له اجابة شافية , فكل الاشياء حوله تتراجع وتنهزم ولا يكاد يجد التفسير الصحي المناسب لهذا كله لان المقومات الانسانية والمادية داخل الدائرة تشير ولا تزال الى امكانية التقدم لا التراجع المفجع الحزين ..
- انه الوحيد بين اقرانه من الشعراء والادباء الذي عاش التجربة الانسانية داخل الدائرة وبعيدا عنها , وكان المؤلم بالنسبة اليه ان البعد عن الدائرة مثل الوجود بداخلها لا فرق , سوى العذاب الداخلي الذي يقهر الابداع ويقوقعه لان العذاب بعيدا عن الدائرة سببه واضح وجلي ومعروف تخلفه ظروف الصدام مع العدو مباشرة أما العذاب داخل الدائرة فهو مر كالعلقم , بل أشد وأقسى لان سببه غير واضح …
- وأصبح "محمود" داخل الدائرة يمارس التكيف مع واقعها بعد أن شعر بعدم قدرته على تغيير هذا الواقع او تطويره ضمن لعبة الشك واليقين التى تحاصر "محمود" العاشق بكل قسوة قهرية لفنان شاعر يملك حساسية مرهفة وكانت ماساته
الرحيل المتواصل
كلما انشا لنفسه احبابا واصحابا وصنع معهم وطنه الذاتي يفقدهم مرة تلو الاخرى
- هذا الشاعر المرهف الاحاسيس تم ترحيله من عكا حبث الاهل والاقارب والاحباب وفي مصر وجد حضن الاستاذ / هيكل الذي وضعه جنبا الى جنب في مكتب مجاور لمكاتب / الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف ادريس في ظروف النكسة اعوام 1969- 1971م
ثم تركهم وانضم الى قافلة مبدعي وادباء الثورة الفلسطينيه في لبنان وهناك كون وطنا ثالثا من الزملاء والاصحاب وقسريا هجروه وهجرهم في العام 1982م
مرحلا الى تونس مع كافة دوائر منظمة التحرير الفلسطينيه
ولم يجد في تونس البعيده عن موطنه الاصلي ما يكفي من زاد لبناء وطن جديد فيها
فسافر الى فرنسا قبل اتفاق اوسلو ليعيش حلمه الوطني والقومي في اطار كوني عالمي
ورغم حاجته الشديده للعوده فضل ان يتاى بتفسه عن الخلاف والجدل حول مشروعية الوطن والدوله في ظل اتفاق اوسلو
عاش وحيدا
الوحده ذاتها عالمه وحياته
لكن العالم تغير
لم يعد عالمه
عالم الخطيئة والذبح المشروع
والخلاف المشروع
ليس عالمه
هكذا ترك العالم
هكذا كان ابن العالم وغريبا عن العالم
هكذا رحل محمود درويش
نسال له الرحمة والمغفره
تعليق