"الجبّانة" صيحة
دوّت صيحة بـ " الجبّانة " فاهتزّت النفوس ،
انجذب نحوها
وراح يفرك أذنيه ليستبين
من أين جاءت ؟
أ. إمام ؟
من أين جاءت ؟
أ. إمام ؟
أم خطيب ؟
لم يدعُ أحدًا من المشايخ رغم أنّه يوم جمعة ؟
لم يدعُ أحدًا من المشايخ رغم أنّه يوم جمعة ؟
السويعات التي استغرقتها مراسم التشييع والدفن بدءًا من المستشفى مرورًا ببيت العزاء إلى المقبرة
قصيرة بما لايتيح نشر الخبر على نطاق واسع ؟
لعلّه أحد المتطفِّلين من الذين تجمعهم " الزردة " وتفرّق بينهم " الموائد " ويدفع بهم الغرور إلى تقمّص عباءة المشْيخة ، ويتطاولون على المساجد والمنابر من دور العبادة بدعاويهم الباطلة ، والأصل إكرام الميت بالإسراع في دفنه وتخليص الأحياء من المعاناة !
لعلّه أحد المتطفِّلين من الذين تجمعهم " الزردة " وتفرّق بينهم " الموائد " ويدفع بهم الغرور إلى تقمّص عباءة المشْيخة ، ويتطاولون على المساجد والمنابر من دور العبادة بدعاويهم الباطلة ، والأصل إكرام الميت بالإسراع في دفنه وتخليص الأحياء من المعاناة !
حتى الجبابن ، وضيوف المستطيل صاروا لا يستريحون من عنائهم !
ضيوف ؟
المستطيل ؟
أ. يريد أصحاب القبر ؟ أنسى الأمر ،لا يهم ؛
كلّها أشكال معاناة من القبر المستطيل إلى مربّع الجبّانة المحظورة ، و التي لا تحل لمن لا يحمل اسم العائلة أن يدفن فيها .
كلّها أشكال معاناة من القبر المستطيل إلى مربّع الجبّانة المحظورة ، و التي لا تحل لمن لا يحمل اسم العائلة أن يدفن فيها .
بيد أن القاعدة تستثنى ، وفي معظم الأحيان ، لتضمّ إليها آخرين يميّزهم النسب أو الصداقة أو الجوار ، ويرخّص بالدفن لغير القربى ، وقد روي عن أحد المتعصّبين و كان يدّعي حماية جبانتهم ، بحكم القرب و الانتماء ،أنه قام بإخراج ميّت من قبره ووضعه بجانب الطريق لأن أهله تخلّفوا عن موعد الدفع !؟ وكانوا من البدو الرحل ، حين صادفت المنية فردًا منهم ؛
أنظر إلى العنصرية !
لكن أهل المرحومة المتوفاة طيّبين ، وجبّانتهم مفتوحة ، رغم ( محدوديتها ) صغر مساحتها ( بحكم عدم ملائمة الأرضية الشديدة الانكسار ) إلا أنها تستقطب الوافدين من كل الأنحاء ، القريبة والبعيدة ، لتنال الشرف ، وتستضيف الموتى بدون تمييز .
وغير بعيد ، بذاك المكان ، قبرٌ آخر ، يضاف إلى العشرات التي اندثرت وغابت معالمها، تهيّأ بعد أن غادرته المعاول ليُفشي سرّ صاحبته بعد معاناة طويلة ظلّت في طي الكتمان ، ويستقبل رقمًا منسيًّا يضاف إلي لائحة الأرقام الجديدة ، ويُحفر فيغدو وسامًا ، وتُمسي صاحبته بجوار خالتها " شويخة " ، لتحاكيها في الجود والكرم ، حيث لا يعدو القبرُ الموحش أن يكون كإحدى صينياتها التي تشبه الفسيفساء بألوانها الزاهية ، فتحفّ ضيفتها بأحرِّ الأشواق ، مثلما تفعل عندما كانت تزورها فتتودّد إليها بفناجين مزركشة تحفّ الإبريق ، وتزيد ها إشراقا ببسمةٍ ترسم بها السعادة ، رغم الحرمان وقسوة الحياة ، والظروف التي لا تتناسب مع طبيعتها المضيافة و.،..و..،
تتعالى الصيحة من جديد :
تتعالى الصيحة من جديد :
" هلمُّوا !"
" هلمُّوا !"
يصدرها رجل في الخمسينيات ؟
لا يعرفه ؟
ولم تتم دعوته ؟
ملامحه تدلّ على صفات الشيخ الواعظ ، يتكلم بصوتٍ جَهْوَرِيٍّ ، يحاول من خلاله جلب الأنظار ، لتشرئبّ له الأعناق ، ويتظاهر البعض بالخشوع ، لكنهم لا يخفون عدم رغبتهم في الاستماع إليه ، عبثًا يحاولون إحراجه ببعض الأسئلة المبهمة ، فلا يكترث لها ، لأنّه لا يستحي ، ويواصل تُرّهاته بشغف ، وبنبرة إعجاب ، فيذكّر الحائرين أمامه بالدار الآخرة ، و فقد تماسكهفجأةً وحار واحتار وداخ في أمره ، فتدحرج وسقط من مشواره ،
وكاد يُوارى التراب بدل الجثمان الذي يقبع خلفه ، فانبرى احد الحاضرين يهزأ به ويضحك !
بينما راح يراقب الوضع من بعيد ولم يقترب ، غيّب وعيه الحزن والأسى ، فغدا وحيدًا ينتظر لحظة الوداع ليرى جسدًا ممدَّدًا يفترش الأرض و تغطِّيه السماء الباردة ، هامدًا ، تكدّر من الهمِّ والغبن وخمدت أحاسيسه ، تنتظر صاحبته لحظة الغروب لتفارق الدنيا !
عندها تقدم يشقّ الصفوف لينقض الموقف ، ولترقد مطمئنة بسلام !
وهرع إلى الشيخ المتهور ، والذي تطوّع بخطبة مطوّلة ، عاقب بها الجميع ، فساعده على النهوض ليستدركً ما فاته من عتاب،وليواصل حديثه عن الدنيا والآخرة ، وبآية ، وعلى مراد الله عزّ وجلّ ، ختم قوله :
تعليق