من أنتِ!! بقلم الروائية: وفاء الشريف الحسني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وفاء الحسني
    أديب وكاتب
    • 09-11-2015
    • 50

    من أنتِ!! بقلم الروائية: وفاء الشريف الحسني



    لم أكن أعلم أن الحياة أقصر مما نعتقد، وأنها تتمدد على قارب صغير يخترق زرقة البحر، وأن الموج الطافح بأسرار الأعماق لا يحاور أوردة شحيحة النبض، البحر أمي، وأمي هي الحياة، الحب، حبها يجعل الحياة بطعم محتمل، تمنح قلبها شمسا...

    لسنوات شغلت عن زيارتها، أما هي فقد كانت تزورني كل عام، لعلمها أنني مقيدة بأطفالي ومسؤولياتهم، إضافة إلى تسلط زوجي ذي المزاج الصعب، منذ خمسة أعوام توقفت عن زيارتي، لكننا كنا نتواصل هاتفيا كل يوم، وقبل أيام صدمت عندما قالت لي صوتك لا يشبه صوت ابنتي بشرى، اتصلت بأخواتي فقلن لي إنه بداية الزهايمر، بدأ ينهش ذاكرتها، قررت زيارتها وترك كل شيء خلفي...
    دخلت عليها وهي جالسة على حافة سريرها، نظرت إلي وقالت من أنت؟ اقتربت واحتضنتها قلت لها: أنا بشرى.. بشرى ابنتك، أخذت تنظر إلي بتمعن واستغراب، لمحت في عينيها طفلة تعاني من الفقد، طفلة ليس لها أب أو أم.. تبحث في ملامحي عن وجه كانت تعرفه.. بعد دقائق قالت بفرح: بشرى... واحتضنتني وبكت، وبكيت بفرح حتى أني نسيت نفسي بحضنها.
    سهرت في غرفتها حتى وقت متأخر.. صباح اليوم التالي وبعد الإفطار اقتربت منها وقبلت يديها، سألتني من أنت؟ بكيت وأنا أتأمل وجه أمي الذي يطل منه ذلك الطفل الضائع، طفل يحاول أن يلتقط من أطراف الذاكرة أسماء، مع أن الخريف رسام لا يحترف التزوير، الخريف ملك كريم نثر ظلاله في مهب الريح لم يعد يملك أوراقا، "الخريف" عازف ورق .. كما الموسيقار لا يفعل أكثر من تحريك العصا، الخريف يحرك الغصون..
    فتهتز الاشجار حتى تثمل الأوراق تدوخ وتسقط، ، أمي تردد أسماء لأشخاص لم يعودوا بين الأحياء، أهمس وأنا أدلك قدميها: أمي أنت كنزي الذي أتمنى أن لا أفقده... حين يجف الماء في ذاكرة النهر تنمو وتتألق الضفاف، و النهر ليس نهر الماء بل ما جرى فيه الضياء..
    قضيت أكثر من ثلاثة أسابيع مع أمي وهي بين النسيان والتذكر، كان لكل لحظة صفحة، وأجمل الصفحات تلك التي لا يطوها النسيان، أمي اكتمال الحب وحين يكتمل الحب ينتهي.. تنهمر دموعي بغزارة وأنا أودعها للعودة إلى ابنائي.. حزني حزين يشبه فيضان النهر يجعل كل شيء يشرب.. بكيت حتى وصلت لمدينتي وجدتها مغتسلة بالمطر، لم أبتسم إلا عندما شاهدت بعض الناس على الرصيف يستدفئون بالحطب ويثرثرون ويضحكون بفرح فالضحك صديق الفقاعات، تذكرت المجمعات التجارية والمطاعم الفخمة هناك، والناس الذين يجتمعون ليحاكي كل منهم جهازه الخاص.. وعدت للبكاء حين تذكرت أمي.. مؤلم أن تمسح الذاكرة الصور والأكثر إيلاما أن يلتقط لك الآخر صورا متخيلة.
    أمي عادت طفلة، لكنها طفلة لا تكبر، وحين يصغر الكبار تترك الصور أصواتها .. من تتكلم معي ليست أمي.. ومن ينظر لي هو النسيان..
    أمي ذهبت بعيدا لا أعرف إلى أين! ولا أعرف كيف التقط صورتي وذاكرتها تلتقط لي صورة خارج البرواز، الحزن لا يعدّ الأصابع التي تمسح على رأسه
    ، يرحل وحيدا بعيدا وينهمر..
    لا يفعل أكثر من أن يقذف بالزهر التذكر
    حتى يشيخ النسيان.
    التعديل الأخير تم بواسطة وفاء الحسني; الساعة 09-11-2015, 13:58.
    @wafa_77999
    تويتر
  • أميمة محمد
    مشرف
    • 27-05-2015
    • 4960

