نبوءة كتابة
هاربا من زحام الصباح هذا اليوم أخذ سائق السيارة الأجرة طريقا جانبا
طريق فيه تعرجات ليست بالسهلة ولا بالصعبة..
فيه مدرستي الابتدائية
مدرستي اليوم بناية عادية من طابق واحد
الغرف المطلية بالأبيض كافٍ لإنارتها الشباك العريض المغلف بالزجاج الشفاف
في أيامنا كان المصباح الأصفر مع فتحة الكوة لا بأس بهما للإنارة
مدرستي كانت عبارة عن حجرات محاذية لبستان صغير واسع الخضرة والثمر
اليوم وأنا أمرر نظري عصافير كثيرة طارت من عينيّ لتحط على بضع نخلات باسقات أثر ذاك البستان باقية.
أذكره جيدا أول يوم ذهبت للمدرسة، أمي أوصت بيّ باسمة بنت الجيران.
باسمة تكبرني بثلاثة أعوام، وعافتني منتصف الطريق يومها؛ انشغلت مع بنات من عمرها
انتهزت الفرصة
وفتحت الفايل الذي حملتني أياه أمي، رأيت صورتي، قرأت اسمي واسم أبي وأول مرة أعرف اسم جدي!
مسحت قطرات ندت على جبيني وأنا أفرغ من اسم أمي!
تلفت بعدها حائرة أين امضي تلاميذ كثر من هم بعمري وأكبر مني لا أعرف منهم أحدا
ولا ابرح مكانا فارقتني فيه باسمة.
مع مجموعة من صبيان بعمره بدا لي حامد..
حامد يسكن الحيّ المجاور وابن خالتي،
حامد كان يهم بالخروج من الإبتدائية بينما أنا أدخلها
حامد مجدٌ سريع الخطوات، درس وتخرج وبالإجبارية العسكرية إلتحق،
تسرح، واشتغل وتزوج اثنين وانجب دزينة؛ سبع بنات وخمس اولاد،
حامد كان يحب زوجته الثانية كثيرا، زوجته الثانية من الطائفة التي سحبت أنفاسه، زوجته الأولى أيضا من الطائفة التي سحبت أنفاسه
لكن بات يعوزها ثلاثة أصابع لتعود كما كانت الأصابع عشرة.
الشيء الذي أذكره من ذلك اليوم لحامد وابتسم، ضحكته العالية بينما أقول:
حامد لنسمي أمي اسما آخر.
لمدرستي وطريقها أذكر أشياءً كثيرة
أذكر الشيخ الكبير حافي القدم وذهابه الذي يعاكس ذهابنا في الصباح الباكر
الفتى الجامعي والحيلة التي ابتكرها للخلاص عند تعاقبنا من: كم الساعة
الجامعي كان مفرط الأناقة وأبدا على عجالة
كان ينظر لنا كبنات صغيرات لكن يسرى تريد غير ذلك!
يسرى وحدها كانت تؤنس لأصوات الطيور الجميلة
نحن كنا لا نعير سوى الخوف للنعيق الموحش..
يسرى كانت ترقبْ تفتح أزهار الكبر..
وقت كنا نتزاحم على فتحات سياج البستان
ننتظر نضوج التفاح وثمار الإجاص والعنب.
ذات مرة قالت لي: إذا رأيتِ حمامتين لا تبتعدان عن بعض حاولي أن تحصلي من عش الألفةِ على ريشة...
صادفتُ الحمامتين... فهمت مغزى الريشة بين أشيائي، أغمضت عيني جبت السماء الصافية، حاولت كثيرا أفرد أحلامي وأحلق يقظة، منتبهة الخطوات
بلا وساد يسند أوهامي
ولم استطع.
تفاصيل كثيرة
لا تنسى
فوضى الطفولة...
صمت القيام والجلوس
رفرفة العلم... النشيد الوطني لا زال
هسيس الشرائط المعقودة وردة على ظفيرة أوظفيرتين
ألوان الطباشير المتناثرة على الحدة الداكنة للنيلي
وقفة الصباح ومنادة معلمي باسمي
معلمي كان فرحا بي مبهورا..
