رواية التــاج المفقــود / الفصل الثالث

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سعد فهيد العجمي
    أديب وكاتب
    • 02-12-2015
    • 54

    رواية التــاج المفقــود / الفصل الثالث


    الفصل الثالث



    2003

    تتمة الرحلة

    أشرفنا أخيرًا على مزرعة عبد الجبّار، حيث كان يقطن هو وأسرته في منطقة نائية، تسللتُ ومصطفى ومنير إلى الداخل.. كانت الشمس تجنح للغروب، وتلقي بظلالها الرائعة على المكان فيبدو كلوحة طبيعية فاتنة، كان من الممكن أن نتوقف لنتأملها في صمت وانبهار، لو كنّا في غير ذلك الموقف!
    كان عبد الجبار يجلس في صالة المعيشة متربعًا أمام التلفاز يتابع برنامجًا ما، و أمامه (النرجيلة) يستمتع بنفث دخانها ذي الرائحة النفاذّة، التي كانت تملأ جو المكان، راح يسعل بشدّة وعنف حين رآنا ندخل عليه فجأة، بدا منفعلًا وقد انتفخت أوداجه التي تكاد تنفر من وجهه ورقبته، خطر لي أنّه رجل مناسب جدًا لترويع الأسرى وإرهابهم -على الأقل نفسيًا- فقد كان اسمًا على مسمًى بجسمه الضخم منفوخ بالعضلات، و أنَّ مجرد رؤيته كانت كفيلة بجعل الأسير ينهار ويعترف بما يعلم وما لا يعلم.
    يبدو أنّه أحسّ بما جئنا لأجله؛ فقد نظر نظرة خاطفة ناحية سلاحه المعلّق على الجدار، لكنّ قفزة منير كانت أسرع وهو يخرج من جيبه حبلًا رفيعًا قويًا، سانده مصطفى بسرعة وراحا يقيدانه بقوّة للمقعد الثقيل الذى كان يجلس عليه!
    - "لا تتحرك ولا تصدر صوتًا!"
    قالها منير بصرامة، تطلّعت عيناه إلينا بتوتر:
    - "من أنتم؟ وماذا تريدون؟"
    اندفع مصطفى:
    - "نريد معلومات عن بعض الأسرى الكويتيين."
    شحب وجه عبد الجبّار:
    - "لا أعرف عمّا تتحدثون!"
    قال منير بنفاذ صبر:
    - "هل ستبدأ معنا بالكذب والمراوغة؟"
    - "يبدو أنّكم أخطأتم بيني وبين شخص آخر، أنا مجرّد رجل بسيط ولا شأن لي بأسرى أو غيرهم"
    قلتُ وأنا أتأمّل المكان حولي:
    - "هل تعيش بمفردك هنا؟"
    - "معي زوجي وابني"
    - "وأين هما؟"
    - "في الطابق العلوي.. إنّه منعزل نوعًا ما عن هذا الطابق"
    التفتّ إليه وقلت بصرامة:
    - "أنا صحفي يا عبد الجبار ومهنتي علمتني كيف أحكم على طباع البشر، وكيف أدرك من يصدقني القول ومن يكذب!"
    تحرك عبد الجبار بعصبية تحت ذراعي منير القويين، وقال:
    - "لماذا لا تصدقوني؟"
    وقبل أن أجيبه صرخ منير فجأة:
    - "جاسم! احترس!"
    وفى اللحظة التالية اندفعت هراوة ضخمة ذات أسنان فولاذية مدببّة نحو رأسي! وثبتُ من مكاني بسرعة لتشقّ الهراوة الهواء بصرير حاد، تحرك منير ناحية الشاب ووضع قدمه في طريقه بسرعة فهوى أرضًا، كان يشبه عبد الجبّار كثيرًا ما جعلني أخمّن أنّه ابنه، وهنا قام مصطفى بشدّ وثاقه بقوّة.
    ظهرت الزوجة من ركن بعيد وهي تنظر بهلع إلينا، وهمّت بالصراخ لكن عبد الجبار قال بغلظة:
    - "إيّاكِ أن تصرخي يا امرأة!"
    أدخلتُ المرأة وابنها إلى حجرة جانبية، وقلت:
    - "كما ترى فإنّ الكذب يجرى في دمك يا عبد الجبّار؛ ألم تقل أنّهما في الطابق العلوي؟ وها هما ذا قد ظهرا من مكان آخر هنا!"
    أجاب بحدّة:
    - "لم أكذب، هناك سلّم آخر يؤدي للطابق العلوي من الجهة الخلفية للمنزل"
    - "والآن! هل ستتكلم؟ "
    قال بعصبيّة:
    - "لقد تركت الجيش العراقي قبل سقوط صدّام بأربعة أشهر"
    سألته:
    - "ومن تولّى الأمر بعدك؟"
    - "ضابط كبير من حزب البعث يُدعى هاشم السعداوي"
    ردّد منير متفاجئًا:
    - "هاشم السعداوي؟"
    التفت إليه وسألته:
    - "هل تعرفه؟"
    - "إنّه من عشيرة عراقية كبيرة ومعروفة هنا"
    قال مصطفى:
    - "هذا يُعقِّد الأمور!"
    أجابه:
    - "هاشم من عشيرة قوية موجودة غرب العراق في مدينة الفلوجة"
    - "لابد أنّه لجأ إليهم للحماية من بطش الذين ظلمهم بعد سقوط النظام العراقي!"
    هزّ منير رأسه موافقًا على قوله.
    أخيرًا وصل مصطفى ومنير لنقطة اتفاق، بعد التنافر الطويل منذ أن بدأت هذه المهمة! التفتُ لعبد الجبّار وقلت بلهجة صارمة:
    - "نحن نعرف مكان مزرعتك وعملك، فلو تبين لنا أنّك تتلاعب بنا فأنت تعرف مصيرك، هل تفهم!؟"
    تعاملت معه بحسّ الصحفي؛ فقد علمتني مهنتي كيف أحكم على طباع البشر وكيف أداويها!
    أومأ برأسه موافقًا فأشرتُ للرجلين، ثم غادرنا المنزل.
    ***
    وصلنا حيث السيارات، كان الفريق يستظلّ من نار الهجير تحت ظلّ شجرة مورقة الفروع، التفتُ حولي وقلت مندهشًا:
    - "أين ذهب عليّ يا شباب؟!"
    بعد بحث دام لدقائق تأكدت لنا حقيقة اختفاء شقيق زوجي، ومعه أحد الحراس!
    راح منير يوبِّخ الفريق على تهاونهم، فقلت مهدئًا النار المضطرمة على الرغم من تأثري:
    - "ما تقوله لن يعيد عليّ يا منير! لابد من التفكير بمنطق.."
    فجأة صاح مصطفى:
    - "حذاء عليّ!"
    أسرعنا نحوه فوجدناه يشير إلى فردة حذاء ترجع للشاب المفقود، ما أثار رعبي حقيقة أنّ ثمّة مكروهًا قد حاق بعليّ وهو تحت بصري وبصحبتي!
    اقترب كاظم في تلك اللحظة وهتف:
    - "جعبل!"
    أسرع الكلب إلى صاحبه، وهنا قام كاظم بتقريب الحذاء لأنف الكلب الذى راح يتشمّمه وكأنّه يعرف بالضبط ماذا نريد منه!
    تبادلنا نظرة مفعمة بالانفعالات، والتفت لمنير قائلاً:
    - "لقد اتّضحت الصورة يا منير!"
    قال بريبة:
    - "ماذا تعني؟"
    - "الحارس هو من أبلغ عنّا وتسبب في إطلاق النار علينا!"
    هزّ رأسه نافيًا:
    - "أرى ألا نستبق الأحداث فربما يكون عليّ غير مختفٍ أصلًا! ثم كيف اختفى تحت أعين الفريق؟"
    أشرتُ إلى الشجرة:
    - "الشجرة بعيدة عن هنا بمسافة كافية لأن يختفي فيل وليس عليّ فحسب!"
    انطلق الكلب مسرعًا فركبنا السيارات ونحن نتبع جعبل، الذى راح يشقّ الطريق بسرعة كبيرة، في النهاية توقفنا أمام أحد المنازل القديمة وقد وقفت سيارة أمامه.
    همس منير بقلق:
    - "أليست هذه واحدة من السيارات التي هاجمتنا بإطلاق النار علينا؟"
    قلت والأفكار تهدر في ذهني:
    - "استعدوا بأسلحتكم يا شباب!"
    شهر أفراد الفريق أسلحتهم وتحفّزوا، لكن قبل أن ننطلق حدث ما لم نكن نتوقعه، فقد انطلقت دفقة من الرصاصات من الخلف!
    التعديل الأخير تم بواسطة سعد فهيد العجمي; الساعة 05-12-2015, 14:42.
  • سعد فهيد العجمي
    أديب وكاتب
    • 02-12-2015
    • 54

