لن أعود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سمرعيد
    أديب وكاتب
    • 19-04-2013
    • 2036

    لن أعود

    لن أعود
    صمتٌ يلفُّ المكان، والزمنُ توقفَ عن الدوران في تلك المقبرة البعيدة عن صخبِ الحياة بعد أن دفنوني، وابتعدوا يلتحفون الحزنَ العميق..
    بقيت روحي تنعى لقاءهم ،وصدى نحيبهم يسرقُ منها الراحةَ والسكينة.
    أشهرٌ من الرحيل المرّ كانت كافية لأن يحملني الشوقُ إليهم، أكحّلُ عينيّ برؤيتهم فأطمئن عليهم.
    اتجهتُ بثقة نحوالبيت الرابض بين أشجارالزيزفون ، يملأ عبقُها أركانَ الحيَ ، تسللت من الشرفة الخلفية.
    الهدوءُ يعمّ المنزل ، تتدثرُ روحي بجليد الرهبة من المجهول ،تتقاذفها الظنون..
    بدأت خطواتي بالتقهقر ، طفلتي ليست في سريرها الورديّ المليء بالألعاب. كلُّ لعبة لها ذكرى جميلة، فذاك الدبُّ الملونُ الكبيرُ المكبّ على وجهه؛ كان يوم اكتمال عامها الثاني،وتلك الدمية الشقراء المبتسمة في عيد ميلاها الثالث.
    شعورٌ بالقلق دفعني لأكمل طريقي إلى غرفتي المقابلة تماما لغرفتها، كنت قد اخترتها ، لأسمع أنفاسَها وهي نائمة كالملاك بوجهها الوردي وأهدابها الطويلة ،أقبّلها بحرارة كلّ مساء قبل أن أخلد إلى النوم.
    لابد أنها الآن في حضن أبيها ؛فهي وحيدته التي يحبها ، ولاتنام إلا في حضنه.
    اقتربت أكثر ،همساتٌ تتسلّلُ إلى مسامعِ الواقف أمام الباب، كانا معا ،يتسامران،يتهامسان ؛زوجي وصديقتي الحشرية الثرثارة ، التي كان الجميع يهرب من رائحة ثيابها المستوردة ،هاهي الآن تحتلَ مكاني ،وقد لطخت وجهَها بعلبة ألوان مائية ، كمهرّج في حفلة تنكرية.
    -اضحكي ..ستبكين ندما، إن لم تموتي قهرا ،قلت في نفسي..
    أطبقت رائحةُ الخيانة على صدري؛وقذفتني بعيدا.
    استعدتُ توازني بسرعة ، و نفضتُ بحزمٍ غبارَ الهوان .انطلقت أبحث عن صغيرتي ، تلفحني أعاصيرُ الحزن والقهر.
    لم أعرفْ كيف وجدتُ نفسي أمام الياسمينة التي مازالت معرّشة على النوافذ الحزينة ، والستائر تتمايل بصمت حزين؛تشفُّ وجهَ أمي وهي تهدهدُ طفلتي ،تقرأ المعوذاتِ، وتمسحُ على وجهها ،وجسدِها الغض كما كانت تفعل معي عندما يلمّ بي قلقٌ وخوف.
    وفي الصالة الكبيرة ، لم يزلْ النقاشُ مستمرًا بين أخوتي في أمور السياسة والدين، مصرين ألا يتفقوا ،غير آبهين بصورتي المعلقة على الجدار موشحةً بالسواد ،وابتسامتي الحزينة المعهودة تقول لهم
    :"كفى.. سيأتي يومٌ تصمتون فيه إلى الأبد، و الحياة دار فناء لا بقاء.."
    اقتربت من أمي بهدوء، طبعت قبلة على رأسها، وأخرى على جبين طفلتي الغالية..
    غسلت الحزنَ الهاطلَ من عيوني بدمعتين،تأكدّت أنَّ كلَّ شيء في هذه الدنيا بخيرمن دوني..
    وتركت المساءَ حزينًا كئيبًا يحتسي شرابَ الحسرةِ على شرفة النسيان.
    سمرعيد
    التعديل الأخير تم بواسطة سمرعيد; الساعة 24-01-2016, 16:35.
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    #2
    قصّة جيّدة بكلّ المقاييس: لغة و صورا و أسلوبا و هذا بالتأكيد يعود إلى حرفيّة الأستاذة سمر عيد، و إن كانت قد انحازت بشكل "مُتعب" إلى الحزن الشّديد.
    لا بأس مادام يُنتظر عادة من القصّة القصيرة أن تُزعج.
    استمرار الحياة بعد موت أيّ كان موضوع متعارف لكنّه قائم بقوّة تجعله جاهزا في كلّ مرّة ليُتناول من زاوية طريفة.
    أشكرك أختي سررت بالقراءة.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة

