صيحة " الجبّانة "

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصباح فوزي رشيد
    يكتب
    • 08-06-2015
    • 1272

    صيحة " الجبّانة "

    "الجبّانة" صيحة
    دوّت صيحة بـ " الجبّانة " فاهتزّت النفوس ،
    انجذب نحوها
    وراح يفرك أذنيه ليستبين
    من أين جاءت ؟
    أ. إمام ؟
    أم خطيب ؟
    لم يدعُ
    أحدًا من المشايخ رغم أنّه يوم جمعة ؟
    السويعات التي استغرقتها مراسم التشييع والدفن بدءًا من المستشفى مرورًا ببيت العزاء إلى المقبرة
    قصيرة بما لايتيح نشر الخبر على نطاق واسع ؟
    لعلّه أحد المتطفِّلين
    من الذين تجمعهم " الزردة " وتفرّق بينهم " الموائد " ويدفع بهم الغرور إلى تقمّص عباءة المشْيخة ، ويتطاولون على المساجد والمنابر من دور العبادة بدعاويهم الباطلة ، والأصل إكرام الميت بالإسراع في دفنه وتخليص الأحياء من المعاناة !
    حتى الجبابن ، وضيوف المستطيل صاروا لا يستريحون من عنائهم !
    ضيوف ؟
    المستطيل ؟
    أ. يريد أصحاب القبر ؟ أنسى الأمر ،لا يهم ؛
    كلّها أشكال
    معاناة من القبر المستطيل إلى مربّع الجبّانة المحظورة ، و التي لا تحل لمن لا يحمل اسم العائلة أن يدفن فيها .
    بيد أن القاعدة تستثنى ، وفي معظم الأحيان ، لتضمّ إليها آخرين يميّزهم النسب أو الصداقة أو الجوار ، ويرخّص بالدفن لغير القربى ، وقد روي عن أحد المتعصّبين و كان يدّعي حماية جبانتهم ، بحكم القرب و الانتماء ،أنه قام بإخراج ميّت من قبره ووضعه بجانب الطريق لأن أهله تخلّفوا عن موعد الدفع وكانوا من البدو الرحل ، حين صادفت المنية فردًا منهم ؛
    أنظر إلى العنصرية !
    لكن أهل المرحومة المتوفاة طيّبين ، وجبّانتهم مفتوحة ، رغم ( محدوديتها ) صغر مساحتها ( بحكم عدم ملائمة الأرضية الشديدة الانكسار ) إلا أنها تستقطب الوافدين من كل الأنحاء ، القريبة والبعيدة ، لتنال الشرف ، وتستضيف الموتى بدون تمييز .
    وغير بعيد ، بذاك المكان ، قبرٌ آخر ، يضاف إلى العشرات التي اندثرت وغابت معالمها، تهيّأ بعد أن غادرته المعاول ليُفشي سرّ صاحبته بعد معاناة طويلة ظلّت في طي الكتمان ، ويستقبل رقمًا منسيًّا يضاف إلي لائحة الأرقام الجديدة ، ويُحفر فيغدو وسامًا ، وتُمسي صاحبته بجوار خالتها " شويخة " ، لتحاكيها في الجود والكرم ، حيث لا يعدو القبرُ الموحش أن يكون كإحدى صينياتها التي تشبه الفسيفساء بألوانها الزاهية ، فتحفّ ضيفتها بأحرِّ الأشواق ، مثلما تفعل عندما كانت تزورها فتتودّد إليها بفناجين مزركشة تحفّ الإبريق ، وتزيد ها إشراقا ببسمةٍ ترسم بها السعادة ، رغم الحرمان وقسوة الحياة ، والظروف التي لا تتناسب مع طبيعتها المضيافة و.،..و..،
    تتعالى الصيحة من جديد :

    " هلمُّوا !"
    " هلمُّوا !"
    يصدرها رجل في الخمسينيات ؟
    لا يعرفه ؟
    ولم تتم دعوته ؟
    ملامحه تدلّ على صفات الشيخ الواعظ ، يتكلم بصوتٍ جَهْوَرِيٍّ ، يحاول من خلاله جلب الأنظار ، لتشرئبّ له الأعناق ، ويتظاهر البعض بالخشوع ، لكنهم لا يخفون عدم رغبتهم في الاستماع إليه ، عبثًا يحاولون إحراجه ببعض الأسئلة المبهمة ، فلا يكترث لها ، لأنّه لا يستحي ، ويواصل تُرّهاته بشغف ، وبنبرة إعجاب ، فيذكّر الحائرين أمامه بالدار الآخرة ، و فقد تماسكهفجأةً وحار واحتار وداخ في أمره ، فتدحرج وسقط من مشواره ،

    وكاد يُوارى التراب بدل الجثمان الذي يقبع خلفه ، فانبرى احد الحاضرين يهزأ به ويضحك !