    #2
    صرخ منير:
    - "احتموا! انبطحوا!"
    كان صراخه عاليًا لذا فقد خرج ساكنو المنزل القديم وهم يشهرون أسلحتهم أيضًا، وصرنا بين شِقّي رحى والرصاصات المدوية تقطع سكون المنطقة!
    برز عبد الجبّار بجسده الضخم وهو يبتسم بشماتة، وخلفه ثُلّة من الرجال ضخام الأجساد!
    - "لابد أنّهم عشيرته!"
    قال مصطفى:
    - "ربّما أخبرهم أننا لصوص معتدون!"
    كان تبادل النار هو الهول ذاته، وأدركتُ أنّا وقعنا في مصيدة حقيقية؛ فأينما توجهنا ستحصدنا إمّا رصاصات عائلة عبد الجبّار، أو رصاصات العصابة التي اختطفت عليّ! راح الطرفان يقتربان منا بسرعة وأدركتُ أننا مهزومون؛ ففكرتُ بأن نستسلم لعلنا نحقن الدم الذي سيسيل غزيرًا بعد قليل!
    رفعت يدي، صارخًا:
    - "نحن نستسلم!"
    نظر منير إلي باستنكار:
    - "هل أنت أحمق؟! إنّك تعطى الفرصة لذلك الجزّار بأن يستحلّ دمنا!"
    فقلت هامسًا:
    - "لا أريد أن تراق نقطة دم واحدة!"
    توقف سيل الرصاصات للحظات وبدت ابتسامة عبد الجبّار مليئة بالظفر، ثم أشار لمن معه فعاد الرصاص يشعل الجوّ، ويبدو أن ذلك كان إشارة للطرف الآخر بأن يطلق الرصاص مجددًا بحماس!
    في اللحظة التالية شقّت قنبلة من الغاز المسيل للدموع الهواء، ثم انفجرت وسط عبد الجبّار وعائلته، الدخان الكثيف أعمى أبصارهم وجعلهم يسعلون بقوّة وألم، في نفس اللحظة التي ظهرت فيها ثُلّة من جنود الجيش البريطاني لتنقضّ على العصابة المختطفة لعليّ!
    تمّت السيطرة على الموقف ببراعة، وهنا هرعت لداخل المبنى وأنا أصرخ:
    - "عليّ! أين أنت يا عليّ؟"
    شعرت بوجل حين لم أسمع ردًا و خشيت أن يكون آخر عهدي بشقيق زوجي في ذلك اليوم العصيب، حين أتاني صوته المرهق الضعيف:
    - "أنا هنا يا جاسم!"
    أسرعتُ لمصدر الصوت، كان الشاب ملقىً على ظهره مقيدًا والتراب يعفّر وجهه، قمت بفكّ قيده وسألته:
    - "ماذا حدث؟"
    - "كنت أحاول التقاط بعص الصور للحيّ المفعم بالبؤس، وفوجئتُ بهؤلاء الشباب يقتربون مني ويدورون حولي، ولم أشعر إلا وأحدهم يقوم بتقييدي!"
    تنهدت قائلاً:
    - "ظننا أنّ الحارس قد خاننا!"
    - "الحارس حاول إنقاذي من بين أيديهم، لكنهم أصابوه برصاصة في صدره!"
    رحنا نبحث عن الحارس في ظلّ المعلومات الجديدة، ونحن نشعر بالخجل من شكنا فيه! في النهاية وجدناه ملقى على الأرض قتيلًا، وقد تجمّدت الدماء المنبثقة من ثقب الرصاصة! غمرنا حزن عميق ونحن نرمق الجثة بأسىً!
    استنتج مصطفى:
    "إذن فإن إطلاق النار علينا في بداية انطلاقنا كان مجرد حادث عرضي!"
    أجبته :
    - "أغلب الظن كذلك!"
    واستطردت قائلاً:
    - "لكن أخبرني يا منير.. كيف عرفت السريّة البريطانية بمكاننا؟"
    قال مصطفى بفخر:
    - "أنا أخبرتهم! كنتُ أتصل بالضابط عاصم وأخبره دومًا بالمستجدات"
    - "بدون علمي؟!"
    أشار مصطفى لمنير:
    - "أنا لا أثق به!"
    - "وأنا أيضًا صرتُ لا أثق بك يا مصطفى!"
    حملق بي مندهشًا من ردي:
    - "لقد أنقذتكم!"
    - "وأشكرك على هذا لكنك لم تعطنا ثقتك ولم تخبرنا بما فعلت"
    وأشرت لقائد السرية البريطانية وقلت بالإنجليزية التي أتقنها تمامًا:
    - "سيدي! ضع السيد مصطفى تحت الحماية، لإرساله إلى الحدود العراقية الكويتية!"
    أشار الضابط لجنوده وألقى إليهم أوامره فاتجهوا لمصطفى للقبض عليه، فبدأ يصرخ بجنون معترضًا مهددًا كي لا نبعده:
    - "لا تفعل يا جاسم! لن أعود معهم!"
    لم أهتم لصراخه فبدأت الشتائم تخرج من فمه! اقترب منير مني هامسًا:
    - "أرى أن تتركه معنا، لا تنس أنه أنقذ حياتنا بالفعل، وهو في المقام الأول والأخير يريد بالتأكيد نجاح العملية "
    لمست حماس منير للتبرير لمصطفى وأفحمني حين تابع:
    - "أرجو ألا تقطع عليه سبيل البحث عن والده."
    كان مصطفى في حالة نفسية سيئة جدًا؛ والجنود يتأهبون لترحيله، ولبرهة تذكرت حدثًا مماثلاً: كان الجنود يلاحقوني وأنا أريد البقاء في الكويت! فهدأ غضبي، أشرق وجه مصطفى بالفرح حين أعطيت موافقتي على بقائه؛ بعد أن أخذت منه تعهدًّا بألا يغرّد خارج السرب وحده.
    ***
    التعديل الأخير تم بواسطة سعد فهيد العجمي; الساعة 05-12-2015, 14:44.

    تعليق

    • سعد فهيد العجمي
      أديب وكاتب
      • 02-12-2015
      • 54

      #3
      حين غرّد صدام عام 1990خارج السرب وحده ظلم الكويت، وأضاع العراق!
      هأنذا اليوم : جاسم الغريب الجديد وكأنّي لامست تاجي المنشود، أخيرًا!
      أصبحت سياسيًا وصحفيًا مشهورًا، بعدما كنت من أكبر المؤيدين للعراق إبّان حربه مع إيران، و مع تسهيلات من الجانب العراقي لي للحصول على عدة تغطيات صحفية مباشرة من ميدان المعارك ؛كانت حلمًا لجميع الصحافيين. مكنتني تلك الوقفة البطولية - كما يصفها الجانب العراقي – من أن أتبوّأ مكانًا بارزًا في جماعتي السياسية القومية، ولأقفز بسرعة من صحفي بسيط إلى سكرتير التحرير في الجريدة التي أعمل بها، ومن ثمّ إلى نائب رئيس التحرير فيها، وهو أكبر منصب يمكن الوصول إليه؛ إذ أنّ رئاسة التحرير تظل محصورة في مالك الجريدة وأسرته!
      في أحد أيام ما قبل الغزو العراقي، دهست بسيارتي أحد المارة، وأدّى ذلك الحادث إلى وفاة الضحية للأسف! كان حادثًا محزنًا ومأساويًا مررت خلاله بأزمة نفسية حادّة، لكن وقفة السفارة العراقية معي وتسخيرها كافة الإمكانيات- من مساندة قانونية ومعنوية بل ومادية، حيث تمّ دفع الدية الشرعية لأهل الضحية- خففت عني الكثير، وأخرجتني من تلك المأساة أكثر حبًا للعراق.
      مع بداية الأزمة الكويتية العراقية- بداية التسعينيات- أذكر أنّي أشرفت بنفسي على إصدار بيان الجماعة السياسية، الذي يحمل البشائر السارة بانفراج الأزمة الكويتية العراقية صباح الخميس، ووصفتها (أزمة إخوة ...وعدَّت) و كان هو العنوان العريض للجريدة، تعليقًا على اجتماع جدّة بين الطرفين المختلفين، خاصة أنّي موقن أنّ العراق لن يتخلّى يومًا عن الكويت، كما لم يتخلَّ عني شخصيًا في أزمتي.
      لكنَّ ما حدث في يوم الثاني من أغسطس، كان أشبه بصاعقة غير متوقعة سقطت على رؤوس الجميع!
      ***
      كنتُ أغطُّ في نوم عميق بعد ليلة عمل حافلة بالجريدة، عندما رنّ جرس الهاتف بإلحاح. مددتُ يدي بخمول.
      - "جاسم، لم لا تجيب؟ "
      جاءني صوت أخي الذي يصغرني، نظرت في ساعتي.. ليس من عادته الاتصال بي في وقت مبكر:
      - "ما الأمر يا سليمان؟"
      أتاني صوته القلق المتوتر:
      - "ما زلت نائمًا؟ هيا انهض ألم تعلم بما يجري؟"
      قلت من خلال تثاؤبي:
      - "أعلم ماذا؟"
      - "الكويت مقلوبة يا جاسم! ظننتك وأنت الصحفي تعرف ذلك!"
      انتبهتُ من نومى قفزًا:
      - "ما الذي حدث؟"
      ألقى إليّ بالخبر المزلزل:
      - "لقد احتلّ العراق الكويت.. ونجا الأمير بصعوبة!"
      ***
      نزلت مسرعًا بملابس نومي إلى الدور الأرضي- في الفيلا التي أقطنها بمنطقة سلوى، وجلست أمام التلفاز مصعوقًا؛ لقد توغّلت القوات العراقية داخل أرض الكويت؛ وأثارت الرعب في قلوب الأهالي الآمنين!
      كان الجار الغاصب يعرض البيانات المتتالية الصادرة من الحكومة العراقية، عبر تلفزيون الكويت المحتل- وقد باتت تسيطر على الأمور هنا- بينما تتكرر أغنية عبرت الشطّ لكاظم الساهر بشكل منفّر! كم كنت أحبّ هذه الأغنية العراقية من قبل، لكنّها الآن تغنّي وجعي!
      تعب عقلي في استيعاب ما يحدث.. هذا وطني.. وهؤلاء رفاق الأمس، هم من سهّل لي الطريق وأوصلني إلى قمة النجاح وحلم التاج، لقد صاروا أعداء اليوم!
      حلقة جديدة من الغباء السياسي، الذى يتحول لجنون يُسطّر بدماء الأبرياء!
      تعالى الطرق العنيف على الباب فوقفتُ مذعورًا تكاد حواسي تصاب بالشلل، هل تراهم هم؟!
      اقتربتُ من الباب بحذر فجاءني صوته:
      - "جاسم! افتح الباب.. أنا سليمان"
      تنفست الصعداء وأنا أفتح الباب لشقيقي، وكان الوحيد من إخوتي الذي استقرّ مثلي بالديرة بعد زواجه، دلف مسرعًا وقال دون مقدمات:
      - "جهّز حقيبتك فسترحل معي"
      - "بل اهتم أنت بشؤون والدي في فيلكا، أما أنا فسأهتم بأمري"
      - "لن أطمئن عليك وأنت بمفردك، اسمع كلامي ولا تجادل كعادتك!"
      - "إنّه كابوس يا سليمان! كابوس!"
      قطع جدالنا المنفعل رنين الهاتف.. وثبتُ إلى السماعة وجاءني صوت أحد أعضاء مجلس الأمة المنحل منذ العام 1986، والذي أصبح من عتاة المعارضة للحكومة الكويتية وأحد منظمي دواوين الاثنين آنذاك:
      - "إنّهم يقومون بعمل حكومة كويتية مؤقتة لإدارة الأوضاع يا جاسم! أنت تعلم بأنّها مجرّد حكومة صورية بينما القرار بأيدي من تعلم! خمّنت أنّك قد تكون منهم!"
      كنتُ أدرك أنّي أحد الوجوه المرموقة لديهم، ومن الطبيعي أن يفكروا بضمّي لحكومة تواليهم، هل تُراني وضِعتُ في اختيار صعب بين حبي لوطني؛ وبين ردّ الجميل لأصدقاء الأمس؟
      لم يكن أمامنا -حسب تعليمات رئيس التحرير- سوى التخفّي؛ فاتخذت قراري وعلى الفور قلت لأخي:
      - "تجهيز الحقيبة لن يأخذ مني سوى لحظات !"
      ***