    تعليق

    • أحمد على
      السهم المصري
      • 07-10-2011
      • 2980

      #3
      القصة رائعة ..
      وتحمل محتوى تراجيدي فلسفي ..
      وتعرض فكرة تقدح ذهن الكثير من الناس ..
      تساؤلات محيرة عن شكل ومضمون وماهيةالروح
      وعلى أي هيئة تكون بعد خروجها من البدن ..
      وهل حقا تزور من تحب ؟
      وأين تتواجد ..
      هل تشعر بالحزن ؟ بالسعادة ؟ بالفراق....
      ثم تعرض الكاتبة مشكلة اجتماعية تتناولها من وجهة نظر أنثوية بحته ..تتحامل فيها على البطل (الزوج )...وللانصاف قد يخون وقد تخون
      وما نعتبره نحن خيانة قد يعتبره البعض حق والعكس تماما ..
      الطرفان معرضان لنفس الظروف وتنطبق عليهما نفس الشروط ...
      السردية موجودة ..
      الحبكة متوفرة تمثلت في صراع البطلة تنامى
      مذ موتها وخروج روحها لزيارة أحبتها
      والذروة عندما رأت زوجها مع صديقتها ..
      ثم التمهيد للحل ...
      بتماسكها وهروبها من الصراع ..
      القفلة من وجهة نظري تحتاج بعض معالجة ..
      وكذلك يمكن تكثيف النص ...
      بالبعد عن المباشرة مثل حذف العبارات الآتية :

      هاهي الآن تحتلَ مكاني ،وقد لطخت وجهَها بعلبة ألوان مائية ، كمهرّج في حفلة تنكرية.
      -اضحكي ..ستبكين ندما، إن لم تموتي قهرا ،قلت في نفسي..
      أطبقت رائحةُ الخيانة على صدري؛وقذفتني بعيدا.

      بحيث نترك القارئ يستنبط ما حدث بنفسه
      من خيانة من خلال جملة :
      كانا معا يتسامران ،يتهامسان.زوجي وصديقتي الحشرية الثرثارة.
      أشجارالزيزفزن أم الزيزفون ؟
      مجرد رأي فقط ..
      وتبقى القصة جميلة ...
      مع تقديري ،،،
      التعديل الأخير تم بواسطة أحمد على; الساعة 23-01-2016, 21:24.

      تعليق

      • عبد الحميد عبد البصير أحمد
        أديب وكاتب
        • 09-04-2011
        • 768

        #4
        راقت لي القصة سرداً وأسلوباً..
        لكن الحبكة لم تقنعني عند تناول الأحداث تصفيفاً وبناء..
        لأن الفكرة مستهلكة فتسقط في خندق النمطية ..
        لكن يبقى الأسلوب واللون المغاير يضفي بريق في تفرد القلم ..
        الكاتب مثل مصمم الأزياء ..
        شكراً لك
        الحمد لله كما ينبغي