كلما جاء متأبطا جريدة يرفعني على منصة ذكائي وقدرتي أقرأ عنوانا عريضا أو حقلا يختار من الصفحة الأولى
معلمي بإلحاح كان يسأل::
ـــ هنا لو غرد العصفور أعلى الشجرة قيل أنى هذا
ترسمين الحرف قبل بلوغ السادسة وتستسهلين ما خط القلم؟
خبأت في صدري ظل التينة مثل كسرة طبشور بجيب المريول
ظل التينة ظلل طفلين متقاربين بالحروف والبراءة قبل أن يفطن النهر ويشق جدولا
مال عن التينة وعصافيرها لكن أخذ طفلا بعيدا عن طفلة
معلمي ذات مرة قادني للصف الخامس؛ أحل مسألة
لاأذكر المسألة ولا أعلم أن كان صحيحا حلها إذ
وضح ليّ أن أثنين ناتج خاطئ للواحد زائد واحد
هذا الزائد مفترق
لو حذف وصارت 11 =
أظن لايحدث لبسا مع الحادي عشر
الأخير المنحدر من ظهر العشرة
قد أصدق أن قلت لا أحب وقد أكذب أن قلت أمقت
هذا العدد دونَ الأعداد كان يسيرا على أمي لفظا وكتابة
أمي كانت تجيد العد للعشرة وأبي يغيظها بجارتنا التي تعد للعشرين
ذات ضحى وجمع لبيض الدجاجات
سألت: جارتنا كم بيضة جمعت
قالت أمي: عشرة
قالت جارتنا: أرى دجاجا كثيرا وعدد البيض لم يتجاوز العشرة قط
أ هو الديك عندك له شكل الدجاجة؟
زاحمت الغضبَ على عينيّ أمي وسبقتُ تدفق الشتائم همسا
ـ لا عليك يا أمي سأعلمك العد للثلاثين
عدا وكتابة
صعب على أمي العدد 19 لفظا كما صعب 14 و24 حاولت بيدي الصغيرة أخفف من أرتعاش يدها عند 13 عشر و17 كما يشد معلمي على القلم بيد التلاميذ.
فرحت كثيرا بحفظِ العدد 21 قالت: أغيظ الجارة وأعد للدجاجة الراقدة بالقادم
لا أنظر للسماء؛ كثيرا ما تخفي القمرَ غيمةٌ حتى الصباح، أو يحجب إمتلاء النور فيه غبارٌ، أو خيط دخان ما
وعند العدد الأخير نظرت أمي لطول الورقة
وقالت :ــ لدينا بياض كثير لنضع هذي هنا وذا هناك
وأنا أهم للثلاثين تذكرت ثلاثين أمي
وأنفصال الصفر عن الثلاثة.
هاربا من زحام الصباح هذا اليوم أخذ سائق السيارة الأجرة طريقا جانبا
طريق فيه تعرجات ليست بالسهلة ولا بالصعبة..
فيه مدرستي الابتدائية
مدرستي اليوم بناية عادية من طابق واحد
الغرف المطلية بالأبيض كافٍ لإنارتها الشباك العريض المغلف بالزجاج الشفاف
في أيامنا كان المصباح الأصفر مع فتحة الكوة لا بأس بهما للإنارة
مدرستي كانت عبارة عن حجرات محاذية لبستان صغير واسع الخضرة والثمر
اليوم وأنا أمرر نظري عصافير كثيرة طارت من عينيّ لتحط على بضع نخلات باسقات أثر ذاك البستان باقية.
أذكره جيدا أول يوم ذهبت للمدرسة، أمي أوصت بيّ باسمة بنت الجيران.
باسمة تكبرني بثلاثة أعوام، وعافتني منتصف الطريق يومها؛ انشغلت مع بنات من عمرها
انتهزت الفرصة
وفتحت الفايل الذي حملتني أياه أمي، رأيت صورتي، قرأت اسمي واسم أبي وأول مرة أعرف اسم جدي!
مسحت قطرات ندت على جبيني وأنا أفرغ من اسم أمي!
تلفت بعدها حائرة أين امضي تلاميذ كثر من هم بعمري وأكبر مني لا أعرف منهم أحدا
ولا ابرح مكانا فارقتني فيه باسمة.
مع مجموعة من صبيان بعمره بدا لي حامد..
حامد يسكن الحيّ المجاور وابن خالتي،
حامد كان يهم بالخروج من الإبتدائية بينما أنا أدخلها
حامد مجدٌ سريع الخطوات، درس وتخرج وبالإجبارية العسكرية إلتحق،
تسرح، واشتغل وتزوج اثنين وانجب دزينة؛ سبع بنات وخمس اولاد،
حامد كان يحب زوجته الثانية كثيرا، زوجته الثانية من الطائفة التي سحبت أنفاسه، زوجته الأولى أيضا من الطائفة التي سحبت أنفاسه
لكن بات يعوزها ثلاثة أصابع لتعود كما كانت الأصابع عشرة.