      تعليق

      • سعد فهيد العجمي
        أديب وكاتب
        • 02-12-2015
        • 54

        #4
        كان الوجه الذى اتّسمت به الكويت ذلك النهار غريبًا؛ الهلع يمسح القلوب الكسيرة، والطرقات يسودها الخراب وتغلّفها سحب الدخان، بينما فرق الجيش الكويتي تسقط تباعًا في أيدى الغزاة! الحياة برمّتها تنقلب في هذا البلد المسالم خلال ساعات؛ بسبب قرار أهوج باستعراض القوة العسكرية لاعتداء الجار الأقرب على جاره الأصغر!
        راحت القوات العراقية تبحث عن عدّة أسماء؛ فمن يوافق على موضوع الحكومة المؤقتة ينجو، ولكن يوصم عند بني وطنه بالخيانة، ومن يرفض يُشرّد أو يقتل!
        ما علمته فيما بعد: أنّ الملاحقين لتشكيل الحكومة الكويتية قد أفلتوا من الحصار؛ فقد تركوا منازلهم وأخذوا أولادهم وأموالهم، وسارعوا بالهرب إلى أماكن أخرى قبل أن تتفاقم الأمور وتصير إلى أسوأ!
        (أن تُجبر على ترك وطنك- الذى أحببته وألفته- هذا هو الكابوس الحقيقي!)
        انتقلت إلى منزل فلاح صديق أخي سليمان، في ضاحية القرين الحديثة والبعيدة عن الأنظار حيث تم توزيعها منذ أشهر، بينما عمل سليمان على نقل والديّ وإخوتي إلى جهة آمنة، وقد صممت على ابتعادهم عني حماية لهم و بعيدًا عن خطر الملاحقة المتوقع!
        مضت الليلة الأولى والكويت تحت الاحتلال لا أعرف كيف.. ولا أعرف كيف ستمضي الأيّام القادمة القاتمة!
        ***
        كنت للتوّ عائدًا من صلاة الجمعة في المسجد القريب من المنزل، حين انقضّت ثلاث سيارات عراقية عسكرية على الحيّ -لا أعلم حتى الآن كيف علموا بوجودي هنا- يتقدمهم ضابط عراقي عرفت فيما بعد أنّ اسمه علاوي، وبجواره مرشد يحمل مخطط المنطقة، وسرعان ما أشار إلى منزل شقيقي؛ فأسرعوا بكسر الباب ودخول المنزل، الضربة التي أوجعتني أنّ المرشد لم يكن سوى أبو الأثير الفلسطيني ملازم ياسر الدائم! لم يتغير كثيرًا منذ عرفته بوجهه الحليق الأحمر، إلا بدايات صلع علت رأسه، كان مرشدًا للاحتلال علينا! تزاحمت أدوات الاستفهام في عقلي حول موقفه الغريب هذا، دون إجابة.
        ما أن دخلت أول حارتنا حتى شاهدت فلاح واقفًا بملابسه الداخلية يجادل الضابط علاوي، شعرت أن الأمر يخصّني وأيقنت أني مطارد؛ لم أتردّد كثيرًا، وبلا تفكير أسرعت بالقفز إلى إحدى الحدائق المنزلية المجاورة، وانحنيت خلف السور الشجري، ورحت أراقب- من بين أغصان الشجيرات الصغيرة- وجوه أفراد السرية بخوف، وألاحظ التوتر في تحركات قائدها فأحسست أنّي مطلوب بشدّة! انقبض قلبي خوفًا ألّا أستطيع المغادرة، ومن بطش هؤلاء الذين سمعت عن وحشيتهم الكثير، لكن يبدو أنّي حوصرتُ ولا مفرّ لي من هذا المكان!
        فجأة أحسست بيد شخص ما تهوي على كتفي!
        التفتُ بتحفّزٍ لصاحب اليد فوجدته رجلًا نحيل الجسد، سألني بصوت خافت :
        - "إنهم يبحثون عنك! أليس كذلك؟"
        وأشار إليهم، كان ذا ملامح هادئة تبعث على الثقة، ولم تكن أمامي أدنى فرصة للتفكير، أومأتُ برأسي فقال:
        - "اتبعني"
        سرتُ وراءه ففتح بابًا خلفيًا للمنزل، واستوقفني برهة ليغلق باب غرفة تصاعدت منها صيحات أطفاله، ثمّ تقدمني وأدخلني بسرعة إلى غرفة جانبية، وقال بصوت خافت مبررًا تصرفه:
        - "الأطفال لا يعرفون الكذب، ستفضح نظراتهم مكان وجودك!".
        خرج وأقفل الباب خلفه، تأملت المكان وأنا أتفقد قلمي المذهب في جيبي، فرغم خطورة الوضع كنت –بصراحة- أخشى أن أفقده!
        عاد مضيفي بعد دقائق وقدم لي اللّبن والتمر، وجلس معي يعرفني بنفسه:
        -"اسمي نبيل مهندس بسيط لا توجد لدي أيّة ميول سياسية.. أعيش هنا في هذه الضاحية منذ أشهر.. هالني ما حصل؛ أن أستيقظ لأجد وطني محتلًا، والقوات العراقية تجوس في الديار!"
        حضر الطعام فشاركني فيه وهو يستفسر عن ظروف هروبي، عرفته بنفسي وقصصت عليه الحكاية، وبعد أن انتهينا من طعامنا قال بحرجٍ وهو يقدم لي الشاي:
        - "أنت تعلم بأن وجودك عندي مدّة أطول قد يفتح علينا أبواب الجحيم! "
        قلت بسرعة:
        - "اطمئن.. سأغادر فور أن تنصرف القوات العراقية بالخارج!"
        بدت على وجهه علامات الراحة، في نفس اللحظة تعالى طرقٌ مخيف على الباب كأنّه ركلات حذاءٍ عسكري ثقيل، ومن خارج الغرفة ارتفع صراخ الأطفال في رعب:
        - "أبي!"
        و صوت علاوي من خارج البيت يهدر بخشونة:
        "افتح الباب!"
        اعترى وجه نبيل الهلع، فأسرعتُ إلى الباب الخلفي قبل أن تتاح لي الفرصة لشكره على كرمه.
        ***