    بينما راح يراقب الوضع من بعيد ولم يقترب ، غيّب وعيه الحزن والأسى ، فغدا وحيدًا ينتظر لحظة الوداع ليرى جسدًا ممدَّدًا يفترش الأرض و تغطِّيه السماء الباردة ، هامدًا ، تكدّر من الهمِّ والغبن وخمدت أحاسيسه ، تنتظر صاحبته لحظة الغروب لتفارق الدنيا !
    عندها تقدم يشقّ الصفوف لينقض الموقف ، ولترقد مطمئنة بسلام !
    وهرع إلى الشيخ المتهور ، والذي تطوّع بخطبة مطوّلة ، عاقب بها الجميع ، فساعده على النهوض ليستدركً ما فاته من عتاب،وليواصل حديثه عن الدنيا والآخرة ، وبآية ، وعلى مراد الله عزّ وجلّ ، ختم قوله :
    ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)
    التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 20-03-2016, 05:38.
    لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة مصباح فوزي رشيد مشاهدة المشاركة
    "الجبّانة" صيحة
    دوّت صيحة بـ " الجبّانة " فاهتزّت النفوس ،
    انجذب نحوها
    وراح يفرك أذنيه ليستبين
    من أين جاءت ؟
    أ. إمام ؟
    أم خطيب ؟
    لم يدعُ
    أحدًا من المشايخ رغم أنّه يوم جمعة ؟
    السويعات التي استغرقتها مراسم التشييع والدفن بدءًا من المستشفى مرورًا ببيت العزاء إلى المقبرة
    قصيرة بما لايتيح نشر الخبر على نطاق واسع ؟
    لعلّه أحد المتطفِّلين
    من الذين تجمعهم " الزردة " وتفرّق بينهم " الموائد " ويدفع بهم الغرور إلى تقمّص عباءة المشْيخة ، ويتطاولون على المساجد والمنابر من دور العبادة بدعاويهم الباطلة ، والأصل إكرام الميت بالإسراع في دفنه وتخليص الأحياء من المعاناة !
    حتى الجبابن ، وضيوف المستطيل صاروا لا يستريحون من عنائهم !
    ضيوف ؟
    المستطيل ؟
    أ. يريد أصحاب القبر ؟ أنسى الأمر ،لا يهم ؛
    كلّها أشكال
    معاناة من القبر المستطيل إلى مربّع الجبّانة المحظورة ، و التي لا تحل لمن لا يحمل اسم العائلة أن يدفن فيها .
    بيد أن القاعدة تستثنى ، وفي معظم الأحيان ، لتضمّ إليها آخرين يميّزهم النسب أو الصداقة أو الجوار ، ويرخّص بالدفن لغير القربى ، وقد روي عن أحد المتعصّبين و كان يدّعي حماية جبانتهم ، بحكم القرب و الانتماء ،أنه قام بإخراج ميّت من قبره ووضعه بجانب الطريق لأن أهله تخلّفوا عن موعد الدفع وكانوا من البدو الرحل ، حين صادفت المنية فردًا منهم ؛
    أنظر إلى العنصرية !
    لكن أهل المرحومة المتوفاة طيّبين ، وجبّانتهم مفتوحة ، رغم ( محدوديتها ) صغر مساحتها ( بحكم عدم ملائمة الأرضية الشديدة الانكسار ) إلا أنها تستقطب الوافدين من كل الأنحاء ، القريبة والبعيدة ، لتنال الشرف ، وتستضيف الموتى بدون تمييز .
    وغير بعيد ، بذاك المكان ، قبرٌ آخر ، يضاف إلى العشرات التي اندثرت وغابت معالمها، تهيّأ بعد أن غادرته المعاول ليُفشي سرّ صاحبته بعد معاناة طويلة ظلّت في طي الكتمان ، ويستقبل رقمًا منسيًّا يضاف إلي لائحة الأرقام الجديدة ، ويُحفر فيغدو وسامًا ، وتُمسي صاحبته بجوار خالتها " شويخة " ، لتحاكيها في الجود والكرم ، حيث لا يعدو القبرُ الموحش أن يكون كإحدى صينياتها التي تشبه الفسيفساء بألوانها الزاهية ، فتحفّ ضيفتها بأحرِّ الأشواق ، مثلما تفعل عندما كانت تزورها فتتودّد إليها بفناجين مزركشة تحفّ الإبريق ، وتزيد ها إشراقا ببسمةٍ ترسم بها السعادة ، رغم الحرمان وقسوة الحياة ، والظروف التي لا تتناسب مع طبيعتها المضيافة و.،..و..،
    تتعالى الصيحة من جديد :