    #2
    آه.. الأم حبيبة القلب.. والنسيان آفة الذاكرة..
    أهلاً وفاء..
    ولي عودة إن شاء الله

    تعليق

    • أحمدخيرى
      الكوستر
      • 24-05-2012
      • 794

      #3
      يا الله على هذا التسلسل الجميل ..
      القصة رائعة بكل المقاييس ..
      واللغة " بشاعريتها البسيطة " سواء في سرد الاحداث " بصوت الراوي " او من خلال " الحوار " القليل .. كانت في أجمل حالاتها ..
      سعدت بـ مطالعة " رائعتك " أستاذة / وفـاء
      وأشكرك جزيلاً على متعة القراءة .
      التعديل الأخير تم بواسطة أحمدخيرى; الساعة 09-11-2015, 16:16.
      https://www.facebook.com/TheCoster

      تعليق

      • وفاء الحسني
        أديب وكاتب
        • 09-11-2015
        • 50

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة
        آه.. الأم حبيبة القلب.. والنسيان آفة الذاكرة..
        أهلاً وفاء..
        ولي عودة إن شاء الله
        إن شاء الله
        وبإذن الله ننتظر عودتك

        كل الشكر

        وفاء
        @wafa_77999
        تويتر

        تعليق

        • وفاء الحسني
          أديب وكاتب
          • 09-11-2015
          • 50

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة أحمدخيرى مشاهدة المشاركة
          يا الله على هذا التسلسل الجميل ..
          القصة رائعة بكل المقاييس ..
          واللغة " بشاعريتها البسيطة " سواء في سرد الاحداث " بصوت الراوي " او من خلال " الحوار " القليل .. كانت في أجمل حالاتها ..
          سعدت بـ مطالعة " رائعتك " أستاذة / وفـاء
          وأشكرك جزيلاً على متعة القراءة .
          مرورك تعشقه الأقلام
          وهذا ما تنتظره الأقلام

          كل الود والتقدير
          وشكرا

          وفاء
          @wafa_77999
          تويتر

          تعليق

          • بسباس عبدالرزاق
            أديب وكاتب
            • 01-09-2012
            • 2008

            #6
            من خلال قصتك نرى معالجة رائعة للزمن الذي يعيشه الانسان
            خصوصا تلك المرحلة الصعبة
            هي مرحلة يحس فيها الإنسان بخروجه من دائرة الاهتمام و ربما يصبح غير معني بالعالم الذي يعيشه
            و لا حتى العالم معني به

            و ربما الزهايمر هو حيلة انسانية ابتركها العقل ليهرب من الحقيقة المؤلمة
            أن بقاؤه لم يعد مجديا و رحيله غير مهم

            ربما الصلة الوحيدة لنا في الكبر مع هذا العالم هي أبناؤنا.. أحلامنا التي أحيانا نراها ايضا كيف تنهار

            للقصة فوائد عدة
            أهمها أن الكبار في السن يحتاجون لآباء (ابناء) أكثر من الوليد
            خاصة جملتك المعبرة (أمي عادت طفلة، لكنها طفلة لا تكبر، وحين يصغر الكبار تترك الصور أصواتها)
            و لذلك هم بحاجة لحب أكبر و لأحضان تجعلهم يلعبون آخر ألعابهم بمتعة أكبر

            و داخل كل انسان طفل يصاحبه طوال حياته و لكن الحياة تجبرنا على دفن ذلك الطفل حتى آخر المطاف حيث يستقيظ الطفل داخل هيكل متداعي
            فيحاول تحريكه و اللعب به و لكن عندها نكون قد ضيعنا أفضل ما في الطفل... فنصاب عندها باليأس

            قصة جميلة و معبرة و لها فوائد كثيرة
            قيمة انسانية كبيرة بداخلها
            بعض الجمل تستوجب التوقف عندها