        تعليق

        • سعد فهيد العجمي
          أديب وكاتب
          • 02-12-2015
          • 54

          #5
          أسرعت الخطى عبر المنطقة الفاصلة بين منزل نبيل و منزل جاره، الذى بدا مهجورًا، تسلقت الجدار وقفزت خلفه لأعدو في شارع جانبي، من الصعب أن تسير فيه سيارات القوات العراقية، ومن ثمَّ تواريتُ عن الأنظار وأنا أرجو للرجل السلامة من براثن علاوي وأتباعه.
          جريت كثيرًا مبتعدًا عنهم، ثم توقفت ألتقط أنفاسي وأنا ألهث ،استندت إلى جدار ورحتُ أنظر متوجسًا عندما ظهرت سيارة أخرى في نهاية الشارع، وراحت تقترب ببطء، أدركتُ أني هالك لا محالة! أطلّ شاب من نافذة منزلٍ بالقرب مني، وبنظرة واحدة إلى وجهي الخائف أدرك جلية الأمر؛ فهتف بي:
          - "ادخل بسرعة!".
          وثبتُ من خلال الباب المفتوح، في نفس اللحظة التي مرّت فيها السيارة من أمام المنزل، وقف الفتى يترصّد الشارع من خلال النافذة المواربة، ثم التفت مبتسمًا:
          - "أنت بأمان يا عمّ الآن"
          صاح صوت امرأة من الداخل:
          - "ونحن لسنا في أمان أبدًا ما دام هو هنا!"
          دخلت علينا امرأة في الخمسينات تقريبًا، يحمل وجهها علامات خوفٍ وحزنٍ معًا، وبدت متوترة وهى ترمق الشاب بنظرة لَوم:
          - "حسين.. ماذا تفعل يا بني؟
          - "ما يفعله أيّ أحد يا أمي رجل في محنة، فهل نتخلى عنه؟"
          - "سيبحثون عنه يا بني ويصلون إلى هنا، ونحن لا نريد مشاكل"
          إنّها محقة وتخمينها سليم، نهضت بسرعة قائلاً:
          - "هوِّني عليكِ يا أمي فابنك الشهم أنقذني بالفعل من بين أيديهم، ولن أسبب لكم أيّة متاعب!"
          ربتُّ على رأس الفتى شاكرًا وخرجت من المنزل، لكنه أسرع خلفي وقال:
          - "إلى أين ستذهب يا عمّ؟"
          - "أمّك على حق يا بني، سأتوارى ريثما يغادرون الحي."
          - "لكنّهم مازالوا في الشارع المجاور، اصبر على الأقل حتى يهدأ الوضع في الخارج!"
          أربكني الخبر فقال على الفور:
          - "اتبعني.. واطمئن لن نعود للمنزل"
          سرتُ وراءه بسرعة فأدخلني مرآب المنزل، وأشار لسيارة قديمة:
          - "فلتبت ليلتك هنا، وغدًا يومٌ جديد"
          دخلتُ السيارة، وبعد قليل أحضر بعض الطعام ثم تركني وحدي..
          ***
          لم أستطع النوم رغم النعاس والإرهاق الشديدين؛ لم يستوعب عقلي ما جرى! تلك الأحداث المخيفة جرت في أقل من أربع وعشرين ساعة، لبرهة تمنيت لو كان معي دفتري لأدوّن تلك اللحظات، ستكون متفردة بكل دقائقها بالتأكيد!
          اقتربت من النافذة الصغيرة حين سمعت حركة قرب السيارة، أصبحت كل حركة تخيفني! كانت هناك قطة تتمسّح بباب السيارة وكأنّها كانت مأواها قبل مجيئي! آنستُ ليلتي بحوار معها أذكر منه:
          يا قِـطّةً بِتنَا عـليهِ الحالُ نَحسِدُهـَا
          لَا الـدّارُ دارٌ ولَا الأَهلُ أَو الصحبُ
          تلعق هُنـَا وَ هُنَاكَ، تجري بخفةٍ
          لَا حَالُكِ مُـؤسِفٌ ولا نَالَكِ خَطـبُ
          قَد كُنتُ مِثلكِ لاهَمّ وَلا نَصَبٌ
          الرّزقُ مَوفُورٌ فلا ضَيمٌ ولا تَعبُ
          نَظـَرتْ إِلَيَّ والعَجبُ في نَظـَرَاتِهَا
          لا تَأمَننّ الغَدْرَ مِمَّنْ طَبعُهُ الكَذِبُ
          (تخيلوا.. صدقت القطة حيث فشل البشر!)
          بدأ جسمي بالاسترخاء رغم صعوبة الوضع أغمضت عيني، ورحلت أفكاري إلى والديّ وإخوتي، ثم غلبني النوم.
          لا أعلم كم نمتُ بالضبط... كنت أحاول الصراخ ولكن بلا جدوى! كان جاثمًا على صدري بثقله يضغط بقوة تكاد تخنقني وتكتم أنفاسي.. أجاهد نفسي كي أصرخ ولكنّ لساني معقود وثقيل.. أشعر أني قاربت الموت! أفقت لاهثًا على وقع خطوات تقترب من مكاني، وقد تسارع نبضي وأنفاسي، رفعتُ رأسي بحذر لأجد أمّ الفتى حسين التي ما أن رأتني حتى أجفلت، ثم بعد أن تبيّنت ملامحي قالت:
          - "إذن لم يدعك تذهب!"
          - " حفظه الله لكِ، لن أنسى فضله علي"
          - " وبسبب كرمه هذا سيلقى حتفه!"
          أشاحت بوجهها كمن تريد أن تقول لي تفضل غير مطرود، ولكن استعصى عليها ذلك! حين غادرتُ سيارة (الفان) كانت تباشير الفجر تظهر في الأفق، كثيرًا ما كنتُ أُفتن بتلك الصورة الطبيعية الرائعة، لكني في ذلك الظرف العصيب شعرتُ بثقل الساعات، كنت كمن يتنفس من ثقب إبرة!
          قلت لأمّ حسين:
          - "شاكر أنا لكم على أية حال.. سلامي لولدكِ الشجاع"
          أومأت برأسها دون أن تنطق أن "سأفعل"
          ***
          سرت حوالي ساعة في طرق جانبية لأتحاشى الاصطدام بالقوات الغازية، ولكن فجأة ظهرت في آخر الشارع ثلاث سيارات مدججة بالجنود تتقدم نحوي بسرعة هائلة؛ ما جعلني أسارع بالركض في اتجاه معاكس، للأسف لم تكن هناك شوارع جانبية آوي إليها! توقفت حين شعرت بتسارع نبض قلبي، والدّم يصعد إلى رأسي بقوة حيث أدركتُ أنّي لن أنجو في كل مرة، دارت الدنيا أمام عيني وهويتُ أرضًا!
          لكن ما حدث فاق تخيلاتي!
          قبل وصول السيارات ظهرت سيارة مدنية من الاتجاه المعاكس وأطلَّ منها وجه رجل دفع الباب مادًا يده وجذبني، قائلًا:
          - "اركب بسرعة."
          وثبتُ للداخل بكل ما أملك من بقايا قوة، وانطلق مسرعًا قبل أن تلاحظ السيارات العراقية الأمر!
          - "اسمى صالح، الحمد لله أنّي أدركتك في الوقت المناسب"
          لم أجد ما يدعوني لإخفاء اسمي وكنت منهكًا، فقلت بصوت خافت:
          - "وأنا جاسم!"
          استقبلني الرجل في بيته وقام بواجب استضافتي كأحسن ما يكون، راح و أولاده يعتنون بي ويقومون على خدمتي بكل مودّة، في الحقيقة لقد ترك في نفسي ذلك الفيض الكريم من المشاعر والاهتمام ما أعجز عن وصفه! راودني إحساس بالامتنان وأيضًا الفخر أني ما خذلت أهلي ووطني، بعد ظنّي بأني ربّما ساهمتُ في ذلك الغزو بتعاوني مع العراقيين مرات ومرات من قبل!
          أهو الإحساس بالمسؤولية الوطنية، أم تراه تأنيب الضمير؟!
          اغتسلتُ من التراب العالق بجلدي، ومشطت شعري وأنا أتأمل صورتي في المرآة: سحنة مرهقة كئيبة مال لونها إلى الاصفرار بفعل قلة النوم والراحة! وقد طالت لحيتي لأول مرة، لم أحلقها بل تركتها تنمو لعلها تُغير من شكلي؛ وأنا في أشدّ الحاجة إلى ذلك.. تأملت منظري الغريب في المرآة وأين منه ذاك الشكل الجميل الأنيق!
          صحوت من شرودي على صوت صالح يدعوني إلى الطعام.. جلس معي وشاركني فيه، بعده أدّيتُ صلواتي وأكثرت الدعاء بحرارة صادقة من أجل رفع الغمّة عن بلدي.
          لا أنسى صالح أبدًا بقامته المتينة ووجهه البشوش الذي تجلله لحية سوداء، يخالطها البياض بشكل عشوائي، كان تلقائي التصرف لا يتردد حتى في تعديل ملابسه الداخلية أمامنا دون مواربة، ويتحدث ببساطة ودون مجاملة.
          كان له ثلاثة أبناء شاب وولدان أصغر منه، بل قل أربعة.. لكنّ كبيرهم سالم لم يكن موجودًا، وحين يذكر اسمه كانت تغشى وجه صالح سحابة حزن عميقة!
          - "لقد ترك البيت منذ أول يوم للغزو العراقي، وسمعنا أنه قام بحرق سيارة واحدة منهم!"
          فهمتُ وقتها ما يحدث وأحسستُ بعظم الابتلاء وحزن صالح، لكنه مع ذلك كان يهوِّن علي بحديثه ويضحك وهو ويردّد:
          - "اطمئن، لن تغادر البيت إلا إلى مكانٍ آمن"
          لم يسألني عن كامل اسمي أو عملي، أو حتى سبب ملاحقة الجنود العراقيين لي إذ كان كل همّه سلامتي، حتى لو على حساب أمنه وأمن عائلته!
          غمرني إحساس بالامتنان لهذا البلد الطيب المعطاء، الذي كان كالأم الرؤوم، قلبًا نابضًا يتّسع للعالم كله .. ينضح بطيبة أبنائه ويفيض بالخير علينا وعلى الجميع.
          (ترى هل يلوّث الغازي نهر الصفاء فينا؟)
          ***

          تعليق

          • سعد فهيد العجمي
            أديب وكاتب
            • 02-12-2015
            • 54