    " هلمُّوا !"
    " هلمُّوا !"
    يصدرها رجل في الخمسينيات ؟
    لا يعرفه ؟
    ولم تتم دعوته ؟
    ملامحه تدلّ على صفات الشيخ الواعظ ، يتكلم بصوتٍ جَهْوَرِيٍّ ، يحاول من خلاله جلب الأنظار ، لتشرئبّ له الأعناق ، ويتظاهر البعض بالخشوع ، لكنهم لا يخفون عدم رغبتهم في الاستماع إليه ، عبثًا يحاولون إحراجه ببعض الأسئلة المبهمة ، فلا يكترث لها ، لأنّه لا يستحي ، ويواصل تُرّهاته بشغف ، وبنبرة إعجاب ، فيذكّر الحائرين أمامه بالدار الآخرة ، و فقد تماسكهفجأةً وحار واحتار وداخ في أمره ، فتدحرج وسقط من مشواره ،

    وكاد يُوارى التراب بدل الجثمان الذي يقبع خلفه ، فانبرى احد الحاضرين يهزأ به ويضحك !


    بينما راح يراقب الوضع من بعيد ولم يقترب ، غيّب وعيه الحزن والأسى ، فغدا وحيدًا ينتظر لحظة الوداع ليرى جسدًا ممدَّدًا يفترش الأرض و تغطِّيه السماء الباردة ، هامدًا ، تكدّر من الهمِّ والغبن وخمدت أحاسيسه ، تنتظر صاحبته لحظة الغروب لتفارق الدنيا !
    عندها تقدم يشقّ الصفوف لينقض الموقف ، ولترقد مطمئنة بسلام !
    وهرع إلى الشيخ المتهور ، والذي تطوّع بخطبة مطوّلة ، عاقب بها الجميع ، فساعده على النهوض ليستدركً ما فاته من عتاب،وليواصل حديثه عن الدنيا والآخرة ، وبآية ، وعلى مراد الله عزّ وجلّ ، ختم قوله :
    ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)
    استوقفتني صيحة الجبانه
    أتراها جزعت من هول الموت
    أنا من النوع الذي يتخيل الأحداث
    هذا كان وقع الصيحة قوي على نفسي
    يبدو انك مثلي تستهويك حكايا الموت واستجلاب الوجع
    لونت لك جملة صغيرة رأيتها شرحيه تفيض عن الحاجة لأننا نريد أن نفتح التأويل للقاريء
    بالطبع تمتلك بصمة
    وملكة القص حاضرة لديك
    ومعا سنناقش النصوص ونتباحث بأمرها لنخرج بالأجمل
    فاخرج من قوقعتك وغرد داخل سرب روحك أو خارجها المهم أن تستخرج الروعه وهذا سيكون حين تقرأ وتقرأ وتضع رؤيتك
    تحياتي وباقة ورد لك
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • مصباح فوزي رشيد
      يكتب
      • 08-06-2015
      • 1272

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
      استوقفتني صيحة الجبانه
      أتراها جزعت من هول الموت
      أنا من النوع الذي يتخيل الأحداث
      هذا كان وقع الصيحة قوي على نفسي
      يبدو انك مثلي تستهويك حكايا الموت واستجلاب الوجع
      لونت لك جملة صغيرة رأيتها شرحيه تفيض عن الحاجة لأننا نريد أن نفتح التأويل للقاريء
      بالطبع تمتلك بصمة
      وملكة القص حاضرة لديك
      ومعا سنناقش النصوص ونتباحث بأمرها لنخرج بالأجمل
      فاخرج من قوقعتك وغرد داخل سرب روحك أو خارجها المهم أن تستخرج الروعه وهذا سيكون حين تقرأ وتقرأ وتضع رؤيتك
      تحياتي وباقة ورد لك
      أستميحك عذرا عن بعض الهفوات والإطناب الممل وكذلك الارتجال الذي ميّز النص ،كما أشكر لك إطراءك الذي أخجلني ويعبّر عن مدى رقّة صاحبته وفيض مشاعر نحن جميعًا ضحاياها .
      كل التقدير والاحترام لك الأستاذة البهيّة المدير العام
      عائده محمد نادر
      التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 23-09-2017, 09:45.
      لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

      تعليق

      يعمل...
      X