        تعليق

        • سمرعيد
          أديب وكاتب
          • 19-04-2013
          • 2036

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
          قصّة جيّدة بكلّ المقاييس: لغة و صورا و أسلوبا و هذا بالتأكيد يعود إلى حرفيّة الأستاذة سمر عيد، و إن كانت قد انحازت بشكل "مُتعب" إلى الحزن الشّديد.
          لا بأس مادام يُنتظر عادة من القصّة القصيرة أن تُزعج.
          استمرار الحياة بعد موت أيّ كان موضوع متعارف لكنّه قائم بقوّة تجعله جاهزا في كلّ مرّة ليُتناول من زاوية طريفة.
          أشكرك أختي سررت بالقراءة.
          سررت بحضورك وقراءتك، وسعدت بتقييمك..
          الانحياز إلى حزن موجود ،أفضل من رسم بسمة مقنعة..إنها الحقيقة أخي محمد..
          ولو عاد الأموات لما وجدوا لهم مكانا في الواقع..
          الحياة مستمرة شئنا أم أبينا..
          مع خالص الشكر والتقدير.

          تعليق

          • سمرعيد
            أديب وكاتب
            • 19-04-2013
            • 2036

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة أحمد على مشاهدة المشاركة
            القصة رائعة ..
            وتحمل محتوى تراجيدي فلسفي ..
            وتعرض فكرة تقدح ذهن الكثير من الناس ..
            تساؤلات محيرة عن شكل ومضمون وماهيةالروح
            وعلى أي هيئة تكون بعد خروجها من البدن ..
            وهل حقا تزور من تحب ؟
            وأين تتواجد ..
            هل تشعر بالحزن ؟ بالسعادة ؟ بالفراق....
            ثم تعرض الكاتبة مشكلة اجتماعية تتناولها من وجهة نظر أنثوية بحته ..تتحامل فيها على البطل (الزوج )...وللانصاف قد يخون وقد تخون
            وما نعتبره نحن خيانة قد يعتبره البعض حق والعكس تماما ..
            الطرفان معرضان لنفس الظروف وتنطبق عليهما نفس الشروط ...
            السردية موجودة ..
            الحبكة متوفرة تمثلت في صراع البطلة تنامى
            مذ موتها وخروج روحها لزيارة أحبتها
            والذروة عندما رأت زوجها مع صديقتها ..
            ثم التمهيد للحل ...
            بتماسكها وهروبها من الصراع ..
            القفلة من وجهة نظري تحتاج بعض معالجة ..
            وكذلك يمكن تكثيف النص ...
            بالبعد عن المباشرة مثل حذف العبارات الآتية :

            هاهي الآن تحتلَ مكاني ،وقد لطخت وجهَها بعلبة ألوان مائية ، كمهرّج في حفلة تنكرية.
            -اضحكي ..ستبكين ندما، إن لم تموتي قهرا ،قلت في نفسي..
            أطبقت رائحةُ الخيانة على صدري؛وقذفتني بعيدا.

            بحيث نترك القارئ يستنبط ما حدث بنفسه
            من خيانة من خلال جملة :
            كانا معا يتسامران ،يتهامسان.زوجي وصديقتي الحشرية الثرثارة.
            أشجارالزيزفزن أم الزيزفون ؟
            مجرد رأي فقط ..
            وتبقى القصة جميلة ...
            مع تقديري ،،،
            قراءة أكثر من رائعة ..
            يبدو أن السهمَ المصري مصرٌ أن يصيب كبد القصة بقراءة عميقة مشرّفة..
            القصة أستاذ أحمد قصيرةٌ ؛وليس(جدا) ،لذا توسعت بعض الشيء في وصف المكان والأشخاص..
            تساؤلاتٌ مشروعة تراود ذهن الأحياء ، ماذا سيحصل بعد رحيلي، هل ستبقى مكانتي محفوظة في قلوب الأحبة؟
            وتعتبر المرأة زواجَ الرجل بعد وفاتها خيانة ،حتى لوكانت أختها..فهل ترضى أن يكون البديل زميلة أوجارة قبيحة الخلق والخُلق !!
            لن يكون الوضع إيجابيا خالصا ،ولا سلبيا مطلقا؛ لذا تنوعت الصور والألوان،مابين الأسود والأبيض والأحمر والرمادي..
            أقصد أشجارَ الزيزفون التي أحبّ رائحتها ، وقد تم التعديل..
            شكرا لك أخي أحمد على قراءة جميلة ،وحضور أعتزّ به..
            مع خالص التقدير

            تعليق

            يعمل...
            X