            #6
            في اليوم الرابع حدث شيءٌ ما غير متوقّع، فقد قامت القوات العراقية بتطويق الحي، واقترب ضابط عابس المنظر من باب المنزل!
            كنتُ أغطّ في نومٍ عميق عندما لمستْ يد صالح وجهي برفق، قفزت من الخوف فهمس:
            - "اتبعني!"
            تبعته إلى حجرة من حجرات البيت الواسع، وقال بنفس النبرة الهامسة:
            - "القوات العراقية بالخارج"
            أحسست بالخوف:
            - "إنهم هنا من أجلي"
            قال صالح بهدوء:
            - "أخبرتك من قبل، أنك لن تغادر هذا المكان إلا إلى مكانٍ آمن"
            نظرتُ بتساؤل فأشار إلى كومة ملابس معقودة بعناية على الكرسي:
            - "ارتدِ هذا البرقع وهذه العباءة"
            - "عفوًا؟!"
            قال مفسرًا:
            - " أسرع فالوقت يداهمنا! إنها ثياب أمّ سالم التي ماتت منذ أشهر"
            فهمتُ قوله وشرعتُ في تنفيذه دونما تأخير وإن كنتُ لم أرتح لارتداء ثياب امرأة راحلة!
            تجمع أفراد العائلة أمام المنزل، وكنتُ جالسًا على المقعد المتحرك الخاص بأمّ سالم مغطيًا وجهي ببرقعها، وقلبي يخفق بقوة وأنا أرى الضابط يقترب منا ويقول:
            - "أين صالح؟"
            تقدم صالح بجسارة وقال بهدوء:
            - "أنا هنا "
            اقترب الضابط منه ومسح وجهه بعيني صقر ثمّ أشار بيده، فتقدم رجاله وهم يحملون شيئًا ملفوفُا في قطعة قماش كبيرة ووضعوه على الأرض.
            توجستُ خيفة والضابط يقترب من الشيء الملفوف، وينزع عنه القماش بحركة سريعة ليكشف لنا عن جثة سالم!
            جثا الأب على ركبتيه، اختنق صوته وهو يناديه بصوت يكاد لا يُسمع:
            - "سالم!"
            قال الضابط بغلظة:
            - "هذا جزاء من يتحدّى الجيش العراقي العظيم! ستظل جثته أمام منزلكم دون أن يقترب منها أحد، ولو قام أحدكم بدفنها سوف يتمّ قتله، كما فُعل بهذا الشاب التعس!"
            ابتعد الضابط، وراح صالح ينتحب ومعه بقية العائلة.. وقفتُ مذهولًا! لم أرَ في حياتي مثل هذا الجبروت! يستحيل أن ينتمي هؤلاء إلى جنس البشر!
            شاركتهم بدموعي وأنا أهمس لنفسي:
            - "دفعتَ ثمن ما فعلناه يا سالم!"
            بعد ساعات من الإلحاح على الضابط العراقي، ومناشدة جانب الإنسان فيه - والذي بتُّ أشكّ في وجوده - تمّت الموافقة على نقل الجثمان ودفنه.
            لم أعد أحتمل المكوث معهم، شعرتُ بأني صرت عبئًا عليهم وعلى أحزانهم وقررت الابتعاد، واسيتُ صالح وإخوانه المنكوبين الذين تجمعوا قبل أن ينقلوه إلى المقبرة.
            (لم أعانقهم معزيًا .. عانقت فيهم اغتيال وطن!)
            غبتُ عن أنظارهم هائمًا على وجهي.. لا أعرف إلى أين ولا في أي اتجاه، فلم يعد يهمني شيء!
            (صعب هو إحساسك بأن الإنسانية ماتت، وأنّ البشر باتوا يأكلُ بعضهم بعضًا، أطنان من الحقد عليهم لم تعد تكفيني! سأنزع ثوب الطيبة وأفترس كل شعور بالغفران!)
            رحتُ أسير بلا هدىً بلا رفيق، والأفكار تتضارب في رأسي بضراوة.. أمّي إخوتي أتراكم بخير؟ لو تعلمون كم أشتاقكم وأشتاق الشغب معكم، ويشتد حنيني لسهرات الرعب مع روايات أمّي ورأس سعيدة، والطنطل الذي خلّف في أعماقي كابوسًا يجثم على أنفاسي كلّما اشتدت علي النوائب!
            وصلتُ الطريق العام.. تطلعت إلى ما حولي بلا مبالاة فكل شيءٍ قاتم، بل إنّي لم أعد أرَ شيئًا، وبلا شعور أو سابق تصميم أخرجتُ بطاقة هويتي ولوّحت بها متحديًا، وبأعلى صوتي صرخت:
            - "أنا جاسم الغريب! أنا من تبحثون عنه أيها الأوغاد!"
            صرخت وصرخت، حتى اتّسع الكون حولي لصراخي وغبت في أرجائه، كانت الشمس ترتفع في كبد السماء، والحرارة تشوى مخي داخل جمجمتي، حين بدأت المرئيات تتراقص أمام ناظري.. ولم أشعر بنفسي وأنا أسقط على الأرض!
            ***

            تعليق

            • سعد فهيد العجمي
              أديب وكاتب
              • 02-12-2015
              • 54