            ما اعجبني بصفة شخصية هو الاستهلال الذي يجذب القارئ و يقتنص عينيه

            تقديري و احتراماتي
            السؤال مصباح عنيد
            لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

            تعليق

            • أميمة محمد
              مشرف
              • 27-05-2015
              • 4960

              #7
              المقدمة محبوكة استرسل فيها وصفا في السطر الأول و جاء الثاني بجماله، البحر أمي، أمي هي الحياة، الحب...
              ثم بدأت القصة بسرد الأحداث، وجدت توفيق اختيار القاصة لاسم "بشرى" رغم توحدها مع السارد
              والقراء يميلون للخلط بين القصة ومرادها وسط تكهناتهم الشخصية حول واقعية القصة وخلفية الكاتب
              سرد القصة سهل الوصول لذائقة القارئ الأحداث متسلسلة مترابطة واضحة
              سرد قصتنا رائع، يجعلنا نعيش القصة ونتعاطف مع صاحبتها ونتذكر أولئك الذين رأيناهم ينسوننا ويتذكروننا في نهايات العمر أحيانا لم يعودوا يتعرفون علينا إلا من خلال زياراتنا مؤخرا وأكياس البسكويت والحلوى التي بدوا يفرحون بها كالأطفال

              أخترت هذا المقطع
              اقتربت منها وقبلت يديها، سألتني من أنت؟ بكيت وأنا أتأمل وجه أمي الذي يطل منه ذلك الطفل الضائع، طفل يحاول أن يلتقط من أطراف الذاكرة أسماء، مع أن الخريف رسام لا يحترف التزوير، الخريف ملك كريم نثر ظلاله في مهب الريح لم يعد يملك أوراقا، "الخريف" عازف ورق .. كما الموسيقار لا يفعل أكثر من تحريك العصا، الخريف يحرك الغصون..

              وهذه...
              فالضحك صديق الفقاعات،

              وأيضا
              أمي عادت طفلة، لكنها طفلة لا تكبر،

              أحسنتِ للكتابة بعناية لاختصار هفوات وأخطاء إملائية أحيانا تزعجنا في بعض النصوص
              كما أن موضوعها أحببته، فقد أختصر الأم والأبن و العمر والصحة وأشباح الموت
              اسمك ذكرني باسم شبيه له، وأهلا بك الروائية وفاء الحسني
              تقديري...

              تعليق

              • وفاء الحسني
                أديب وكاتب
                • 09-11-2015
                • 50

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة بسباس عبدالرزاق مشاهدة المشاركة
                من خلال قصتك نرى معالجة رائعة للزمن الذي يعيشه الانسان
                خصوصا تلك المرحلة الصعبة
                هي مرحلة يحس فيها الإنسان بخروجه من دائرة الاهتمام و ربما يصبح غير معني بالعالم الذي يعيشه
                و لا حتى العالم معني به

                و ربما الزهايمر هو حيلة انسانية ابتركها العقل ليهرب من الحقيقة المؤلمة
                أن بقاؤه لم يعد مجديا و رحيله غير مهم

                ربما الصلة الوحيدة لنا في الكبر مع هذا العالم هي أبناؤنا.. أحلامنا التي أحيانا نراها ايضا كيف تنهار

                للقصة فوائد عدة
                أهمها أن الكبار في السن يحتاجون لآباء (ابناء) أكثر من الوليد
                خاصة جملتك المعبرة (أمي عادت طفلة، لكنها طفلة لا تكبر، وحين يصغر الكبار تترك الصور أصواتها)
                و لذلك هم بحاجة لحب أكبر و لأحضان تجعلهم يلعبون آخر ألعابهم بمتعة أكبر

                و داخل كل انسان طفل يصاحبه طوال حياته و لكن الحياة تجبرنا على دفن ذلك الطفل حتى آخر المطاف حيث يستقيظ الطفل داخل هيكل متداعي
                فيحاول تحريكه و اللعب به و لكن عندها نكون قد ضيعنا أفضل ما في الطفل... فنصاب عندها باليأس

                قصة جميلة و معبرة و لها فوائد كثيرة
                قيمة انسانية كبيرة بداخلها
                بعض الجمل تستوجب التوقف عندها