الشيء الذي أذكره من ذلك اليوم لحامد وابتسم، ضحكته العالية بينما أقول:
حامد لنسمي أمي اسما آخر.
لمدرستي وطريقها أذكر أشياءً كثيرة
أذكر الشيخ الكبير حافي القدم وذهابه الذي يعاكس ذهابنا في الصباح الباكر
الفتى الجامعي والحيلة التي ابتكرها للخلاص عند تعاقبنا من: كم الساعة
الجامعي كان مفرط الأناقة وأبدا على عجالة
كان ينظر لنا كبنات صغيرات لكن يسرى تريد غير ذلك!
يسرى وحدها كانت تؤنس لأصوات الطيور الجميلة
نحن كنا لا نعير سوى الخوف للنعيق الموحش..
يسرى كانت ترقبْ تفتح أزهار الكبر..
وقت كنا نتزاحم على فتحات سياج البستان
ننتظر نضوج التفاح وثمار الإجاص والعنب.
ذات مرة قالت لي: إذا رأيتِ حمامتين لا تبتعدان عن بعض حاولي أن تحصلي من عش الألفةِ على ريشة...
صادفتُ الحمامتين... فهمت مغزى الريشة بين أشيائي، أغمضت عيني جبت السماء الصافية، حاولت كثيرا أفرد أحلامي وأحلق يقظة، منتبهة الخطوات
بلا وساد يسند أوهامي
ولم استطع.
تفاصيل كثيرة
لا تنسى
فوضى الطفولة...
صمت القيام والجلوس
رفرفة العلم... النشيد الوطني لا زال
هسيس الشرائط المعقودة وردة على ظفيرة أوظفيرتين
ألوان الطباشير المتناثرة على الحدة الداكنة للنيلي
وقفة الصباح ومنادة معلمي باسمي
معلمي كان فرحا بي مبهورا..
كلما جاء متأبطا جريدة يرفعني على منصة ذكائي وقدرتي أقرأ عنوانا عريضا أو حقلا يختار من الصفحة الأولى
معلمي بإلحاح كان يسأل::
ـــ هنا لو غرد العصفور أعلى الشجرة قيل أنى هذا
ترسمين الحرف قبل بلوغ السادسة وتستسهلين ما خط القلم؟
خبأت في صدري ظل التينة مثل كسرة طبشور بجيب المريول
ظل التينة ظلل طفلين متقاربين بالحروف والبراءة قبل أن يفطن النهر ويشق جدولا
مال عن التينة وعصافيرها لكن أخذ طفلا بعيدا عن طفلة
معلمي ذات مرة قادني للصف الخامس؛ أحل مسألة
لاأذكر المسألة ولا أعلم أن كان صحيحا حلها إذ
وضح ليّ أن أثنين ناتج خاطئ للواحد زائد واحد
هذا الزائد مفترق
لو حذف وصارت 11 =
أظن لايحدث لبسا مع الحادي عشر
الأخير المنحدر من ظهر العشرة
قد أصدق أن قلت لا أحب وقد أكذب أن قلت أمقت
هذا العدد دونَ الأعداد كان يسيرا على أمي لفظا وكتابة
أمي كانت تجيد العد للعشرة وأبي يغيظها بجارتنا التي تعد للعشرين
ذات ضحى وجمع لبيض الدجاجات
سألت: جارتنا كم بيضة جمعت
قالت أمي: عشرة
قالت جارتنا: أرى دجاجا كثيرا وعدد البيض لم يتجاوز العشرة قط
أ هو الديك عندك له شكل الدجاجة؟
زاحمت الغضبَ على عينيّ أمي وسبقتُ تدفق الشتائم همسا
ـ لا عليك يا أمي سأعلمك العد للثلاثين
عدا وكتابة
صعب على أمي العدد 19 لفظا كما صعب 14 و24 حاولت بيدي الصغيرة أخفف من أرتعاش يدها عند 13 عشر و17 كما يشد معلمي على القلم بيد التلاميذ.
فرحت كثيرا بحفظِ العدد 21 قالت: أغيظ الجارة وأعد للدجاجة الراقدة بالقادم
لا أنظر للسماء؛ كثيرا ما تخفي القمرَ غيمةٌ حتى الصباح، أو يحجب إمتلاء النور فيه غبارٌ، أو خيط دخان ما
وعند العدد الأخير نظرت أمي لطول الورقة
وقالت :ــ لدينا بياض كثير لنضع هذي هنا وذا هناك
وأنا أهم للثلاثين تذكرت ثلاثين أمي
وأنفصال الصفر عن الثلاثة.
تعليق