              #7
              أفقت وأنا ألهث تكاد أنفاسي تتوقف؛ كان يجثم على صدري بكل ثقله يمسك لساني ويحاول خنقي، أحاول الصراخ فلا أفلح.. تسارع نبضي وأنفاسي حين صحوت على يد تربّت بقوة على وجنتي وجبهتي.
              أول ما ظهر لعيني المتعبتين وجه أسمر يتوسّطه شارب أسود كثيف وهو يقول:
              - "كيف حالك الآن يا بطل؟"
              سألته بصوت جافٍّ خافت من التعب والإعياء:
              - "أين أنا؟"
              قال الشاب مبتسمًا:
              - "اطمئن أنت في منزلنا.. أنا رياض، الحمد لله أنّا رأيناك فورًا، كنتَ أمام منزلنا تلوِّح بيديك ثم سقطت أرضًا!"
              ابتسمتُ على الرغم مني، فتابع:
              - " قام أخي الطبيب سلطان بالاعتناء بك، من حسن حظك أنّ فينا طبيبًا!"
              حمدت الله وتنهّدت بقوة لأطرد تعب الجاثوم عني، ساعدني بروح طيبة لأجلس في مكاني، بعد قليل دخل شقيقه سلطان، كان يشبهه إلى حدٍّ كبير في الشكل ولباس الغترة بلا طاقية، وإن كان أقلّ كلامًا، لكنّه يحمل مثله (مسباحًا ) من حجر الكهرب ذي لون قرمزي مميّز، وكان أيضًا يضع سماعة كبيرة على أذنه اليسرى.
              - "كيف حالك الآن؟ هيا لتأكل ما يساعدك على استعادة نشاطك."
              جُهزت السفرة وأحضِر الطعام وتجمعنا حوله، أنا ورياض وسلطان وأبناؤهما، وجلست معنا زوجتاهما بالعباءة والحجاب الذي كان يضفي عليهما حشمة و وقارًا لم آلفهما في كثير ممن صادفت من النساء، وضيفة ألمانية-تبدو كالدمية الملونة- تتخفى مثلي من ملاحقة العراقيين؛ فهي بالتأكيد صيد ثمين لهم، أكملنا غداءنا ونحن نتحدث عما يحدث بالخارج، وعن الشوارع التي امتلأت بالقصص المروِّعة لأناس تركوا منازلهم ومعايشهم وأحلامهم، هناك من نجا واستطاع عبور الحدود للمملكة السعودية، ومنهم الذي فُقِدَ أثره، و منهم من يقاسي الأمرّين تحت الاحتلال!
              يا لَه من حزن مقيم!
              جلس الجميع في صمت يستمعون إلى قصتي المليئة بالأحداث الغريبة، بدا عليهم التعاطف وأنا أنتقل من مرحلة لمرحلة حتى انتهى بي الأمر أمام منزلهم، بعد أن وقفت متحديًا الجند الغزاة وأنا ألوّح بهويتي ..
              ضربت جبيني بيدي:
              - "آخ! الهوية"
              تحفّز رياض في جلسته:
              - "ماذا؟"
              - "بطاقة هويتي!"
              تساءل سلطان:
              - "ما بها بطاقة هويتك؟"
              - "هل كانت بطاقتي معي عندما عثرتما علي؟"
              هزّ رياض رأسه، بالنفي وقال:
              - "ربما سقطت منك"
              زاد توتّر أعصابي:
              - "هذه مشكلة كبيرة يا رياض! لو جدوا بطاقة هويتي بالقرب فسوف يقودهم ذلك إلى هنا!"
              ***
              رحنا نبحث عن البطاقة بلا جدوى، كانت هناك عدّة احتمالات:
              الاحتمال الأول: أن تكون البطاقة قد حرّكتها الرياح من مكانها لمكان آخر!
              الاحتمال الثاني: أن يكون قد وجدها بعض الصبية واحتفظوا بها أو تخلصّوا منها!
              الاحتمال الثالث: أن تكون قد وصلت لأيدي القوات العراقية!
              كافّة الاحتمالات متساوية، ومن ثمّ لم يكن هناك سببٌ لكي أعيش في قلق طوال فترة مكوثي مع تلك العائلة الكريمة.
              كانت همومنا تجمعنا في الليالي التي نستمع إلى شعر رياض الرقيق وهو يصف بحزنٍ غزو الكويت والمآسي التي تحدث؛ وكم سالت دموع الطبيب سلطان رغم واقعيته ورصانته في التعامل مع الأمور.
              ومرّت الأيام نمت لحيتي أكثر وبدوتُ مختلفًا عن شكلي المألوف؛ لقد حفر الحزن أخاديده في ملامحي، كبرت أعوامًا في أيام، واختفى مظهري المتميز، كما اختفت ابتسامتي التي كانت تفتح لي أبواب القلوب المغلقة!
              منظري الغريب لم تألفه المرآة فأنا عادة أنيق مرتب الهندام، ولطالما كان اهتمامي بمنظري جزءُا- في اعتقادي- مهمًا من نجاحي ورفعة شأني؛ فلا أخرج إلا وقد وضعت غترتي بطريقة (السبعة ) بالشكل الذي يظهر به أميرنا المحبوب جابر، وأرسم ابتسامته الخجولة، وأتصرف كالأمراء كلما تواجدت في مجتمع الطبقة الراقية؛ ما كان يولّد لدي شيئًا من القناعة بأني قد حققت ذاتي!
              بعض الراحة والطمأنينة سكنت قلبي حين علمت أن رياض- وبناءً على طلبي- قد تواصل مع أحد الأصدقاء المقربين لي؛ لأتأكد أنّ أخي سليمان قد نجح بإخراج والديّ وإخوتي من الكويت؛ خوفًا عليهم من خطر ملاحقتي، كما تعهد هذا الصديق أن يكون صلة الوصل بيننا.
              ***
              في أحد الأيام دخل علينا رياض مسرعًا بوجه متجهّم:
              - "ما الأمر؟"
              - "علاوي والقوات العراقية بالخارج!"
              - "ماذا سنفعل؟"
              قالها سلطان بتوتّر وهو يراقب القوات العراقية من النافذة شبه المغلقة.
              قلت على الفور:
              - "لابد أن أترك البيت فورًا.. ألا يوجد باب آخر غير الباب الأمامي؟"
              - "يوجد لكن القوات طوقت المنطقة بالكامل، لا يوجد مهرب!"
              حالة هلع سادت في المنزل وتحرك الجميع بخوفٍ وحذر، كان وجودي خطر علي وعليهم وأيضًا على صديقتهم الألمانية، وكان الخوف على حياتها كبيرًا فسارع الجميع يبحث لنا عن مخبأ آمن.
              - "وماذا عن خزّان الماء الكبير على السطح؟"
              قالتها زوج سلطان وهي تعدل عباءتها السوداء على كتفيها، فرمقها بدهشة كيف لم تخطر بباله تلك الفكرة؟!
              - "خزّان الماء ؟"
              أكملت زوج سلطان:
              - "إنه خالٍ وضخم ومعزول عن أعين العدو"
              قال رياض مستحسنًا:
              - "فكرة طيبة"
              أسرع سلطان يقول وهو يقودني وصديقتهم الألمانية للخزان:
              - "وتستحق التنفيذ فورًا"
              سارع رياض يتقدمنا، كان كل همّه أن يفلح في إخفائنا قبل أن يطرق علاوي وجنوده بابهم، اعتليتُ الخزان وساعدت الصديقة بالوصول إليه، وقام الشقيقان بوضع الغطاء المعدني فوقه برفق، ثمّ عادا إلى المنزل، أحسست باختناق شديد بفعل الرطوبة العالية داخله، وأشفقت على تلك المخلوقة الرقيقة من ذلك الوضع، لكنه وقتها كان بمثابة ملجأ لا مثيل له، توارينا في سكون في ظلمة الخزان وقد أمسكنا أنفاسنا خوفًا!
              ضحكنا كثيرًا فيما بعد حين روى لنا رياض ما حدث:
              ظهر علاوي على عتبة الباب، وقال وهو ينهر رجاله بشدّة:
              - "البيوت واسعة وتحتاج لقوات أكثر من أجل تفتيشها"
              دخل من الباب المفتوح وقال مهمهمًا:
              - "ماذا لدينا هنا؟"
              انتشر جنوده في المنزل يفتشونه بدقة، بينما علاوي يسلط عينيه الثاقبتين على أصحاب المكان الذين التزموا الصمت التام، وبعد قليل عاد الجنود إليه:
              - "لا يوجد أحد يا سيدي!"
              في تلك اللحظة كانت ابنة رياض تلعب مع دميتها دون أن تكترث بالجنود وقرع أحذيتهم الثقيلة، اقترب منها علاوي متصنعًا الرفق وهو يبتسم :
              "ما اسمك يا صغيرتي؟"
              سألها بصوت هادئ؛ فتحرك رياض بعصبية، لكن سلطان أمسكه من ذراعه طالبًا منه الصمت والتحكم في أعصابه.
              قالت الطفلة:
              - "اسمي براءة "
              هزّ رأسه وابتسامة بغيضة تتسع على وجهه:
              - "اسم جميل"
              - "لقد اختارته لي أمي"
              وأشارت الصبية لأمها التي ابتسمت بقلق يعكس ما بداخلها من توتّر.
              - "يبدو أنكِ فتاة ذكية! أخبريني يا براءة: هل يوجد غرباء عندكم في البيت؟"
              أجابت دون تردد أو أدنى تفكير:
              - "أجل!"
              تسارع نبض الجميع وكاد الخوف يقتلهم!
              تحفّز الجنود ورفعوا أسلحتهم بسرعة، قال علاوي بذات الهدوء:
              - "من؟"
              قالت بعفوية وهى تشير إليه وإلى جنوده:
              - "أنتم!"
              أجفلته فطنتها فتراجع في غيظ مكتوم! التفت وصفع العسكري مهددًا :
              - "عندما تجد هوية أحدهم فأسرع بإبلاغي ولا تنتظر ثلاثة أيام!"
              قال الرجل بحرج:
              - "أنت تعلم أنّي لا أقرأ!"
              نفخ علاوي بعصبية وهو يغادر البيت مع رجاله، واحتضنت زوج رياض ابنتها الصغيرة وقالت بفخر:
              - "حبيبتي!"
              ***

              تعليق

              • سعد فهيد العجمي
                أديب وكاتب
                • 02-12-2015
                • 54

                #8
                مرّ أسبوعان على احتلال العراق للكويت، وأنا أتمتع بضيافة رياض وشقيقه، كان الوضع يتأزم أكثر وأكثر؛ فقد ضمّ العراق الكويت وكأنّه بسهولة يريد محو تاريخ يتجاوز الثلاثة قرون!
                آمنت فعلاً أننا أمّة لا تقرأ؛ فقد وجدت أعدادًا لمجلتي المفضلة (العربي) الكويتية التي كانت مكتبة رياض تكتظّ بها، وذات يوم وأنا أتصفح إحداها فوجئت بغلاف ذلك العدد يعرض اسم فيلم يتحدث عن توقعات بغزو الكويت، الغريب في الأمر أنّ العدد كان قديمًا يسبق تاريخ الغزو بسنوات!
                أدركتُ بأنّ وجودي يهدّد أمان تلك الأسرة الصغيرة؛ فقررت تركهم.. كنتُ أعلم أنّ علاوي لن يهدأ له بال حتى يجدني، وكأنّ مهمته قد انحصرت في العثور علي؛ فقد علمت أنّه قد أرسل أبا الأثير ليتنكر في هيئة متسوّل ويجوب الأنحاء بحثًا عن خبر أو معلومة تقوده إلي، لكن كُشف أمر المخبر ما جعله أضحوكة المنطقة!
                في المساء أخبرتُ الأسرة الكريمة بقراري، فقال رياض معترضًا:
                - "وأين ستذهب لابد لك من مكان آمن؟"
                - "سأفكر في مكان بعيد عن تواجد علاوي وزمرته"
                قال سلطان مشاورًا أخاه:
                - "إن كان لابدّ من خروجه فما رأيك بالعم ناصر الفايز؟"
                رفعتُ رأسي مندهشًا:
                - " ناصر الفايز؟"
                سألني رياض:
                - "هل تعرفه؟"
                - "معرفة طيبة "
                برقت عينا سلطان:
                - "إذن فقد حُلّت المشكلة!"
                تنهّدت بارتياح؛ فرغم لطفهم وجميل معاملتهم إلا أني لا أحب أن أكون عالة عليهم، كيف لم أفكر في ذلك الرجل الطيب وقد تقابلنا عدة مرات، وتوطدت علاقتنا إلى حد كبير حين كنت أقوم عبر الصحيفة بالتغطية الإعلامية لنشاط مركزه الديني.
                ودّعت الأسرة الكريمة التي أحببتها، ووعدتهم أن أزورهم في المستقبل في حال لو خرجتُ من أزمتي بعد أن تخرج الكويت كلها من أزمتها، كانت لحيتي الطويلة قد غيرت الكثير من ملامح وجهي، وقد استغل الشقيقان الأمر وتدبّرا لي بطاقة هوية مزوّرة تحمل اسم أحمد، بشكلي الجديد مع مهنة موظف بلدية!
                ***
                على طريق الفحيحيل السريع انطلقت سيارة رياض الهوندا- ذات المصابيح الأمامية التي تفتح تلقائيًا - متجهة إلى منطقة(أبو حليفة) حيث منزل الشيخ ناصر، طوال الطريق كان الخراب منتشرًا في كل مكان، وألسنة اللهب وسحب الدخان تعكر الجوّ!
                تمزّق قلبي لما رأيت وسالت دموعي على الرغم منّي، كانت هناك طوابير طويلة من أجل الحصول على الخبز والبنزين، كما أنّ أسماء الشوارع قد شُطبتْ وتغيرت!
                - "توقف عندك!"
                أتى الصوت الصّارم الذى بدَا لي مألوفًا بشدّة، كان يصرخ بسائق سيارة متقدمة علينا بعدة سيارات، ويبدو أننا وصلنا لنقطة كمين للقوات العراقية المحتلة، أطفأ رياض مكيّف السيارة، وفتحنا النوافذ لنستطلع المتكلم وكانت المفاجأة.. لقد كان علاوي نفسه!
                سألني رياض:
                - "ما الأمر؟"
                - "علاوي يقوم بتفتيش السيارات!"
                علمت فيما بعد أن فشله منذ أيام في القبض علي تسبب بخفض رتبته، وها هو ذا يُخرج غضبه المشتعل في الناس! تبادلتُ نظرة خاصة مع رياض الذى شحب وجهه بخوف، قلت له وأنا أحاول بثّ الأمان في نفسه:
                - "لا تقلق فوجهي مختلف عما هو معروف، وبطاقة الهوية متقنة ولن يُكتَشف أمري"
                قال بصوت خافت:
                - "ليس هذا ما يقلقني"
                رميته بنظرة تساؤل فقال موضحًا:
                - "توجد حقيبة مليئة بالأموال في مؤخرة السيارة، وهي مساعدة من الحكومة الكويتية في المنفى للمواطنين كنت سأنقلها للعم ناصر"
                أُسقط في يدي! ماذا نفعل؟ تحرك صفّ السيارات ومع كل دقيقة كانت لحظة المواجهة تقترب، تجمدت الدماء في عروقنا..
                كان
                يصبّ جام غضبه على الجميع؛فأخرج أهل السيارة الأولى وهم من الجنسيةالمصرية، وتركهم بعد أن صادرمنهم إحدى الحقائب،ثم قام بضرب شابين في السيارةالثانية بقسوة وأمرهما بالتوقف على جانب الطريق.
                جاء دورنا.. تمالكتُ نفسي وربتّ على ذراع رياض ليتمالك نفسه؛ فقد كنتُ واثقًا أن هيئتي الجديدة لن يتعرف عليها علاوي، لكنّ ذلك لم يمنع قلبي من أن يخفق بقوة والرجل يقترب مني أكثر وينحني برأسه.. وحينهاحدث مالم نكن نتوقعه!
                في تلك اللحظة بالذات تعالى صوت الرصاص! اعتدل علاوي بسرعة، وألقى نظرة على مصدر الرصاص ثم هرول باتجاه سيارته، عرفنا أن هجومًا ضاريًا وقع من المقاومة الكويتية على واحدة من قوافل الجيش العراقي كانت تعبر الجسر في تلك اللحظة!
                (سلِمتْ أياديكم يا بني وطني!)
                انتهزالشابان الموقوفان الفرصة لينطلقا بسيارتهما، فأسرع رياض خلفهما بسيارته، كذلك انطلق علاوي بسيارته التي يقودها أحد الجنود خلفنا،وأمام مفترق الطرق أخذت سيارةالشابين الجانب الأيسر من المفترق، في حين أخذ رياض الجانب الأيمن منه وهو يسابق الريح، أماالجندي العراقي فإنه أخذب سرعةاتجاه اليسار ثم اتّجه بسرعة لليمين مرتبكًا من صراخ علاوي لتنقلب السيارة بهما،وسط فرحتنا العظيمة بنجاتنا والشابين من ذلك الخطر!
                ***
                التعديل الأخير تم بواسطة سعد فهيد العجمي; الساعة 11-12-2015, 14:14.