                ما اعجبني بصفة شخصية هو الاستهلال الذي يجذب القارئ و يقتنص عينيه

                تقديري و احتراماتي
                ============================

                تلك الذاكرة كشجرة قطفت ثمارها بعد نضوج الخريف
                وذاك النسيان لا أحد يسكنه قبل سقوط أوراقه
                ،
                الأستاذ: بسباس عبد الرزاق
                أشكر نورك ووسامة حضورك
                أسعدني تواصلك المشرق
                كل الود والتقدير

                وفاء
                التعديل الأخير تم بواسطة وفاء الحسني; الساعة 10-11-2015, 18:59.
                @wafa_77999
                تويتر

                تعليق

                • عبدالحميد ناصف
                  أديب وكاتب
                  • 05-02-2013
                  • 146

                  #9
                  تعببرات ..وتشبيهات غاية فى الروعه
                  جمل مثيرة ادبيا
                  شدنى الحكى..احسست معه بالصدق

                  دمتى مبدعه

                  تعليق

                  • وفاء الحسني
                    أديب وكاتب
                    • 09-11-2015
                    • 50

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة
                    المقدمة محبوكة استرسل فيها وصفا في السطر الأول و جاء الثاني بجماله، البحر أمي، أمي هي الحياة، الحب...
                    ثم بدأت القصة بسرد الأحداث، وجدت توفيق اختيار القاصة لاسم "بشرى" رغم توحدها مع السارد
                    والقراء يميلون للخلط بين القصة ومرادها وسط تكهناتهم الشخصية حول واقعية القصة وخلفية الكاتب
                    سرد القصة سهل الوصول لذائقة القارئ الأحداث متسلسلة مترابطة واضحة
                    سرد قصتنا رائع، يجعلنا نعيش القصة ونتعاطف مع صاحبتها ونتذكر أولئك الذين رأيناهم ينسوننا ويتذكروننا في نهايات العمر أحيانا لم يعودوا يتعرفون علينا إلا من خلال زياراتنا مؤخرا وأكياس البسكويت والحلوى التي بدوا يفرحون بها كالأطفال

                    أخترت هذا المقطع
                    اقتربت منها وقبلت يديها، سألتني من أنت؟ بكيت وأنا أتأمل وجه أمي الذي يطل منه ذلك الطفل الضائع، طفل يحاول أن يلتقط من أطراف الذاكرة أسماء، مع أن الخريف رسام لا يحترف التزوير، الخريف ملك كريم نثر ظلاله في مهب الريح لم يعد يملك أوراقا، "الخريف" عازف ورق .. كما الموسيقار لا يفعل أكثر من تحريك العصا، الخريف يحرك الغصون..

                    وهذه...
                    فالضحك صديق الفقاعات،

                    وأيضا
                    أمي عادت طفلة، لكنها طفلة لا تكبر،

                    أحسنتِ للكتابة بعناية لاختصار هفوات وأخطاء إملائية أحيانا تزعجنا في بعض النصوص
                    كما أن موضوعها أحببته، فقد أختصر الأم والأبن و العمر والصحة وأشباح الموت
                    اسمك ذكرني باسم شبيه له، وأهلا بك الروائية وفاء الحسني
                    تقديري...
                    ------------------------------------------
                    جوع الذاكرة للبياض يثير شفقة النسيان
                    يقطف التذكر قبل فصل القطاف
                    ويهدي الذاكرة النسيان

                    الأستاذة:أميمة محمد
                    تشريفك مكسب حقيقي لي وللقصة
                    شكراً لنورك
                    باقات ورد، فل، وياسمين

                    تحية وتقدير

                    وفاء
                    @wafa_77999
                    تويتر

                    تعليق

                    • وفاء الحسني
                      أديب وكاتب
                      • 09-11-2015
                      • 50

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة عبدالحميد ناصف مشاهدة المشاركة
                      تعببرات ..وتشبيهات غاية فى الروعه
                      جمل مثيرة ادبيا
                      شدنى الحكى..احسست معه بالصدق

                      دمتى مبدعه
                      -------------------------------

                      لكل إنسان عدسة قد تتعطل عن أن تلتقط لحظات حية تسكن في زوايا الذاكرة




                      أستاذ: عبد الحميد

                      لنورك، قلمك، كلماتك.. كل الشكر

                      خالص الود.. التقدير



                      وفاء
                      التعديل الأخير تم بواسطة وفاء الحسني; الساعة 12-11-2015, 15:46.
                      @wafa_77999
                      تويتر

                      تعليق

                      يعمل...
                      X