                تعليق

                • سعد فهيد العجمي
                  أديب وكاتب
                  • 02-12-2015
                  • 54

                  #9
                  وصلنا أخيرًا إلى منزل العم ناصر الفايز؛ في منطقة (أبو حليفة) على البحر، لم تخطر ببالي مطلقًا الطريقة التي استقبلني بها:

                  - "بو عشرة هنا؟!"
                  أردف وهو يعانقني بوجه ٍضاحكٍ:
                  - "حيّا الله بو عشرة.."
                  كان مزاحه معي تلك اللحظة لفتةً بارعة منه؛ وَأَدَت الرهبة من لقائه بعد سنوات من الفراق؛ لقد أخبرني بدون أن ينطقها أنّه لم ينسني وأننا ما زلنا أصدقاء! تحيّرني في نفسي هذه النزعة الإنسانية التي بدأت تنمو داخلي بلا وعي مني!
                  رحّب العم ناصر برياض ترحيبًا أخويًا ملؤه الموّدة، من الواضح أنّ تعاملهما ليس جديدًا ولا غريبًا، قام رياض بتسليم الأمانة ثمّ عانقني مودعًا:
                  - "ألقاك على خير يا صديقي الطيّب"
                  - "سنلتقى مرة أخرى أيها الشاعر الجميل"
                  - "أتمنى هذا يا صديقي.. أتمنى .."
                  أنساني ترحيب العم ناصر بعض ما مرّ بي متاعب؛ فمجرد رؤية ذلك الرجل تشعرك بالأمان؛ وقد اطمأننت ببقائي في بيته، ومع مرور الوقت تعرفت إلى أسرته، كانوا ثلاثة أبناء وابنتين:
                  راشد الابن الأكبر الذى ورث عن أبيه نشاطه وحيويته، كان سند أبيه ويده اليمنى في عمله الخيري والدعوي، يطيعه ولا يرفض له طلبًا، وكانغيابه أكبرأحزانالأب؛ حين خرج منذ أيام الغزو الأولى ولم يعد!
                  خالد الابن الأوسط وهو قليل الكلام، تميّزه ابتسامة آسرة لا تغادر شفتيه، قارئ نهم يهوى مطالعة كتب الأدب والمسرح، لكن بعيدًا عن أنظار والده!
                  وعليّ الابن الأصغر وهو شاب غامض، يراقب من حوله بعينيه الضيقتين أكثر مما يتحدث، ضئيل البنية، له ملامح بعيدة عن الجمال، اكتشفت فيما بعد أنّها سببت له عقدة نفسية مقيتة!
                  أما ابنتاه فهما عائشة وهى الابنة الكبرى، متزوجة من صديقي عبد القادر، ومتطوعة في أعمال الخير وتوصيل المعونات بنشاط وخفّة لم يسبقها أحد فيهما، وبتشجيع كبير من زوجها ووالدها، لكن فور وصولي لمنطقة أبو حليفة علمتُ أنها خرجت منذ يومين في إحدى قوافل البرّ، ولم تعد بعد!
                  سارة الابنة الثانية وأصغر أولاده، مدلّلة، أسمع كثيرًا أنها مطيعة لأبيها، وفى ذات الوقت لا تكفّ عن الشجار مع إخوتها، ورغم أنّها ترتدي النقاب في الخروج إلا أنّي لمحتها ذات مرة بدونه؛ فتحرّك شيء في قلبي ثمّ سكن، فقد شغلتني الظروف والوضع المسيطر حولنا عن الاستجابة لأيّ نبض!
                  صهره الشيخ عبد القادر غنيّ عن التعريف، وهو من بالغتُ بإهانته منذ تعارفنا لأني كنت أخشى ذكاءه ودهاءه ...
                  (وما المشاعر الصادقة إلا مفاتيح تفتح قلوبًا موصدة، وأيضًا قد تغلق بها أخرى!)
                  ***
                  لم تكن أمامي فرصة للخروج والبعد عن منزل العم ناصر، وخلال الفترة التي قضيتها عنده علمت أنّ من ضمن مآثره- بالإضافة إلى المركز الدعوي- اهتمامه بتوزيع المعونات الخيرية على المحتاجين، ومعالجة المرضى والمصابين، ومع ازدياد خطر الغزو وما نتج عنه من أشياء مروِّعة كانت خدماته تلك في ازدياد.
                  خُيّل إليّ أنّي أحببتُ ذلك الرجل رغم تعنّته بالفكر إلى درجة التصلب، ولكن حين تبتعد عن نقاشه تجده إنسانًا أبيض القلب، طيّب المعشر، مغرمًا بتحضير أصناف الطعام إلى حدّ الهوس، كان يواسيني بصحبته، وكثيرًا ما كان يدعوني لأشاركه تحضير طبقه المفضّل (المكبوس) وهو عبارة عن أرزّ مع دجاج أو لحم وبهارات كثيرة، وكنّا نمضي الوقت ونحن نعمل ونتحدّث.
                  قال لي يومًا أنّ هوايته باتت القراءة فقط، فلم تعد له القدرة على الحفظ كما كان في السابق، حين حفظ أكثر الكتب الدينية الهامّة على يد مطوّع (الفحيحيل).
                  وجدتُ نفسي أنخرط شيئًا فشيئًا في تلك العائلة، أعمل بيديّ أكثر من قلمي، و أتحرك في محيط ثائر من الألم والحزن والكفاح والصراع، أعيد ترتيبات أولويات حياتي من جديد لأكتشف الحياة من زاوية أخرى، مغايرة لما عهدت، وأكثر رحابة وإنسانية.
                  في أجواء تلك الصحبة وجدت العزاء والسلوى لأحزاني، حين فجعت في والدي الذي رحل عن الدنيا بعيدًا عن موطنه وعن جزيرته التي يعشق، تأثّرت بموته كثيرًا، وكان الأمر الأكثر إيلامًا هو وضع أمي وإخوتي الذين غادرهم هناك!
                  ضاق صدري وضاقت بي دنياي، وبلا تردّد وجدت نفسي أمدّ يدي إلى مصحف من المصاحف الكثيرة المصفوفة بين كتب العم ناصر، ومن يومها أصبح القرآن سلوتي الوحيدة في أوقات فراغي، ولم يعد يفارقني كأنّه لامس أوتار الراحة في قلبي؛ ليفتح عيني على فهمي الخاطئ للحياة، ارتاحت نفسي وغدت حياتي أكثر عبادة وتقربًا إلى الله.
                  بعد فترة من مكوثي في بيت العم ناصر بدأت نظرة جديدة عنه تتكون عندي؛ فقد لاحظت أنّه رجل يفرض آراءه بأسلوب دبلوماسي جامد، بحيث يجاري جميع الآراء، ولكنّه يفعل ما يريد وما يقتنع به هو فقط؛ فيبدو كمن يعد ولا يفي بوعوده!
                  اشتكى أبناؤه منه ذلك أحيانًا، وأحيانًا أخرى بعض أقربائه لدرجة أنّي سمعت أحدهم يصفه بأنّه (غشيش ) كصيغة مبالغة من غشّاش صدمني واقعه! ولكن رغم ذلك تابعت العمل معه بهمّة ونشاط، كمتطوع في مقبرة الرقّة.
                  كان صمته وعمله الدؤوب يبثّان الحماس والهمّة في الشباب المتطوع معه، وكنتُ أساعدهم بحفر القبور، وتجهيز الموتى ودفنهم، كان أغلبهم شهداء الغزو العراقي، في الواقع وجدت المتعة في عملي؛ تعويضًا وربما تكفيرًا عن فكر وقناعة سابقين، أثبتت لي الأحداث زيفهما وبطلانهما!
                  ***
                  التعديل الأخير تم بواسطة سعد فهيد العجمي; الساعة 11-12-2015, 14:17.

                  تعليق

                  • سعد فهيد العجمي
                    أديب وكاتب
                    • 02-12-2015
                    • 54

                    #10
                    (أعلم أنّ الخير والشرّ موجودان في كل البشر، لا يوجد شرّ مطلق أو خير مطلق، لكن حيرتي تكمن في أيّ كفّة ترجح عندي ،الخير أم الشرّ؟)
                    أبو الأثير- ذلك العميل الخائن- عرف مكاني بالصدفة البحتة، وذلك عندما أتى لدفن أحد أقاربه فتعرف عليِّ رغم تغيّر شكلي وهيئتي ولوني؛ بعد أن قامت الشمس بجلدي لأسوّد أكثر وأكثر وكأني خلقت من جديد -إذ أنّي أسمر البشرة بطبيعة الحال!
                    في نفس اليوم الذي كان علاوي يشقّ طريقه إليّ كنا نقوم بدفن ضحايا جدد وسط بكاء أهاليهم، وكنتُ أحفر بهمّة ونشاط متجاهلًا دموعي التي أغرقت وجهي حتى خضّلت لحيتي ولم أمسحها؛ امتزجت عذاباتي بملوحة حبات العرق الحارقة.. لقد كانت كلّ مسامي تبكي!
                    - " عمّي ناصر! عمّي ناصر!"
                    برزت فتاة من بين الجمع وهى تهمس.
                    - "خيرًا يا بنيتي"
                    - "ثمّة جثة لامرأة نريدك أن تتعرف عليها، لقد وجدوها في الطريق العام وأحضروها هنا.. أظنّها..."
                    - "من؟"
                    سألها بصوت مرتعش وقد تحرّك ألمٌ في قلبه دون قصد، تقدم بخطوات بطيئة ناحية الجثة المسجاة؛ كانت النسوة تبكي بحرقة، كشف الغطاء عن وجهها فإذا هي عائشة!
                    عائشة الابنةالطيبة التي اختفت بطريقةغامضة، وأشعل غيابها النّار في قلب الأب الجريح؛ إذ شعر أنّه قدأودى بها، ولم يجدِ بحثه وزوجها عنهافي ظل القيود المفروضةعلى الحركة، وأجواءالتخويف والرعب السائدين تحت الاحتلال!
                    كانت الجثة مليئة بعلامات التعذيب التي تدمي القلوب، وقد بانت علامات الحرق والجروح المتعفنة، بينما شخصت عيناها البيضاوان باتساع إلى السماء!
                    أغمض العم ناصر عينيه بقوة، وأحنى رأسه وشهق ببكاءٍ يخلع القلب! وهوى زوجها عبد القادر بجواره منتحبًا!
                    كان الموقف مهولًا مؤثرًا والكلّ يبكي دون استثناء، حتى عليّ- الفتى الذى يكتم أحزانه و مشاعره بداخله- كان ينتحب باكيًا!
                    أيّ جبروت هذا الذي ينتزع بكاء أشدّ الرجال صلابة؟!
                    شيء ما أطبق على صدري، ولكن هذه المرة قهرًا وحزنًا وليس خوفًا! كم أنتِ بارعة يا أمّي في صياغة الأساطير؛ فتجعلينها تتلون لتزورنا في كل الحالات.. لم أكن نائمًا لكني بدأت ألهث وأنفاسي تكاد تقف، كان يجثم على صدري بكل ثقله ويمسك لساني وأحاول الصراخ فلا أفلح.. في تلك اللحظة ظهر علاوي!
                    تسارع نبضي وأنفاسي حين لاح لي وجهه من بين الناس، وتداخلت في سمعي أنغام معزوفة بحيرة البجع، أغمضت عيني ورفعت رأسي عاليا الى السماء، أتنسّم الأنغام بمدخلها الهادئ وهو يقترب منّي، لم أستطع الحركة، ترددت مع تباطؤ النغم، و حاولت البحث عن شيء ما حولي للدفاع عن نفسي فلم أجد! تعالى صراخ أعماقي مع ارتفاع صوت المعزوفة: كم أجرمت بحق وطني وبحق الأبرياء من بني وطني حين وقفت مع العراق! نظرت إليه بقوة واللّحن يتسارع مع تسارع نبضي ويصرخ فيه من الأعماق:
                    - "كم أكرهك يا علاوي!"
                    كان أبو الأثير يجرى خلفه ككلب قميءٍ يجرى وراء سيده! تعالى صوت اللحن وتصاعد غضبي، فُكّت عقدة لساني فجأة وصرختُ في وجهه بغضب هادر وأنا أشير للقتيلة:
                    " أنا جاسم الغريب! أنا من تبحث عنه! أهذا ما تريد؟"
                    تجمّدت عينا علاوي وهو يرى وجهها المشوّه، و جسدها الذى هُتِكَ ستره تعذيبًا وألمًا؛ لأوّل مرة أرى علامات الإنسانية تبدو على وجهه! كان الموقف عظيمًا مزلزلًا! تسارعت نغمة البوق كأنّه زعيق داخل علاوي باعتراف شنيع، نزلت معه دمعة على وجه الظالم مسحها بصرامة، وألقى نظرة معتذرة صامتة على الجميع، ومع انسحاب اللّحن بهدوء غادر المكان دون أيّة كلمة!
                    مع رحيله انسحب الثقل عن صدري رويدًا رويدًا، وتسلل الجاثوم من جسدي تاركًا لي حرية التنفس، سحبت شهيقًا عميقًا وسط دموعي، وأنا أراقب خطواته تبتعد عني بعيدًا.. خلف علاوي!
                    تسارع صوت البوق ليطغى على صوت علاوي؛ عندماحاول أبو الأثير بصفاقة ثنيه عن موقفه؛ فهدّده علاوي بالقتل إن أخبرأحدًابشيء، أولاحقني مرةأخرى، لقدتبيّنت لعلاوي اليوم الحقيقة التي وضحت لي؛ فهل يتبيّن أبو الأثير الحق؟ أم أنّ بعضهم لا يجد نفسه إلا بالغرق في مزيد من مستنقع الغدر والخيانة!
                    وقف العم ناصر يرقب بعينين حائرتين غياب راشد عن جنازة شقيقته، ذلك الغياب الذي كان الشعرةالتي قصمت ظهرالبعير، بعد فقده نصف أسرته في أشهر معدودة؛ فتفجرت آلامه مرةواحدة؛وراحت تتكسّرعلى جسده وجعًا ومرضًا!
                    وجدتني أمدّ يدي إلى كتف العم ناصر أواسيه؛ فأمسك بيدي وشدّ عليها بشيء من الثقة والعزم،أذهلني الرجل بتماسكه السريع وقوةجأشه، رغم بعض لحظات الضعف التي تنتابه حين يتذكرهم؛ فيخرج السواك ويسارع يشغل نفسه بتشذيبه ليغطي تأثّره، ويبقى صامدًا صلبًا وسط عائلته.
                    تلك هي العائلة التي ارتبطتُ بها إلى الأبد!
                    ***
                    دوّنت في مفكرتي تفاصيل كلّ الأحداث وكلّ الأماكن؛ لعلي أعود إليها يومًا.. كانت تلك فترة حافلة ثرّية بمجريات بدلت قناعاتي، وجعلت مسارحياتي يتخذ منحى آخر، تعلمت فيه الكثير حول أمور كثيرة غائبة عني.
                    تلقيت درسًا يجب ألّاأنساه ماحييت:
                    أنّ فجرًا بزغ في بحثي عن تاجي المنشود.. كان سبيلي للتقرب إلى الكويت أكثروأكثر..
                    وأنّي كنت أهرب منها.. إليها.. فهي البداية والنهاية!
                    وأن ّهروبي من علاوي وزمرته..

                    كان هروبًا إلى الكويت!


                    ***




                    نهاية الفصل الثالث
                    التعديل الأخير تم بواسطة سعد فهيد العجمي; الساعة 05-12-2015, 20:56.

                    تعليق

                    يعمل...
                    X